قراءة تاريخية في الديانة المسيحية 2
قصة الحضارة > قيصر والمسيح > شباب المسيحية > الرسل >يوحنا
لقد شاءت أحداث التاريخ المفاجئة أن تنقل إلينا بولس في صورة واضحة جلية إذا قيست إلى صورة غيره من رسل المسيح، وأن تترك صورة يوحنا في خفاء وغموض. ولقد انحدر إلينا مؤلفان كبيران مقرونان باسمه فضلاً عن رسائل ثلاث. ويحاول النقاد أن يرجعوا سفر الرؤيا إلى عام 69 - 70م(72)، ويعزوه إلى يوحنا آخر هو يوحنا "اللاهوتي" الذي ذكره ببياس Papias (135)(73). أما جستن مارتن Justin Martin (135) فيعزو هذا السفر القوي إلى الرسول "المحبوب"(74). ولكن يوزبيوس ذكر من عهد بعيد يرجع إلى القرن الرابع أن بعض العلماء يشكون في صحة نسبته إليه. وما من شك في أن صاحب هذا السفر كان رجلاً ذا مكانة عظيمة لأنه يخاطب كنائس آسية بلهجة المهدد صاحب السلطان. فإذا كان كاتبه هو الرسول نفسه (وسنظل نفترض مؤقتاً أنه هو)، فإن في مقدورنا أن نفهم سبب تسميته،ص3970
.وقد يبدو من غير المعقول أن يكون كاتب سفر الرؤيا هو نفسه كاتب الإنجيل الرابع. ذلك أن سفر الرؤيا سفر يهودي وأن الإنجيل فلسفة يونانية. ولعل الرسول كتب تلك الرؤى في سورة الغضب التي أعقبت اضطهاد نيرون، وكان لها من هذا الاضطهاد ما يبررها، ثم كتب الإنجيل في أيام نضجه وشيخوخته ونزعته الميتافيزيقية (90م). وربما كانت ذكرياته عن السيد المسيح قد ذهب بعضها إن كان في وسع الإنسان أن ينسى ذكريات المسيح، وما من شك في أنه قد سمع في الجزائر والمدائن الأيونية أصداء كثيرة للتصوف اليوناني والفلسفة اليونانية. وكان بطليموس من قبله قد نشر تلك العقيدة الخطيرة القائلة إن "أفكار الله" هي النمط الذي شكلت بمقتضاه الأشياء كلها، ثم جمع الرواقيون هذه الأفكار في عبارتهم المعروفة فكرة الله المخصبة. ثم جسد الفيثاغوريون الجدد هذه الأفكار فجعلوها شخصاً قدسياً، ثم استحالت على يد فيلون إلى عقل الله أي إلى عنصر قدسي ثانٍ به يخلق الله الخلق ويتصل بالعالم.ص3973
إن المسيحية لم تقضِ على الوثنية، بل تبنتها، ذلك أن العقل اليوناني المحتضر عاد إلى الحياة في صورة جديدة في لاهوت الكنيسة وطقوسها، وأصبحت اللغة اليونانية التي ظلت قروناً عدة صاحبة السلطان على السياسة أداة الآداب، والطقوس المسيحية، وانتقلت الطقوس اليونانية الخفية إلى طقوس القداس الخفية الرهيبة، وساعدت عدة مظاهر أخرى من الثقافة اليونانية على إحداث هذه النتيجة المتناقضة الأطراف. فجاءت من مصر آراء الثالوث المقدس، ويوم الحساب، وأبدية الثواب والعقاب، وخلود الإنسان في هذا أو ذاك، ومنها جاءت عبادة أم الطفل، والاتصال الصوفي ..........
قصة الحضارة -> قيصر والمسيح -> شباب المسيحية -> نمو الكنيسة -> المسيحيون
قصة الحضارة -> قيصر والمسيح -> شباب المسيحية -> نمو الكنيسة -> المسيحيون
وسرى فيما اعتاده المسيحيون من تناول وجبة الطعام المشتركة عنصر من عناصر الشيوعية؛ فقد كان المسيحيون الأولون يجتمعون كثيراً في عيد الحب Agape ويكون ذلك عادة في مساء يوم أحد السبوت. وكان العشاء يبدأ وينتهي بالصلاة وقراءة بعض فقرات من الكتاب المقدس، وكان القس يبارك الخبز والخمر. ويبدو أن المؤمنين كانوا يعتقدون أن الخبز والخمر كانا هما لحم المسيح ودمه، أو أنهما يُمثّلان لحمه ودمه(12). وكان عباد ديونيشس، وأئيس، ومثراس يؤمنون بما يشبه هذه العقائد في المآدب التي يأكلون فيها الأجساد المسحورة لآلهتهم أو رموز هذه الأجساد(13). وكانت آخر مراسم عيد الحب هذا هي "قبلة الحب" وكانت هذه القبلة في بعض المجتمعات يتبادلها الرجال فيما بينهم أو النساء فيما بينهن، لكن هذا القيد الثقيل لم يكن يراعى في البعض الآخر، ثم وجد كثيرون من المشتركين في هذا الحفل البهيج أن فيه من الملذات ما يأباه الدين، وندد ترتليان وغيره بما أدى إليه من الإباحية الجنسية(14). وكانت الكنيسة توصي بألا تفتح الشفاه في أثناء التقبيل، وألا تتكرر القبلة إذا أعقبتها لذة(15). وأخذ عيد الحب يختفي تدريجياً في القرن الثالث ص3979
وقبل أن يُختتم القرن الثاني كانت هذه الحفلات الأسبوعية قد اتخذت شكل القداس المسيحي. وأخذ هذا القداس ينمو نمواً بطيئاً بالاعتماد على صلاة الهيكل اليهودية، وعلى الطقوس اليونانية الخاصة بالتطهير، والتضحية البديلة، والاشتراك عن طريق العشاء الرباني في قوى الإله القاهرة للموت، حتى صار في آخر الأمر كومة من الصلوات، والمزامير، والقراءات، والمواعظ، والترتيلات، وما هو أهم من هذا كله وهو التضحية الرمزية بحمل الله للتكفير عن الخطايا، وهي التضحية التي حلّت في المسيحية محل القرابين الدموية في الأديان القديمة. واستحال الخبز والخمر اللذان كانا يُعدّان في الطقوس القديمة هدايا توضع على المذبح أمام الإله بفضل تدشين القساوسة له إلى جسم المسيح ودمه، وأصبحا يقدّما لله بوصفهما تكراراً بتضحية يسوع بنفسه على خشبة الصليب. ويلي هذا موكب مؤثر رهيب يشترك فيه العابدون في حياة منقذهم ومادته نفسيهما.ص3982
ولسنا نجد في القرن الأول الميلادي إلا ثلاث شعائر دينية يؤمن المسيحيون بقداستها: التعميد، والعشاء الرباني، ورسامة الكهنوت؛ ولكن سائر الشعائر كانت أصولها موجودة في عادات المجتمعات الدينية من ذلك الوقت البعيد
ص3983
. وكان الزواج في تلك القرون لا يزال من النظم المدنية؛ ولكن الكنيسة أضافت إليه ضرورة الحصول على موافقتها، وأخذت تطالب الزوجين به، فرفعت الزواج بهذا العمل من عقد زمني يستطاع حله إلى عقد مقدس لا يستطاع نقضه. وقبل أن يحل عام 200 بعد الميلاد اتخذت عادة "وضع الأيادي" صورة "الرسامة الكهنوتية"، وبمقتضاها أصبح للأساقفة وحدهم حق رسامة القساوسة القادرين على إقامة القداس بصورته الصحيحة؛ ثم استمدت الكنيسة في آخر الأمر من رسالة يعقوب (5 : 14) "دهن المريض بالزيت المقدس بعد الموت" وهي البركة الأخيرة التي يتلقاها من القس حين يدهن في المسيحي المحتضر أعضاء الحس والأطراف، فيطهره مرة أخرى من الخطايا ويهيئه للقاء الله. ولو أننا حكمنا على هذه الشعائر بما كان يعزوه إليها القائمون بها والمؤمنون بقوتها، وأخذنا أقوالهم فيها بحرفيتها، لكان هذا منتهى السخف منا والجهالة، لكننا إذا أدركنا أنها تبعث في النفوس البشرية الشجاعة والإلهام، حكمنا من فورنا بأنها خير علاج للنفوس وأقربه إلى الحكمة. ص3984
«« توقيع kamel mohamad »»
المفضلات