[[SIZE]الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على سيد المرسلين وخاتم النبيين ، نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين ، ومن اهتدى بهداهم واتبع سنتهم وسلك سبيلهم إلى يوم الدين ..
[/SIZE][
..............
يسأل احدهم ويقول:
لماذا تعددت الديانات السماوية ؟!! لماذا الله مانزل دين واحد و كل الناس يتبعونه ....
ولا تقولو! انه ارسل اليهوديه والمسيحيه كديانيتين تمهيديتين للبشريه
.............
فبعد سؤال الله التوفيق والتسديد وجدت من سبقني في ايضاح هذا الامرالواضح للعاقل و جمعت لكم من عدة مقالات حول هذا الامر:
فبالله استعين ....
الإسلام هو الدّين السماوي الوحيد . و يصحّ قول " شرائع سماويّة " و " كتب سماويّة "
الدين الحق عند الله الإسلام فإن الله تعالى لم ينزل دينا على نبي سوى الإسلام
ففي سورة ءال عمران: {ومن يبتغ غير الإسلام دينا فلن يقبل منه وهو في الآخرة من الخاسرين}
وفي نفس السورة قوله تعالى {إن الدين عند الله الإسلام }.
فكلُ الأنبياء مسلمون
قال الله تعالى في سورة البقرة (( قولوا ءامنا بالله وما أنزل إلينا وما أنزل إلى إبراهيم و إسماعيل واسحاق ويعقوب والأسباط وما أوتي موسى وعيسى وما أوتي النبيون من ربهم لا نفرق بين أحد منهم ونحن له مسلمون)).
فلم ينزل الله سبحانه و تعالى سوى دين واحد فقط لا أكثر - و إن اختلفت الشرائع و المسميات-
و هو: الإسلام بمعنى إسلام الوجه الله أي الخضوع له و الإنقياد لأمره و الطاعة له سبحانه، و الدليل من كتاب الله سبحانه و تعالى:
- قول الله تعالى:(شَرَعَ لَكُم مِّنَ الدِّينِ مَا وَصَّى بِهِ نُوحًا وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ وَمَا وَصَّيْنَا بِهِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى أَنْ أَقِيمُواالدِّينَ ولا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ) [الشورى 13].
وقال تعالى ((مَا كَانَ إِبْرَاهِيمُ يَهُودِيًّا وَلاَ نَصْرَانِيًّا وَلَكِن كَانَ حَنِيفًا مُّسْلِمًا وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ} (سورة ءال عمران/67)، وقال الله تعالى :{وَلَقَدْ ءاتَيْنَا إِبْرَاهِيمَ رُشْدَهُ مِن قَبْلُ وَكُنَّا بِه عَالِمِينَ} (سورة الأنبياء/)51.
سيدنا عيسى كان على الإسلام ودينه الإسلام
قال تعالى : ( فَلَمَّا أَحَسَّ عِيسَى مِنْهُمُ الْكُفْرَ قَالَ مَنْ أَنصَارِي إِلَى اللَّهِ قَالَ الْحَوَارِيُّونَ نَحْنُ أَنصَارُ اللَّهِ آمَنَّا بِاللَّهِ وَاشْهَدْ بِأَنَّا مُسْلِمُونَ (52) رَبَّنَا آمَنَّا بِمَا أَنزَلَتْ وَاتَّبَعْنَا الرَّسُولَ فَاكْتُبْنَا مَعَ الشَّاهِدِينَ ) (53)}(ءال عمران)
- و قوله تعالى على لسان نبيه نوح: (فَإِن تَوَلَّيْتُمْ فَمَا سَأَلْتُكُم مِّنْ أَجْرٍ إِنْ أَجْرِيَ إلَّا عَلَى الله وَأُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْمُسْلِمِينَ) [يونس:72]
- و قوله سبحانه و تعالى عن أمر موسى لقومه: (وَقَالَ مُوسَى يَا قَوْمِ إِن كُنتُمْ آمَنتُم بِاللّهِ فَعَلَيْهِ تَوَكَّلُواْإِن كُنتُم مُّسْلِمِينَ)[ يونس:84]
إنّ هذا الدين العظيم الإسلام هو دين جميع الأنبياء،
وإنّ العقيدة التي دعا إليها الأنبياء هي عقيدة التوحيد.
فكل الأنبياء قالوا لا إله إلا الله وكلهم دعا إلى عبادة الله الواحد الذي لا شريك له الموصوف بصفات الكمال التي تليق به، المنزه عن كل نقص في حقه الموجود بلا جهة ولا مكان منزه عن الاتصال والانفصال والحركة والسكون والجلوس والقعود .
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أفضل ما قلت أنا والنبيون من قبلي لا إله إلا الله". رواه مالك والترمذي وغيرهما.
......
كان الناس على دين الاسلام منذ خلق ادم
ولكن بدا الاختلاف والتعدد بين ذرية ادم فمنهم من امن ومنهم من كفر
{فَمِنْهُم مَّنْ آمَنَ بِهِ وَمِنْهُم مَّن صَدَّ عَنْهُ وَكَفَى بِجَهَنَّمَ سَعِيرًا } (55) سورة النساء
لذلك كان من الضرورى ارسال الرسل حتى لايكون لهم حجة على الله
{رُّسُلاً مُّبَشِّرِينَ وَمُنذِرِينَ لِئَلاَّ يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ وَكَانَ اللّهُ عَزِيزًا حَكِيمًا } (165) سورة النساء
وجعل منهم ائمة يهدون الناس الى صراط الله المستقيم
{وَجَعَلْنَاهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا وَأَوْحَيْنَا إِلَيْهِمْ فِعْلَ الْخَيْرَاتِ وَإِقَامَ الصَّلَاةِ وَإِيتَاء الزَّكَاةِ وَكَانُوا لَنَا عَابِدِينَ} (73) سورة الأنبياء
ونظرا لاختلاف الناس جيلا بعد جيل كان لابد من ارسال الرسل تباعا
({ثُمَّ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا تَتْرَا كُلَّ مَا جَاء أُمَّةً رَّسُولُهَا كَذَّبُوهُ فَأَتْبَعْنَا بَعْضَهُم بَعْضًا وَجَعَلْنَاهُمْ أَحَادِيثَ فَبُعْدًا لِّقَوْمٍ لَّا يُؤْمِنُونَ} (44) سورة المؤمنون
وبما انهم تتابعوا كان من الضرورى تتابع شرعتهم فتاتى كل شريعة بما يتناسب معها من الامر فيحل الله ما حُرم عليهم او يحرم عليهم ما أُحل لهم
لذلك جعل الله لكل منهم شرعته ومنهاجه الذى يسير عليه ويدعوا اليه
{وَأَنزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقًا لِّمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ الْكِتَابِ وَمُهَيْمِنًا عَلَيْهِ فَاحْكُم بَيْنَهُم بِمَا أَنزَلَ اللّهُ وَلاَ تَتَّبِعْ أَهْوَاءهُمْ عَمَّا جَاءكَ مِنَ الْحَقِّ لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجًا وَلَوْ شَاء اللّهُ لَجَعَلَكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلَكِن لِّيَبْلُوَكُمْ فِي مَآ آتَاكُم فَاسْتَبِقُوا الخَيْرَاتِ إِلَى الله مَرْجِعُكُمْ جَمِيعًا فَيُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ} (48) سورة المائدة
ولكن بالرغم من اختلاف الانبياء فى شرعتهم الا انهم اجتمعوا على دعوة واحدة
{وَمَا أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ مِن رَّسُولٍ إِلَّا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدُونِ} (25) سورة الأنبياء
{فَأَرْسَلْنَا فِيهِمْ رَسُولًا مِنْهُمْ أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُم مِّنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ أَفَلَا تَتَّقُونَ} (32) سورة المؤمنون
{وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا إِلَى ثَمُودَ أَخَاهُمْ صَالِحًا أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ فَإِذَا هُمْ فَرِيقَانِ يَخْتَصِمُونَ} (45) سورة النمل
({مَا قُلْتُ لَهُمْ إِلاَّ مَا أَمَرْتَنِي بِهِ أَنِ اعْبُدُواْ اللّهَ رَبِّي وَرَبَّكُمْ وَكُنتُ عَلَيْهِمْ شَهِيدًا مَّا دُمْتُ فِيهِمْ فَلَمَّا تَوَفَّيْتَنِي كُنتَ أَنتَ الرَّقِيبَ عَلَيْهِمْ وَأَنتَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ} (117) سورة المائدة
({لَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحًا إِلَى قَوْمِهِ فَقَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُواْ اللَّهَ مَا لَكُم مِّنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ إِنِّيَ أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ} (59) سورة الأعراف
{وَإِلَى عَادٍ أَخَاهُمْ هُوداً قَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُواْ اللّهَ مَا لَكُم مِّنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ أَفَلاَ تَتَّقُونَ } (65) سورة الأعراف
{وَإِبْرَاهِيمَ إِذْ قَالَ لِقَوْمِهِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاتَّقُوهُ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ} (16) سورة العنكبوت
{وَإِلَى مَدْيَنَ أَخَاهُمْ شُعَيْبًا فَقَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَارْجُوا الْيَوْمَ الْآخِرَ وَلَا تَعْثَوْا فِي الْأَرْضِ مُفْسِدِينَ } (36) سورة العنكبوت
{إِنَّا أَنزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ فَاعْبُدِ اللَّهَ مُخْلِصًا لَّهُ الدِّينَ} (2) سورة الزمر
{قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِن كُنتُمْ فِي شَكٍّ مِّن دِينِي فَلاَ أَعْبُدُ الَّذِينَ تَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللّهِ وَلَكِنْ أَعْبُدُ اللّهَ الَّذِي يَتَوَفَّاكُمْ وَأُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ} (104) سورة يونس
ولما كانت دعوتهم واحدة كان هدفهم واحدا وهو توحيد الله وعبادته والبعد عن الشرك والتحذير منه
{وَلَقَدْ أُوحِيَ إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ وَلَتَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ} (65) سورة الزمر
وبما انهم اجتمعوا على دعوة واحدة وهدف واحد كان ذلك دليلا على ان ما يدينون به كان دينا واحدا اجتمعوا عليه
{إِنَّ الدِّينَ عِندَ اللّهِ الإِسْلاَمُ وَمَا اخْتَلَفَ الَّذِينَ أُوْتُواْ الْكِتَابَ إِلاَّ مِن بَعْدِ مَا جَاءهُمُ الْعِلْمُ بَغْيًا بَيْنَهُمْ وَمَن يَكْفُرْ بِآيَاتِ اللّهِ فَإِنَّ اللّهِ سَرِيعُ الْحِسَابِ} (19) سورة آل عمران
ولما كان ما يدينون به واحدا وجب على من اراد ان يتبعهم ان يدين بدينهم لايخالفهم الى غيره
{وَمَنْ أَحْسَنُ دِينًا مِّمَّنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لله وَهُوَ مُحْسِنٌ واتَّبَعَ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا وَاتَّخَذَ اللّهُ إِبْرَاهِيمَ خَلِيلاً} (125) سورة النساء
{وَمَن يَبْتَغِ غَيْرَ الإِسْلاَمِ دِينًا فَلَن يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ} (85) سورة آل عمران
{وَأَنِيبُوا إِلَى رَبِّكُمْ وَأَسْلِمُوا لَهُ مِن قَبْلِ أَن يَأْتِيَكُمُ الْعَذَابُ ثُمَّ لَا تُنصَرُونَ} (54) سورة الزمر
و الله سبحانه و تعالى أعلم بما هو أصلح لكل زمان و مكان و بالتالي عندما يرسل الله الرسول بشريعة جديدة تكون مناسبة لقومه، و الشريعة الجديدة لا تعني دينا مختلفا، و إنما الدين واحد (العقيدة واحدة)، و الشريعة هي المختلفة، و قد يرسل الله رسولا أو أكثر إلى قوم مثل يحيى و عيسى في نفس الوقت لليهود، و موسى و هارون لليهود أيضا، و إذن الموضوع موضوع مناسبة الشريعة لمن ترسل إليهم الرسالة.
وَلَوْ شَاء رَبُّكَ لَجَعَلَ النَّاسَ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلاَ يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ {118} إِلاَّ مَن رَّحِمَ رَبُّكَ وَلِذَلِكَ خَلَقَهُمْ وَتَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ لأَمْلأنَّ جَهَنَّمَ مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ {119}
سورة هود
إذاً لماذا يُسمى المسيحي مسيحياً؟!...واليهودي يهوديا؟!!!
أقول لك أنها أسماء ما قالها أنبياء الله...
ومات موسى عليه السلام وما عرف أن قومه سموا أنفسهم يهودا ...!
ويعترف اليهود أنهم هم من أسموا أنفسهم بهذا الإسم نسبة إلى قبيلة يهوذا
ورُفِع عيسى عليه السلام وما عرف أن قومه سموا أنفسهم مسيحيين ...!!
ويعترف النصارى أن الوثنيين هم أول من أطلقوا على مسيحيي أنطاكية هذا الإسم, ومنذ ذلك الحين وأصبح اسم جميع النصارى مسيحيين.
.......................
ولنُكمِل الآية لنرى قول الله تعالى:
إن الدين عند الله الإسلام وما اختلف الذين أوتوا الكتاب إلا من بعد ما جاءهم العلم بغيا بينهم
إذاً بعدما جائهم العلم من الله وقع الخلاف والوقيعة بينهم فاختلفوا وتفرقوا وضاع بينهم الحق
فانقسم اليهود على أنفسهم إلى فرق وطوائِفَ منهم العبرانيون والسامريون وما تفرع منهم ... كل يدّعي أن لديه الحق وكل له كتابه غيروا فيه وبدلوا وتبادلوا الإتهامات فيما بينهم بالتحريف.
وانقسم النصارى على بعضهم البعض ... وأصبح هناك نصارى يهود وهم القاطنون في اورشاليم من أتباع الرُسُل وتلاميذهم.... ونصارى أمميون وهم أتباع بولس وتلاميذه..و أسموا أنفسهم مسيحيين...
واختلفوا فيما بينهم وتفرقت النصرانية شِيَعاً كل يدعي لنفسه الحق المُطلق إلى أن كانت الغلبة لمسيحية ال 318 قساً في مجمع نيقية عام 325 ميلادية باختيار ومُباركة قسطنطين الوثني والتي منها كل مسيحيي اليوم.
ولذا فإن رسالة الرُسُل جميعاً واحدة ....لا تتغير ولا تتبدل ....وهو الإعتراف بوجود الله ووحدانيته ...وهذا ما نُسميه الإسلام
وكلما غير فريق منهم تعاليم الله عز وجل , فإن الله يرسل الرسول تلو الرسول ليبين لهم ما اختلفوا فيه ويدعوهم إلى الحق حتى لا يكون للناس حُجّة.
فإن قيل:
ما الحكمة من تعدد الأنبياء والرسل وإن كانوا متفقين غير مختلفين ؟
فنقول : من الحكمة في ذلك أمور كثيرة :
أولها : حِكم تعود إلى مقتضيات كمال الله عز وجل في أسمائه وصفاته وأفعاله :
فإن كمال الله عز وجل في أسمائه وصفاته يقتضي آثارا عظيمة خلق الله الخلق لأجلها ، فخلقهم لتحقيق التوحيد الذي تقتضيه وحدانيته ، وتحقيق علمه فيهم فلا يعزب عن علمه من خلقه مثقال حبة ، وتحقيق مقتضى ربوبيته بإيجادهم وإمدادهم وتربيتهم بالنعم ، وتحقيق مقتضى كرمه ورحمته ولطفه بما يغذيهم به من النعم الدينية والدنيوية ، وتحقيق مقتضى سلطانه وقهره وملكه بما يدبره في عباده ويجازي به من خرج عن طاعة أنبيائه .
ولا ينتهي الكلام في تعداد هذه الحكمة العظيمة العائدة إلى مقتضيات كمال الله عز وجل في ذاته وأسمائه وصفاته وأفعاله .
فبعثة الرسل إلى أقوامهم فيها من تحقيق مقتضيات كمال الله تعالى :
اصطفاؤه الرسل كما تشاء حكمته ،
قال تعالى : { اللَّهُ يَصْطَفِي مِنَ الْمَلَائِكَةِ رُسُلًا وَمِنَ النَّاسِ إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ }.
وظهور رحمته ،
قال تعالى : { قُلْ إِنَّ الْهُدَى هُدَى اللَّهِ أَنْ يُؤْتَى أَحَدٌ مِثْلَ مَا أُوتِيتُمْ أَوْ يُحَاجُّوكُمْ عِنْدَ رَبِّكُمْ قُلْ إِنَّ الْفَضْلَ بِيَدِ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ (73) يَخْتَصُّ بِرَحْمَتِهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ } .
وظهور عدله في إقامة الحجة على عباده ،
قال عز وجل : { إِنَّا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ كَمَا أَوْحَيْنَا إِلَى نُوحٍ وَالنَّبِيِّينَ مِنْ بَعْدِهِ وَأَوْحَيْنَا إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَالْأَسْبَاطِ وَعِيسَى وَأَيُّوبَ وَيُونُسَ وَهَارُونَ وَسُلَيْمَانَ وَآَتَيْنَا دَاوُودَ زَبُورًا (163) وَرُسُلًا قَدْ قَصَصْنَاهُمْ عَلَيْكَ مِنْ قَبْلُ وَرُسُلًا لَمْ نَقْصُصْهُمْ عَلَيْكَ وَكَلَّمَ اللَّهُ مُوسَى تَكْلِيمًا (164) رُسُلًا مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللَّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ وَكَانَ اللَّهُ عَزِيزًا حَكِيمًا} .
وظهور معيته لرسله بالنصرة ، وقهره لأعدائهم من المجرمين ،
قال سبحانه وتعالى : { وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ رُسُلًا إِلَى قَوْمِهِمْ فَجَاءُوهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ فَانْتَقَمْنَا مِنَ الَّذِينَ أَجْرَمُوا وَكَانَ حَقًّا عَلَيْنَا نَصْرُ الْمُؤْمِنِينَ }
والكلام في هذا لا نهاية له ، ولا يمكن توفيته حقه مهما اجتهد الإنسان فإن كمال الله عز وجل وحكمته مما لا يدرك نهايته ولا يحيط به علم أحد من الخلق .
ثانيها : حِكم تعود إلى ما يختص الله به الرسل والأنبياء :
ففي بعثهم وإرسالهم رفعة لهم وهدى ونور ، وزيادة في علومهم وأعمالهم ،
يقول الله عز وجل : { وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ رُوحًا مِنْ أَمْرِنَا مَا كُنْتَ تَدْرِي مَا الْكِتَابُ وَلَا الْإِيمَانُ وَلَكِنْ جَعَلْنَاهُ نُورًا نَهْدِي بِهِ مَنْ نَشَاءُ مِنْ عِبَادِنَا وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ }.
وفي نبوتهم صلاح لهم وفلاح ، ورحمة عظيمة تشملهم ، ومنة جليلة تعمهم ،
يقول الله عز وجل : { وَوَهَبْنَا لَهُمْ مِنْ رَحْمَتِنَا وَجَعَلْنَا لَهُمْ لِسَانَ صِدْقٍ عَلِيًّا } ،
وقال تعالى : { وَقَالُوا لَوْلَا نُزِّلَ هَذَا الْقُرْآَنُ عَلَى رَجُلٍ مِنَ الْقَرْيَتَيْنِ عَظِيمٍ (31) أَهُمْ يَقْسِمُونَ رَحْمَةَ رَبِّكَ نَحْنُ قَسَمْنَا بَيْنَهُمْ مَعِيشَتَهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَرَفَعْنَا بَعْضَهُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجَاتٍ لِيَتَّخِذَ بَعْضُهُمْ بَعْضًا سُخْرِيًّا وَرَحْمَةُ رَبِّكَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ}
ورفع لدرجاتهم بصبرهم على تبليغ رسالة ربهم ،
يقول الله تعالى : { فَاصْبِرْ كَمَا صَبَرَ أُولُو الْعَزْمِ مِنَ الرُّسُلِ وَلَا تَسْتَعْجِلْ لَهُمْ كَأَنَّهُمْ يَوْمَ يَرَوْنَ مَا يُوعَدُونَ لَمْ يَلْبَثُوا إِلَّا سَاعَةً مِنْ نَهَارٍ بَلَاغٌ فَهَلْ يُهْلَكُ إِلَّا الْقَوْمُ الْفَاسِقُونَ } .
وفي بعثهم إكرام لهم وسلام من الله يحفظهم ،
يقول الله تعالى : { قَالَ إِنِّي عَبْدُ اللَّهِ آَتَانِيَ الْكِتَابَ وَجَعَلَنِي نَبِيًّا (30) وَجَعَلَنِي مُبَارَكًا أَيْنَ مَا كُنْتُ وَأَوْصَانِي بِالصَّلَاةِ وَالزَّكَاةِ مَا دُمْتُ حَيًّا (31) وَبَرًّا بِوَالِدَتِي وَلَمْ يَجْعَلْنِي جَبَّارًا شَقِيًّا (32) وَالسَّلَامُ عَلَيَّ يَوْمَ وُلِدْتُ وَيَوْمَ أَمُوتُ وَيَوْمَ أُبْعَثُ حَيًّا } .
وفي إرسالهم زيادة في ثوابهم وأجرهم عند الله تعالى وقربهم منه جل وعلا ،
قال تعالى : { وَمَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ إِنْ أَجْرِيَ إِلَّا عَلَى رَبِّ الْعَالَمِينَ (109) فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُونِ }
وفي بعثهم إيتاؤهم الحكمة ،
كما قال تعالى : { يُؤْتِي الْحِكْمَةَ مَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْرًا كَثِيرًا وَمَا يَذَّكَّرُ إِلَّا أُولُو الْأَلْبَابِ } ،
وقال تعالى : { ذَلِكَ مِمَّا أَوْحَى إِلَيْكَ رَبُّكَ مِنَ الْحِكْمَةِ وَلَا تَجْعَلْ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آَخَرَ فَتُلْقَى فِي جَهَنَّمَ مَلُومًا مَدْحُورًا } .
وفي بعثهم إعزاز لهم ونصرة على أعدائهم ،
يقول الله عز وجل : { حَتَّى إِذَا اسْتَيْئَسَ الرُّسُلُ وَظَنُّوا أَنَّهُمْ قَدْ كُذِبُوا جَاءَهُمْ نَصْرُنَا فَنُجِّيَ مَنْ نَشَاءُ وَلَا يُرَدُّ بَأْسُنَا عَنِ الْقَوْمِ الْمُجْرِمِينَ }
وما أكثر الحكم العظيمة التي تحصل للأنبياء والرسل باصطفاء الله لهم ، وما سبق إنما هو غيض من فيض ، ولهذا كان الأنبياء أكثر العباد شكرا لله وثناء عليه وحمدا له .
يقول الله تعالى عن سليمان عليه السلام : { وَقَالَ رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وَعَلَى وَالِدَيَّ وَأَنْ أَعْمَلَ صَالِحًا تَرْضَاهُ وَأَدْخِلْنِي بِرَحْمَتِكَ فِي عِبَادِكَ الصَّالِحِينَ} .
وقال تعالى عن يوسف عليه السلام : { َقَالَ يَا أَبَتِ هَذَا تَأْوِيلُ رُؤْيَايَ مِنْ قَبْلُ قَدْ جَعَلَهَا رَبِّي حَقًّا وَقَدْ أَحْسَنَ بِي إِذْ أَخْرَجَنِي مِنَ السِّجْنِ وَجَاءَ بِكُمْ مِنَ الْبَدْوِ مِنْ بَعْدِ أَنْ نَزَغَ الشَّيْطَانُ بَيْنِي وَبَيْنَ إِخْوَتِي إِنَّ رَبِّي لَطِيفٌ لِمَا يَشَاءُ إِنَّهُ هُوَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ (100) رَبِّ قَدْ آَتَيْتَنِي مِنَ الْمُلْكِ وَعَلَّمْتَنِي مِنْ تَأْوِيلِ الْأَحَادِيثِ فَاطِرَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ أَنْتَ وَلِيِّي فِي الدُّنْيَا وَالْآَخِرَةِ تَوَفَّنِي مُسْلِمًا وَأَلْحِقْنِي بِالصَّالِحِينَ} .
ثالثها : حِكم تعود إلى الناس مؤمنهم وكافرهم :
فمن ذلك هدايتهم وإرشادهم إلى الخير والحق ،
يقول الله تعالى : { وَلَقَدْ جِئْنَاهُمْ بِكِتَابٍ فَصَّلْنَاهُ عَلَى عِلْمٍ هُدًى وَرَحْمَةً لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ } .
وإظهار الحجة والدلالة على الهدى والرشد ، وإقامة الحجة على الخلق ،
يقول الله تعالى : { وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولًا } ،
وقال تعالى : { رُسُلًا مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللَّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ وَكَانَ اللَّهُ عَزِيزًا حَكِيمًا }
وتبشير من آمن بالنعيم والسعادة في الدنيا والآخرة ، وإنذار من كفر بالعقوبة والعذاب والشقاء في الدنيا والآخرة ،
يقول الله تعالى : { يَا مَعْشَرَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ أَلَمْ يَأْتِكُمْ رُسُلٌ مِنْكُمْ يَقُصُّونَ عَلَيْكُمْ آَيَاتِي وَيُنْذِرُونَكُمْ لِقَاءَ يَوْمِكُمْ هَذَا قَالُوا شَهِدْنَا عَلَى أَنْفُسِنَا وَغَرَّتْهُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا وَشَهِدُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ أَنَّهُمْ كَانُوا كَافِرِينَ (130) ذَلِكَ أَنْ لَمْ يَكُنْ رَبُّكَ مُهْلِكَ الْقُرَى بِظُلْمٍ وَأَهْلُهَا غَافِلُونَ }
وليكونوا قدوة لهم من جنسهم البشري ، وأسوة حسنة يمتثلونها ويتبعون نهجهم ،
يقول الله تعالى : { قَالَتْ لَهُمْ رُسُلُهُمْ إِنْ نَحْنُ إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَمُنُّ عَلَى مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَمَا كَانَ لَنَا أَنْ نَأْتِيَكُمْ بِسُلْطَانٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ } ،
وقال تعالى : { أُولَئِكَ الَّذِينَ آَتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ وَالْحُكْمَ وَالنُّبُوَّةَ فَإِنْ يَكْفُرْ بِهَا هَؤُلَاءِ فَقَدْ وَكَّلْنَا بِهَا قَوْمًا لَيْسُوا بِهَا بِكَافِرِينَ (89) أُولَئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهِ قُلْ لَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِنْ هُوَ إِلَّا ذِكْرَى لِلْعَالَمِينَ }
وما في وجودهم بينهم من البركة الدينية والدنيوية ،
يقول الله تعالى : { قَالَ إِنِّي عَبْدُ اللَّهِ آَتَانِيَ الْكِتَابَ وَجَعَلَنِي نَبِيًّا (30) وَجَعَلَنِي مُبَارَكًا أَيْنَ مَا كُنْتُ} ،
وقال تعالى : { وَبَارَكْنَا عَلَيْهِ وَعَلَى إِسْحَاقَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِهِمَا مُحْسِنٌ وَظَالِمٌ لِنَفْسِهِ مُبِينٌ } ،
وقال تعالى : { فَلَمَّا جَاءَهَا نُودِيَ أَنْ بُورِكَ مَنْ فِي النَّارِ وَمَنْ حَوْلَهَا وَسُبْحَانَ اللَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ}
وما في شرعهم الحكيم من تحقيق مصالحهم وتنظيم معاملاتهم بالعدل ،
يقول الله تعالى : {وَقُلْ آَمَنْتُ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ مِنْ كِتَابٍ وَأُمِرْتُ لِأَعْدِلَ بَيْنَكُمُ } ،
ويقول الله عز وجل : { إِنَّا أَنْزَلْنَا التَّوْرَاةَ فِيهَا هُدًى وَنُورٌ يَحْكُمُ بِهَا النَّبِيُّونَ الَّذِينَ أَسْلَمُوا لِلَّذِينَ هَادُوا وَالرَّبَّانِيُّونَ وَالْأَحْبَارُ بِمَا اسْتُحْفِظُوا مِنْ كِتَابِ اللَّهِ وَكَانُوا عَلَيْهِ شُهَدَاءَ}
وإصلاح نفوسهم وتزكيتها وتطهيرها ، وتقويم أخلاقهم وإحياء فطرهم وإنارة عقولهم وطمأنينة قلوبهم ،
يقول الله تعالى : { هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولًا مِنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آَيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلَالٍ مُبِينٍ } ،
وفي بعث الأنبياء والرسل صلاح في الأرض ومنع للفساد وتخفيف من شر كل ذي شر وفساده ،
يقول الله تعالى : { وَقَتَلَ دَاوُودُ جَالُوتَ وَآَتَاهُ اللَّهُ الْمُلْكَ وَالْحِكْمَةَ وَعَلَّمَهُ مِمَّا يَشَاءُ وَلَوْلَا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَفَسَدَتِ الْأَرْضُ وَلَكِنَّ اللَّهَ ذُو فَضْلٍ عَلَى الْعَالَمِينَ } .
وقال تعالى : { قَالَ يَا قَوْمِ أَرَأَيْتُمْ إِنْ كُنْتُ عَلَى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّي وَرَزَقَنِي مِنْهُ رِزْقًا حَسَنًا وَمَا أُرِيدُ أَنْ أُخَالِفَكُمْ إِلَى مَا أَنْهَاكُمْ عَنْهُ إِنْ أُرِيدُ إِلَّا الْإِصْلَاحَ مَا اسْتَطَعْتُ وَمَا تَوْفِيقِي إِلَّا بِاللَّهِ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ} .
وقال تعالى : { إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَسَادًا أَنْ يُقَتَّلُوا أَوْ يُصَلَّبُوا أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ مِنْ خِلَافٍ أَوْ يُنْفَوْا مِنَ الْأَرْضِ ذَلِكَ لَهُمْ خِزْيٌ فِي الدُّنْيَا وَلَهُمْ فِي الْآَخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ }
والحِكم من بعث الأنبياء والرسل إلى أقوامهم كثيرة أيضا لا يمكن حصرها .
فتبين مما سبق عظيم حكمة الله تعالى في بعث الأنبياء والرسل .
ختم النبوة والرسالات بدين كامل محفوظ إلى قيام الساعة :
ثم أن الله عز وجل شاء بحكمته أن يختمهم بخير أنبيائه ورسله محمد صلى الله عليه وسلم ،
قال تعالى : { مَا كَانَ مُحَمَّدٌ أَبَا أَحَدٍ مِنْ رِجَالِكُمْ وَلَكِنْ رَسُولَ اللَّهِ وَخَاتَمَ النَّبِيِّينَ وَكَانَ اللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمًا }.
فلذلك خص الشريعة الإسلامية بخصائص توجب دوامها وكمالها ، دلالة على علم الله بما يصلح عباده وأنه الخبير بهم الحكيم في تدبيرهم كونا وشرعا .
فأغنت رسالته الكاملة المحفوظة إلى قيام الساعة عن بعث رسول بعده .
وقام العلماء الربانيون من بعده مقام أنبياء بني إسرائيل في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وإقامة حجج الله في دينه وخلقه على الناس ، وبيان الحق والعلم لهم ، وإذا نزل عيسى عليه السلام آخر الزمان كان متبعا لما جاء به النبي صلى الله عليه وسلم ولشريعته ، ولم يأت برسالة جديدة ولا كان في ذلك بعث من لم يكن قبل ذلك رسولا .
الحكمة من ختم النبوة والرسالات :
وفي ختم النبوة حكم كثيرة ، منها :
الابتلاء والاختبار الذي هو أحد الحكم العامة من الخلق والتشريع ، ولله أن يختبر عباده بما شاء وكيف شاء جل وعلا ، وما يترتب على هذا الاختبار من حكم عظيمة ومصالح كبيرة على التفصيل السابق ذكره .
وإكمال الرسالات كما أكمل دين الإسلام ، قال تعالى : { الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا} .
وتبكيت الدجاجلة الكاذبين من مدعي النبوة وقطع الطريق عليهم بعد ختم النبوة ، وذلك لما يحصل من فساد الناس في مستقبل الزمان حتى أنه يكثر الدجاجلة من مدعي النبوة ،
ثم يكون آخرهم أعظمهم فتنه وهو المسيح الدجال فيدعي النبوة ثم يدعي الربوبية !! فيرسل الله عيسى عليه السلام فيقتله ويكسر الصليب .
ودعوة البشرية أجمعين إلى شريعة واحدة تجمعهم في أمة واحدة بعد أن كان لكل جنس وقبيل رسول ،
يقول الله تعالى : {قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعًا الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ يُحْيِي وَيُمِيتُ فَآَمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ النَّبِيِّ الْأُمِّيِّ الَّذِي يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَكَلِمَاتِهِ وَاتَّبِعُوهُ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ } ،
وقال تعالى : { إِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاعْبُدُونِ }
ورحمة العالمين برسالته الخاتمة ، ومظاهر الرحمة في هذه الرسالة الربانية كثيرة جدا ،
ولهذا قال الله تعالى : { وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ } فحصر علة إرساله في رحمة العالمين به دلالة على ما في رسالته من الرحمة العامة والخاصة ، فالحمد لله على نعمة الإسلام .
والكلام على ما في الإسلام من حكمة تظهر بها حكمة ختم النبوة مما لا يستقصى ولا ينتهى فيه إلى حد .
فتبين مما سبق كثير من وجوه الحكمة من تعدد الأنبياء والرسل وختم النبوة ، وما لم نذكره أكثر وأعظم .
ماحكم من يدين بدين غير الاسلام
قال الله عز وجل { ومن يبتغ غير الإسلام ديناً فلن يقبل منه وهو في الآخرة من الخاسرين } [ آل عمران 85 ] ، وقال { قل يا أيها الناس إني رسول الله إليكم جميعاً } [ الأعراف 158 ] .
قال القاضي عياض : ولهذا نكفِّر كل من دان بغير ملة المسلمين من الملل ، أو وقف فيهم، أو شك ، أو صحَّح مذهبهم ، وإن أظهر مع ذلك الإسلام ، واعتقده ، واعتقد إبطال كل مذهب سواه ، فهو كافر بإظهاره ما أظهر من خلاف ذلك . أ.هـ " الشفا بتعريف حقوق المصطفى " ( 2 / 1071 ) .
. واليهود والنصارى كفار مشركون
قال تعالى { وقالت اليهود عزير ابن الله وقالت النصارى المسيح ابن الله ذلك قولهم بأفواههم يضاهئون قول الذين كفروا من قبل قاتلهم الله أنى يؤفكون ….. سبحانه عما يشركون } [ التوبة 30 ، 31 ] .
عن أبي هريرة ، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال : " والذي نفس محمد بيده لا يسمع بي أحد من هذه الأمة يهودي ولا نصراني ثم يموت ولم يؤمن بالذي أرسلت به إلا كان من أصحاب النار" .
رواه مسلم ( 153 ) .
فمن قال إن اليهود ليسوا كفارا فهو مكذب بقوله تعالى عن اليهود : ( وَأُشْرِبُوا فِي قُلُوبِهِمْ الْعِجْلَ بِكُفْرِهِمْ .. (93) البقرة
ومكذّب بقوله تعالى : ( مِنْ الَّذِينَ هَادُوا يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَنْ مَوَاضِعِهِ وَيَقُولُونَ سَمِعْنَا وَعَصَيْنَا وَاسْمَعْ غَيْرَ مُسْمَعٍ وَرَاعِنَا لَيًّا بِأَلْسِنَتِهِمْ وَطَعْنًا فِي الدِّينِ وَلَوْ أَنَّهُمْ قَالُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا وَاسْمَعْ وَانظُرْنَا لَكَانَ خَيْرًا لَهُمْ وَأَقْوَمَ وَلَكِنْ لَعَنَهُمْ اللَّهُ بِكُفْرِهِمْ.. (46) النساء
ومكذّب بقوله تعالى : ( فَبِمَا نَقْضِهِمْ مِيثَاقَهُمْ وَكُفْرِهِمْ بِآيَاتِ اللَّهِ وَقَتْلِهِمْ الأَنْبِيَاءَ بِغَيْرِ حَقٍّ وَقَوْلِهِمْ قُلُوبُنَا غُلْفٌ بَلْ طَبَعَ اللَّهُ عَلَيْهَا بِكُفْرِهِمْ فَلا يُؤْمِنُونَ إِلا قَلِيلا(155)وَبِكُفْرِهِمْ وَقَوْلِهِمْ عَلَى مَرْيَمَ بُهْتَانًا عَظِيمًا(156)وَقَوْلِهِمْ إِنَّا قَتَلْنَا الْمَسِيحَ عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ رَسُولَ اللَّهِ وَمَا قَتَلُوهُ وَمَا صَلَبُوهُ وَلَكِنْ شُبِّهَ لَهُمْ .. (157) النساء
ومكذّب بقوله تعالى :
إِنَّ الَّذِينَ يَكْفُرُونَ بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ وَيُرِيدُونَ أَنْ يُفَرِّقُوا بَيْنَ اللَّهِ وَرُسُلِهِ وَيَقُولُونَ نُؤْمِنُ بِبَعْضٍ وَنَكْفُرُ بِبَعْضٍ وَيُرِيدُونَ أَنْ يَتَّخِذُوا بَيْنَ ذَلِكَ سَبِيلا(150)أُوْلَئِكَ هُمْ الْكَافِرُونَ حَقًّا وَأَعْتَدْنَا لِلْكَافِرِينَ عَذَابًا مُهِينًا(151) النساء
ومن قال إن النّصارى ليسوا كفارا فهو مكذّب بقول الله تعالى :
(لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ هُوَ الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ .. (17) المائدة
ومكذّب بقوله تعالى : (لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ ثَالِثُ ثَلاثَةٍ وَمَا مِنْ إِلَهٍ إِلا إِلَهٌ وَاحِدٌ وَإِنْ لَمْ يَنتَهُوا عَمَّا يَقُولُونَ لَيَمَسَّنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ(73) المائدة
ومكذّب بقوله تعالى عن اليهود والنصارى الذين لا يؤمنون بنبينا ولا يتبعونه :
إِنَّ الَّذِينَ يَكْفُرُونَ بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ وَيُرِيدُونَ أَنْ يُفَرِّقُوا بَيْنَ اللَّهِ وَرُسُلِهِ وَيَقُولُونَ نُؤْمِنُ بِبَعْضٍ وَنَكْفُرُ بِبَعْضٍ وَيُرِيدُونَ أَنْ يَتَّخِذُوا بَيْنَ ذَلِكَ سَبِيلا(150)أُوْلَئِكَ هُمْ الْكَافِرُونَ حَقًّا وَأَعْتَدْنَا لِلْكَافِرِينَ عَذَابًا مُهِينًا(151) النساء
وإنني أعجب كل العجب ممن ينادي بحوار الاديان من أبناء الاسلام او ممن يتسمون مسلمين!!
عندما يحاولون تقديمها على أنها أديان سماوية..؟!! في الوقت الذي يتجاهلون فيه مخاطر مثل تلك الحوارات على الأمة وعقيدتها، وأنها جزء من معركة الصراع بين الإسلام والغرب اليهودي ـ النصراني، وأنها حلقة من حلقات الحرب على الأمة وعلى مقومات وجودها،
لأن هدف اليهود والنصارى منذ أمد طويل هو تحقيق اختراق في العقل المسلم، وكسب الشرعية السماوية حتى يتمكنوا من غزو عقول المسلمين بعقائدهم وأخلاقياتهم الهدامة بزعم أنها أديان توحيدية سماوية، ومن أجل التخفيف من حدة الصورة السوداء القاتمة والبشعة عند المسلمين تجاه الغرب اليهودي ـ النصراني، كان ما يسمى (حوار الأديان السماوية) على اعتبار أن اليهودية والنصرانية مازالت تحتفظ بأصلها السماوي، وأنها ديانات توحيدية كالإسلام، وأن كُتُبها التي بين أيدينا هي وحي مُنَّزل من عند الله، من أجل اختراق العقل والمجتمع المسلم!.
فالهدف من تلك الحوارات هو أن تُكسب تلك الأديان الوضعية صفة السماوية والتوحيدية على الرغم من فقدانها لوحدانيتها وروحانيتها وصفتها السماوية بعد ما أدخلته عليها يد الإنسان من تحريف وتبديل أبعدها عن أصلها السماوي، وغدت أقرب إلى الوثنية منها إلى التوحيد، وأقرب إلى الأديان البشرية منها إلى إلي الأصل السماوي لها. إن الاعتراف باليهودية والنصرانية أنها ديانات توحيدية وسماوية على الرغم من وثنيتها، ووضعها على نفس مستوى الدين السماوي الوحيد (الإسلام) يعتبر ذلك اعتراف من المسلمين بشرعيتها السماوية، في الوقت الذي لا تعترف هي فيه بشرعية الإسلام السماوية على الرغم من كل الإشارات والنبوءات عن نبي الإسلام وأنه خاتم الأنبياء والمرسلين التي مازالت موجودة فيها بعد كل ما جرى عليها من تحريف!
.....................
ختـــــــــــــــــــــــــاما
نقول للبشرية جمعاء لا يوجد دين سماوي على وجه الأرض سوى دين واحد هو الإسلام، الذي اعتنقه المؤمنون في جميع الأزمنة والأمكنة، وكان كل رَسول من الرُسُل يمثل حجراً في بناء الصرح الشامخ ووحدة الإنسانية المؤمنة، وهذه الحقيقة هي جزءً أساسياً من العقيدة الدينية،
فسبحان من عظمت حكمته وتقدست عن أن يطلع خلقه على جميع حكمته ، بل ما غاب عنهم أكثر مما علموه ، وفيما علموه من حكمته حجة بالغة ، ونعمة سابغة توجب الإقرار به والتسليم لشرعه والإذعان لأمره ونهيه .
فالحمد لله أولا وآخرا ، وظاهرا وباطنا ، ونستغفر الله من كل زلل وتقصير ، ونعوذ به من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا .
تم بحمد الله
المفضلات