إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضل له ، ومن يضلل فلا هادى له وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله.
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُون
يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَ لُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبا
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزاً عَظِيماً
أما بعد
حسن المعاملة مع الناس :
حسن المعاملة واجبٌ شرعيّ يدل عليه قول الله سبحانه وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْناً (البقرة : 83) ، وقوله عز وجل فَبِمَا رَحْمَةٍ مِّنَ اللّهِ لِنتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنتَ فَظّاً غَلِيظَ الْقَلْبِ لاَنفَضُّواْ مِنْ حَوْلِكَ ( آل عمران: 159 )
وقوله صلى الله عليه وسلم " إنكم لا تسعون الناس بأموالكم ، وليسعهم منكم بسط الوجه ، وحسن الخلُق " ، وقوله صلى الله عليه وسلم " ما كان الرفق في شيءٍ إلا زانه ، وما نزع من شيء إلا شانه "
والمقصود بحسن المعاملة أن يفى الإنسان بما أبرمه من عقود مع الآخرين . مع الرفق بهم والإحسان إليهم .
قال تعالى : {وَإِن كَانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلَى مَيْسَرَةٍ وَأَن تَصَدَّقُواْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ }البقرة280
وقال تعالى : {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ أَوْفُواْ بِالْعُقُودِ }المائدة1
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " استوصوا بالنساء خيرا فان المرأة خلقت من ضلع وإن أعوج ما فى الضلع أعلاه ؛فان ذهبت تقيمه كسرته وإن تركته لم يزل أعوج ، فاستوصوا بالنساء " البخارى
وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " رحم الله رجلا سمحا إذا باع وإذا اشترى وإذا اقتضى " البخارى
قال رجل لعمر بن العزيز اجعل كبير المسلمين عندك أبا؛ وصغيرهم ابنا؛ وأوسطهم أخا؛ فأي أولئك تحب أن تسىء إليه .
أنواع حسن المعاملة: تتعدد أشكال حسن المعاملة:
1ـ بشاشة اللقاء والترحيب الحارّ ؛ لقوله سبحانه الَّذِينَ تَتَوَفَّاهُمُ الْمَلآئِكَةُ طَيِّبِينَ يَقُولُونَ سَلامٌ عَلَيْكُمُ ادْخُلُواْ الْجَنَّةَ بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ (النحل:32 ) ، وقوله صلى الله عليه وسلم " تبسُّمك في وجه أخيك صدقة "
2ـ الاهتمام بأمور الآخرين وتقديم الخدمة الممكنة لهم ؛ لقوله سبحانه في قصة سقي موسى عليه السلام للمرأتين دون طلبٍ منهما فَسَقَى لَهُمَا ثُمَّ تَوَلَّى إِلَى الظِّلِّ فَقَالَ رَبِّ إِنِّي لِمَا أَنزَلْتَ إِلَيَّ مِنْ خَيْرٍ فَقِيرٌ ( القصص:24 ) وقوله صلى الله عليه وسلم " لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه "
3ـ عدم إحراج المسلمين أو إهانتهم ؛ لقوله تعالى وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُوا فَقَدِ احْتَمَلُوا بُهْتَاناً وَإِثْماً مُبِيناً (الأحزاب:58)
4ـ الإنصات فن, من يجيده كسب الناس إلى صفه, ويزيد رصيده من الصداقات، فإذا أردنا أن تكون لنا علاقات اجتماعية واسعة فما علينا إلا أن نكون مستمعين طيبين, نشعر الطرف الآخر بأهمية كلامه
قال عبد الله بن عباس رضي الله عنهما: للجليس علي ثلاث:" أن ارمقه بطرفي إذا أقبل, وأوسع له إذا جلس, وأصغي له إذا حدّث" .
أن تفهم طبائع الآخرين ومعرفة مفاتيح القلوب المختلفة هي الخطوة الأولى نحو التعامل الحسن معهم، فمن لا يفهم إلا طبائع نفسه، ولا يحترم إلا آراءه الشخصية سيقع في أخطاء جسيمة مع الآخرين.
أن التآلف مع الآخرين والتعامل الحسن معهم، وحسن الأخلاق لهي من علامات الإيمان. قال عليه الصلاة والسلام: "أن أحبكم إلى الله الذين يألفون ويؤلفون ، وان أبغضكم إلى الله المشاؤون بالنميمة، المفرقون بين الإخوان"
وليس هذا مقصوراً على المسلمين فقط ، بل حتى غير المسلمين يجب معاملتهم بالحسنى ؛ للعموم في قوله سبحانه وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْناً
والذي يجمع أنواع حسن المعاملة هو أن يعامل الإنسانُ الآخرين بما يحب أن يعاملوه به ، قال صلى الله عليه وسلم " من أحب أن يزحزح عن النار ويدخل الجنة فلتأته منيته وهو يؤمن بالله واليوم الآخر وليأت إلى الناس بالذي يحب أن يؤتى إليه " ،
فانظر كيف تحب أن يعاملك الآخرون فعامل الناس به.
حسن المعاملة في الوظيفة:
الزميل في العمل له توصيةٌ خاصة في القرآن الكريم ، في قوله عز وجل وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً وَبِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَالْجَارِ ذِي الْقُرْبَى وَالْجَارِ الْجُنُبِ وَالصَّاحِبِ بِالْجَنْبِ (النساء : 36) فالجار ذي القربى : الجار القريب في النسب ، والجار الجنُب : الجار القريب في المنزل ، والصاحب بالجَنب : الرفيق في البيت ، والعمل ، والسفر .
وحسن المعاملة يحتاجه الموظف مع رؤسائه ، وزملائه ، ومرءوسيه ، والمترددين عليه..
* فالرؤساء في العمل لهم حق المعاملة الحسنة ؛ لأنهم أقدر وأكثر خبرةً في العمل غالباً ، وحسن التعامل معهم يظهر في تنفيذ رغباتهم و أوامرهم ؛ لأنهم من أولياء الأمور شرعاً ، ونحن مأمورون بطاعتهم في غيرمعصية لله ، وحسن التعامل معهم يظهر أيضاً في العلاقة الحسنة معهم ؛ وفي إحسان الظنّ بهم ، وعدم نشر الإشاعات الكاذبة عنهم ، أو التشهير بهم ، أو غِيبتهم ، أو إساءة سمعتهم .
والزملاء في العمل لهم حق المعاملة الحسنة ؛ لأنهم شركاء في المصلحة ، ونصحاء في العمل ، فيرشد الواحد منهم أخاه ، ويسهِّل له مهمته ، ويكون مرآةً له ،
وحسن التعامل معهم يظهر في التحية والابتسامة والملاطفة ، والتعاون وخدمة بعضهم البعض ، والنصح والتسديد ، والتغاضي عن العيوب والأخطاء غير المقصودة.
وهذا لا يمنع من التنافس الشريف ، ودخول المسابقات الوظيفية لا يؤثر على المعاملة الحسنة مع الزملاء ؛ لأن هذا من فعل الأسباب المشروعة في الوظيفة ، وهو حق لكل موظف كحقه في الراتب والترقية ، فلا تأثير لها في المعاملة ،
إن حسن التعامل هو الإكسير الذي تكسب به القلوب ، مع أنه لا يكلِّف شيئاً كثيراً ، ولكن آثاره عظيمة جداً على مستوى النفس والمؤسسة والمجتمع.
المفضلات