-
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على رسل الله أجمعين، عليهم وعلى نبينا أفضل الصلاة وأزكى التسليم، وبعد :
السلام عليكم ورحمة الله وبركاتة
عند تصفحك لمواقع النصارى ، أو المواقع المعادية للإسلام ، تجدها تطفح بكاتبات عده .. لتيارات فكرية مختلفه حول الدين الإسلامى الحنيف .. وبالطبع نحن كمسلمين لا نعترض على أن يبدى أى شخص رأية فى ديننا الحنيف أو أن يبحث بأمانة فى تاريخ أمتنا المشرق ... لكننا نعترض بشدة على من يفتقد تلك الأمانة المطلوبة لكل باحث عن الحق والحقيقة ، نلك الأمانة التى بدونها تصبح الأبحاث مجرد أباطيل تزروها الرياح ... وتتحول الكتابات إلى كلمات قبيحه لا معنى أو قصد من ورائها ...
وعند تصفحك لتلك الكتابات المنشورة فى مواقعهم .. تدرك من الوهلة الأولى مدى الإشكالية الفكرية التى تصيب النصارى والمعادين للإسلام ... أنهم ينشرون كتابات فى بعض الأحيان تؤخذ عليهم لا لهم ... ينشرون أبحاث المسلمين فى الأمور الدينية المختلفة ويسيئون فهمها ، ثم يحرفونها ... وأخيرا يقولون لنا أنتم أمة " النقل " .. لا تتدبرون الأمور ... بالله أى تناقضا هذا ...
ينشرون فى أحيان أخرى أبحاث لكتاب قالوا عن أنفسهم مسلمين وهم متأسلمين... يحتجون بها ويقولوا هؤلاء هم مفكريكم وباحثيكم .. فما ردكم دام فضلكم...
كنت أتناقش مع صديق حول أحد تلك المواقع المعادية للإسلام ...
فقال لى صديقى : لما لا تنشر الجهات الإسلامية ردوداً على تلك الكتابات والأبحاث ...
قلت له : أنهم يفعلون
قال : ولكننى وجدت فى تلك المواقع كتابات وأبحاث ، ولم أجد رداً لها حتى الآن .. أو وجدت ردوداً وكانت ضعيفة
قلت : سيأتى الرد قريباً .. لا تقلق
قال متبرما : لقد ضقت صدراً بهؤلاء المعادين لديننا ... ألا يوجد غيرنا فى الكون
قلت مبتسماً : إذا كنت طالباً متفوقاً فى دراستك ومحبوباً من أستاذك فى المدرسة ، يأتمنك على زملائك ويتركك تستذكر لهم .. وفجأه ظهر زميل لك أكثر تفوقاً سحب البساط من تحت قدميك ... وأصبح اكثر تفوقاً ، ونال حب وتقدير استاذك وزملائك .. فماذا أنت فاعل ؟؟!
قال بسرعة : بالطبع أجتهد فى المذاكرة وأصبح افضل منه ...
قلت فى هدوء : هذا هو مبدأ الشرفاء ، ولنقل أنك فعلت هذا بالفعل ، ولكن لا جدوى ... فزميلك يستذكر من الكتاب الصحيح الذى أعطاه أياة المدرس نظراً لتفوقة ...
قال فى ثقة : أشترى كتاب مماثل بالطبع ....
قلت فى سرعة : الكتاب لا يوجد مثلة ، فقد املاه علية الأستاذ ، ليستذكر منه لزملائه ... فهو لا يباع
قال فى خبث : سأسرقة منه بالتأكيد
قلت : وإذا كان صديقك قد عرض عليك الأستذاكر معه من نفس الكتاب
قال فى ضيق : لا ، آذاكر معه بعد أن كنت انا الذى أذاكر له ... لا هذا مستحيل
قلت : وماذا أنت فاعلاً اذن
قال فى ضيق : قلت لك سأسرقة
قلت : وحتى إذا سرقتة ... سيكتشف زملائك الأمر ، ويبلغوا عنك
قال متفكرا : ممممم .. .. إذن ماذا افعل؟!
قلت فى هدوء : إنها مشكلتك ... حاول حلها
قال فى خبث : سأشوة صورتة أمام زملائى ، وأخيفهم من المذاكرة معه وإلا سيرسبوا معه .. وبذلك يعودوا للمذاكرة معى من جديد
قلت له وقد برزت نواجذى من الضحك : الآن انت تترك مبدأ الشرفاء ... وتتبع ملتهم
قال فى ريبة : أنا لم أفهم شئ
قلت له : هؤلاء الشرفاء هم من يبحثوا عن الحق بكل وجدانهم .. بكل جهدهم .. فإن وصولوا الية إتبعوة .. ولم يجادلوا أنفسهم ، ويخدعون أنفسهم .... أما الآخرون فإنهم يشوهون ويعتمون على الحق لخداع الأخرين
قال متفكرا : وماذا يفعل الشرفاء لمواجهتهم
قلت : نفعل كما أمرنا الله تعالى {ادْعُ إِلِى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُم بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَن ضَلَّ عَن سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ} (125) سورة النحل
قال : صدق الله العظيم
<div align="center">--------</div>
والأن نعود إلى الكتب والكتابات التى يتناقلها النصارى فى مواقعهم ....
رأيت أن أقوم بعرض هذة الكتب تباعاً ... لفتح مائدة الحوار حول موضوعاتها وقضاياها وماتتناولة .. مع الأخوة الأفاضل فى المنتدى ، ونقوم بعرض الردود والتصحيح لما جاء بها من مفاهيم ، أو توضيح ما جاء بها على الأقل ...
وأرجو من الأخوة جمبعا المشاركة بما منّ الله عليهم من العلم والمعرفة – نفعنا الله بها – فهذا الأمر على درجة كبيرة من الأهميه لذا آثرت أن أفتح الحوار حول تلك الكتب لتكون الردود شاملة لآراء كل الأخوة .. وليس لرأى واحد فقط ... فتكون الصورة كاملة وليست من جانب واحد فقط....
وفقنا الله وآياكم لما فية الخير والرشاد....
<div align="center">*******</div>
نبدا أولا بكتاب أنتشر بكثرة بين أعداء الإسلام ... كتاب النص المؤسس ومجتمعة للكاتب خليل عبد الكريم . وقبل أن نخوض بين طيات الكتاب .. أود أن أوضح بعض النقاط :
1- سأقوم بنشر الكتاب نقلا عن أحد المواقع النصرانية ... وسنناقش مادتة – إن شاء الله – تبعا للنص الذى حصلت علية من موقع النصارى .. فإن كان بة محض تحريف أو تزييف ، فلست مسئول عن ذلك لأننى حاولت مراراً الحصول على النص الأصلى للكتاب .. لكن الكتاب ممنوع من النشر هنا فى مصر – فهو من المحظورات –
2- إذا أستطاع أحد الأخوه المقيمين فى الخارج من الحصول على نسخة من الكتاب ... فليتفضل شاكرا بالتأكد من صحة المحتوى الذى ننقلة من مواقع النصارى .. ويرشد بصيرتنا إلى أى خطأ أو تحريف مقصود او غير مقصود .
3- سأعرض الكتاب على عدة مراحل ... فمثلاً فى تلك المشاركة سأكتفى بنشر المقدمة كمرحلة أولى ... وبعدها أترك الفرصة سانحه لكل الأخوه لمناقشة مادة ما نشر .. حتى ننتهى من تمحيصها و الرد على ما جاء بها ، وبعدها أعود للمرحلة الثانية وهى نشر الفصل الأول من الكتاب ، وهكذا ....
4- من الملاحظ أن الكاتب فى هذا الكتاب يستند إلى العديد من كتب السنة والسيرة النبوية المطهرة من أمثال كتب الطبرى وابن كثير ... ألخ ، لذلك كنت أود من احد الأخوة المتخصصين فى مثل تلك الأمور .. التمحيص جيداً وراء الكاتب فى مصادرة ... ويوضح لنا مدى دقة مصادرة ...
5- بالطبع سأرفق نص كل جزء من الكتاب فى كل مشاركة ليتسنى للأخوة تحميلة وقرائتة ..
أعتقد أن هذة النقاط الخمسة كافية لتوضيح الأمور .. ولنبدأ على بركة الله ....
-
<div align="center">أولا : من هو خليل عبد الكريم ؟؟</div>
للرد على هذا التساؤل ننقل ما كتبتة إحدى الصحف العربية بعد موتة :
<div align="center">----------------------</div>
<div align="center">وفاة الباحث الاسلامي المثير للجدل خليل عبد الكريم </div>
توفي الباحث الاسلامي المصري المثير للجدل خليل عبد الكريم قبل يومين عن عمر ناهز 73 عاما في احدى قرى اسوان بعد ان قدم رؤية مجددة للفكر الديني عبر اكثر من 13 مؤلفا اثارت خلافات مع المؤسسات الدينية والمتشددين.
وكان الراحل قد انهى دراسته في الفقه والشريعة الاسلامية في الازهر مطلع الخمسينيات وتحول بعدها الى دراسة القانون حيث عمل محاميا. وكان عبد الكريم من اول المؤسسين لمنبر اليسار عام 1976 قبل ان ينضم الى حزب «التجمع اليساري» حيث اصبح احد قادته. أول كتبه كان «الجذور التاريخية للشريعة الاسلامية» وقد شكل رؤيته التراثية بحثا عن واقع اسلامي يتناسب ومتغيرات الحياة. ووقد وضع 11 مؤلفا بحث فيها جوانب مختلفة من الحياة الاسلامية استنادا الى كتب التراث الديني التي تعترف بها المؤسسات الدينية وخصوصا الازهر من اهمها «النص المؤسس ومجتمعه» في مجلدين و«شدو الربابة في احوال الصحابة» في ثلاثة مجلدات و«فترة التكوين في حياة الصادق الامين» عن حياة النبي محمد صلى الله عليه وسلم. واثارت هذه الكتب زوبعة في الحياة الثقافية المصرية في الفترة الاخيرة بسبب جرأته في التطرق الى مواضيع تعتبر من المحرمات في التراث الاسلامي. ورغم كل معاركه الفكرية مع المتشددين والمؤسسة الدينية ومثوله اكثر من مرة امام نيابة امن الدولة، لم تكن ادانته ممكنة نظرا لدقة مواقفه في اعادة قراءة التاريخ الاسلامي.
-
ثانياً : بعد أن تعرفنا على الكاتب ... نبدأ بعرض مقدمة كتابة النص المؤسس ومجتمعة ... وبالطبع بعدها يمكن للجميع الحوار حول ما جاء بها ..
<div align="center">**************</div>
<div align="center">اَلنَّصُ اَلْمُؤَسِّسُ وَمُجْتَمَعُه</div>
<div align="center">خليل عبد الكريم</div>
الإهداء
إلى أحبائى الذين التزموا الصمت عندما انفجرت براكين الغضب على ( فترة التكوين ) أمنحهم فرصة أخرى ليكرروا الموقف ذاته لأن السكوت ـ حسب منهجهم الجديد ـ من ذهب ولكنه ذهب مع الريح وهيهات أن يعود !!
خليل عبد الكريم
<div align="center">فرشة</div>
[ 1]
أمية الرسول وصحبه
الحبيب المصطفى ـ عليه السلام وعلى آله ـ لم ير فى حياته مصحفًا ولم نسطر أنه: قرأ مصحفًا لأنه كما ذكر القرآن العظيم وكما شهد هو على نفسه : أمّى.
وكل من أبى بكر ابن أبى قحافة التيمّى وعمر بن الخطاب العدوىّ وعدد من الصحابة على ذات الشاكلة أى لم يشهدوا مصحفًا.
تلك الحقيقة رغم ثبوتها إن ذكرتها لأى مسلم مهما بلغ حظه من التعليم ـ غير الدينى ـ بادر باستنكارها ورماك بالجنون أو أنك تستهزئ به أو ألصق بك تهمة المروق من الإسلام.
هذه المفارقة الصارخة تدعونا أو تضطرنا للتمييز بين القرآن المقروء أو المتلو الذى حفظته صدور الرجال وبين القرآن المكتوب الذى دُون إبان عهد الخليفة الثالث عثمان بن عفان الأموى.
القرآن المقروء أو المتلو أو المحفوظ فى الصدور غض طرى يتفجر نضارة وبكارة, أبوابه مفتوحة ومداخله ميسرة ومنافذه واسعة ومآتيه سهلة, ومفاتيحه طيّعة.
أما القرآن المدون أو المكتوب فتغلفه القداسة وتعلوه المهابة وهو محفود محشود ومحروس مخفور, تحوطه أسيجة وأسوار عالية يقف عليها حُجَّاب و سدنة ومرازبة يحولون بين أى إنسان والإقتراب منه إلا إذا حاز صفات حددوها بدقة وعينوها بصرامة وذكروها بتفصيل وهم وحدهم أصحاب الكَلِم الفصل فى إحاطته بها واستيعابه إياها وتمكنه منها كيما يتعين عليه أن يحصل على تصريح من أولئك الحُرّاس مذيل بتوقيعهم المهيب وممهور بخاتمهم القدسانى.
[ 2 ]
التفاسير الحديث تفسير لكتب التراث
وترتيبًا عليه وكنتيجة حتمية له فإن التفاسير الحديثة ليست للقرآن المجيد إنما هى للتفاسير التراثية السلفية القديمة التى مرت عليها قرون والتى تُنعت بأن أمة لا إله إلا الله تلقتها بالقبول والترحاب والتجّلة.
ومن ثم فإن المفسرين المحدثين لايطرحون تفسرًا للنص الأصلى ولا يقدمون تأويلات للقرآن الكريم بل ينفخون قراءهم توضيحات وتعليقات وشروحًا وتلخيصات لما فى تفسير الطبرى والزمخشرى والرازى والكلبى وابن كثير والقرطبى والبيضاوى والتسترى والسيوطى ....... إلخ.
بل وحتى الأستاذ الإمام الشيخ محمد عبده مع أن العهد به قريب.
ولذا فإن القارئ غدا يعرف وإذا أحسنا الظن به قلنا إنه يعلم آراء أولئك الأكابر وأحكامهم ومذاهبهم وتنظيراتهم فحسب لا التى جاء بها الذكر الحكيم !.
وهى معضلة لايستهان بها ويتوجب الإلتفات إليها.
لماذا؟.
لأنه مع تقديرنا البالغ لأولئك المفسرين الأعاظم فإن مارقموه فى مؤلفاتهم شئ وما حمله مأدبة الله شئ آخر.
إن المفسر من أولئك الأفذاذ عاش فى قرن معين وبيئة محددة ومجتمع له أبعاده ومناحيه وأعرافه وموجباته وإكراهاته, وهو نفسه تملك ثقافة خاصة به تفترق بدرجة أو بأخرى عن ثقافة أقرانه المعاصرين, وله ذكاؤه وقريحته وذاكرته الحافظة ووعيه وذهنيته ومخيلته ومعتقده ومنحاه الفكرى وإتجاهه الأيديولوجى ومدرسته الفلسفية ونحلته الكلامية ( علم الكلام ) .... إلخ.
ومن خلال كل هذه القنوات العامة والخاصة تسرب تفسيره أو تأويله, ومن طبائع الأمور أن يتاثر بها ويتشكل بقسماتها ويحمل بصماتها ويتروح بريحها ويتزيأ بزيها ويبرز بآياتها ......... إلخ.
وفى نهاية الأمر وغاية الشوط وآخر المدى ينقلب التفسير إلى نص آخر مغاير للنص الأصلى ومفارق ومباين إياه.
[ 3 ]
ما حدث للفقه المالكى
حدث هذا بحذافيره فى الفقه المالكى فالمدونة التى أملاها عبد الرحمن بن القاسم على أسد بن الفرات ونقلها إلى إفريقيا ( تونس ) ولو أنها مروية عن شيخ المذهب نفسه إلا أنها ( = المدونة ) غدت هى المرجعية التى لا تقبل جدلاً أو مناقشة أو معارضة أو مُخاجة, و على جوانبها اُلفت الحواشى والتعليثات والمخترات والتهذيبات ... إلخ.
حتى يمكن أن نقرر أن مالكية محدثية أو مبتدعة ظهرت واستقرت هناك لا صلة بمذهب شيخها, وإذا أحسنا الظن ربطتها به علاقة واهية أشد رقة من خيوط العنكبوت.
وغضب مؤرخون وفقهاء عديدون واتهموا من أقدموا على ذلك بأنهم أفسدوا مذهب الأصبحى صاحب المؤطأ عالم المدينة مالك بن أنس .
ونطرح هذا المثل للتدليل على أن التيمم نحو النصوص الثانوية أو الجانبية أو الهامشية والإحتفاء والعناية بها ووضعها فى بؤبؤ العين ومركز الرعاية ودائرة الضوء, منحى له تاريخ عتيق وجذر غائر وأصل ثابت فى قضاء الفكر الإسلامى وليس أمرًا عارضًا أو شأنًا هزيلاً أو أو رافدًا محدثًا أو بدعة وافدة أو سحابة صيف عن قريب تنقشع.
وهنا مكمن الخطر وبيت الداء وجرثومة العلة وسبب الوهن ومنشأ المرض, إذ لو أنه على خلافه لما أثار الانتباه وشد البصر واستوقف التأمل واستدعى التفكر واستنفر التمعن, وميدان أهميته فسيح ومجال أثره وسيع, ويكفى فى هذه العجالة التمهيدية أن نورد شطرً نحيفًا, وهو أن يجر دارس القرآن العظيم والباحث فى علومه بعيدًا عن ركائزه الأساسية وعُمده الرواسخ وأصوله الثوابت إلى مجرد آراء وأنظار وأفكار فاه بها فلان, ويصرفه عن منابعه الصافية وعيونه النقية وموارده السائغة إلى مشارب لا تقاس ولا تقارن بها, فأين الأرض من السماء وأين الثرى من الثريا.
[ 4 ]
المفسرون المحدثون والتفسير
عندما أقدم المفسرون المحدثون علي الانصراف عن تفسير ( السبع المثانى ) ذاته والنهل من التفاسير التراثية يقتطعون منها فقرات كوامل قد تطول أو تقصر أو يهذبونها أو يختصرونها أو يعلقون عليها أو يُحَـلّون أعناقها بالحواشى والشروح والتوضيحات والتبيينات .... إلخ.
ولا بأس بإيراد بعض المفردات الغوامض من النص الأصلى لرفع الستار عن هذا الغموض.
والإجابة عن هذا التساؤل لا تحتاج إلى زكانة ولا تتطلب فطانة ولا تستدعى لقانة ولا تستحب لوذعية.
لأن الإتكاء على التفاسير القديمة أوالتراثية أو السلفية هو جواز المرور للحظوة برضى المنفذين فى رئاسة شئون التقديس الذين نصبوا أنفسهم حراسًا لأحسن القصص وهو درب الولوج إلى البوابة الملكية التى بدون المروق من عتبتها المهيبة يستحيل عليهم الحصول على الموافقة على نشر تصنيفاتهم وإن تقت إلى الإنضباط فهى تجميعاتهم.
إن من أصعب الأمور أن تُصدق أن المفسر المعاصر الحديث يجهل أن سلفه الصالح قد عاش فى زمان غير زمانه, وفى مجتمع مغاير لمجتمعه, وبيئة تخالف بيئته, وتسلح بثقافة مباينة لثقافته, وتزود بمعارف غير معارفه, وحصل على علوم تفاصل علومه, وواكبته أنساق إجتماعية وإقتصادية ومعرفية وسياسية وإعلامية وتعليمية ... إلخ. لا وجه للمقارنة بينها وبين أندادها من الأنساق التى تحايثه.
ومن أبعد الفروض أن نؤمن أنه ( = المفسر المعاصر ) لا يفقه أن تلك الإكراهات جميعها لابد أن تطبع تفسير سلفه بميسمها, وهذا ما يؤكده ويثبته علم اجتماع المعرفة, بل ما تدركه بداءة العقول إذ تقطع به شواهد الحال, وهذا الدمغ لا يظهر فى الأسلوب فقط: تراكيب الجمل, وصياغة العبارات, واختيار الألفاظ, وانتقاء الكلمات, بل تعداه إلى الأفكار والتنظيرات والحكم على الأمور وتقييم الوقائع, واستنباط القواعد ومن ثم قيل: إن الإنسان ابن عصره.
وللتدليل عليه نضرب مثلاً سريعًا: فعندما تقرأ ( عجائب الآثار فى الترجم والآثار ) المشهور ب ( تاريخ الجبرتى ) لمؤلفه عبد الرحمن بن حسن الجبرتى, وتطالع أى كتاب لسميه المؤرخ عبد الرحمن الرافعى تلقى بونًا شاسعًا فى كل المناحى التى ذكرناها, مع أن الفارق الزمنى بينهما ل ينيف على قرنين وربع قرن.
هنا قد ينبرى لنا قارئ فلحاس ويصيح ناعقًا: هناك بينونة بين التأريخ والتفسير, إذ إن الأخير يتمحور على نص ونص مقدس يتوجب على المفسر تراثيًا أو معاصرًا أن يلتزم به ويدور فى فلكه ولا يخرج عن نطاقه.
أما المؤرخ فهو يرصد الوقائع ويحللها دون مرجعية أمامه يضطر إلى أن يرتبط بها ويتقيد بلزومياتها.
ونعقب عليه فنسطر:
هذا دفعٌ فسيد, لأن وجود الأساس الذى ينبنى عليه التفسير لا يلغى خصوصية المفسر ولا ينفى كينونته ولا يُغرب هويته ولا يعدم شخصيته ..... إلخ.
وإلا غدت مدونات التفسير نسخة واحدة وهو ما لم يحدث, فضلاً عن أنه لايفوه به ذو لب صحيح وتفكير سديد وعقل سوى بل لا يدعيه من له ذرة من وعى أو مسكة من قريحة.
وكيما نوقف المراء الشكس وننهى الجدل العقيم ونضع حدًا للنقاش الفارغ, نهدى القارئ ما دبجه واحد من شوامخ مفسرى القرآن المجيد ومن أقدمهم, له فى فضاء الفكر الإسلامى مقام محمود ورتبة سامية, ولد فى قرية القداسة ـ بكة ـ فى منتصف القرن الهجرى الثانى وتلقى العلم عل يديه وحدث عن خلق لا يُحصى من الأثبات المحققين.
ويكفى أن تعرف أن ابن جرير الطبرى, شيخ المفسرين وعمدتهم وذروة سنامهم, نقل عنه الكثير فى تفسيره الذى لا ينتطح عنزان فى قيمته وأنه من أجلّ التفاسير, ويمكنك أن تصرح بأنه مقدمها دون معارضة وبلا مجادلة وبغير حجاج.
[ 5 ]
الخرافات فى كتب التراث والتقسير
فعندما فسر ابن جريج الآية الكريمة:
{ الله الذى خلق سبع سموات ومن الأرض مثلهن يتنزل الأمر بينهن لتعلموا أن الله على كل شئ قدير } [ سورة الطلاق : 12 ]. أورد ما يأتى: أخرج ابن المنذر, عن ابن جرير فى قوله : { سبع سموات ومن الأرض مثلهن } قال: بلغنى أن عرض كل أرض مسيرة خمسمائة سنة وأن بين كل أرضين مسيرة الثرى واسمها تخون, وأن أرواح الكفار فيها ولها منها اليوم حنين, فإذا كان يوم القيامة ألقتهم إلى بهوت فإجتمع أنفس المسلمين بالجابية والثرى فوق الصخرة التى قال الله فى صخرة, والصخرة خضراء مكللة والصخرة على الثور له قرنان وله ثلاث قوائم يبتلع ماء الأرض كلها يوم القيامة والثور على الحوت زذنب الحوت عند رأسه مستدير تحت الأرض السفلى وطرفاه منعقدان تحت العرش ويقال الأرض السفلى على عمد من قرنى الثور ويقال بل على ظهره واسمه بهموت ياثرون إنهما نزل أهل الجنة فيشبعون من زائد كبد الحوت ورأس الثور, وأخبرت أن عبد الله بن سلام سأل النبى ـ ص ـ علام الحوت قال على ماء أسود وما أخذ منه الحوت إلا كما أخذ حوت من حيتانكم من بحر من هذه البحار, وحدثت أن إبليس تغلغل إلى الحوت نفسه فعظم له نفسه وقال: ليس خلق بأعظم منك غنى ولا أقوى, فوجد الحوت نفسه فتحرك فمنه تكون الزلزلة إذا تحرك فبعث الله حوتًا صغيرًا فأسكنه فى أذنه فإذا ذهب يتحرك تحرك الذى فى أذنه فسكن. [ تفسير ابن جريج: جمع وتحقيق على حسن عبد الغنى ـ ص 333 ـ الطبعة الأولى 1413 هـ / 1992 م ـ مكتبة التراث الإسلامى ـ القاهرة ].
فهنا تجلى بوضوح شديد الأفق المعرفى ( الابستمولوجى ) للمفسّر ونضحت ثقافته عل ما خطه قلمه وتبدت معطيات بيئته وما حفل به مجتمعه من أساطير.
ونذكر أنه فى ذياك الوقت وجد قصاصون فى المساجد والتجمعات الشعبية درجوا على الخوض فى كافة المجالات الدينية وأخصها التى تصلح مجالاً للتهويلات والخوارق والمدهشات مثل ما حفل به هذا النص المعجب. ومن أغزر الأخبار دلالة أن الخليفة الثانى عمر بن الخطاب العدوىّ شجّع اولئك القصاصين ـ خاصة فى البلاد التى داسوها بسنابك خيولهم المباركة واستعمروها ونهبوا خيراتها بهدف التمكين للدين واللغة اللذين حملوهما للأراضى المغزوة التعيسة.
ومن الطريف أن محقق الكتاب, وهو كما سطر فى المقدمة عضو فى هيئة التدريس فى كلية جامعية, لم يعقب على هذا النص المدهش ولو بجملة واحدة أو شبه جملة.
وحراس ( العروة الوثقى ) من مؤسسة شئون التقديس يجيزون هذا النص وأمثاله, فى حين أنهم ينادون بمصادرة الآراء أوالأفكار أو المعطيات التى تهدى تجديداً للفكر الدينى الإسلامى وتنويرًا وتثويرًا.
ولكى لا نطيل على القارئ نكتفى بهذا النص, فهناك العشرات المشابهة التى تطفح بالأسطورة واللاعقلانية والخرافة فى التفاسير التراثية خاصة ما يسمى الإسرائيليات عند تفسير الآيات الكريمة التى تتناول القصص الواردة فى العهد القديم الذى يُقال عن مجازًا التوراة وكثير منها نقلها مصنفوها أو أوردوها عن عدد من مشاهير الصحابة وفى مقدمتهم عبدالله بن العباس وعبدالله بن عمرو ين العاص وأبو هريرة وغيرهم.
حقيقة أن المفسرين المحدثين أو المعاصرين تجنبوا ما استطاعوا الإسرائيليات والنوص المدهشة كالذى أتحفنا به ابن جريج ولكن فى نظرنا هذا المسلك لايغير من الأمر: إذ ثبوت " الإسرائيليات" و " المعجبات" فى أى تفسير من التفسيرات التراثية يكشف بدون لبس وبغير غموض عن المستوى الثقافى للمفسر الذى رقمها فى مؤلفه, ويوضح الرتبة الحضارية للمجتمع الذى شب فيه والبعد المعرفى للبيئة التى نشأ فيها. وبالتالى من الميسور عليه ( على المفسر الحديث / المعاصر ) أن يفطن إلى أن التعويل على ذياك المفسر والإتكاء على أطروحاته خطأ منهجى تمامًا كالطبيب المعاصر الذى يداوى مرضاه بالسنا والسنوت وحبة البركة والفصد والحجامة والرقى .... إلخ.
هذه واحدة.
[ 6 ]
تأثير كتب التراث على القارئ
أما الأخرى الأوعر والأدهى والأنكى فهى:-
إيهام القارئ أن هذه الخزعبلات والشعبذات هى عين ما جاء به القرآن الكريم وما هدف إليه وما تغياه.
ولعل من نافلة القول أن نسطر أنه لاتوجد إساءة له أشد, إذ هو منها برئ براءة الذئب من دم الفتى الحليوة يوسف بن بعقوب, لأنها تقيم بين القارئ وبين المعطيات الصحيحة للذكر الحكيم سدًا منيعًا, وتحول دون فهمه إياها على الوجه السديد وتمنح الطروحات الزيوف سندًا مقدسًا مما يشبع الخرافات والجهل لديه وينفحه مناعة ضد قبول العلم وحصانة ضد أعمال العقل وملكة ـ إن صح هذا اللفظ ـ العيش فى خضم رمال البداوة وهضاب الجهالة وكثبان التخلف.
ونضع فى حجر القارئ علة أخرى لِخَنَس المفسر المعاصر عن النص الأصلى وهرولته إلى التفاسير التراثية يشرب منها عَلَلا بعد نهل بل يَعُبّ منها حتى يتضلع:
الكسل العقلى والإسترخاء الفكرى والبلادة الذهنية وجِماهعا متوافقة تمامًا مع حالة التردى الراهنة التى تضرب الشعوب الإسلامية عربية أو أعجمية, فباستقراء تاريخ الفكر الإسلامى نافى أنه فى عصور الإنحطاط يختفى الإبداع والإختراع والإبتكار ويشيع فيه التكرار والإجترار والإتباع.
وهو بالفعل ما حدث منذ أن بدأ إنكسار الحضارة الإسلامية وهبوط خطها البيانى با وانحداره بشدة, ونستطيع أن نذكر, مع قدر غير قليل من التجاوز, أنه طفق يتحقق منذ القرن السابع الهجرى, إذ تحول التأليف إلى تصنيف وتجميع وتوليف .... إلخ. وأطلت الرؤوس الشوهاء للحواشى والتعليقات والملخصات والشروح.... إلخ.
ومن ثم فإنه من المؤتلف لهذه السُنَّة الإجتماعية أنه لم يظهر فيلسوف بعد ابن رشد وتوارى فى الظل المجتهد المطلق بعد أئمة المذاهب الأربعة ومن لحق بهم إبان قرنين من الفقهاء ولم يبزغ فى سماء علم الكلام نجم ساطع وقمة شامخة كواصل بن عطاء والجبائيين والجاحظ والنظام, ولم نر شاعرًا مفلقًا مثل أبى تمام والبحترى وجرير والأخطل وبشار بن برد وأبى علاء المعرى.
أما فى نطاق المادة المبحوثة فقد إنتهى زمن المفسرين الأكابر: مقاتل بن سليمان والطبرى والقرطبى والرازى والزمخشرى والبيضاوى وابن كثير .... إلخ.
ثم نرجع لسياقة الدراسة: إذن إتخاذ المفسر المعاصر التفاسير التراثية أو السلفية عكازًا له مسألة طبيعية تناسب ولا تبايِن و تأتلف ولا تغاير وتوائم ولا تتنافر مع التخلف الحالى الذى تعانيه المجتمعات الإسلامية, إذ تصل نسبة الأمية فى العديد من دولها إلى أكثر من سبعين فى المائة, هذا عن الأمية الأبجدية, أما عن الأمية الثقافية فحدث ولا حرج, ويعيش شطر كبير من شعوبها تحت خط الفقر, ويكفى أن كل أربعة من عشرة أشخاص فى مصر على ذات الشاكلة, وأن سكان العشوائيات فيها يجاوزون الإثنى عشر مليونًا.
ومصر تعد من الذؤابة العليا فى الدول العربية فما بالك بالتى تعدن فى مؤخرتها أو مقعدها أو عجيزتها !!.
إذن من الناحية العملية يستحيل أن تبرز التفسيرات الحديثة المعاصرة بهيئة منافرة لما تبدو بها الآن.
فالذين دبجوها هم قطعة من نسيج مجتمعاتهم المتهرئة المتردية فى وهاد التأخر والتبدى والتوحش.
ومن جانب آخر إذا إفترضنا جدلاً أن المفسر الحديث المعاصر أبدع تفسيرًا يمتاز بالإستنارة ويتسم بالعقلانية وتفوح فى جنباته روائح التقدمية, فلمن يقدمه؟, ومن يقبل على مطالعته؟.
إن البعد عن التفاسير التقليدية أو التراثية للقرآن العظيم المدون أو المخطوط أو المكتوب والمعروف بـ " مصحف عثمان" والتوجه نحو القرآن المجيد المتلو والمقروء والذى حفظه الصحابة فى صدورهم وهم الذين عرفوا بـ " القراء" والذين استشهد منهم فى اليمامة فى معركة حديقة الموت ضد بنى حنيفة المئات, وهو الأمر الذى أفزع العدوىّ عمر بن الخطاب فأشار على التيمىّ ابن أبى قحافة بجمع القرآن وتدوينه ـ عبء ثقيل على المفسر المعاصر ولا طاقة له به لأنه يحتاج لإى البدء إلى:
أفق وسيع, وقريحة متوقدة, وبصيرة نافذة, وعقلية متفتحة, وفكر جسور. كما يتطلب صبر أيوب على البحث والدراسة والنقيب والتنقير فى المصادر الأصلية فى شتى فروع العلوم الدينينة, وهذه التزامات شاقة مجهدة لاطاقة له بها, هذا إن أحسنا الظن به وسلمنا أنه تمتع بالملكات العقلية الى ألمحنا إليها فى ناصية هذه الفقرة, بقيت فقرتان رشيقتان نختم بهما هذه الفرشة: بيد أن الإضطلاع بهذه المهمة الخطيرة يكافئ ما يبذل فى سبيل تحقيقها.
الأولى: إن المفسر المعاصر / الحديث عندما إختار النقل أو الإقتباس من موسوعات ومؤلفات وكتب التفسير التراثية السلفية, علاوة على أنه آثر السلامة وفضل العافية وإنحاز لناحية الدعة فإن احتمالاً قائمًا لا نستبعده نحن, وهو أنه غير مؤهل لأن يدرك هو أن الكتب التى جاء بها البطاركة الكمل ـ لا القرآن وحده ـ ليست محتوى لغويًا فحسب, بل هى مجموعة من المحتويات منها القصصى, والإجتماعى, والسياسى, والعسكرى والحربى, والتعليمى, والفقهى ... إلخ.
وأنه مكتوب بلغة عالية وهو, وهذا خاص بالقرآن, إذ دخل فى علاقة جدلية فى شطر وسيع منه ـ مع الواقع المعاش والحياة اليومية لمن تلقوه أو استمعوا إليه ـ فإن هذه اللغة العالية هى التى أتاحت وما زالت تتيح وسوف تستمر فى نفح الفرصة أو الفرص لإعادة إنتاج خطاب آخر على هامشه وهو خطاب تفسيره وتأويله, ورقمنا كلمة " على هامشه" لأنه جزمًا وحنمًا وضرورة انتصاب فارق واضح بين النص الأصلى وهو الذكر الحكيم وبين التفسير.
ومن هنا فإن النص المقدس أو الأصلى ثابت مطلق لايتغير فيه حرف واحد, أما الخطاب الثانى , وهو التفسير, فهو نسبى متغير متحرك, لأنه يتأثر لا بالظروف الذاتية لمبدعه مثل ثقافته ومنحاه الفكرى وأيديولوجيته .... إلخ, بل وبالأحوال العامة لمجتمعه وبيئته من كافة أقطارها: السياسية, والإجتماعية, والإقتصادية, فجميعها بغير إستثناء تترك بصمات أصابعها على المنتج الثقافى البشرى وهو التفسير, وهذا علة إختلاف التفاسير على مر العصور, وهنا مكمن الخطأ المنهجى الذى يرتكبه المفسر المعاصر عندما يهجم على التفاسير القديمة وينقل منها إما بفصها ونصها وإما بمعناها.
الأخرى: هى تحليل سريع لخبر ثابت فى كتب تأريخ القرآن خاصة ومؤلفات التاريخ الإسلامى العام والسيرة والتفسير ...إلخ, وهو أن العدوىّ عمر بن الخطاب أصابه الجزع وأحس بالإضطراب عندما بلغه نبأ قتل مئات من القراء أى حفظة القرآن فى حديقة الموت على يد جنود مسيلمة الكذاب زعيم وقائد بنى حنيفة.
ما وجه هَلَع العدوىّ بن الخطاب لموت أولئك الحَفَظة وهو يعلم أن القرآن مكتوب على العظام وسعف النخيل والأقتاب والأكتاف؟ .... ولماذا إقترح جمع القرآن وكتابته وهو يعرف أنه, فضلاً عن ذلك, محفوظ فى صدور المئات فى قرية يثرب وغيرها وأنه إن استشهد من الحفاظ مئات فقد بقى منهم أضعاف هذا العدد, إذ إن حفظ القرآن شكل لديهم منقبة يفخر المسلم بها, حتى النسوة فعلنه؟.
وما هو السبب فى أن أبا بكر تردد فى قبول الإقتراح, وأن زيد بن ثابت اليثربى قاومه باستماتة ولم يرضخ إلا بعد أن ضغط عليه التيمىّ والعدوىّ؟.
لعل الإجابة على جماع هذه التساؤلات هى إعتقاد أبى بكر وزيد بن ثابت أنه من الأصلح بقاء القرآن العظيم محفوظاً فى الصدور, حتى يستمر على نضارته وبكارته وطزاجته وانفتاحه.
ويؤيد هذه الفكرة أن " سيد بنى آدم" لم يأمر بتدوينه ونقلت إلينا كتب سيرته الزكية أنه دأب على سماعه من عدد من الصحابة مشافهة ومباشرة, ولا يوجد خبر فرد أنه كلف واحدًا منهم بأن يتلوه عليه من تلك الأدوات العجيبة التى كتب عليها!.
إذن المصحف المقروء أو المتلو الذى استودعه الصحاب صدورهم واختزنوه فى ذاكرتهم ووعوه فى قلوبهم وحده هو الذي تسيد وهيمن طوال الثلاثة والعشرين عامًا, منذ واقعة مغارة حراء الخارقة حتى انتقاله إلى الرفيق الأعلى راضيًا مرضيًا, ثم شطرًا من خلافة ابن أبى قحافة التيمىّ ثم دون فى صحائف وسلم إلى حفصة بنت عمر إحدى الزوجات التسع لـ " أول من تنشق عنه الأرض", ومع ذلك ظلت الهيمنة والسيادة للحفظ والتلاوة والقراءة الشفوية باقى أيام أبى بكر التيمىّ ثم طوال عهد العدوىّ عمر بن الخطاب وشطرًأ من حكم الأموىّ عثمان, فإذا حسبت هذه المدد وضممتها إلى بعض بلغت أربعين عامًا, وبداهة لاينال من سيطرة القرآن الكريم المحفوظ فى الصدور, وجود مصاحف خاصة لدى بعض كبار الصحابة على رأسهم: أبو الحسنين على بن أبى طالب كرم الله وجهه وعبد الله بن مسعود وأُبَىّ وأبو موسى الأشعرى, ومن النسون التيمية عائشة, لأن هذه حالات استثنائية والإستثناء لايقاس عليه.
وبعد هذه الجملة الإعتراضية نؤوب إلى السياق:
علام يدل تسيد المصحف المتلو أو المقروء أو المحفوظ فى صدورهم رجالاً ونسوة لمدة نيفت على الأربعين عامًا إن فى قرية القداسة بكة أو فى قرية بنى قيلة, ويمكن أن نضيف إليهما قرية بنى ثقيف" الطائف" , مع الوضع فى الإعتبار أنها " مدة الأربعين عامًا" ليست عادية, لأنها هى التى شهدت الميلاد وعاينت التدشين وحظيت بالإنبثاق وسعدت بالظهور, وتمتعت بالشروق, والذين عاشوها شكلوا طليعة التلقى, وجماعة ميزها بالبكارة ووسمها بالنضارة وحلى صدرها بالطزاجة وزين جيدها بالانفتاح وهى بكل المقاييس حقبة مدهشة معجبة؟.
وتبعًا لذلك فإن القرآن الكريم الذى هيمن عليها ـ ونكرر أنه لايباين القرآن المجيد الذى تم تدوينه إبان حكم الأموى عثمان بن عفان فى مصحف واحد ـ هو الذى يمنح دفعة قوية للتعرف عليه والريض فى جنباته المورقة وتنسم روائحه العطرة وتذوق طروحاته الشهية.
ورأينا أن الطريق إلى ذلك هو التنقير عن أسباب النزول وعن الملابسات التى واكبت ظهور الآيات والوقائع التى حايثت شروق النصوص, لأنها من جانب هى ذاتها التى دفعت الصحاب إلى حفظها ووعيها ودسّها فى الذاكرة, لأن البدوى الأمى يعتمد عليها بالكلية بخلاف المتحضر والمتمدين, ومن ناحية أخرى لها أهمية بالغة وخطر شديد فى الكشف عن تأريخ القرآن العظيم, والإبانة عن مساره وإلقاء أضواء كواشف على خطواته.
أما الناحية الثالثة وهى مسك الختام: رفع الستار عن ذلك المجتمع وتلك البيئة فى جميع أقطارها وهو شأن يفوق فى نفاسته ويبز فى ثمانته كل ما سبقه, لأن التعرف على أحوال المجتمع والبيئة هو الرافعة اليتيمة التى لاضروب لها لاستخلاص القيم واستقطار المعانى واستخراج الدلالات التى هى ـ دون غيرها ـ المعوّل عليها فى النهوض من الكبوة والإنفلات من الوهدة والإنعتاق من القيود التى تكبِّل مجتمعنا وتمنعه من المضىّ قدمًا كيما يلحق بالذين سبقوه فى مضمار الحضارة.
<div align="center">*************************** </div>
-
<div align="center">مقدمة</div>
[ 1 ]
القرآن المقروء والمتلو
هل القرآن المقروء والمتلو الذى حفظه الصحابة فى صدورهم غير القرآن المدون فى المصحف الذى كتب فى عهد الخليفة الثالث عثمان بن عفان الأموىّ؟.
بداهة: الإجابة لا, بصورة جازمة لاتدع مجالاً لذرة من لبس ونعوذ بالله تعالى أن يفهم القارئ مما سطرناه فى الفرشة أنن عنينا أنهما قرآنان ونبرأ من مَن يدعيه, إذ هو محض زور وبهتان بل وأكثر.
كل ما فى الأمر أن القرآن المقروء والمتلو والمحفوظ فى صدور أول من تلقاه من " سيد بنى آدم " وهم صحابته اتسم بالحركة والديناميكية, لأنه ارتبط بحيواتهم ومشاغل معاشهم وشئون دنياهم, وقدم حلولاً نواجع لمشكلاتهم, وإجابات مستفيضة على تساؤلاتهم وردودًأ بواهر لإستفساراتهم, وهداهم إلى الصواب فى ما قطع عليهم مسيرتهم من عقبات كأداء أو عوارض غوامض فى كل منحى, بل إن الدائرة إتسعت بصورة لم تخطر لهم على بال, إذ شملت الخصوصيات الدقيقة مثل النكاح, والطلاق, والظهار, واللعان, ووقت معافسة النِسون فى الشهر الفضيل, وهجرهن, وضربهن ضربًا غير مبرّح, ومعملة الضرائر والمساواة والعدل, وحدد بدقة مكان حرثهن, وكيفية الإنفاق عليهن, ومن يدخل من الخدم والأتباع بيوت أسيادهم ووقته, إلى ما يماثلها أو ما هو دونها من الدقائق والتفصيلات الرفائع.
*******
أما فى العموميات فقد غطت مجالات الحرب والسلام والهدنة والغنائم والأنفال والأسارى والقتال والزحف والمعاهدات والعفو عمن فرّ من العدو من الصحابة فى غزوة أو أكثر وولاهم دبره ومعاملة أهل الكتاب وأهل النفاق والشقاق وأعراب الأشد كفرًا ونفاقًا .. إلخ.
حتى أن المرء ليعتريه الدهش ويعلوه التعجب ويتملكه الإنبهار من تلك العلاقة الجدلية الحميمة التى نشأت واستمرت أقل قليلاً من ربع قرن بين القرآن المتلو وبين أحوال المجتمعين المكى واليثربى والأفراد الفاعلين فى كليهما, فقد تنولهما بشمولية فاذة ونسطر ونحن مطمئنون أنه لم يغادر صغيرة ولا كبيرة, وفى نطاق الأفراد لم يقتصر على تبع " أول من تنشق عنه الأرض" بل تعرض للمشركين ورموزهم وللمنافقين وصناديدهم وللأعراب وزعماءهم ولأهل الكتاب اليهود وأحبارهم والنصارى وقسسهم وللأصنام وسدنتها وعابديها..
[ 2 ]
تقصير القرآن فى العقيدة والعبادة
بداهة لم نعرّج على ما طرحه النبأ العظيم فى ناحيتى العقيدة والعبادة, لأن هذين الجانبين هما ميدانه الأصيل الرئيسى, فإذا لم يأت بهما فبأى شئ يجئ؟.
بيد أن الذى يلفت الأنظار بشدة ويثير الإنتباه بقوة ثم يدعو للتفكير ويتطلب التأمل ويستدعى مراجعة النظر, هو أن القرآن المجيد فى دائرة العبادة حصراً وحديدًا أجمل ولم يُفصل وأوجز ولم يُطل وإختصر ولم يُطنب, إذ يستحيل عليك أن تعرف منه كيف تؤدى الصلاة, وعلام تُزكى, وما مقدار الزكاة فى كلٍ؟, وما هى مناسك الحج؟.
ومن حق المسلم أن يسأل ـ وهذا على سبيل المثال ـ أيهما أشد خطرًا وأكثر أهمية, الصلاة أم اللعان؟.
ففى الذكر الحكيم ليس ثمة بيان عن أوقاتها أو عدد ركعاتها أو كيفية إقامتها, فى حين أن الملاعنة سيقت فى شأنها تفصيلات دقيقة.
والتقليديون أو التراثيون يجيبون على هذا التساؤل الجوهرى أن القرآن أوكل مهمة التبيين فى الصلاة والزكاة والحج .. إلى " أول شافع وأول مشفع", بيد أنه رد غير مقنع, إذ من الميسور التعقيب عليه بالآتى:
إذن لماذا لم يوكله فى مسألة اللعان وهى أهون شأنًا وادنى وأخفض درجة وأدنى مكانة بما لايقاس من الصلاة التى هى عمود الدين ومن تركها فقد هدم الدين؟!!.
*******
إن القرآن العظيم باتفاق السلف والخلف منزه عن المطاعن إذن فلأى علة اختط هذا المنهج الذى يبدو للنظرة العجلى والتفكير الفطير والتدبر الناقص أنه محير أو مربك أو مشكل؟.
وقفت عند هذه النقطة من البحث مليًا وتمعنت فى قوامها طويلاً وتفرست فى خوافيها زمنًا , وأخيراً وفقنى الله وله المنة إلى الحل الصحيح:
نصوص الذكر الحكيم أى سوره وآياته انبثقت فى حنايا المجتمعين المكى واليثربى ومن ثم حملت همومهما وناءت بمعاناتهما فى كل ضروب الحياة كما أوضحنا, ومن هنا جاءت مُنجمة أو نجومًا أو متفرقة كلما قبت ( = من القبة) نازلة ( = واقعة أو حادثة ) قابلتها آية أو عدد من الآيات التى تفك عقدتها, وقد حدث أن المخاطب أو المخاطبين بالآية أو بضع الآيات إذا شعروا بأنها لم تفك من العقدة إلا شطرًا منها توجهوا إلى ( قطب الأقطاب ) وشرحوا له الموقف فأحيانًا فورًا وأخرى على التراخى تنبثق آية أو آيات تداوى ما بقى من المعضلة وتزيل ما اعترى نفس الذى تشكى له وفى أوقات أخرى يلمس هو بذاته الشريفة القلق الذى ضرب تبعه أو أصحابه دون تفوه منهم وهنا تبرز آية أو آيات شافية لكل هم, مزيلة لكل غم.
*******
هذا هو التبيين السليم لعبارة إن القرآن المجيد جاء منجمًا وهو بدوره ما يكشف لنا الغطاء ويرفع لنا الستار ويزيح عنا العتمة فى معرفة السر وراء استمرار إنبعاث سور وآيات القرآن الحكيم لمدة ثلاثة وعشرين عامًا.
فى حين أن موسى صعد إلى احد جبال سيناء فأعطاه ربه ( لوحى الشريعة , لوحى حجر مكتوبين بإصبع الله ). [ الأصحاح الحادى والثلاثون من سفر الخروج ].
أى أن موسى أخذ من معبوده كتابه " عبارة عن لوحين" تفضل بنقشهما بإصبعه فى لحظة, أى لاتنجيم ولا تفريق, ومن هنا فقد صَفُر هذان اللوحان من المشاغل الحياتية والهموم المعاشية واقتصرا على ركنى العقيدة: " لاتسجد لإله آخر لأن الرب غيور إله غيور هو", والعبادة وطقوسها المتشابكة وقد حفلت بتفصيلات فى غاية التعقد ولولا ضيق المجال وأننا سنبتعد عن جوهر الدراسة لسطرنا للقارئ طرفًا ليطلع على تلك الأمشاج المعجبة.
غاية ما يعنينا فى هذه الخصوصية أن توراة موسى, إن صح أن ذينك اللوحين هما هى أو هى هما, انحصرت فى الركيزتين الرئيسيتين لأى ديانة ونعنى: العقيدة والعبادة, ولأنها هبطت من أعلى فقد خلت من شئون الدنيا ومشاكل الحياة ومغالبات العيش, ونذكر القارئ بأننا نتحدث عن اللوحين اللذين تفضل رب موسى بنفحهما إياه بعد أن تكرم برقمهما بإصبعه.
أما القرآن العظيم فلم يظهر مرة واحدة كاللوحين / التوراة, بل ظل يتنزل لما يقرب من ربع قرن من الزمان, والحق أنها حقبة مبهرة مضيئة لم تنل حظها من البحث والتنقير ومن ثم تشيأ فيه عنصر العناية المكثفة بالأفراد والجماعات بآيات بارزة ملموسة لا تخفى على ذى لب ولا تستبهم على صاحب بصيرة ولا تستشكل على من لديه ذرة من حجة, بل لا نغدو مغالين أنه ( = عنصر الاهتمام بالممارسات الحياتية ) يكاد يلمس باليد.
وبمفهوم المخالفة فإن حيز العقيدة والعبادة فى ( الشفاء الكريم ) برز محدودًا مع روعته وعظمته وأصالته.
*******
هذا هو الفرقان بين التوراة والقرآن, فالأولى منهما ذكر صاحبها أو متلقيها انها انحدرت إليه من أعلى ونقرها بإصبعه ربه ومعبوده وتسلمها هو منه فى برهة يسيرة أو ربما امحة خاطفة, لأن هذه اللحظات الباهرة لاتقاس بالزمان المعروف لدى الناس بالزمن الوجودى.
أما الآخر, أى الذكر الحكيم, " فى الترتيب الزمنى والتحقيب التاريخى أما فى المرتبة فهو الأول والمهيمن", فقد صاحب بنى آدم فى حلهم وترحالهم, فى سفرهم وعدنهم, فى ظنعهم وإقامتهم, فى فرحهم وترحهم, فى حربهم وسلمهم, فى عداواتهم وصداقتهم, فى بيعهم وشرائهم, ورهنهم, فى فقرهم وغناهم, داخل بيوتهم وخارجها, فى علاقاتهم العائلية وأحوالهم الشخصية, فى أفعالهم الحميدة وممارساتهم الذميمة, فى أنسابهم وقراباتهم, ومع عبدائهم وإمائهم وحرائرهم, فى ماضيهم وحاضرهم ومستقبلهم مع ىبائهم وأولادهم وجيرانهم وأصدقائهم وحولهم, مع السلطة التى تعلوهم والمستوى الخفيض عنهم, فى أسواقهم ومتاجرهم ... إلخ.
فى كل هذه المناحى الكثيرة التى تحصى بالعشرات لم تغفل عيناه عنهم:
أهدى لكل معضلة حلاً ولكل سؤال جوابًا, ولكل نازلة مخرجًا, ولكل حدث حديثًا, بل أحسن حديث, ولكل همّ فرجًا, ولكل ضائقة توسعة, ولكل عقدة فكًا, ولكل مغلاق مفتاحًا ولكل مسكوك منفذًا, ولكل جدب غيثًا ولكل إمحال خصبًا .... إلخ.
وترتيبًا على جماعة تفرشحت فيه مساحة النصوص التى غطت مغالبات الدنيا ومعالجات العيش ومراوضات الحياة.
وهى ميزة رائعة بخاصية فريدة, ومنقبة حميدة, وصفة شامخة تفرد بها القرآن العظيم عن سائر الكتب المقدسة المعزوة إلى الديانتين الإبراهيميتين اللتين تقدمتاه تاريخيًا لا منزلة فهو وحده ـ وهذه كلمة حق تقال ـ من بينها صاحب المقام المحمود والدرجة الرفيعة والمرتبة المنفية.
[ 3 ]
تأثير المجتمع فى القرآن
وجه تميز الذكر الحكيم هو عنايته الفائقة واهتمامه الشامل بالناس ورعايته المضاعفة إياهم, ولقد أدرك الصحابة ذلك وفقهوه, ومن هنا تنبع الحقيقة التى تؤكد أنهم أكثر المسلمين فهما له, وأعمقهم علمًا بدخائله ومخارجه, وأغزرهم معرفة بدقائقه, وأوسعهم إحاطة بأسرار تراكيبه, وأحسنهم دراية بمنهجه, وأنفذهم بصيرة بأسلوبه, وأعمقهم فطانة بطرائقه فى الخطاب, وأصدقهم قريحة فى الخبرة بمسالكه, وأحَدّهم بصرًا فى الإهتداء إلى دروبه .. إلخ.
ويُرجع التراثيون والأتباعيون ذلك إلى سليقتهم العربية الفطرية, ويردد الخلف عن السلف هذه العلة دون تفكير وبغير إعمال عقل, فى حين أنها ( العلة ) وإن صحت فإنها مجزوءة منقوصة, فهناك من بين الصحابة من لا ينطبق عليه هذا النعت, إذ عرف عن بعضهم لُكنة فى الكلام وحُسبة فى اللسان و عُجمه فى التعبير, منهم على سبيل المثال صهيب الرومى, وسلمان الفارسى.
كما وجد فى صفوفهم من نشأ فى قبائل بدوية فى لهجاتها حوشية وخشونة وبداوة وجفاوة, وأخبرنا القرآن الحميد أن الأعراب أكثرهم لايعقلون إبان قَصّه عن أعراب بنى تميم الذين نادوا ( سيد العرب والعجم ) من وراء الحجرات, وبلغت بهم السفاهة والحماقة أنهم طلبوا منافرته, والذى لايعقل لايبين إنما يصدر عنه صخب وضجيج وجلبة تصم الآذان.
إذن ليس الشأن منحصرًا فى تذوق فصاحة القرآن وبلاغته ونصاعة أسلوبه هذه الصفات التى لايمارى فيها أحد وأنها التى حدت بالصحابة إلى استيعابه والإلمام به لأن القضية لاتخص اللغة وحدها.
وإذا صدق بالنسبة لمعلقة أو قصيدة لإمرئ القيس أو النابغة أو زهير بن أبى سلمى أو حتى لحسان بن ثابت أو الخنساء, فإنه من الركاكة والفهاهة والعى سحب هذا الحكم على القرآن العظيم.
*******
إن الصحابة عندما ينسب إلى جانبهم أعمق المسلمين قاطبة فهمًا واستيعابًا وفقهًا وإدراكًا وعلمًا بالذكر الحكيم, خاصة الكوكبة اللامعة التى أحاطت بـ " أول من يفيق من الصعقة " والذين درج المسلمون سلفهم وخلفهم على وصفهم بعلماء الصحابة, إنما مرده ومرجعه فى نظرنا أنهم وقد رافقوا " الأمين المأمون" فى غالبية أوقاته فطنوا إلى المرونة التى حايثت ظهور الآيات الكريمة والأسباب والمناسبات التى واكبتها, حتى إن بعضهم وأشهرهم فى هذا المجال العدوىّ عمر بن الخطاب, الذى أصبح فيما بعد خليفة, دأب على نطق بعض عبارات, فإذا بعد قليل يتلو " الحبيب المصطفى" آية أو آيات تتضمنها أو يشير برأى فى موقف معين فيقرأ " مقدم ولد عدنان" آية أو آيات تقننه.
وشارك بعض الصحابة عمر فى هذا المنحى ـ كما سوف يتموضع فى الفصول القوادم ـ إنما لَحِق " هذا البعض" به وجاء مصليًا " تاليًا أو لاحقًا" للعدوىّ.
إذن فقه الصحابة, أو إذا شئنا التعيين علماؤهم, وصلة القرآن العظيم بالمجتمع ووجود علاقة تبادلية مع ظروفه تستنفر حلولاً أو فتاوى أو استشارات أو علمًا أو معرفة أو آراء ـ يقبل الذكر الحكيم إما سريعًا كما فى مسألة الظهار وإما بعد برهة بما يقر العيون ويثلج الصدور ويسر القلوب .........إلخ.
وبداهة تكرر عشرات المرات أمام عيون الصحبة اللوذعية الفطنة فترسب فى أعماق يقينهم تحقق وشيجة ملتبكة بين نوازل المجتمع وبين الآيات الكريمة وأنه يمكن أن يدعى بغير تجاوز أن الأولى مقتضيات حتمية لإعلان الأخرى أو أنهما أشبه بالإيجاب والقبول إذا إستعرنا لغة الفقه فى نطاق العقود.
وهذا التفطن يفسر لنا ما فاه به إثبات علماء الصحابة وعلى الذؤابة رأسهم وسيدهم أبو الحسنين على بن أبى طالب كرم الله وجهه , أنه يعلم سبب أو مناسبة كل سورة وآية ومتى وأين نزلت ..؟.
أما عائشة بنت أبى بكر بن أبى قحافة, وهى معدودة منهم, فقد صرحت بوجود الوثاق الحوارى بين القرآن الكريم وبين موقف حساس, وهو إقدام إمرأة أو نسوة على هبة نفسها أو أنفسهن لـ " المنصور بالرعب قرابة شهر" ولعل الذى وزّ التيمية على المشافهة به علتان:
الأولى: حداثة سنها إذ إنها عندما انتقل " سيد الخلق" إلى الرفيق الأعلى راضيًا مرضيًا لم تجاوز الثامنة عشرة من عمرها.
الأخرى: أن الموقف حزبها وضيق صدرها وأثار حفيظتها, لأنه سوف يضيف إلى ضرائرها الثمانى ضرة أو ضرائر وهى ليست فى حاجة إلى مزيد, ومن ثم أفلتت منها تلك العبارات التى رقمنا فى كتابات لنا سوابق أنه لايجرؤ مسلم غيرها صحابى أو غير صحابى على التلفظ بها.
وأيا هو الأمر فالذى لامشاحة فيه أن تصريح ابنة أبى بكر غنى بالدلالات ملئ بالمعطيات حافل بالمعانى وفى ذروة سنامها تأكيد الحبل المتين الذى يربط بين القرآن الحكيم وبين ما تتابع فى حنايا أبطن تجمعاتهم من حوادث وأحداث.
*******
لا يفهم من هذا الطرح أن كل ما انتصب فى سور القرآن العظيم استجابة لموجبات فعاليات المجتمعين المكى واليثربى وما اضطرب فى أحشائهما, فهذا بالقطع غير دقيق بالمرة إنما الذى نرقمه أن شطرًا وسيعًا منه هيمن على تلك المجالى المركبة.
ولا نلقى أصدق من " أسباب النزول" دليلاً على ما نذهب إليه, فهى محيط عميق يموج بأشتات من الأخبار تلمس فيها باليد قبل العين استقرار الصلة بين نصوص ( الأمر / البُشرى = القرآن ) ومن توجه إليهم.
وفى ذات الوقت فإنه عين ما قصدناه بالقرآن المقروء والمتلو الذى حفظته صدور الصحاب المتصف بالجدة والإبداع والطرافة لأنه داوى أسقامًا عملية ورفع حواجز واقعية وأزال عقبات معاشية ويسر صعوبات حياتية وقدم لها الحلول النواجع.
*******
وليس مدلوله أن التى لاءمت أو ناسبت مفتتح القرن الأول الهجرى تصلح للمستجدات المدهشة لفواتح القرن الخامس عشر الهجرى أو أواسطه أو خواتمه إنما الذى نتغياه معُطيين:
الأول: أن القرآن العظيم نص مفتوح ومحاولة تسييجه ضررها أضعاف نفعها ويكفى أنه تفضل بدور فى غاية الروعة وهو الإرتباط العضوى بالمجتمع الذى انبثق بين جنباته سواء فى بكة أو يثرب.
فعلى من يود تفسيره مجتهدًا أو غير متوانٍ أن يؤمه مباشرة خاصة ما وصفناه بالقرآن المقروء والمتلو الذى حفظ فى صدور الصحابة الذى أبرزت قسماته " أسباب النزول" أما الإتكاء على التفاسير العتيقة, مع بالغ التقدير لها, فإنه يجافى المنهج الموضوعى العلمى فى التفسير.
الآخر: أن " أسباب النزول" وما كشفت عنه بجسارة من حلول وآراء وفتاوى واستشارات ومعارف وعلوم واكبت الآيات التى تُليت زمنها فلا يتطلب إنزالها بحرفياتها على مستجدات هذا القرن الحالى إنما الهدف هو الإستهداء فحسب بالمبادئ أو القيم التى نستطيع استقطارها منها, لأن العبرة بالمعانى لا بالمبانى. وإذ إنها كما ذكرنا مقطع كبير من القرآن المقروء أو المتلو فإنها أولى بالدراسة للحصول على مفاتيح التفسير المستنير للقرآن العظيم.
*******
لم يقتصر القرآن الكريم على الإهتمام بالمجتمعين المكى واليثربى وأفراد كل منها سواء من الذكور أو الإناث بل إنه أولى " سيد الناس ومقدم العرب" رعاية تميزت بالكثافة والتركيز البالغين فقد تناول كافة شئونه الخاصة منها بل شديدة الخصوصية:
فعلى سبيل المثال عندما تتفق عليه زوجتان من زوجاته التسع أو يتعاقدن جميعهن على طلب زيادة النفقة عليهن وشيئًا من التوسعة أو تكتشف إحداهن أنه مسّ جاريته على فرشها وفى حجرتها فهنا تظهر آية أو آيات كريمة تزيل عنه الغمة.وكذا حُلت معضلة زواجه من السيدة الفئقة الحسن والبهاء التى تزوجها قبله عبده ثم ابنه عن طريق التبنى ثم مولاه, ودرج تقليد راسخ بينهم على تحريم هذا النكاح بورود آية فكّت العقدة وأبطلت ذاك العرف المستقر وسخفته واستهجنته وأحلت زواج الرجل بزوجة ابنه المتبنى حتى ولو دخل بها وعاشرها وبذا حُق لتلك الزوجة الوسيمة القسيمة الفاتنة أن تفخر على سائر نسونه, لأن كلاً منهن زوجها وليها فى حين أنها الوحيدة التى جاء أمر نكاحها فى الذكر الحكيم وبسببه أيضًا تم تحطيم قاعدة صلبة مضت عليها مئات الأعوام وهى تحريم حليلة الإبن بالتبنى.
وفى ليلة عرسها أطال المدعوون إلى الوليمة المكث لديه وهو أمر يقطع بقلة الذوق ويشى بسوء الأدب وينبئ عن الخشونة وينضح بالبداوة, إذ من حق " سيد ولد عدنان" أن يدخل سريعًا على عروسه الوضيئة الجميلة, فانبرى القرآن العظيم وظهرت من آية كريمة عابت على الضيوف الثقلاء لُبثهم غير اللائق وأمرتهم بسرعة الإنصراف.
وتجرأ نفر من المنافقين وبعض رقيقى الإيمان وعدد من المسلمين لاشك فى إسلامهم بيد أن عقولهم خفيفة وأخلاقهم طفسة ونفوسهم معقدة , رموا احب زوجات " المعصوم من الناس" وهى إبان ذاك فى الثالثة عشرة من عمرها بتهمة حقيرة هى منها بريئة كل البراءة وأشاعوا عنها إفكًا وبهتانًا, فتصدى لهم الذكر الحكيم وأعلن براءة الزوجة الحدثة الصغيرة السن وزيف وبطلان أكاذيب السفلة أصحاب الإفك وفرج عن " أبى القاسم" أزمة نفسية قاسية ألمت به.
وفى غزوة أخرى فقدت ذات الزوجة الحبيبة الحديثة العمر عقدها فحبس الأصحاب على إلتماسه مما دعا أباها التيمىّ إلى أن يصيح فى وجهها أنها فى كل سفرة بلاء وعناء على الناس. ونتيجة له تعذر على المسلمين أداء الصلاة لإنعدام الماء فى الموضع القفر وفجأة أقبلت آية قرآنية حلّت العقدة وفكّت الأزمة فأباحت التيمم.
فى سورة غضب أعلن صحابى أنه سوف ينكح ذات الزوجة الشابة بعد وفاة محمد, لأنها فضلاً عن صغر سنها حلوة مُلاحة وتمُت إليه " الصحابى" بقرابة حميمة ورغم أن " الشفيع المشفع" بشره بدخول الجنة إلا أنه أثبت أنه يتمتع بغلظ فى الحس وسماجة فى الشعور وانحطاط فى الأدب إذ لا يُتصور فى رجل متحضر أن يُخبر آخر أنه ما إن يموت حتى يهرول إلى نكاح إمرأته.
ولندع الصحابى الجلف كيما نعود إلى سياقة الدراسة:
إن كلماته الفلوت آذت أحاسيس "رافع لواء الحمد" وآلمت نفسه بيد أن القرآن لم يتركه يعانى المواجع فهلت إحدى آياته الحكيمة تُحرم نكاح زوجاته التسع بعد إنتقاله إلى الرفيق الأعلى راضيًا مرضيًا, وتوافقت ( = الآية ) بالكلية مع اللقب الذى تحمله كل منهن وهو " أم المؤمنين" وعلى طول التاريخ لم نقرأ عن شريعة أباحت زواج الأم فضلاً عن أن الطبيعة البشرية السوية تنفر منه وتستقبحه!!!.
أقدمت بعض النسون على هبة أنفسهن لـ" صاحب السيف" لكى تنال شرفًا منيفًا ما بعده رفعة ولتحمل اللقب الباذخ " أم المؤمنين" أنه أصاب زوجاته بقدر من القلق وشئ من الغضب كرد فعل طبيعى, كما أنه سوف ينعكس على تصرفاتهن معه خاصة الوضيئات منهن مثل عائشة وأم سلمة وزينب بنت جحش مما سيصيبه بعنت ومشقة, فأشرقت آيات كريمات وتناولت الأزمة العارضة بما فيه رضاه وإياهن.
قبيل فتح الفتوح" فتح مكة" أرسل" الحبيب المحتبى" عمرو بن أمية الضمرى إلى الحبشة ليخطب له أم حبيبة بنت أبى سفيان, وقد دلت هذه البادرة على حنكة محمد السياسية التى لاضروب لها لأن ابن حرب ابن أمية غدا زعيم مكة وسيدها فبارك الذكر الحكيم هذه الخطوة الذكية واللفتة التى تنم عن فطنة فاذة فى الآية السابعة من سورة الممتحنة:{ عسى الله أن يجعل بينكم وبين الذين عاديتم منهم مودة }, نكتفى بهذه الأمثلة الثرّة الدلالة التى سقناها للكشف عن جانب هام من جوانب معطيات الذكر الحكيم فى العناية بالأحوال الشخصية لـ" من سيفه على عاتقه".
*******
كتب الكثيرون, من المستحيل إحصاؤهم, عن إعجاز القرآن سواء من السلف أو الخلف ومن العرب والأعاجم وبغالبية اللغات وتطرقت بحوثهم القيمة لشتى وجوهه ولكن على حد علمنا لم يرقم أحدهم سطرًا فردًا عن هذا المقطع ونعنى به الإهتمام الشديد بالقائد والمجتمع وأفراده الفاعلين فيه وطوائفه المختلفة من كافة الزوايا التى ذكرنا حفنة منها ـ إذ أننا لم نستوفها عن بكرة أبيها ـ ولم يمد باحث منهم قلمه إلى العلاقة الجدلية التى ربطت بآصرة محكمة ألسر اولئك بالآيات الكريمة والتى بنظرنا نفحت القرآن الحميد الحيوية الفائقة والنضارة الدائمة والبكاة الخالدة وجعلت من مَعِينًا دفاقًا لا ينضب ماؤه ولا يغيض تدفقه ولا ينقص عطاؤه.
بهذه الميزة الرائعة والخاصية الفذة والصفة الفريدة هيمن على كتابىّ الديانتين الإبراهيميتين اللتين تقدمتا عليه فى تاريخ الظهور لا فى المكانة أو المنزلة أو المقام؟؟؟.
إن الإلتفات إلى المخاطبين فى جميع أوقاتهم وضروب معائشهم ومختلف مواقفهم, والأخذ بأيديهم إلى الأمثل, وهدايتهم إلى الأصوب, وإرشادهم إلى الأقوم دليل لا يقبل المحاجة وحجة لاترقى لمستواها المجادلة وبرهان لايناله الوهن على أنه الكتاب العرّى عن الشبيه, والعديم عن المثيل, والبعيد عن القرين.
بذات المستوى وفى نفس الدرجة بزغت حياطته بالقائد وشموله بالسهر والحدب عليه وإشعاره بأنه محط الموالاة وتحت مظلة الحفظ وداخل جناح الحراسة وفى بؤبؤ عين الصيانة.
*******
إن كتابىّ الديانتين السابقتين تحدثا عن معجزات البطاركة الأكابر منهم إبراهيم, وموسى, وعيسى بيد أنهما صفرًا صفورًا تامًا " جاءا خليين" من التعريج على أحوالهما وفى مقدمها الخاصة والشخصية, فى حين أن ذلك شكّل معلمًا بارزًا فى الذكر الحكيم بالنسبة إلى من" جعلت له الأرض مسجدًا" وإلى المجتمعين المكى واليثربى.
إن تناول الخوارق يتعلق بالغيبيات والماورائيات والميتافيزيقا أو ما خلف الطبيعة, أما الكلام عن الشئون الحياتية والممارسات المعاشية والأنشطة اليومية, فهو يتصل بوثاقة محكمة بالناس فى مختلف تقلباتهم, وشتان من يقلق من أجل الهُشُوشة والهامشية والطرفية ومن يحصر همته فى القلب والمركز والجوف والمقارنة تغدو مجحفة بين من يصوب نظره إلى العرَض وبين من ينفذ ببصيرته إلى الجوهر.
إن العجائب والمدهشات والمذهلات موقوتة سرعان ما يخبو ضوؤها وتذهب لمعتها ويذبل نورها, فى حين أن المعايشات والحياتات والفعاليات ثابتة أصلية أساسية, بمعنى أن الأولى تحيّر من خوطبوا بها وتدلّه الذين عاينوها وتربك معاصريها, وعند هذا الحد يتبخر مفعولها ويغيض أثرها وتنتهى النتيجة المرجوة منها, أما الأخرى فهى تمس واقع المخاطبين بها ثم يمتد مسيلها إلى الأجيال والقرون المتطاولة التى تُخلق بعدهم. ولايفهم منه أن تطبيق النصوص التى حملتها يتم حرفيًا إنما نعنى الإستهداء بمعانيها والإسترشاد بقيمها والتفطن إلى أهدافها ومعرفة دوالها وإدراك مراميها وفقه غاياتها, فسنرى فيما يأتى من فصول أن بعضها قصد التخفيف فننقه أن ( = التخفيف ) منهج ( الحبل / القيم ). وآخر نهى عن اللعب أو الهزؤ بالألفاظ التى تتعلق بالروابط الأسرية فيترسخ لدينا اليقين بعظم شأنها, وثالث عاب تقديم الشئ الردئ عند إخراج الصدقة فنتأكد أنها ركن ركين يتوجب علينا أداؤه على الوجه المرضى, ورابع يحكى عن تآمر الضرائر فنخلص إلى أن نكاح مرتين أو ثلاث أو أربع خيبة قوية, وخامس يخبرنا عن صحابى نال من إمرأة ما دون فرجها وآخر ضرب حسناء جميلة على عجيزتها المكتنزة ثم استغفر كل منهما وصلى وورد أن الحسنات يذهبن السيئات, فندرك أن الضعف البشرى أمر وارد لأن كل بنى آدم خطاء وأن دواءه التوبة والإنابة .... وسادس ينقل إلينا صبر " متمم مكارم الأخلاق" على بذاءات اليهود والجدال العنيف الذى أثاره النصارى فنتعلم درسًا نحن فى أمس الحاجة إليه فى ضرورة التعايش مع أهل الكتاب والتحاور معهم بالتى هى أحسن. وسابع ينهى عن النكول عن أداء الشهادة فلا نتردد فى القيام بها ... ونكتفى بهذه الأمثلة السبعة لأن فيها غناء, وقد تعمدنا أن نبلغ بها العدد لأن له قداسة فى الديانات الإبراهيمية الثلاث وقيل إنهم نقشوا تقديسه من الديانات السامية التى سبقتها والتى ظلت مهيمنة على ذات المنطقة قرونًا متطاولة. والقرآن العظيم ينص على تداول الأيام بين الناس ولعل أبرز ما يؤكد صدقه هو أن عبادة آمون رع استمرت, على ما ذكر علماء المصريات " الإيجيبتولوجى" دهرًا مديدًا حتى قيل لن يتقطع" وهو شطر بيت لشاعر عربى".
ثم نؤوب إلى سياق البحث:
لعل من لديه أدنى مُسكة من عقل سليم قد اقتنع أن منهج القرآن الحميد فى هذه الخصوصية وهو الحِياطة بـ " صفوة البشر" والعناية بالمجتمع وأعضائه وانتصاب وشيجة متينة وتشابك متداخل وإلتفات ملتحم بين آياته وهؤلاء فى سائر ظروفهم وأوقاتهم, هو المنهج الأمثل وبه بزّ الكتابين المقدسين السابقين وفَلج عليهما وغدا بحق" كتاب الحياة".
*******
[ 4 ]
بزوغ ظاهرة النسخ فى القرآن
بيد أن سلوكه هذا المنهاج أدى بطريق الحتم واللزوم إلى إنفجار ما عُرف بظاهرة النسخ فيه. ففى المائة والأربع عشرة سورة توجد إحدى وسبعون منها بها نسخ " أى ما يقرب من ثلثيها" منها خمس وعشرون سورة فيها ناسخ ومنسوخ وست منها على ناسخ والأربعون الباقية تضم المنسوخ فقط.
وقديمًا أثار اليهود لغطًا حول النسخ بحجة أن البِداء لايجوز فى الكتب المقدسة. " والبداء هو الإفضاء بقول ثم يعرض لصاحبه ما هو أحسن منه فيفوه به وينبذ الأول", بدليل أن التوراة خلت تمامًا من النسخ وكثيرًا ما سألوا " أعظم الكائنات" يا أبا القاسم لولا أنزل هذا القرآن جملة واحدة كما أنزلت التوراة على موسى , فرد عليهم القرآن العظيم:" وقال الذين كفروا لولا أنزل عليه القرآن جملة واحدة" [ رواه ابن أبى حاتم فى تفسيره وأورده السيوطى فى الإتقان ].
لقد أثبت اليهود طيش أحلامهم وقلة عقولهم وقصر نظرهم وعتامة بصيرتهم وضيق أفقهم, إذ يعتبرون أن مجئ الكتاب مرة واحدة منقبة ويعدونه محمدة ويرون أنه ميزة ويذهبون إلى أن تنجيمه نقيصة ويحسبونه عيبًا ويُطبقون على أنه ثلمة ويجمعون على أنه مذَمَّة. فى حين أن العكس هو الصحيح والنقيض هو السليم والمخالف هو السديد, لأنه ( = التنجيم ) هو الذى يوائم الناس أو المخاطبين ويسد خلاتهم وبفى بحاجاتهم ويحقق أغراضهم ويشد ظهورهم ويقوى ضعفهم ويهدى خطواتهم.
فى حين أن كتاب الدفعة الواحدة لايحقق شيئًا!!!.
ومن هنا برزت التوراة التى فى أيدى اليهود مليئة بالأساطير حافلة بالخرافات طافحة بالشعبذات ونرجح أن مرده: محاولة ملء الفراغ وإلهاء المخاطبين عن الإخلال الذى اعتورها نتيجة لازمة لإنحدارها من عَلِ دفعة واحدة ومن ثم فهذا هو سبب اقتصارها على المعجزات والمدهشات والمخاريق.
*******
إن التمييز بين القرآن المقروء / المتلو ـ المحفوظ فى صدور الصحبة وبين القرآن المدون فى عهد عثمان الأموى ليس بدعة حسنة بل أمر مقرر التفت إليه البُحاث القدامى وسطروه فى مؤلفاتهم وبداهة ليس من الضرورى ذكر التفرقة بفصها ونصها بل يكفى إدراكها من جماع ما رقموه.
أورد الإمام شهاب الدين القسطلانى فى كتابه " لطائف الإشارات لفنون القراءات": " فتلقاه" يعنى " القرآن المجيد" أصحابه " أى الأمين المأمون" منه غضًا وأدوه إلى من تلقاه عنهم خالصًا محضًا". [ لطائف الإشارات لفنون القراءات : للإمام شهاب الدين القسطلانى 851 /923هـ ـ الجزء الأول ـ ص21 ـ تحقيق وتعليق الشيخ عامر السيد عثمان و دكتور عبد الصبور شاهين ، من إصدارات المجلس الأعلى للشئون الإسلامية ـ لجنة إحياء التراث الإسلامى ـ الطبعة الأولى 1392هـ/ 1972م ].
والقسطلانى من علماء القرن العاشر الهجرى أى انصرمت على تدوين مصحف عثمان الأموى تسعة قرون وقرابة ربع قرن عند وفاته, بيد أنه يحدد بمنتهى الدقة القرآن النص الخالص المحض الذى كَنَّه الصحاب فى صدورهم ثم تلوه على التابعين كما تلقوه من ( الإنسان الكامل / لابس الصوف).
وهى عبارات صريحة النص والدلالة معًا على ذيّاك التمييز الذى نسخناه فى بدىّ هذه الفقرة وليس ضربة لازب أن يسطره القسطلانى بحروفه.
*******
[ 5 ]
السيوطى وبحثه فى أسباب النزول
أما الإمام السيوطى فله ثلاثة مصنفات تناول فيها " أسباب النزول" خصّص أحدها لها والثانى عنوانه:" الحبير فى علم التفسير" تناولها فيه فى النوع الحادى عشر والثالث أشهرها:" الإتقان فى علوم الدين" وقد أفرد فيه لها النوع التاسع سماه" معرفة النزول" ودرسها بتوسع.
وهو أيضًا من علماء القرن العاشر الهجرى مثل القسطلانى وفى كتابه الأخير سلط حزمة من الضوء الباهر على الصحابة الذين شاهدوا التنزيل ووقفوا على الأسباب التى لا تصح إلا بالرواية عنهم والسماع من شفاههم ثم حمل إلينا خبرًا غنيًا بالدلالات والمعطيات وهو أن محمد بن سيرين سأل عبيدة عن آية من القرآن فقال له:" اتق الله وقل سدادًا, ذهب الذين يعلمون فيما أنزل القرآن". [ " الإتقان فى علوم القرآن" للسيوطى ص 41 ـ الطبعة الرابعة 1398هـ /1978م. نشرته مكتبة مصطفى البابى الحلبى بمصر].
السيوطى يخلص إلى أن الصحابة هم الذين حظوا برؤية السور والآيات وهى تشرق, ومن ثم وقفوا على معرفة أسباب بزوغها وأن عبيدة لما سأل محمد بن سيرين عن آية كريمة" يعنى سبب ظهورها" رد عليه بأن الصحابة الذين عاصروها وتحققوا منها انتقلوا إلى رحمة الله.
إشارة واضحة لا تخفى على الفطن اللبيب إلى القرآن الذى حفظته صدورهم ووعته قلوبهم وقد سبقت تلك المحاورة الموحية التى جرت بين عبيدة وابن سيرين تأليف الكتب فى فرع " أسباب النزول" أحد فروع" علوم القرآن". وإلا لرجع ابن سيرين إلى أحدها إنما الذى يهمنا أن ما طلع به علينا السيوطى ترميز جلى للقرآن المتلو المحفوظ فى حنايا صدور الأصحاب.
والسيوطى, كما أسلفنا, من علماء القرن العاشر ولدى وفاته مضت تسعة قرون وعقد على كتابة مصحف الأموى عثمان بن عفان ومع ذلك سيطر على وجدانه القرآن المجيد الذى وصفه نديده ومعاصره القسطلانى بأنه غض ومحض وخالص.
ونكتفى بشهادة هذين الإمامين العالمين العلمين لإزالة ما قد يحيك فى قلب أى قارئ أو يسوط فى صدره أو يشوش عقله القول بضرورة التمييز بين القرآن المتلو المقروء / لمحفظ وبين المدون بمعرفة الأموى عثمان بن عفان وتحت رقابته وإبان خلافته التى أثبتنا بالأدلة فى كتاب لنا سابق أنها بدأت التحول إلى ملك عضوض ثم تم على الأيادى المباركة لأبناء عمومته من الفرعين الأموى والسفيانى.
وعسى أن تولدت عند القارئ قناعة كاملة بهذه الحقيقة البالغة الخطر نكرر ما سلف ورقمناه أنهما قرآن واحد مجيد بيد أن النظرة لأحدهما تفاصل النظرة للآخر, إنما هذا لايعنى بحال أنهما اثنان ونعوذ بالله تعالى منه ونبرأ ممن يذهب إليه.
ولسنا بصدد تأليف كتاب فى " أسباب النزول" فهذا الفرع الهام من فروع علوم القرآن أخذ حظًا لابأس به من العنايى وإن لم يصل إلى مستوى علم التفسير, إذ كتب فيه قدامى ومحدثون أو سلف وخلف بيد من أبرزها كتاب " أسباب النزول" لأبى حسن على بن أحمد النيسابورى المتوفى سنة 468هـ وقد طبع فى مصر وغيرها عدة طبعات, وفى الصفحات الأولى يذهب إلى أن " أسباب النزول هى أوفى ما يجب الوقوف عليها وأولى ما تصرف العناية إليها لإمتناع معرفة تفسير الآية وقصد سبيلها دون الوقوف على قصتها وبيان نزولها" [ أسباب النزول للواحدى ـ ص4 ـ طبعة 1388 هـ / 1968م ـ مؤسسة الحلبى مصر ].
إنما سوف نتكئ عليها بدرجة ملحوظة لما لها من دلالات متعددة فى مقدمها زون حدوث النص ومكانه " إن تيسر" والفاعلون, أو بمعنى أشد وضوحًا أبطال الخبر أو القصة أو الواقعة ونوعية الموضوع الذى بزغ النص بشأنه أهو أمر أم نهى أم تشريع أم فتوى فى نازلة أم تفريج لضائقة أم فك لعقدة أم توضيح لغامضة أم حل لمشكلة ... أم تبيين لمبهمة .... إلخ.
جِماع هذا بهدف جوهرى وغرض رئيسى وقصد أصيل هو تأكيد أن " البصائر / القرآن" أسس نصوصه وينى آياته وأقام عُمُد مَتْنَه ضمن التاريخ وفى داخل مسيله وفى قلب تياره وفى باطن مجراه, فهو إذن ليس مجردًا أو مفارقًا أو مغايرًا أو مباينًا أو ما شئت من هذه الكلمات التى تدل على القطيعة وتجزم بالتباعد وترمز إلى البينونة........... نقول ليس مفاصلاً للتاريخ الذى واكبه وللزمن الذى تولد فبه كحال الكتابين المقدسين اللذين سبقاه فى البزوغ أو الظهور لا فى القيمة أو المحتوى أو المضمون أو اللب.
وإلتحام القرآن الكريم بتاريخ شروقه وامتزاجه بزمن طلوعه هو فى نظرنا من بين أبرز أسباب شدة نفاسته وارتفاع قدره وشموخ مكانته وسمو رتبته وعلو جاهه. لماذا؟.
لأنه التحم بالواقع ومس الحياة وخالط المعاش وجميعه نفحه المصداقية ووهبه الحيوية وأعطاه النضارة ومنحه الشباب وتولدت عنه الإستمرارية ونتجت عنه الديمومة وانبثق عنه الخلود.
وهذا الكتاب محاولة غير مسبوقة لرفع الستار وكشف الغطاء عن هذه الجوانب المبهرة فى الذكر الحكيم وخاصة فى القرآن المتلو الذى حفظته صدور الصحابة ووعته قلوبهم وجمعته ذاكرتهم.
فى مذهبنا لا يكفى أن ندعى أنه أشرق ضمن التاريخ وطلع فى حنايا الزمن فهذه دعوى بغير دليل, وقول بلا حجة , ومعطى بدون برهان , وكل منها إذا قدم بصورته هذه لا يلتفت إليه.
ومن ثم انتصبت الحوجة وقم الإفتقار وبرزت الضرورة إلى مؤلف يسد هذه الثلمة ويغطى هذه الثغرة, ويملأ هذه الفجوة بأن يضع فى حجر القارئ الأدلة القواطع والبراهين السواطع والحجج الدوامغ على صحة هذه الدعوى وابتنائها على أسس ثوابت وعمد رواسخ وقواعد صلبة, ويبتدى هذا فى أيأة "هيئة" التوثيق المبلغ فيه إذ هو أى مراء سقيم أو لجاج عنيد أو محاجة شكسة.
وبداهة هو ليس كتابًا فى التفسير لأنه من ناحية نحن فى نظر حلاس الإسطار المقدس لانملك أدوات المفسر ومن أخرى فإن منهج البحث والدراسة فيه يغاير منهج التفسير.
وكما سطرنا فى عدد من مؤلفات لنا سوابق أن المحاولات الرائدة ـ رضى أصحابها أم سخطوا ـ فمن الحتم اللازم أن تبوء بقصور وأغلاط وهنات ربما غير هنات إنما الذى لا مشاجة فيه أنها الثمن الذى لابد أن يدفعه الرواد كيما ينالوا شرف الريادة.
هذا والله وحده وراء القصد وهو سبحانه ولى التوفيق,,,,
<div align="left">27 جمادى الآخر 1421هـ / 17 أغسطس 2000م.</div>
<div align="left">خليل عبد الكريم</div>
<div align="center">*************************</div>
-
وبذلك نكون قد أنتهينا من نشر مقدمة كتاب النص المؤسس ومجتمعة ... وقد ارفقت تلك المقدمة فى مرفقات تلك المشاركة ليسهل على الأخوة الكرام تحميلها إلى جهازهم الشخصى وقرائتها فى تأنى ... وأعداد ردودهم وتعليقاتهم ... وتوضيحاتهم .. فنحن فى الأنتظار
-
<div align="center">التعليق الأول على المقدمة....</div>
أحببت أن أنشر التعليق الأول على تلك المقدمة ... لكتاب النص المؤسس ومجتمعة ، وهى جزء من مقال للدكتور المطعنى نشر بجريدة الوطن حول هذا الكتاب
<div align="center">--------------------------------------</div>
فبعد مطبوعته المسماة "فترة التكوين في حياة الصادق الأمين" التي ظهر عورها للناس، واستمطارها عليه اللعنات بكل لسان.. إذا بخليل عبد الكريم يصدر مطبوعة أخرى من جزأين، عنوانها "النص المؤسس ومجتمعه" يقصد بـ "النص" القرآن العظيم و يقصد بـ "مجتمعه" السابقين الأولين من أصحاب رسول الله صلى عليه وسلم، ورضي الله عنهم أجمعين.
أما وصف "النص" بـ "المؤسس" فقد تركه بدون ضبط لإتاحة قراءته على وجهين:
الأول: بكسر "السين" الأول فيكون اسم فاعل ويكون معناه أن هذا "النص" وهو القرآن كما تقدم يعني القرآن.
أما الوجه الثاني فهو أن يقرأ "المؤسس" بفتح "السين" الأول كذلك فيكون اسم المفعول ويكون معناه الذي أسسه الصحابة ومعهم رسول الله صلى الله عليه وسلم والمعنيان مقصودان عند المؤلف، فسواء عنده أن يكون القرآن قد كوّن مجتمع الصحابة ورباهم تلك التربية السيئة التي ألمح إليها المؤلف كثيرا في كتابه. أو أن الصحابة هم الذين أسسوا القرآن وأخرجوه من العدم إلى الوجود؟.
سواء عنده هذان المعنيان لأنه يجزم في مطبوعته هذه وفي غيرها أن القرآن مصنوع في الأرض وليس وحياً من عند الله عز وجل!.
<div align="center">--------------------------------------</div>
كما ترون من مقدمة الدكتور المطعنى أن عنوان الكتاب الأصلى قد ترك دون تشكيل لأسباب يعلمها الله والمؤلف الراحل .. وقد خمن الدكتور المطعنى أسباب المؤلف .. لكن ما يعنينا هنا هو كشف أول تزوير للنصارى فى نقل الكتاب .. وهو تشكيل عنوان الكتاب ليصبح " اَلنَّصُ اَلْمُؤَسِّسُ وَمُجْتَمَعُه " - بفتح السين –
إذا كان العنوان الأصلى بدون تشكيل لما تحرفونة إذن .... يتضح للقارئ عدم أمانة الناسخ للكتاب ، فهدفه ليس الأمانة العلمية فى النقاش والحوار وإنما التدليس والخداع و استخدام كل الوسائل الممكنة لتشكيك المؤمن .. حسبنا الله ونعم الوكيل
هذة واحده ... والبقيه تأتى ..
-
<div align="center">التعليق الثانى....</div>
أحببت أن أنقل لكم هذا المقال من أحدى الصحف العربية ، ليوضح المسألة بشكل أفضل .. هدانا الله وآياكم لتمحيص فكر الكاتب والبحث عن أماكن ضعفة وأخطائة ،وإجلاء معانية المبهمة ... والله الموفق
<div align="center">---------------------------------------</div>
<div align="center">خليل عبد الكريم ومأزق القراءة التخوينية للمتلقي </div>
<div align="left">بقلم: حسن المصطفى </div>
يُعد المفكر المصري الراحل خليل عبد الكريم من الشخصيات المشاكسة في كتابتها، والتي تجترح فعلها بعيداً عن المقدسات الدينية والاجتماعية، متوسمة في حفرها التاريخي البحث عن حقائق ووقائع اجتماعية تحاول تفسير الديني أو ما يسمونه بـ"الظاهرة الدينية"، بشكل مختلف ومغاير.
في كتابات عبد الكريم، تناولٌ متجاوز -بالمعنى المعرفي- للثقافة السكونية السائدة، وهو بذلك يسعى لإعادة صياغة التاريخ الإسلامي ووعي الفرد بحركة الدين والرسالة في المجتمع ضمن سياقها البيئي وتطورها المعرفي المرتبط ببعدي الزمان والمكان. وهي في ذات الوقت لا تنفك عن ارتباطها بالمكونات البيئية وما تحويه من عادات ومعتقدات وطقوس تشكل سياقاً اجتماعياً مهيمناً، سيتداخل سلباً أو إيجاباً في بناء المنظومة التي جاء بها النبي محمد (ص)، كما تطرق لذلك في كتابه (الجذور التاريخية للشريعة الإسلامية)، باحثاً عن التواشج المعرفي والسلوكي بين تعاليم الرسالة المحمدية وما كان سائداً من نظم اجتماعية في عصر قبل الإسلام.
هذا العمل الذي بدأه عبد الكريم لم يقف عند هذا الحد، بل تعداه بجرأة أكبر نحو مناطق أكثر حساسية في الثقافة الشعبية السائدة والراكنة لكل ما هو غيبي وورائي ومطلق. وهي بهذا الركون السلبي تجعل التناول المعرفي البحثي لمثل هذه المسائل في عداد الخطوط الحمر التي لا ينبغي المساس بها، رغم التكرار والحث الدائم في النص القرآني على مسألتي "التدبر" و"التفكر"، وما هو مأثور في الكلاسيكيات الإسلامية من أقوال تحرض على السؤال والبحث، كما جاء عن الإمام الصادق (ع): " اسأل عن دينك حتى يقال عنك مجنون"، محرضاً بذلك الإنسان على السؤال الجاد والدائم، والباحث عن المناطق الوعرة والمتجاوزة للعقلية الشعبية، بدليل قوله "حتى يقال عنك مجنون"، والجنون حالة معاكسة للسائد الاجتماعي. من هنا واصل عبد الكريم مشواره، وكتب حول علاقة المرأة بالرجل في مجتمع يثرب، وحول قريش القبيلة والدولة، وصولا إلى "شذو الربابة بأحوال مجتمع الصحابة"، و"فترة التكوين"، وسِفرهِ الأخير "النص المؤسس"، وهو الكتاب الذي تطور فيه أسلوبه البحثي بدرجة ملحوظة، وعمل فيه على أدوات وآليات لم يستخدمها من قبل بهذا العمق والجدية. ولخطورة الحقول التي اشتغل عليها عبد الكريم أتته كثير من التهم، وجوبهت كتاباته بالنقد الشديد، والنقد هنا حق مشروع لأي صاحب فكر ووعي يمتلك من خلاله آليات النقد. إنما النقد الذي ساد مع عبد الكريم أتى بشكل مجتزأ وسطحي للغاية. كون نقاده غفلوا عن أمر هام، كونهم تركوا المنهج الذي يتبعه في كتاباته ويعالج به القضايا المدروسة، وراحوا يتجادلون في النتائج التي توصل إليها، وهل هي صحيحة وتتوافق وما يرونه من تعاليم الإسلام أم أنها تتعارض معها وبالتالي تُخرج صاحبها من الدائرة الإسلامية.
إن مسألة المنهج مسألة غاية في الدقة، ولا يمكن الحكم عن النتائج بعيداً عن منهجها ومقدماتها، من هنا فإن الفعل النقدي الحقيقي لم يمارس لحد الآن نحو كتابات عبد الكريم، وهي بالرغم من جرأتها وحسناتها تعروها بعض الثغرات والسلبيات، وهي سلبيات فاقعة في بعض كتاباته. لكن الأجدى بالحال الجدلية المغايرة له، وخاصة بعد رحيل عبد الكريم، أن تتحول من الدائرة الوصائية التضليلية للدائرة الموضوعية النقدية، لأن ما قدمهُ من منجز وقراءة للتراث الإسلامي وخاصة في العهد النبوي، أكبر من أن يفهم بهذا الشكل السلبي، فهل يتجرأ معارضوه على إعادة قراءته بعلمية وموضعية، ويؤيدونه فيما أصاب ويبينون ثغراته فيما أخطأ، أم أنهن سيظلون حبيسي دوغمائيتهم المسيطرة.
-
أخى العزيز eknowledger سلام الله عليك ورحمة وبركاته
والله يا أخى العزيز من الواضح أن الموضوع كثير قيم ومبذول فيه الكثير من المجهود
جزاك الله خير الجزاء فى الدنيا والأخره
و انا أنتظر باقى هذا الموضوع المميز الموضوع
:D
-
أقترح أن تفتح المناقشة حول المقدمة لمدة شهر أو حتى أكثر فالموضوع غاية في الدسامة يا إخواني .
و هذه دعوة لمشاركة الجميع و من الأفضل وضع دعوة للمشاركة على الموقع الرئيسي أو غرفة البال توك .
-
<div align="center">بسم الله الرحمن الرحيم</div>
-- وعليكم السلام ورحمة الله وبركاتة أخى عمرو إبن العاص ، جزاك الله خيراً .. شكراً على تعقيبك .. وإن شاء الله سنتابع النقاش حول الكتاب فى القريب العاجل .
وإن كنت أود من جميع الأخوه الأشتراك معنا بآرائهم ، مهما كانت المشاركة محدودة .. فد يكون تعليقك هذا هو الومضه التى تكشف عور أو زيف شبهة ما .. قد تكون مشاركتك المحدوده هذه هى ما يحتاجه أخ مؤمن ليطمئن قلبة... أو أخ ضال ترشد بصيرتة ...
فهلموا أخوتى للمشاركة فى الحوار ... الحوار البناء ....
-- أخى عمرو إبن العاص أشكرك ، وأنتظر مشاركتك التى تبدى فيها تعليقاتك على الكتاب .. ليكتمل الحوار :D
-- أخى الفاضل دكتور هشام ... بالفعل كنت أنوى ترك الحوار مفتوح حول المقدمة لفترة طويلة .. فهى تحمل الكثير من القضايا للنقاش ... ونحن نود ان يشترك أكبر عدد ممكن من الأخوة فى الحوار حول هذا الكتاب لتكتمل الصورة كما قلت مسبقاً...
وبالطبع نحن نأمل أن يقوم الأخوة الأفاضل القائمين على الموقع ، بوضع رابط على الموقع الرئيسى للموضوع .. وكذلك الأخوة المشرفيين على الغرف الإسلامية فى البالتوك... وكذلك كنا نرجو تثبيت الموضوع ليصل إلى أكبر قدر ممكن من زوار المنتدى ... حتى تعم الفائدة ويشترك اكبر عدد ممكن من الأخوه فى الحوار حول مادة الكتاب....
وننتظر تعليقاتك الجادة والقوية التى أعتدناها منك يا د. هشام ... وفقنا الله وآياك لما فية الخير
-
بسم الله الرحمن الرحيم
الموضوع جد قيم ودسم
وبصراحة يحتاج لأهل الخبرة والمعرفة والعلم بيننا ليدلوا بدلوهم وننتظر مشاركات قيمة فيه بإذن الله تعالى
بارك الله فى الأخ نولدجر
وفى الدكتور هشام ((رغم أنه لم يثبت الموضوع :angry: ))
وفى الحبيب عمرو إبن العاص وكلكم أحبة :)
إن شاء الله سيتم كل ما طلبتوه
والله المستعان وهو الموفق
-
الرجاء من الإخوة أن يكتفوا بنص الكتاب ، ولا يعرضوا علينا مقالات أخرى حوله ، فالوقت قد لا يتسع للرد على الجميع .
-
من المناسب للقارئ الكريم ، الاطلاع على كتاب مهم ، ليتعرف فكر خليل عبد الكريم واضحاً بلا غبش .
عنوان الكتاب : اليسار الإسلامى .. وتطاولاته المفضوحة على الله والرسول والصحابة
المؤلف : د / إبراهيم عوض
مكتبة زهراء الشرق : 116 ش محمد فريد ـ القاهرة
1410 هـ ـ 2000 م
والمؤلف دكتور فى البلاغة والنقد الأدبى ، وله أياد مشكورة فى الرد على المستشرقين والملاحدة ، وكل يؤخذ من كلامه ويرد ، إلا محمد عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم .
وقد تناول المؤلف بالنقد معظم مؤلفات خليل عبد الكريم ، حتى ساعة تأليفه للكتاب ، وهى :
لتطبيق الشريعة لا للحكم
الأسس الفكرية لليسار الإسلامى
الجذور التاريخية للشريعة الإسلامية
قريش من القبيلة إلى الدولة المركزية
الأسس الفكرية لليسار الإسلامى
مجتمع يثرب ـ العلاقة بين الرجل والمرأة فى العهدين المحمدى والخليفى
شدو الربابة بأحوال الصحابة ـ محمد والصحابة
علاوة على بعض المقالات هنا وهناك
ورغم عدم تناول المؤلف لكتابى " فترة التكوين " و" النص المؤسس " ـ غالباً لصدورهما بعد مؤلفه ـ فإن كتابه جاء فاضحاً لليسار " الإسلامى طبعاً ! " ، ممثلاً فى فكر " الشيخ ! " خليل عبد الكريم .. فكشف عما فى كتاباته من تناقضات ، وتدليسات ، وأخطاء تاريخية ، وعلمية ، ولغوية .
-
<div align="center"></div>بسم الله الرحمن الرحيم
أخى الفاضل الجامع ...
السلام عليكم ورحمة الله وبركاتة ....بارك الله فيك ، وأشكرك على تثبيت الموضوع.
هدانا الله وآياك إلى ما فية الخير والرشاد
العزيز متعلم ... أرحب بك اولاً فى تلك الدعوة المفتوحه للحوار ..
ثانيا : بما يخص الجزء الذى يتناول الأطالة بالمقالات التى تتحدث عن الكتاب .. فلم ننشر عزيزى متعلم إلا مقاله واحده فقط وهى القراءه التخوينيه... وكانت فقط من أجل توضيح فكر الكاتب
ومقالة أخرى وهى للتعريف بالكاتب وهذا فقط لمن لا يعرفه ..
فشكراً على تفضلك وتصحيح ما بتلك المقالات من أخطاء ...
ثالثاً : مسألة اليسار الإسلامى ورواده مثل خليل عبد الكريم ، بالطبع سنجد الكثير ممن ردوا وصححوا فكر هؤلاء الكتاب إذا كان به عور أو خطأ ما .. وأنا سعيد جداً بأنك اطلعتنا على هذا الكتاب القيم ... ولكن أنت نفسك قُلت إن كتابى فترة التكوين والنص المؤسس لم يُشملا فى الكتاب .. وذلك كما تفضلت ووضحت بإنهما صدرا بعد صدور الكتاب ...
إذن حتى يصدر الرد من علمائنا الأفاضل .. نستطيع التحاور حول مادة تلك الكتب ... ودحض ما بها من إفتراءات .. والله الموفق
-
السلام عليكم ..
يبدو أن أحداً لم يخط رداً بعدٌ ! أنا عائد لتوي من الحملة القومية ضد شلل الأطفال برعاية ماما سوزان :D و وجدت أن الموضوع ما زال كما هو !
سٍاحاول التعليق على بعض النقاط بعد الرجوع لمصادري إن شاء الله و لكني أخشى أن الموضوع صعب و فوق مستوى غالبية الأخوة ... ليس في الفهم و لكن في إعداد الردود العلمية لذا أرجو من يستطيع المشاركة و لو بكلمة أن يضعها و أجره على الله . و ليس مطلوباً من أحد ان يرد على كل شيء .
و لا يكلف الله نفساً إلا وسعها .
-
<div align="center">تعليق على الفرشة – الفقرة الأولى</div>
<div align="center">كتبة الفقيرإلى الله تعالى : eKnowledger</div>
<div align="center">بسم الله الرحمن الرحيم</div>
أولا : أخوتى الكرام أعزكم الله تعالى ، أرى أننا فى مناقشتنا للكاتب الإسلامى خليل عبد الكريم ... ألا نبادر بالهجوم على الرجل – رحمة الله – فنحن لا نعلم نواية ، وكما أوضحت لكم فى مقال سابق أن الأسلوب الذى أتبعة عبد الكريم فى الكتابة هو أسلوب أفضل ما يطلق علية الإسلوب المرن .. فالرجل بالفعل يتمتع بإسلوب مرن بدرجة غير عادية حتى أنك تستطيع من خلاله إستنتاج آراء وأفكار بعيده كل البعد عما آرادة ...
وأعتقد أن هذا الإسلوب – فى رأيى الشخصى – مُتعمد من قبل الكاتب ... فهو يسعى إلى أن تسئ فهمة ، نعم أنا أعنى ما أقولة ... الرجل من الملاحظ طوال المقدمة يستخدم جمل وأساليب تدفعك للشك فى نواية وأغراضه حتى انك قد تذهب للشك فى إيمانة نفسه .. وأعتقد ان الرجل آراد هذا بشكل أو بآخر ، فتلك الطريقة التى إتبعها عبد الكريم .. تدفع القارئ للشك والحيرة فيما سطرة الكاتب .. وفى دروب تلك الحيرة والشك ، يعود الكاتب مرة أخرى لإعطائك وجهة النظر التى تريدها وتبحث عنها موثقة بأدق المصادر... وهذا الإسلوب قد يكون ذو فوائد جمة فى بعض الأحيان ولكنه إسلوب غير محبذ فى احيان اخرى ....
وعموماً إن صحت وجهة النظر هذه أو لم تصح فالرجل قد يكون أغفل الكثير من التوضيح والكثير من النقاط التى إعتمد على أنها معروفة للقارئ – وهذا بالطبع شئ بديهى عندما يكون القارئ مُسلم – ولانستطيع مؤاخذة الكاتب فى هذا الأمر – فالمسلم الحق المُتعلم ... أحرى بة أن يعرف عن دينه أكثر مما يعرف عن علمة ، فالدين الإسلامى هو العلم الدنيوى الروحى العقائدى التشريعى الأخلاقى العلمى ... وإن عرف المسلم عن دينة الكثير لعرف أن هذا الدين يحضة على العلم والتأمل فى ملكوت الله وخلقة مما يدفعة للبحث والتأمل .. ولو ان أمتنا الحالية وضعت هذا الأمر نصب عينيها لما تخلفنا عن ركب الحضارة بعد أن كنا نحن روادة - ولكن ما الحل إذا خرج الأمر إلى أصحاب الديانات الأخرى التى لا تعرف الكثير عن ديننا الحنيف ، بالطبع سيحدث إضطراب فى الفهم لأهداف الكاتب ومقاصده – التى لا يعلما إلا الله والكاتب الراحل .. – وبالطبع نحن سنسعى هنا إلى توضيح بعض ما ذهب إلية الكاتب فى مقدمته ونحاول بقدر المستطاع توثيقه وإرجاعة الى المصادر الموثوق بها ....وأنا لا أدعى إلمامى الكامل بفكر الكاتب وأسلوبة .. ولكنى حاولت جاهداً أن أستقرأ ما خلف السطور وأناقشه بموضوعية تامة بعيداً عن أى تحيز راجعاً فى ذلك إلى المصادر الموثوق بها ... هذه المحاولة المتواضعه منى ما هى إلا بداية وأنا أعلم جيداً انا الأخوة فى المنتدى لديهم من العلم ما نحن جميعاً بحاجة إلية ، وبإذن الله تعالى سيمدونا بما لديهم ، ليكون الحوار هادف وبناء ...، وانا لا أدعى علمى التام بفكر وأهداف اليسار الإسلامى والكاتب ولكنى أحاول قدر المستطاع فى ذلك النقد الموضوعيه وأستقراء السطور وفى ذهنى دائماً أن الكاتب نيته سليمه وصافيه ويريد خدمة الأمه ، بيد أننى إن وجدت أى أخطاء سارعت بتصحيحها طبقاً لما لدى من مصادر وأسأل الله التوفيق فى ذلك ... وبالطبع إن وجد أحد الأخوه الأفاضل أى خطأ فيما ذهبت أليه فليردنى فأنتم أعلم ولله العلم وحده...
<div align="center">والله الموفق</div>
-
نبدأ أولا بالفرشة ، والفقرة الأولى فيها – أمية الرسول وصحبه –
[1]
أمية الرسول وصحبه
الحبيب المصطفى ـ عليه السلام وعلى آله ـ لم ير فى حياته مصحفًا ولم نسطر أنه: قرأ مصحفًا لأنه كما ذكر القرآن العظيم وكما شهد هو على نفسه : أمّى.
بتتبع مادة (ص ح ف ) فى المعُجَمُ الوَجِيزُ (صادر عن : مَجمَع اللغَة العَربَية - 1998 م /1419 هـ) وجدنا التالى :
(المُصْحَفُ) : مجموعٌ من الصُّحُف فى مجلَّد ، وغَلَبَ استعمالُهَُ فى القرآن الكريم . (ج) مَصاحِفُ
و يتضح من هذا التعريف أن المصحف هو المجلد الذى تجمع فيه الصحف ... ويتضح أيضاً من هذا أن المقصود من جملة الكاتب الأولى أن القرآن الكريم لم يجمع فى عهد الرسول (ص) فى مصحف [ أى فى مجلد واحد ] ..
وتلك الحقيقة لا يختلف عليها إثنان ... لكن ما أردت التوضيح بشأنة ، هو..
هل لم يكتب القرآن فى عهد رسول الله ؟!! ... هذا ما سوف نناقشة .. فمن الواضح أن الأخوه - أهل الكتاب المقدس ... وما ادرك ما هو !! – قد أسأوا فهم الجملة ، وتبادر إلى ذهنهم أن القرآن لم يكتب فى عهد رسول الله وانه جمع فى المصاحف فى عهد عثمان (الخليفة الثالث فى الإسلام) فقط .. وسارعو بإصدار حكمهم من خلال فهمهم الفاسد للجملة بأن الرسول لم يرى مصحفاً فى حياتة وكذلك أبى بكر ومن بعدة عمر .. إذن فالقرآن الذى بين أيديكم هو محض تزوير وتلفيق ..
فنجيب عليهم – بمدد وعون من الله الواحد الأحد وليس بوحى الروح القدس أو غيره - قائليين :
أيها الأخوه الأعزاء : كما ترون من معنى كلمة (مصحف) كما سبق أنه المجلد الذى تُجمع فية الصحاف و ليس الصحاف نفسها فالذى قصدة عبد الكريم – والله أعلم بنوايه – أن القرآن الكريم لم يجمع فى كتاب واحد يطلق علية إسم المصحف فى عهد الرسول ، ولا يعنى هذا أنه قصد ان الجمع لم يتم من الأصل .. فالكاتب قصد المجلد ولم يقصد الكتابة ...
ردوا ( بنعمة ربهم يسوع المسيح ... تعالى الله عن هذا علواً كبيرا ) قائلين : أنت تقصد أن القرآن لم يجمع فى كتاب واحد فى عهد رسول الإسلام .. ولكنة كتب بالفعل فى عهده وبذلك قد حفظ !!! ... هذا كلام بدون دليل .. أين دليلك على هذا الكلام
نجيب (ونستعين بالله الذى لا معين ولا مخلص سواة ) :
{إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ} (9) سورة الحجر ... هذا هو دليلنا من كتاب الله على صدق قولنا ، و قد أُمرنا نحن المسلمون بأن نطيع الله ورسولة {وَأَطِيعُواْ اللّهَ وَأَطِيعُواْ الرَّسُولَ وَاحْذَرُواْ فَإِن تَوَلَّيْتُمْ فَاعْلَمُواْ أَنَّمَا عَلَى رَسُولِنَا الْبَلاَغُ الْمُبِينُ} (92) سورة المائدة
ولكنه الله أيضاً حثنا على البحث والتحقق من مصادر كل شئ .. وكل شئ شملت القرآن نفسه .
{أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا} (24) سورة محمد
{أَفَلاَ يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ وَلَوْ كَانَ مِنْ عِندِ غَيْرِ اللّهِ لَوَجَدُواْ فِيهِ اخْتِلاَفًا كَثِيرًا} (82) سورة النساء
إن الله أمرنا بالبحث والتدبر فى كتابة ، وأمرنا أيضا بطاعة الله وكتابة ورسولة ؟؟!! ولا يعتبر هذا تناقضاً فالله يطمئننا – نحن المؤمنون – إن هذا هو كتابى المبين إليكم فأتبعوه ، لكن لا تتبعوة هكذا تتبع الأعمى الغير مبصر لقد وجب عليكم البحث فى أمرة وشانة والتحقق من كل ما جاء فية .. وستجدون أنه الحق من ربكم ..
{أَفَغَيْرَ اللّهِ أَبْتَغِي حَكَمًا وَهُوَ الَّذِي أَنَزَلَ إِلَيْكُمُ الْكِتَابَ مُفَصَّلاً وَالَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَعْلَمُونَ أَنَّهُ مُنَزَّلٌ مِّن رَّبِّكَ بِالْحَقِّ فَلاَ تَكُونَنَّ مِنَ الْمُمْتَرِينَ} (114) سورة الأنعام
وهنا نعود إلى البحث الموضوعى فى تلك المسالة : كيف تم جمع القرآن ؟ وهل جُمع فى عهد الرسول (ص) أم لا ؟
للأجابة على تلك التساؤلات نقول أن الجمع تم على عدة ة مراحل إنتهت بجمعة بالمصحف العثمانى... لكن مرحلة الكتابة تمت بالكامل فى عهد رسول الله (ص) وهى المرحلة الأطول فى عملية جمع القرآن فقد امتدت طوال فترة حياة الرسول (ص)...
-
<div align="center">الجمع الأول في عهد الرسول صلى الله عليه وسلم</div>
وبدأت أولا بالحفظ فى الصدور :
1- حفظه في الصدور:
حفظ النبي صلى الله عليه وسلم للقرآن:
كان النبي صلى الله عليه وسلم يتلوا القرآن عن ظهر قلب لا يفتر لا سيما في الليل، حتى إنه ليقرأ في الركعة الواحدة العدد من السور الطوال.
ولزيادة التثبيت كان جبريل يعارضه بالقرآن كذلك.
قال ابن عباس رضي الله عنهما: كان النبي صلى الله عليه وسلم أجود الناس بالخير، وأجود ما يكون في شهر رمضان، لأن جبريل كان يلقاه في كل ليلة في شهر رمضان حتى ينسلخ، يعرض عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم القرآن …
وقال أبو هريرة: كان يعرض على النبي صلى الله عليه وسلم القرآن كل عام مرة، فعرض عليه مرتين في العام الذي قبض فيه …
<div align="center">----</div>
حفظ الصحابة للقرآن الكريم:
توفرت للصحابة العوامل التي تجعلهم قادرين على حفظ القرآن وتسهل عليهم هذه المهمة ومن تلك العوامل:
1- قوة ذاكرتهم الفذة التي عرفوا بها واشتهروا، حتى كان الواحد منهم يحفظ القصيدة من الشعر بالسمعة الواحدة.
2-نزول القرآن منجماً.
3- لزوم قراءة شيء من القرآن في الصلاة.
4-وجوب العمل بالقرآن، فقد كان هو ينبوع عقيدتهم وعبادتهم، ووعظهم وتذكيرهم.
5- حض النبي صلى الله عليه وسلم على قراءة القرآن، والترغيب بما أعد للقارىء من الثواب والأجر العظيم.
6- تعاهد النبي صلى الله عليه وسلم الصحابة بتعليم القرآن: فكان الصحابة تلامذة للنبي صلى الله عليه وسلم يتعلمون منه القرآن، وكان النبي صلى الله عليه وسلم شيخهم، يتعاهدهم بتعليم القرآن، فإذا أسلم أهل أفق أو قبيله أرسل إليهم من القراء من يعلمهم القرآن، وإن كان في المدينة ضمه إلى حلق التعليم في جامعة القرآن النبوية.
<div align="center">*******</div>
2-حفظه في السطور:
وهو لون من الحفظ يدوم مع الزمان، لا يذهب بذهاب الإنسان، فلا بد أن يتحقق ما تكفل الله بحفظه:
{إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ} [الحجر : 9].
لقد اعتنى النبي صلى الله عليه وسلم بكتابة القرآن عناية بالغة جداً، فكان كلما نزل عليه شيء منه دعا الكُتّاب - منهم: علي بن أبي طالب، وأبي بن كعب، وزيد بن ثابت، ومعاوية بن أبي سفيان- فأملاه عليهم، فكتبوه على ما يجدونه من أدوات الكتابة حينئذ مثل:
الرقاع، اللخاف، والأكتاف، والعسب . وقد حصر النبي صلى الله عليه وسلم جهد هؤلاء الكتاب في كتابة القرآن فمنع من كتابة غيره إلا في ظروف خاصة أو لبعض أناس مخصوصين.
فتحقق بذلك توفر طاقة كبيرة لكتابة القرآن وترتيبه، كما أخرج الحاكم عن أنس رضي الله عنه: كنا عند رسول الله صلى الله عليه وسلم نؤلف القرآن في الرَّقاع… ومقصود هذا الحديث فيما يظهر أن المراد به تأليف ما نزل من الآيات المفرقة في سورها وجمعها فيها بإشارة النبي صلى الله عليه وسلم .
-
الإسناد :
1- عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ أَنَّ رَسُولَ اللهِ (ص) قَالَ: لاَ تَكْتُبُوا عَنِّي شَيْئًا إِلاَّ الْقُرْآنَ فَمَنْ كَتَبَ عَنِّي شَيْئًا غَيْرَ الْقُرْآنِ فَلْيَمْحُهُ.(1)
2- قال النووي : وكان النهي(2) حين خيف اختلاطه بالقرآن ، فلمَّا أُمن ذلك أذن في الكتابة ، وقيل: إنَّما نَهى عن كتابة الحديث مع القرآن في صحيفة واحدة ؛ لئلا يختلط فيشتبه على القارئ في صحيفة واحدة.38)
3- وزاد الحافظ ابن حجر وجهًا أن النهي خاص بوقت نزول القرآن خشية التباسه بغيره.(4)
4- عن عُثْمَانَ بن عَفَّانَ، قال: كَانَ النَّبِيُّ (ص) مِمَّا تَنَزَّلُ عَلَيْهِ الآيَاتُ فَيَدْعُو بَعْضَ مَنْ كَانَ يَكْتُبُ لَهُ، وَيَقُولُ لَهُ: ضَعْ هَذِهِ الآيَةَ فِي السُّورَةِ الَّتِي يُذْكَرُ فِيهَا كَذَا وَكَذَا.(5)
5- وعَنْ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ قَالَ كُنْتُ إِلَى جَنْبِ رَسُولِ اللهِ (ص) فَغَشِيَتْهُ السَّكِينَةُ فَوَقَعَتْ فَخِذُ رَسُولِ اللهِ (ص) عَلَى فَخِذِي فَمَا وَجَدْتُ ثِقْلَ شَيْءٍ أَثْقَلَ مِنْ فَخِذِ رَسُولِ اللهِ (ص) ثُمَّ سُرِّيَ عَنْهُ فَقَالَ: اكْتُبْ فَكَتَبْتُ فِي كَتِفٍ (لا يَسْتَوِي الْقَاعِدُونَ مِنَ الْمؤْمِنِينَ وَالْمجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللهِ) إِلَى آخِرِ الآيَةِ فَقَامَ ابْنُ أُمِّ مَكْتُومٍ وَكَانَ رَجُلاً أَعْمَى لَمَّا سَمِعَ فَضِيلَةَ الْمجَاهِدِينَ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ فَكَيْفَ بِمَنْ لا يَسْتَطِيعُ الْجِهَادَ مِنَ الْمؤْمِنِينَ فَلَمَّا قَضَى كَلامَهُ غَشِيَتْ رَسُولَ اللهِ (ص) السَّكِينَةُ فَوَقَعَتْ فَخِذُهُ عَلَى فَخِذِي وَوَجَدْتُ مِنْ ثِقَلِهَا فِي الْمرَّةِ الثَّانِيَةِ كَمَا وَجَدْتُ فِي الْمرَّةِ الأُولَى ثُمَّ سُرِّيَ عَنْ رَسُولِ اللهِ (ص) فَقَالَ اقْرَأْ يَا زَيْدُ فَقَرَأْتُ } لا يَسْتَوِي الْقَاعِدُونَ مِنَ الْمؤْمِنِينَ { فَقَالَ رَسُولُ اللهِ (ص) } غَيْرُ أُولِي الضَّرَرِ { ،(6) الآيَةَ كُلَّهَا. قَالَ زَيْدٌ: فَأَنْزَلَهَا اللهُ وَحْدَهَا، فَأَلْحَقْتُهَا، وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَكَأَنِّي أَنْظُرُ إِلى مُلْحَقِهَا عِنْدَ صَدْعٍ فِي كَتِفٍ.(7)
6- وروى أبو صالح عن ابن عباس في سورة الأنعام، قال: هي مكية، نزلت جُملة واحدة، نزلت ليلاً، وكتبوها من ليلتهم.(8)
7- عن زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ قال: فَتَتَبَّعْتُ الْقُرْآنَ أَجْمَعُهُ مِنَ الرِّقَاعِ وَالأَكْتَافِ وَالْعُسُبِ.(9)
وفي رواية: فَتَتَبَّعْتُ الْقُرْآنَ أَجْمَعُهُ مِنَ الْعُسُبِ وَالرِّقَاعِ وَاللِّخَافِ.(10)
وفي رواية :ومن الأضلاع، وفي رواية: والأقتاب.(11)
8- وعَن الْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ قال: كُنْتُ عِنْدَ رَسُولِ اللهِ (ص) فَقال: ادْعُ لِي زَيْدًا وَلْيَجِئْ بِاللَّوْحِ وَالدَّوَاةِ وَالْكَتِفِ أَوِ الْكَتِفِ وَالدَّوَاةِ.(12)
9- وعَنْ يَزِيدَ بْنِ عَبْدِ اللهِ قَالَ: كُنَّا بِالْمرْبَدِ فَجَاءَ رَجُلٌ أَشْعَثُ الرَّأْسِ بِيَدِهِ قِطْعَةُ أَدِيمٍ أَحْمَرَ، فَقُلْنَا: كَأَنَّكَ مِنْ أَهْلِ الْبَادِيَةِ؟ فَقَالَ: أَجَلْ. قُلْنَا: نَاوِلْنَا هَذِهِ الْقِطْعَةَ الأَدِيمَ الَّتِي فِي يَدِكَ، فَنَاوَلَنَاهَا فَقَرَأْنَاهَا فَإِذَا فِيهَا: مِنْ مُحَمَّدٍ رَسُولِ اللهِ إِلَى بَنِي زُهَيْرِ بْنِ أُقَيْشٍ …(13)
10- قال ابن الأثير: وحديث الزهري: والقرآن في الكرانيف. يعني أنَّه كان مكتوبًا عليها قبل جمعه في الصحف.(14)
11- قال القسطلاني:(15) وقد كان القرآن كله مكتوبًا في عهده (ص) ، لكن غير مجموع في موضع واحد، ولا مرتب السور.(16)
<div align="center">******</div>
الحواشى :
1) رواه مسلم في كتاب الزهد والرقائق باب التثبت في الحديث وحكم كتابة العلم - صحيح مسلم مع شرح النووي (18/129) ح 3004، والدارمي في الْمقدمة.باب من لم ير كتابة الحديث (1/119) ح 450 .
(2) يعني عن كتابة الحديث.
(3) شرح النووي على صحيح مسلم (18/130)، والْمدخل إلى السنن الكبرى للبيهقي ص 410 وما بعدها.
(4) فتح الباري (1/251).
(5) رواه أبو داود في كتاب الصلاة باب من جهر بِها (1/208-209)ح 786، والترمذي في كتاب تفسير القرآن باب سورة التوبة (5/272) ح 3086، وأحمد في مسنده - مسند العشرة الْمبشرين بالجنة (1/92)ح 401، (1/111) ح 501.
(6) من الآية 95 من سورة النساء.
(7) رواه البخاري في كتاب الجهاد والسير باب قول الله تعالى } لا يستوي القاعدون … { (6/53) ح 2832 ، ومسلم في صحيحه كتاب الإمارة بَاب سُقُوطِ فَرْضِ الْجِهَادِ عَنِ الْمعْذُورِينَ (13/42-43) ح 1898، وأبو داود في سننه كتاب الجهاد بَاب فِي الرُّخْصَةِ فِي الْقُعُودِ مِنَ الْعُذْرِ (3/11) ح 2507.
(8) ذكره ابن الجوزي في زاد الْمسير في علم التفسير (3/1) ، ومحاسن التأويل (تفسير القاسمي) (6/2230).
(9) رواه البخاري في كتاب تفسير القرآن باب } لقد جاءكم رسول من أنفسكم… { (8/194-195) ح 4679.
(10) رواه البخاري في صحيحه كتاب الأحكام باب يستحب للكاتب أن يكون أمينًا (13/195) ح 7191.
(11) رواهما ابن أبي داود في كتاب الْمصاحف ص 14،15.
(12) رواه البخاري في صحيحه كتاب فضائل القرآن بَاب كَاتِبِ النَّبِيِّ (ص) (8/637-638) ح 4990.
(13) رواه أبو داود في كتاب الخراج والإمارة والفيء بَاب مَا جَاءَ فِي سَهْمِ الصَّفِيِّ (3/153) ح 2999.
(14) النهاية في غريب الحديث (4/168).
(15) أبو العباس أحمد بن محمد بن أبي بكر القسطلاني القتيبي الْمصري، ولد سنة 851 هـ، له تصانيف عظيمة، منها إرشاد الساري لشرح صحيح البخاري، ولطائف الإشارات في علم القراءات، وغيرها من الْمصنفات الْمفيدة. توفي سنة 923 هـ. الأعلام للزركلي (1/232).
(16) إرشاد الساري لشرح صحيح البخاري (7/446)، وانظر دليل الحيران شرح مورد الظمآن في رسم القرآن للمارغني ص 17.
<div align="center">****************</div>
-
توفى النبى (ص) ولم يجمع القرآن الكريم فى مصحف واحد (مجلد واحد) وإنما كان مفرقٌ في الرقاع والعسب والعظام والأحجار، ولم يُجمع القرآن في زمنه (ص) في صحف ولا مصاحف.. ونعتقد أن لذلك يعود إلى الأسباب الاتية :
1 - أنَّه لم يوجد من دواعي كتابته مجموعًا في صحف أو مصاحف مثل ما وجد على عهد أبي بكر (ض) حتى كتبه في صحف ، ولا مثل ما وجد في عهد عثمان (ض) حتى نسخه في مصاحف، فالْمسلمون وقتئذ بخير، والقراء كثيرون، والإسلام لم تتسع دولته، والفتنة مأمونة، والتعويل لا يزال على الحفظ أكثر من الكتابة ، وأدوات الكتابة غير ميسورة ، والنبي (ص) بين أظهرهم، وعنايته باستظهار القرآن تفوق الوصف، فلا خوف على ضياع شيء منه في تلك الْمدة .
2 - أن النبي (ص) كان بصدد أن ينزل عليه الوحي بنسخ ما شاء الله نسخه من القرآن، ولو جمع القرآن في مصحف واحد وقتئذ لكان عرضة لتغيير الْمصاحف كلما وقع نسخ .
3 - أن القرآن لم يَنْزِل جملة واحدة ، بل نزل منجمًا في مدى عشرين سنة أو أكثر، ولم يكن ترتيب الآيات والسور على ترتيب النُّزُول، ولو جُمِع القرآن في مصحف واحد وقتئذ لكان عرضة لتغيير الْمصاحف كلما نزلت آية أو سورة.
ومن هنا يتضح لك عزيزى القارئ أن القرآن تم كتابتة فى عهد رسول الله (ص) ولكنه كان مفرقٌ في الرقاع والعسب والعظام والأحجار، ولم يُجمع القرآن في زمنه (ص) في صحف ولا مصاحف .. وأغلب الظن أن هذا ما رمى إلية عبد الكريم فى تلك الجملة الأفتتاحية ، وقد بينا هذا على التعريف النحوى لمادة (ص ح ف) وعلى الإسناد التاريخى من خلال السيرة النبوية ... هذا والله أعلم
-
ونعود مرة أخرى إلى الفقرة الأولى فى فرشة عبد الكريم .. يقول
وكل من أبى بكر ابن أبى قحافة التيمّى وعمر بن الخطاب العدوىّ وعدد من الصحابة على ذات الشاكلة أى لم يشهدوا مصحفًا.
ونعتقد أن الكاتب قد أخطأ فى تلك الجملة - وهذا بالطبع رأيى الشخصى والذى سأحاول عرضه عليكم بإذن الله –
كيف نتلمس العذر للكاتب فى ذلك ؟
من الممكن تلمس العذر للكاتب فى تلك المسالة ، إذا فرضنا جدلاً أن الكاتب نواياة حسنه وقصد بكلمة مصحفاً .. المصحف العثمانى الحالى .
فلا يوجد لدى أدنى شك فى أن أبى بكر الصديق (الخليفة الأول فى الإسلام) ، أو عمر (الخليفة الثانى فى الإسلام) وكل الصحابة قبل تولى عثمان ابن عفان (الخليفة الثالث فى الإسلام) قد شاهدوا المصحف .. وأقصد بكلمة المصحف ... (المجلد الواحد الذى جمعت فيه كل سور القرآن الكريم التى دونت فى عهد الرسول (ص))
وسنبرهن بإذن الله تعالى على صحة هذا الكلام
-
<div align="center">الجمع الثاني في عهد سيدنا أبي بكر رضي الله عنه.</div>
ما إن توفي رسول الله (ص) ، وانتقل الأمر إلى أبي بكر الصديق (ض) حتى ارتد كثير من العرب، ومنع كثير منهم ما كان يؤديه من الزكاة إلى رسول الله (ص) باعتبار الزكاة خراجًا أو ضريبة كانت مفروضة للنبي (ص).
وادعى بعض الأدعياء من العرب النبوة، فاضطلع أبو بكر بِمهمة قتال هؤلاء المرتدين ومانعي الزكاة ومدعي النبوة.
وكان من أعتى أدعياء النبوة مسيلمة الكذاب،(1) وكان قومه بنو حنيفة قد التفوا حوله واتبعوه.
وكان بنو حنيفة يسكنون اليمامة، فأرسل إليهم أبو بكر الصديق (ض) جيشًا بقيادة عكرمة بن أبي جهل، وأمده بشرحبيل بن حسنة، وانْهزم عكرمة أول الأمر، ثم جاءهم خالد بن الوليد بِمدد وقاد الجيش إلى النصر.
وكانت موقعة اليمامة سنة إحدى عشرة من الهجرة النبوية، وقُتِل فيها مسيلمة الكذاب، وكثير مِمَّن كان معه، لَمَّا حوصروا في الحديقة التي عرفت فيما بعد بِحديقة الموت، فقد قتل فيها من بني حنيفة نحو سبعة آلاف رجل، وكان جملة القتلى من بني حنيفة ومن معهم أكثر من عشرين ألف رجلٍ، وبلغ القتلى من الصحابة نحو ستين وست مائة رجلٍ، وكان جملة القتلى من المسلمين نحو ستين وتسعمائة رجلٍ.( 2) وقيل بلغ القتلى من الصحابة نحو خمسين وأربعمائة رجل، وبلغت جملة القتلى من المسلمين مائتين وألف رجلٍ.( 3)
راعت هذه الكارثة العظيمة –كارثة فقد حفَّاظ كتاب الله تعالى- عمرَ الفاروقَ (ض)، فهرع إلى خليفة رسول الله (ص)، وطلب منه أن يسرع إلى حفظ الكتاب بجمعه مكتوبًا، حتى لا يذهب بذهاب حُفَّاظه.
فمع موت كثيرٍ من الحفاظ، أصبح من الْمخوف الْمحتمل أن تفقد إحدى القطع التي كُتِبَ القرآن بين يدي النبي(ص)، ومن الْمحتمل أيضًا أن يستشهد الذين يحفظون الْمكتوب في هذه القطعة، فيترتب على الأمرين معًا ضياع الْمكتوب فيها.
فتردد أبو بكر أول الأمر، لأنه كَرِهَ أن يجمع القرآن على وجهٍ يُخالف ما فعله النَّبِيّ (ص) من جمع القرآن، حيث اكتفى (ص) بتدوين القرآن على الجلود والعظام والعسب وغير ذلك، ولم يجمعه في صحفٍ أو مصاحف، فقد كَرِهَ أن يُحِلَّ نفسه محلَّ مَنْ تَجَاوَزَ احتياطُه للقرآن احتياطَ النَّبِيّ (ص).
ولكن عمر ما زال يراجعه حتى شرح الله صدره لهذا الأمر، فدعا زيد بن ثابت (ض)، وطلب منه أن يقوم بجمع القرآن، فتردد زيد (ض) لنفس الأمر الذي تردد له أبو بكر أول الأمر، وما زال أبو بكر يراجعه حتى شرح الله صدره له، فشرع في العمل متهيبًا وَجِلاً من عظم المسؤولية.
قال الزُّهْرِيُّ: أَخْبَرَنِي ابْنُ السَّبَّاقِ أَنَّ زَيْدَ بْنَ ثَابِتٍ الأَنْصَارِيَّ (ض) ، وَكَانَ مِمَّنْ يَكْتُبُ الْوَحْيَ، قال: أَرْسَلَ إِلَيَّ أَبُو بَكْرٍ مَقْتَلَ أَهْلِ الْيَمَامَةِ وَعِنْدَهُ عُمَرُ، فَقال: أَبُو بَكْرٍ إِنَّ عُمَرَ أَتَانِي فَقال: إِنَّ الْقَتْلَ قَدِ اسْتَحَرَّ يَوْمَ الْيَمَامَةِ بِالنَّاسِ، وَإِنِّي أَخْشَى أَنْ يَسْتَحِرَّ الْقَتْلُ بِالْقُرَّاءِ فِي الْمَوَاطِنِ فَيَذْهَبَ كَثِيرٌ مِنَ الْقُرْآنِ، إِلاَّ أَنْ تَجْمَعُوهُ، وَإِنِّي لأَرَى أَنْ تَجْمَعَ الْقُرْآنَ. قال: أَبُو بَكْرٍ قُلْتُ لِعُمَرَ كَيْفَ أَفْعَلُ شَيْئًا لَمْ يَفْعَلْهُ رَسُولُ اللهِ (ص) ؟ فَقال: عُمَرُ هُوَ وَاللهِ خَيْرٌ. فَلَمْ يَزَلْ عُمَرُ يُرَاجِعُنِي فِيهِ حَتَّى شَرَحَ اللهُ لِذَلِكَ صَدْرِي، وَرَأَيْتُ الَّذِي رَأَى عُمَرُ. قال زَيْدُ بْنُ ثَابِتٍ: وَعُمَرُ عِنْدَهُ جَالِسٌ لاَ يَتَكَلَّمُ. فَقال أَبُو بَكْر:ٍ إِنَّكَ رَجُلٌ شَابٌّ عَاقِلٌ وَلاَ نَتَّهِمُكَ، كُنْتَ تَكْتُبُ الْوَحْيَ لِرَسُولِ اللهِ (ص) ، فَتَتَبَّعِ الْقُرْآنَ فَاجْمَعْهُ. فَوَاللهِ لَوْ كَلَّفَنِي نَقْلَ جَبَلٍ مِنَ الْجِبَالِ مَا كَانَ أَثْقَلَ عَلَيَّ مِمَّا أَمَرَنِي بِهِ مِنْ جَمْعِ الْقُرْآنِ. قُلْتُ: كَيْفَ تَفْعَلاَنِ شَيْئًا لَمْ يَفْعَلْهُ النَّبِيُّ (ص) ؟ فَقال أَبُو بَكْر:ٍ هُوَ وَاللهِ خَيْرٌ. فَلَمْ أَزَلْ أُرَاجِعُهُ حَتَّى شَرَحَ اللهُ صَدْرِي لِلَّذِي شَرَحَ اللهُ لَهُ صَدْرَ أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ، فَقُمْتُ فَتَتَبَّعْتُ الْقُرْآنَ أَجْمَعُهُ مِنَ الرِّقَاعِ وَالأَكْتَافِ وَالْعُسُبِ وَصُدُورِ الرِّجَالِ، حَتَّى وَجَدْتُ مِنْ سُورَةِ التَّوْبَةِ آيَتَيْنِ مَعَ خُزَيْمَةَ الأَنْصَارِيِّ لَمْ أَجِدْهُمَا مَعَ أَحَدٍ غَيْرِه: } لَقَدْ جَاءكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ{ إِلَى آخِرِهِمَا. وَكَانَتِ الصُّحُفُ الَّتِي جُمِعَ فِيهَا الْقُرْآنُ عِنْدَ أَبِي بَكْرٍ حَتَّى تَوَفَّاهُ اللهُ، ثُمَّ عِنْدَ عُمَرَ حَتَّى تَوَفَّاهُ اللهُ، ثُمَّ عِنْدَ حَفْصَةَ بِنْتِ عُمَرَ.(4)
ولقد كانت هذه الوقعة أهم الأسباب التي اكتملت بِها الحاجة إلى جمع القرآن، ودفعت الصحابة إلى هذا العمل، لَمَّا رأَوْا أن مصلحة الدين، وحفظ الكتاب الحكيم لا تتم إلا به.
وقد اعتمد الصحابة كلهم وبالإجماع القطعي هذا العمل وهذا المصحف الذي جمعه أبو بكر الصديق رضي الله عنه، وتتابع عليه الخلفاء الراشدون كلهم والمسلمون كلهم من بعده، وسجلوها لأبي بكر الصديق منقبة فاضلة عظيمة من مناقبه وفضائله. وحسبنا في ذلك ما ثبت عن علي ابن أبي طالب رضي الله عنه أنه قال: أعظم الناس في المصاحف أجراً أبو بكر، رحمة الله على أبي بكر، هو أول من جمع كتاب الله(5)
قال الحافظ ابن حجر: أخرجه ابن أبي داود في "المصاحف" بإسنادٍ حسنٍ.(6)
وقال السيوطي: بسندٍ حسنٍ.(7)
وقد جاءت روايات عدة عن بعض الصحابة قد عُنى بجمع القرآن فى مصحف واحد قبل أبى بكر (ض) مثل عليُّ بن أبي طالبٍ كرم الله وجهه أو ن عمر بن الخطاب (ض) أو سالم مولى أبي حذيفة (ض) .......
والمجال هنا لا يتسع لذكر تلك الروايات ولكن الصواب -والله أعلم- أن أوَّلية أبي بكر في جمع القرآن أولية خاصةٌّ، إذ قد كان للصحابة (ض) مصاحف كتبوا فيها القرآن قبل جمع أبي بكر، وهذا لا يعكر صفو القول بأن أول من جمع القرآن هو الصدِّيق (ض)، لأن مصاحف الصحابة الأخرى إنَّما كانت أعمالاً فردية، لم تظفر بِما ظفر به مصحف الصدِّيق من دقَّة البحث والتحرِّي، ومن الاقتصار على ما لم تنسخ تلاوته، ومن بلوغها حدَّ التواتر، ومن إجماع الأمة عليها، إلى غير ذلك من الْمزايا التي كانت لمصحف الصدِّيق.
فلا يضير مع كل هذه الْمزايا أن يُروى أن عليًّا أو عمر أو سالِمًا كان أول من جمع القرآن، فقُصارى تلك الروايات أنَّها تثبت أن بعض الصحابة كان قد كتب القرآن في مصحف، ولكنها لا تُعطي هذا المصحف تلك الصفة الإجماعية، ولا تخلع عليه تلك المزايا التي للمصحف الذي جمع على عهد أبي بكر (ض) (8).
وبهذا التثبت والتحفظ تم جمع القرآن في عهد أبي بكر الصديق في مصحف واحد مرتب الآيات والسور.
<div align="center">*******</div>
الحواشى :
(1) هو مسيلمة بن حبيب الحنفي، وقال ابن هشام مسيلمة بن ثمامة، ويكنى أبا ثمامة، وهو المعروف بمسيلمة الكذاب، ادعى النبوة، وكان قد تسمى بالرحمن في الجاهلية، وكان من المعمرين. قتل في حديقة الموت يوم اليمامة من حروب الردة. انظر السيرة النبوية لابن هشام
(2) تاريخ الأمم والملوك - الطبري (2/283)، والبداية والنهاية (6/330)، وتاريخ الإسلام للذهبي في جزء حوادث سنة 11-40 هـ ص 73، والكامل في التاريخ (2/243-248).
(3) شذرات الذهب (1/23).
(4) رواه البخاري في كتاب تفسير القرآن باب } لقد جاءكم رسول من أنفسكم … { انظر الصحيح مع شرحه فتح الباري (8/194) ح 4679، وفي كتاب فضائل القرآن باب جمع القرآن، (8/626) ح 4986.
(5) رواه ابن أبي داود في كتاب المصاحف، باب جمع القرآن. ص 11-12.
(6) فتح الباري بشرح صحيح البخاري (8/628).
(7) الإتقان في علوم القرآن (1/165).
(8) مناهل العرفان في علوم القرآن (1/254-255).
<div align="center">******************</div>
-
ونكمل رحلتنا مع عبد الكريم .. فيقول:
تلك الحقيقة رغم ثبوتها إن ذكرتها لأى مسلم مهما بلغ حظه من التعليم ـ غير الدينى ـ بادر باستنكارها ورماك بالجنون أو أنك تستهزئ به أو ألصق بك تهمة المروق من الإسلام.
قد يكون الكاتب محقاً فى إدعائه هذا ... ذلك لأن المسلمون والحمد الله تعالى تجد لهم من الثقه فى دينهم ما لا تجده عند أهل الديانات الأخرى ، فهم لا يُطيقون كلمة واحدة تشكك فى دينهم الحق .. لذا حتى إن لم يك المسلم متعلم أو لديه حظ كبير من التعليم الدينى إذا أمطرتة ببعض الدعاوى على دينه تجدة يستميت فى دحض إفترائاتك بكل ما أوتى من علم ... فهو غيور على دينه ، وإن لم يستطع بالطبع فلن يشك ولو للحظة فى إسلامة .. فهو يعلم إنك كاذب وتحاول تشكيكة فى دينه لذا فأضعف حيله أن يرميك بالجنون ويتركك وينصرف لإمره .. وهذا بالطبع قد يكون ناتجاً عن أُميته الدينية .. أو أُميته بشكل مطلق ...
ولكن ما أود ان أُشير اليه هنا هو ما أراد الكاتب – رحمة الله – أن يُلمح إليه فى جملته تلك ..
<div align="center">إن ذكرتها لأى مسلم مهما بلغ حظه من التعليم ـ غير الدينى ـ</div>
فالكاتب هنا – والله أعلم – آراد أن يقول أن أصحاب العلم الدينى فقط لهم الحظ فى معرفة تلك الحقيقة الإسلامية البسيطة ... وبالطبع الكاتب قصد من ذلك .. الإشارة إلى بُعد أسلوب التعليم فى بلادنا كُل البعد عن المنهج الصحيح للتربية الإسلامية .. وبالطبع هى إشارة سريعه وعلى عجل ...
فالكاتب يُجزم أنك إن جهرت بتلك الحقيقة لأى مسلم مهما كان علمة – غير الدينى – وضْع مائة خط تحت كلمة مهما هذه لتدرك ما رمى إلية الكاتب بتلك الجملة ...سيرميك بالجنون
فالرجل آراد أن يشير إلى ضعف الثقافة الدينيه لدى مسلمى اليوم بسب إنصراف المؤسسات التعليمية عن تدريس المناهج الدينيه للعلوم الإسلامية بالشكل السليم ...
وقبل أن يعترض أحد على قولى هذا ... اوضح وأزيد القول ، إن ما يدرس اليوم فى مدارسنا ما هو إلا رتوش وتعليقات على العلوم الإسلامية .. ولا يمثل شيئاً يذكر من العلوم الدينية ... بدليل إنك بالفعل إذا بحثت بين المتعلمين اليوم عن أحد يدرك حقيقة تدوين وجمع المصحف لن تجد الكثير من هم على دراية بهذا الأمر (ولن أقول - لن تجد أحداً - كما هول الكاتب من المسالة .. ) وهذا يدلك على مدى الجهل الدينى الذى يصيب الناس هذه الأيام..
-
ونكمل مع الرجل فنجده يقول :
هذه المفارقة الصارخة تدعونا أو تضطرنا للتمييز بين القرآن المقروء أو المتلو الذى حفظته صدور الرجال وبين القرآن المكتوب الذى دُون إبان عهد الخليفة الثالث عثمان بن عفان الأموى.
وأعتقد أن التمييز الذى قصده الكاتب فى تلك الجملة ليس التمييز أو التفرقه بمعنى أن القرآن الذى حفظته الصحابه على عهد رسول الله (ص) يخالف القرآن الذى دُون ...
والدليل على ذلك أمور عدة :
1- أن حفظ القرآن أقتصر على صدور الصحابه فى أول الدعوة الإسلامية ...لكن مالبث أن أنتقل هذا الأمر إلى التدوين والكتابه ، فلم يمت رسول الله (ص) إلا وقد كُتب القرآن كلة .. وقد أوضحنا هذا الأمر فى بداية التعليق .
2- قام أبى بكر الصديق (ض) بجمع القرآن من صدور حفظة القرآن ومن الرقاع والعسب والعظام والأحجار التى دُون عليها فى عهد رسول الله (ص) وضمه فى مجلد واحد .. وبذلك يكون الصديق (ض) أول من جمع القرآن فى مجلد واحد (مصحف واحد)
3- أتبع هذا أن نقل عثمان (ض) القرآن من المجلد الذى جمعه أبى بكر (ص) فى مصاحف عدة وبعثها إلى كل أفق
عن أنس بن مالك رضي الله عنه: أن حُذيفة بن اليمان قدم عَلى عثمان، وكان يغازي أهل الشام في فتح أرمينية وأذربيجان مع أهل العراق فأفزع حذيفة اختلافهم في القراءة، فقال لعثمان: أدرك الأمة قبل أن يختلفوا اختلاف اليهود والنصارى. فأرسل إلى حفصة: أن أرسلي إلينا الصحف ننسخها في المصاحف، ثم نردها إليك، فأرسلت بها حفصة إلى عثمان، فأمر زيد بن ثابت، وعبد الله بن الزبير، وسعيد بن العاص، وعبد الرحمن بن الحارث بن هشام، فنسخوها في المصاحف.
وقال عثمان للرهط القرشيين الثلاثة: إذا اختلفتم أنتم و زيد بن ثابت في شيء من القرآن، فاكتبوه بلسان قريش، فإنه إنما نزل بلسانهم، ففعلوا، حتى إذا نسخوا الصحف في المصاحف رد عثمان الصحف إلى حفصة، وأرسل إلى كل أفق بمصحف مما نسخوا، وأمر بما سواه من القرآن في كل صحيفة ومصحف أن يحرق.[ رواه البخاري في صحيحه: كتاب فضائل القرآن باب جمع القرآن (8/626) ح 4987.]
وهذا الأمر يدلك على ان عثمان نسخ المصحف العثمانى من مصحف حفصه التى ورثته عن أبيها عمر والذى ورثه عن الصديق الذى جمعه من الرقاع والعسب والعظام والأحجار التى دُون عليها فى عهد رسول الله (ص) ومن صدور الصحابه وحفظة القرآن رضى الله عنهم أجمعين .. وبهذا لا يوجد لدينا أدنى شك فى أن الذى بين أيدينا اليوم هو كلام الله المنزل على رسوله (ص) والذى حفظته صدور الصحابه الأولين.
حسناً ... إذا لم يقصد الكاتب هذا الأمر ماذا قصد إذن ... وهذا ما يجيب علية عبد الكريم فى المقدمة فى الفقرة الأولى .... فيقول:
هل القرآن المقروء والمتلو الذى حفظه الصحابة فى صدورهم غير القرآن المدون فى المصحف الذى كتب فى عهد الخليفة الثالث عثمان بن عفان الأموىّ؟.
بداهة: الإجابة لا, بصورة جازمة لاتدع مجالاً لذرة من لبس ونعوذ بالله تعالى أن يفهم القارئ مما سطرناه فى الفرشة أنن عنينا أنهما قرآنان ونبرأ من مَن يدعيه, إذ هو محض زور وبهتان بل وأكثر.
ونجد من هذا القول أن الكاتب ينفى بقوة عن نفسه تلك الدعوى التى قد يقذفة بها الآخرون حينما يقرأوا فرشتة الأولى ...
وبالطبع يدور الآن فى أذهننا جميعا نفس السؤال .. إذا لم يك يقصد الكاتب هذا الأمر لما إذن أستعمل كلمة التمييز والتفرقه فى فرشتة الأولى ،وأوحى لنا بهذا اللبس ؟؟!!
وأعتقد أن إجابة هذا السؤال – من وجهة نظرى طبعاً ، والله أعلم – تعود كما قلت مسبقاً إلى أسلوب الكاتب الذى وصفتة من قبل بالمرن ، وتلك الطريقه النى يتبعها عبد الكريم فى إستفذاذ عقلك كقارئ مما يدفعك لـمجادلة افكارة أثناء قرائتك وبالتالى يدعوك للتفكر والتحاور الذى يتبعه الأتصال مع الكاتب بالقطع .. فهو لا يدعك تقف هكذا موقف المتلقى الذى تُصب المعلومات والأفكار فى عقله ..بل والأكثر من هذا إنه حينما يطمئن أنك شُبعت تماماً ، يكشف لك فى كل يسر وسهولة عن إقراره التام بكل ماتقول .. وأنك فقط أخطات الفهم لا أكثر ولا أقل ...فتعود وانت حائر لما أستخدم معى هذة الطريقه .. ياله من ماكر؟
وهذا هو تحليلى للموقف – مع الوضع فى الأعتبار أن الكاتب قد رمى إلى ما غير ذلك ، والله أعلم –
-
ونكمل مع عبد الكريم فبيقول:
القرآن المقروء أو المتلو أو المحفوظ فى الصدور غض طرى يتفجر نضارة وبكارة, أبوابه مفتوحة ومداخله ميسرة ومنافذه واسعة ومآتيه سهلة, ومفاتيحه طيّعة.
وبالطبع لن تجد ابلغ من تلك الكلمات لوصف كتاب الله – القرآن الكريم – وكما نقول فى المصرية العامية (الكلام ليكى يا جارة ...) فأين كتابكم من هذا يا نصارى اليوم يا من تتبجحون بكتابات عبد الكريم .. إذا كان الرجل قد أخطأ فهناك من يرده ويصحح له الخطأ – فلا معصوم إلا الله- .. فقط أعلموا أن باب المناقشة فى ديننا الحنيف مفتوح لكل من ملك الآليات لذلك ، يمكن أن تقول ما تشاء فقط آتنا بدليلك من كتاب الله وسنة رسولة ...
وعبد الكريم هذا الذى تنشرون كتاباته وأنتم فرحين بها وتهللون قائلين ها هو باحث مسلم يقر بأن القرآن محرف ومزور أقرأوا وصفه للقرآن الكريم ... هل يُعقل أن يصف إنسان القرآن بهذه الأوصاف ثم يقول أنه حُرف ... ثم أقرأوا أعترافة فى المقدمة بأنه ما قصد هذا وأن من قال عنه هذا فقد كذب..
<div align="center">********</div>
-
ولنترك النصارى قليلاً ونعود لعبد الكريم مرة أخرى .. فيقول :
أما القرآن المدون أو المكتوب فتغلفه القداسة وتعلوه المهابة وهو محفود محشود ومحروس مخفور, تحوطه أسيجة وأسوار عالية يقف عليها حُجَّاب و سدنة ومرازبة يحولون بين أى إنسان والإقتراب منه إلا إذا حاز صفات حددوها بدقة وعينوها بصرامة وذكروها بتفصيل وهم وحدهم أصحاب الكَلِم الفصل فى إحاطته بها واستيعابه إياها وتمكنه منها كيما يتعين عليه أن يحصل على تصريح من أولئك الحُرّاس مذيل بتوقيعهم المهيب وممهور بخاتمهم القدسانى.
يُهيأ لى أن تلك الجملة بكل ما فيها جملة سياسية بكل ما تحملة الكلمه من معان .. فالرجل يتحدث هنا عن المؤسسات الدينيه التى أحاطتت القرآن بسور عال و وضعت مشقة كبيره على الناس فى الوصول إلى مفاتيحه ومعانية الخصبه وحيويتة... فأصبح كتاب مقدس بعيد المنال عن الناس لا يصلوا إليه مباشرة ، إلا عن طريق علوم وطرق معقده حددتها تلك المؤسسات الدينية السابق ذكرها .. ولا يبدى فيه أحد برأية إلا إذا كان من أولى العلم والمعرفة التى تحددها تلك المؤسسات
الرجل هنا يريد التفرقه بين القرآن الذى حفظته صحابة رسول الله (ص) والقرآن الذى يدون اليوم...
إن القرآن الذى حفظته صدور الصحابه كان ملازم لهم فى شئون حياتهم يديرها لهم .. ويملأ قلوبهم وصدروهم .. أما اليوم فالقرآن كتاب محفوظ يتباهى كل فرد منا بعدد المصاحف التى يمتلكها فى منزله ، كلما دخلت غرفة من غرف المنزل وجدت مصحفاً كأنه جزء من ديكور المنزل[الديكور الإسلامى] .. لكن إذا كشفت عن قلبه ما وجدت ولا آيه واحده .. يخيل لى أن هذا ما آراد أن يقولة الكاتب بإيجاز غير مُخل
أما بالنسبه لقضية إبداء الرأى فى القرأن وأن يدلو كل فرد بدلوه فى معانى القرآن بغض النظر عن العلوم التى تحددها المؤسسات الدينيه للباحث كى يدرسها ومن ثم يستطيع البحث فى القرآن ... فهذة قضيه شائكه فيها آراء عدة لذا سأترك الحديث فيها لمرة أخرى وكذلك للأخوة للمشاركة بآرائهم فى تلك القضيه ...
أما من حيث أن القرآن يؤثر بشكل أو بآخر فى الفرد عندما يحفظه ويملأ عليه كيانه ولا يكتفى بمجرد الأحتفاظ بنسخه منه فى منزله فهذا أمر لا شك فيه وإن كنت أود أن أستفيض فى الكلام عن تلك النقطه لأهميتها ...
-
فقد شرَّف الله أمة الإسلام بخصيصة لم تكن لأحد من أهل الْملل قبلهم، وهي أنَّهم يقرءون كتاب ربِهم عن ظهرقلبٍ، كما جاء في صفة هذه الأمة عن وهب بن منبه:(1) أمة أناجيلهم في صدورهم،(2) بخلاف أهل الكتاب، فقد كانوا يقرءون كتبِهم نظرًا، لا عن ظهر قلب.(3)
وقد تكفَّل الله بحفظ هذا الكتاب، كما قال: {إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ}،(4) وكان من حفظه تعالى لكتابه أن وفَّقَ هذه الأمة إلى حفظه واستظهاره.
وقد تظاهرت الأدلة على فضل حفظ القرآن الكريم، وفضل حفظته على غيرهم من الْمسلمين، فمن ذلك:
1 - علوُّ منزلة حَافظ القرآن، الْماهر به، فعَنْ عَائِشَةَ عَنِ النَّبِيِّ (ص) قَالَ: مَثَلُ الَّذِي يَقْرأُ الْقُرْآنَ وَهُوَ حَافِظٌ لَهُ مَعَ السَّفَرَةِ الْكِرَامِ الْبَرَرَةِ، وَمَثَلُ الَّذِي يَقْرَأُ الْقُرْآنَ، وَهُوَ يَتَعَاهَدُهُ، وَهُوَ عَلَيْهِ شَدِيدٌ، فَلَهُ أَجْرَانِ.(5)
وعَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ (ص) : يُقَالُ لِصَاحِبِ الْقُرْآنِ إِذَا دَخَلَ الْجَنَّةَ: اقْرَأْ وَاصْعَدْ، فَيَقْرَأُ، وَيَصْعَدُ بِكُلِّ آيَةٍ دَرَجَةً، حَتَّى يَقْرَأَ آخِرَ شَيْءٍ مَعَهُ.(6)
2 - وما ورد من أن حافظ القرآن لا تحرقه النار، فعن عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ قال: إِنَّ رَسُولَ اللهِ (ص) قَالَ: لَوْ أَنَّ الْقُرْآنَ جُعِلَ فِي إِهَابٍ(7) ثُمَّ أُلْقِيَ فِي النَّارِ مَا احْتَرَقَ.(8)
قال ابن الأثير:(9) … وقيل الْمعنى: مَن علَّمهُ اللهُ القرآنَ لم تحرقْهُ نارُ الآخرةِ، فجُعِلَ جسمُ حافظ القرآن كالإهاب له..(10)
3 - ومنه تشفيعه في أهله، فعَنْ عَلِيٍّ (ض) قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ (ص) : مَنْ قَرَأَ الْقُرْآنَ وَحَفِظَهُ أَدْخَلَهُ اللهُ الْجَنَّةَ، وَشَفَّعَهُ فِي عَشَرَةٍ مِنْ أَهْلِ بَيْتِهِ كُلُّهُمْ قَدِ اسْتَوْجَبَ النَّارَ.(11)
4 - ومن ذلك أيضًا أن أهل القرآن هم أهل الله وخاصته، فعَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ (ص) : إِنَّ للهِ أَهْلِينَ مِنَ النَّاسِ. قَالُوا: يَا رَسُولَ اللهِ مَنْ هُمْ؟ قَالَ: هُمْ أَهْلُ الْقُرْآنِ، أَهْلُ اللهِ وَخَاصَّتُهُ.(12)
5 - وكذلك إكرام والدي حافظ القرآن، وإعلاء منزلتهما، فعَنْ سَهْلِ بْنِ مُعَاذٍ الْجُهَنِيِّ عَنْ أَبِيهِ أَنَّ رَسُولَ اللهِ (ص) قَالَ: مَنْ قَرَأَ الْقُرْآنَ، وَعَمِلَ بِمَا فِيهِ، أُلْبِسَ وَالِدَاهُ تَاجًا يَوْمَ الْقِيامَةِ، ضَوْءهُ أَحْسَنُ مِنْ ضَوْءِ الشَّمْسِ فِي بُيُوتِ الدُّنْيَا - لَوْ كَانَتْ فِيكُمْ، فَمَا ظَنُّكُمْ بِالَّذِي عَمِلَ بِهَذَا؟(13)
6 - ومن ذلك أيضًا أن حملة القرآن مقدمون على أهل الجنة، قَالَ عَطَاءُ بْنُ يَسَارٍ:(14) حَمَلَةُ الْقُرْآنِ عُرَفَاءُ(15) أَهْلِ الْجَنَّةِ.(16)
وعن طاوس أنه سأل ابن عباس - رضي الله عنهما: ما معنى قول الناس: أهل القرآن عرفاء أهل الجنة ؟ فقال: رؤساء أهل الجنة.(17)
<div align="center">********</div>
الحواشى :
(1) تابعي ثقة، ولد سنة 34 هـ، وأخذ عن ابن عباس وابن عمر وأبي سعيد وغيرهم من الصحابة، كان إخباريًّا قصاصًا، غزير العلم بالإسرائليات وصحائف أهل الكتاب، ومن الْمشهورين بالعبادة والوعظ، تولي قضاء صنعاء. توفي سنة 110 هـ، وقيل سنة 113 هـ، وقيل سنة 114 هـ. سير أعلام النبلاء (4/544)، وشذرات الذهب لابن العماد الحنبلي (1/150).
(2) رواه البيهقي في دلائل النبوة باب صفة رسول الله (ص) في التوراة والإنجيل والزبور وسائر الكتب، وصفة أمته (1/379).
(3) انظر فتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية (13/400).
(4) الآية 9 من سورة الحجر.
(5) رواه البخاري في صحيحه: كتاب التفسير، سورة عبس. صحيح البخاري مع شرحه فتح الباري (8/560) ح: 4937.
(6) رواه ابن ماجه في سننه: كتاب الأدب، باب ثواب القرآن. (2/1242) ح: 3780.
(7) الإهاب، ككِتَابٍ: الجِلْد. القاموس الْمحيط ( أهب ) ص 77.
(8) رواه أحمد في الْمسند: مسند الشاميين (5/148) ح 16914، و (5/156) ح 16967، والدارمي في سننه: كتاب فضائل القرآن باب فضل من قرأ القرآن (2/430) ح 3310
(9) هو القاضي الرئيس العلامة الأوحد، مجد الدين أبو السعادات بن الأثير الجزري، صاحب جامع الأصول وغريب الحديث، وغير ذلك، توفي سنة 606? . سير أعلام النبلاء (21/488).
(10) النهاية في غريب الحديث والأثر (1/83).
(11) رواه ابن ماجه في سننه: الْمقدمة، باب فضل من تعلم القرآن وعلمه (1/78) ح: 216. ورواه الترمذي في سننه: كتاب فضائل القرآن، باب ما جاء في فضل قارئ القرآن ح: 2905، وقال: هَذَا حَدِيثٌ غَرِيبٌ لا نَعْرِفُهُ إِلا مِنْ هَذَا الْوَجْهِ وَلَيْسَ إِسْنَادُهُ بِصَحِيحٍ وَحَفْصُ بْنُ سُلَيْمَانَ يُضَعَّفُ فِي الْحَدِيثِ. وأحمد في الْمسند: مسند العشرة الْمبشرين بالجنة عن علي بنحوه (1/239) ح 1271، و (1/241) ح 1281.
(12) رواه ابن ماجه في سننه: الْمقدمة، باب فضل من تعلم القرآن وعلمه (1/78) ح: 215.
(13) رواه أبو داود في كتاب الصلاة باب في ثواب قراءة القرآن (2/70)ح: 1453 وأحمد في مسنده: مسند الْمكيين (4/466) ح 15218.
(14) عطاء بن يسار الْمدني الفقيه، مولى ميمونة أم الْمؤمنين، تابعي ثبت حجة، كبير القدر، كان إمامًا فقيهًا واعظًا، قاضيًا بالْمدينة، توفي سنة ? . شذرات الذهب (1/125)، وسير أعلام النبلاء (4/448).
(15) العرفاء جمع عَرِيف، وهو القيم بأمور القبيلة أو الجماعة من الناس - لسان العرب ( عرف ) (4/2899).
(16) رواه الدارمي في سننه: كتاب فضائل القرآن، باب في ختم القرآن (2/470) ح: 3484، ورواه الطبراني عن الحسين بن علي مرفوعًا بلفظ: حَمَلَةُ الْقُرْآنِ عُرَفَاءُ أَهْلِ الْجَنَّةِ يَوْمَ القِيَامَةِ. قال الهيثمي: وفيه إسحاق بن إبراهيم بن سعد الْمدني، وهو ضعيف. مجمع الزوائد (7/164)، وانظر الإتقان (4/104).
(17) النهاية في غريب الحديث والأثر (3/218).
<div align="center">********</div>
-
ومن هنا يتضح فضل حفظ القرآن الكريم من تلك الأحاديث التى بلغت حد التواتر عن رسول الله (ص) ، واما من ناحية ما قصده الكاتب – رحمه الله – من ديناميكية القرآن فى حياة الصحابة وتوجيههم في شتى أمور حياتهم .. فالمقولة لاشك فى صحتها بالقطع ولكننا سنرى وجهة نظر الكاتب فى ذلك الأمر بالتفصيل عند تناولنا باقى أجزاء الفرشة لنرى كيف رأى الكاتب تأثير القرآن فى حياة صحابة رسول الله (ص) رضى الله عنهم .. وكيف أرتبط بحياتهم .. وكيف كان تأثيرة عليهم .. وهذا ما سنتناولة فى تعليق آخر..
أشكركم على حسن متابعتكم .. وآسف على الأطاله .. وأرجو أن أرى مشاركتكم فى القريب العاجل ...
ملحوظة :
(أ) أعتمدت فى المادة العلمية لهذا التعليق على هذه المراجع :
1- القرآن الكريم
2- جمع القران في مراحله التاريخية من العصر النبوي إلى العصر الحديث
بحث تكميلي للحصول على درجة الماجستير في التفسير وعلوم القرآن تأليف محمد شرعي أبو زيد
3- كتاب علوم القرآن من الموسوعة الإسلامية الميسرة
4- المعُجَمُ الوَجِيزُ - صادرعن : مَجمَع اللغَة العَربَية - 1998 م /1419 هـ
(ب) قمت بإرفاق هذا التعليق ليتسنى للأخوة قرائته
و أسأل الله أن أكون قد وفقت فيما طرقته من مسائل ومباحث، فما كان فيه من صواب فمن الله، وبِمنِّهِ وفضله، وما كان فيه من خطأٍ فمني ومن الشيطان، فهو عمل بشري، يعتريه النقص الذي يعتري البشر.
أسأل الله أن يهدينا إلى سـواء السبيل. إنه على كل شيءٍ قدير، وبالإجابة جدير، وهو حسبنا ونعم الوكيل.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاتة
-
السلام عليكم و رحمة الله
بارك الله فيك أخى الموضوع قوى جداً
-
أخى .. eknowledger ..
أغضبنى بشدة ترحمك على خليل عبد الكريم ، ناهيك عن بقية كلامك عنه !
ما كنت أظن مسلماً يحب الله ورسوله وصحابة نبيه يترحم على هذا العبكريم !
اللهم إلا مسلماً لم يقرأ ما كتبه هذا الرجل !
سأوافى الإخوة الكرام قريباً ، بالخطوط العريضة لفكر الرجل ، حتى نتبين مواضع أقدامنا .
جزاك الله خيراً أخى الكريم على نيتك ، وسامحك على قولك !
-
<div align="center">بسم الله الرحمن الرحيم</div>
العزيز sary ... أشكرك ، وبارك الله لك وعليك :)
ولنعود مرة أخرى ...
العزيز متعلم...
<div align="center">فصل</div>
<div align="center">فى الترحم على عبد الكريم</div>
مادة [رح م] - المعُجَمُ الوَجِيزُ صادر عن : مَجمَع اللغَة العَربَية - 1998 م /1419 هـ
(رَحَّمَ) عليه : دعا له بالرَّحمة
(تَرَحَّمَ) عليه : دعا له بالرَّحمة
<div align="center">---</div>
بماذا يُستدل من الترحَّم على الغير؟
1- إيضاح حقيقة موت هذا الشخص للآخرين ، إن لم يكونوا على علم بهذا الأمر..
فمثلاً بدلا من قولك الكاتب فلان الفلانى المتوفى ...
جرت العاده بقول فلان الفلانى - رحمة الله -
أو المرحوم فلان الفلانى .. فكلاهما تفيد نفس المعنى
فبهذة الطريقه التعبيريه قد أوصلت الفكرة المنشوده لعقول مستمعيك ألا وهى موت الشخص ... هذه واحده
الأمر الثانى .. هو هل يجوز لى الترحم على من اختلف معى فى رأى ما ؟
بمعنى أختلفت انا و - س - من الناس ، فلا أترحم عليه حين يموت بمعنى آخر لا أطلب له الرحمة من الله تعالى إذا مات ...
ولننتقل لمستوى آخر!!
إذا كان هذا الشخص الذى أختلفت معه فى الرأى ،ثَبُت أنه على خطأ فيما ذهب إليه .. وقتها يحق لى الا أطلب له الرحمه والمغفره من الله تعالى ؟!!
ولننتقل لمستوى أعلى !!
هذا الشخص يتناقش فى أشياء مقدسة ليست محل جدلٍ أو نقاش .. هذا الشخص يعبر كل الخطوط الحمراء .. إذن فلا تجوز له الرحمه ؟!!
ومستوى آخر أعلى !!
هذا الشخص كافر ؟؟؟؟
إذن فالمسألة قطعية بالنسبة لهذا الشخص ... فلا رحمة له ولا دعاء له بالرحمه
<div align="center">-----</div>
عزيزى متعلم نحن لا نفكر هكذا ، فقد علمنا رسولنا الكريم عليه أفضل الصلاة وأزكى التسليم ألا نسب بعضنا البعض أبداً مهما أختلافنا فى الرأى ، ومهما أخطأ الطرف الآخر فالسباب واللعان ليس من صفات المسلم .. حتى الخطائين والفاسقين والكافريين ندعو لهم بالهدايه طوال حياتهم حتى يهديهم الله للحق والرشاد ..وإذ ماتوا وهم على خطأهم أو كفرهم فندعو الله تعالى طالبين لهم الرحمه من عذاب اليوم الآخر ... فالمسلم لا يفرح أبداً لضلال إنسان أخر أخٍ له فى الإنسانيه .. ولا يسعد أبداً لعذاب كافر أو مخطا يوم القيامة ، فالمسلم يتمنى ألا يعذب أحداً قط يوم الدين ... لكن أنها رحمة الله وعدله اللذان وسعا كل شئ ، فكل نفساً بما كسبت رهينه والله يحاسب القوم بما عاشوا عليه ولما عاشوا له .. ولكنه الرحيم الغفور سمح لعباده المخلصين بالدعاء للخطائين والكفره والمشركين كى يرحمهم الله من العذاب .. والله وحده هو الغفور الرحيم ..
أخى الفاضل متعلم ... حينما ترحمت على عبد الكريم . ترحمت بنية صادقه لله تعالى وحده .. دون علم بكل نوايه وأهدافه ...
لقد قرأت لعبد الكريم ثلاثة كتب فقط هما مجتمع يثرب ، فترة التكوين والنص المؤسس .. وقد كان اول ما قرأت له هو فترة التكوين ... وأرتعت اول ما قرات هذا الكتاب وأصابنى حزن عميق لأن فى أمتنا من يفكر بهذا الشكل ، ويحلل الأمور بتلك السطحيه المجرده من كل القيم .. ويعلم الله أنى قد أُرهقت جداً فى البحث خلف مصادر الكتاب محاولاً دحض ما فيه من أفتراءات ودام الأمر معى لشهور ...
فقد أصابنى عبد الكريم - من وجهة نظرى - بصدمه كبيره لم أصب مثلها من قبل بعد قرأتى لكتابه هذا .. فالرجل والحق يقال قد أحزننى جداً .
ولكن أعود وأكرر أنى أتمنى له الرحمة من الله تعالى من كل قلبى .. فالله رحيم غفور ، وإذا كان الرجل قد أخطأ ففى الأمه والحمد الله من يرده إلى صوابه فإن لم يستطيعوا فأمره مفوضٌ إلى الله تعالى .. ولا يسعنا إلا أن نطلب له الهدايه فى حياته والرحمه بعد مماته ... هذا والله أعلم
-
<div align="center">فصل</div>
<div align="center">فى سنة حبيبنا المصطفى عليه الصلاة والسلام</div>
العزيز متعلم .... أنت والحمد الله الذى لا يحمد على شئ سواه افضل منا علماً ومعرفة والله هو مصدر كل علم .. فقط احببت ان اشاركك ما قرات فى سنة رسولنا الحبيب علية الصلاة والسلام
[1]
صحيح البخاري
الكتـــــاب : 78 - كتاب الأدب
المـــــوطن : 6044 + 44 - ما ينهى من السباب واللعن
-------------------------------------------------------------------------------
6044- حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ حَرْبٍ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ مَنْصُورٍ قَالَ سَمِعْتُ أَبَا وَائِلٍ يُحَدِّثُ
عَنْ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم « سِبَابُ الْمُسْلِمِ فُسُوقٌ ، وَقِتَالُهُ
كُفْرٌ » . تَابَعَهُ غُنْدَرٌ عَنْ شُعْبَةَ . طرفاه 48 ، 7076 - تحفة 9299
[2]
صحيح البخاري
الكتـــــاب : 78 - كتاب الأدب
المـــــوطن : 6045 + 44 - ما ينهى من السباب واللعن
-------------------------------------------------------------------------------
6045- حَدَّثَنَا أَبُو مَعْمَرٍ حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَارِثِ عَنِ الْحُسَيْنِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ بُرَيْدَةَ حَدَّثَنِى
يَحْيَى بْنُ يَعْمَرَ أَنَّ أَبَا الأَسْوَدِ الدِّيلِىَّ حَدَّثَهُ عَنْ أَبِى ذَرٍّ - رضى الله عنه - أَنَّهُ سَمِعَ النَّبِىَّ
صلى الله عليه وسلم يَقُولُ « لاَ يَرْمِى رَجُلٌ رَجُلاً بِالْفُسُوقِ ، وَلاَ يَرْمِيهِ بِالْكُفْرِ ، إِلاَّ ارْتَدَّتْ
عَلَيْهِ ، إِنْ لَمْ يَكُنْ صَاحِبُهُ كَذَلِكَ » . طرفه 3508 - تحفة 11929
[3]
صحيح البخاري
الكتـــــاب : 78 - كتاب الأدب
المـــــوطن : 6046 + 44 - ما ينهى من السباب واللعن
-------------------------------------------------------------------------------
6046- حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سِنَانٍ حَدَّثَنَا فُلَيْحُ بْنُ سُلَيْمَانَ حَدَّثَنَا هِلاَلُ بْنُ عَلِىٍّ عَنْ أَنَسٍ
قَالَ لَمْ يَكُنْ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَاحِشاً وَلاَ لَعَّاناً وَلاَ سَبَّاباً ، كَانَ يَقُولُ
عِنْدَ الْمَعْتَبَةِ « مَا لَهُ ، تَرِبَ جَبِينُهُ » . طرفه 6031 - تحفة 1646
[4]
صحيح البخاري
الكتـــــاب : 78 - كتاب الأدب
المـــــوطن : 6103 + 73 - باب من كفر أخاه بغير تأويل فهو كما قال
-------------------------------------------------------------------------------
6103- حَدَّثَنَا مُحَمَّدٌ وَأَحْمَدُ بْنُ سَعِيدٍ قَالاَ حَدَّثَنَا عُثْمَانُ بْنُ عُمَرَ أَخْبَرَنَا عَلِىُّ بْنُ الْمُبَارَكِ
عَنْ يَحْيَى بْنِ أَبِى كَثِيرٍ عَنْ أَبِى سَلَمَةَ عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ - رضى الله عنه - أَنَّ رَسُولَ
اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ « إِذَا قَالَ الرَّجُلُ لأَخِيهِ يَا كَافِرُ فَقَدْ بَاءَ بِهِ أَحَدُهُمَا »
. تحفة 15407
[5]
صحيح البخاري
الكتـــــاب : 80 - كتاب الدعوات
المـــــوطن : 6397 + 59 - باب الدعاء للمشركين
-------------------------------------------------------------------------------
6397- حَدَّثَنَا عَلِىٌّ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ حَدَّثَنَا أَبُو الزِّنَادِ عَنِ الأَعْرَجِ عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ - رضى
الله عنه - قَدِمَ الطُّفَيْلُ بْنُ عَمْرٍو عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ يَا رَسُولَ
اللَّهِ إِنَّ دَوْساً قَدْ عَصَتْ وَأَبَتْ ، فَادْعُ اللَّهَ عَلَيْهَا . فَظَنَّ النَّاسُ أَنَّهُ يَدْعُو عَلَيْهِمْ ، فَقَالَ
« اللَّهُمَّ اهْدِ دَوْساً وَأْتِ بِهِمْ » . طرفاه 2937 ، 4392 - تحفة 13695
[6]
صحيح البخاري
الكتـــــاب : 23 - كتاب الجنائز
المـــــوطن : 1312 + 49 - باب من قام لجنازة يهودى
-------------------------------------------------------------------------------
1312- حَدَّثَنَا آدَمُ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ مُرَّةَ قَالَ سَمِعْتُ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ أَبِى
لَيْلَى قَالَ كَانَ سَهْلُ بْنُ حُنَيْفٍ وَقَيْسُ بْنُ سَعْدٍ قَاعِدَيْنِ بِالْقَادِسِيَّةِ ، فَمَرُّوا عَلَيْهِمَا بِجَنَازَةٍ
فَقَامَا . فَقِيلَ لَهُمَا إِنَّهَا مِنْ أَهْلِ الأَرْضِ ، أَىْ مِنْ أَهْلِ الذِّمَّةِ فَقَالاَ إِنَّ النَّبِىَّ صلى الله
عليه وسلم مَرَّتْ بِهِ جَنَازَةٌ فَقَامَ فَقِيلَ لَهُ إِنَّهَا جَنَازَةُ يَهُودِىٍّ . فَقَالَ « أَلَيْسَتْ نَفْساً »
. تحفة 4662 ، 11092 - 108/2
[7]
صحيح مسلم
الكتـــــاب : 45- كتاب البر والصلة
المـــــوطن : 6847 + 39 - باب النهى عن تقنيط الإنسان من رحمة الله تعالى
-------------------------------------------------------------------------------
6847- حَدَّثَنَا سُوَيْدُ بْنُ سَعِيدٍ عَنْ مُعْتَمِرِ بْنِ سُلَيْمَانَ عَنْ أَبِيهِ حَدَّثَنَا أَبُو عِمْرَانَ الْجَوْنِىُّ
عَنْ جُنْدَبٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم حَدَّثَ « أَنَّ رَجُلاً قَالَ وَاللَّهِ لاَ يَغْفِرُ اللَّهُ لِفُلاَنٍ وَإِنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَالَ مَنْ ذَا الَّذِى يَتَأَلَّى عَلَىَّ أَنْ لاَ أَغْفِرَ لِفُلاَنٍ فَإِنِّى قَدْ غَفَرْتُ لِفُلاَنٍ
وأَحْبَطْتُ عَمَلَكَ ». أَوْ كَمَا قَالَ . تحفة 3263 - 2621/137
تلك الأحاديث من الهدى النبوى الشريف ترشدنا إلى أن المسلم ليس بلعان ولا سباب .. ويتمنى الهدى والخير لكل البشريه ويتمنى الرحمة لكافة البشر ، والله وحده هو الغفور الرحيم
-
<div align="center">فصل</div>
<div align="center">فى بقية كلامى عن عبد الكريم</div>
أخى متعلم ... لقد اشرت فى كلامى عن الفقرة الأولى من فرشة عبد الكريم ، وأغلب الظن انك قرأتها .. أنى قد سطرت هذا التعليق فى حدود ذخيرتى المعرفيه وعلمى المتواضع .. وأنه من الجائز بل من الطبيعى جدا ان تتواجد أخطاء ومواضع نقص .. وبالتالى فقد طلبت من كافة الأخوه – وأحسبك قد قرأت هذا – أن يردونى إلى الصواب حينما يلمسوا خطأى ... وإلا ما فائدة تلك الدعوه المفتوحه للحوار .. نحن هنا لنتناقش حول مادة الكتاب ومن ثم كل فرد يسطر تعليقه على مادة الكتاب مستنداً فى ذلك إلى مرجعيته المعرفيه التى يستقى منها معلوماته وعلى هذا تصبح الفائده ذات عدة اوجهه .. فالرد على الكتاب سيكتمل بإذن الله تعالى هنا فى المنتدى هذه واحده .. وأيضاً سنصحح لبعضننا البعض ما قد نخطأ فيه أو نسهو عنه .. وسيأتى الرد على الكتاب بإذن الله تعالى شاملاً لكل وجهات النظر من الأخوه وبالتالى يصيب إلى أقصى درجه ممكنه .. وهذا ما أشرت أليه فى المقدمه ..فقد أردت ان يشارك كل فرد ولو بمشاركه يسيره فقد تفيد... أو حتى تعليق ما على فقره أو جمله أو حتى كلمه فقد تجد طريقها إلى فكر وعقل الآخر .. وهنا تكمن فائدة الحوار البناء الموضوعى الهادف الذى كفله لنا إسلامنا القويم وشرعه لنا ربنا فى محكم تنزيله ... أرجو أن أكون قد وفقت فى إيضاح وجهة نظرى
-
<div align="center">فصل</div>
<div align="center">فى [اللهم إلا مسلماً لم يقرأ ما كتبه هذا الرجل ]</div>
كما وضحت مسبقاً أنا بالفعل لم اقرأ إلا ثلاث كتب لعبد الكريم ، ولم ادعى قط أنى على علم تام بأفكار وآراء الكاتب .. وإنما تعليقى جئت به مستنداً إلى معلوماتى اليسيره ، وما قرأته من كتب الكاتب وقليل من المقالات هنا وهناك تناقش فكر الكاتب وآرائه ... وقد اكون أخطأت أو اصبت .. المهم المحاوله .فإن كنت قد أصبت فالحمد الله على هذا .. وإن أخطأت فبإذن الله نتناقش حول هذا الخطا ومن ثم يُقنعنى الأخوه بحطأى بما لهم من العلم وعلى هذا ... وبهذا يكون الحوار الموضوعى قد أدى غرضه .. والله الموفق
<div align="center">فصل</div>
<div align="center">فى النهايه</div>
العزيز الفاضل متعلم :D .. نحن فى أشد الشوق واللهفه لمشاركتك معنا الحوار حول فكر ومادة الكاتب .. فهذا هو المطلوب كما أوضحت مسبقاً .. الحوار البناء الهادف ...
وبالطبع الخطوط العريضه لفكر عبد الكريم ... ستسهل من مهمة الحوار ، وستضع النقاط فوق الحروف كما يقولون ... لذا أسرع بالله عليك وجزاك الله خيراً عن مشاركتك الهادفه وأعذرنى إن كنت قد أخطأت فى أمر ما ولكن ألست معى الآن أنه لا حرج فى طلب الرحمه لعبد الكريم ومن هم مثله .. ألست معى أنه لابد من طلب الهدايه لكل من هم مثل عبد الكريم وغيرهم .. الهدايه لكل من حاد عن منهج الله ودينه القويم .. الهدايه والرحمه
والله هو لهادى وهو الغفور الرحيم ...
<div align="center">وسلام الله عليكم ورحمته وبركاته</div>
-
أولاً ..
لا يجوز طلب الرحمة للكفار بعد موتهم ، فلا يجوز أن نقول : " البابا كيرلس " رحمه الله .. وإن أردنا التعبير عن موتهم فلنقل : " البابا كيرلس " لعنه الله .
" إن الذين يكتمون ما أنزلنا من البينات والهدى ، من بعد ما بيناه للناس فى الكتاب .. أولئك يلعنهم الله ويلعنهم اللاعنون "
" إن الذين كفروا وماتوا وهم كفار أولئك عليهم لعنة الله والملائكة والناس أجمعين "
ثانياً ..
لا نشهد على أحد بعينه بالدخول فى النار ، لأنه قد يكون قد تاب قبل موته ولم نعلم .. لكن لنا أن نشهد على أى أحد من خلال ما تفوه به بالكفر والإلحاد والردة ، ما دام عندنا من الله فيه بينة .
-
أخى الكريم .. eknowledger ..
أعتذر لك إن بدت الغلظة من أسلوبى .
ليست الغلظة موجهة إليك ، وإنما إلى هذا الزنديق اللئيم .. فأنا أتقرب إلى الله ببغضه ، هو والقمنى ونصر أبو زيد وكل ملاحدة العرب .. أتقرب إلى المولى ببغض ومعاداة من أرادوا اغتيال المسلمين عن دينهم وإبعادهم عن جنة ربهم .. وأغضب إن خدع مسلم فيهم .. من هنا كان منشأ غضبى .. وليس غضباً شخصياً منك .
جزاك الله خيراً على حسن نيتك ، وسدد الله قولنا وقولك إلى ما فيه الحق .
-
<div align="center">أصل الحكاية </div>
أصل حكايتنا ثقافة مادية ماركسية قبيحة ، قوامها : لا إله ، والحياة مادة ، والأنبياء لصوص كذابون !
وتتشدق هذه الثقافة الجاهلة بالعلمية والموضوعية والعقلانية والتنوير ، وتطنطن بنقد الموروث وإنكار الماورائى ، وتدعو الناس إلى أن يكونوا تقدميين وفى الطليعة وضمن الثورة النهضوية المتحتمة ، وتعدهم بجنة فى الأرض لا فى السماء ، جنة الشيوعية الأولى ، حيث يكون الطعام والنساء ـ والرجال ! ـ وكل شىء مشاعاً للجميع ، بلا قيد من دين أو أخلاق أو عادات أو تقاليد .
ثم حاولت هذه الثقافة أن تقيم لها دولة فى فترة من فترات التاريخ ، لكن هذه الدولة انهارت قبل أن تبلغ سن الفطام ! .. وكان سبب الانهيار هو الثقافة السوداء ذاتها !!
ثم إن هذه الثقافة إبان ذيوعها ، قد فتنت كثيراً من شبابنا العربى آنذاك ، ممن عدم حصانة علمية من دينه ، فسهل عليه شرب كل ما هو غير معقول ولا علمى ، فنقلت إليه جرثومتها قبل موتها .
ورغم ظهور فشل هذه الثقافة المتهافتة نظرياً وتطبيقياً ، ورغم تراجع الكثيرين من شبابنا عنها ، إلا أنه بقيت شرذمة ضحلة الفكر على ولائها لهذه الثقافة المتهافتة ، تترضى عن أصحابها آناء الليل وأطراف النهار ، وتحمل على عاتقها مهمة نشرها والترويج لها ، وتجتهد فى إخراج أجيال لها ، تحمل نفس الجرثومة ، لعلها تنتقل إلى من بعدهم .
فى هذا السياق ، تطالعنا أسماء مثل : خليل عبد الكريم .. سيد القمنى .. إلى آخر هؤلاء الملاحدة .
ما يقوله هذا تجده مكرراً عند ذاك ، وما يجمله هذا يفصله أخوه ، وهذا يحيلك إلى كتاب زميله ، وذاك يعتبر كتاب رفيقه من أهم مصادره العلمية .
الطريف أن كل واحد من هؤلاء " الأبطال " يؤكد لك على ريادته بصريح اللفظ كلما سنحت الفرصة أو لم تسنح ، وعلى أن كتاباته لم يسبقه أحد إليه من قبل !
والأكثر طرافة ، أن كل ما يتهوك به هؤلاء الملاحدة ، لا ينقلونه عن بعضهم البعض فحسب ، بل هو فى الأصل منقول عن مستشرقى الغرب وملاحدته !
-
علا كعب ملاحدة أوربا على أهل النصرانية هناك ، منذ خروجهم من كهوف القرون الوسطى كما يسمونها ، وتناولوا بالنقد والنقض كتاب النصرانية المقدس ، وخرجوا منه متهكمين ساخرين من كل عبارة وكلمة ، وآثروا الإلحاد على النصرانية ، ولم يملك كهنة النصرانية على اختلاف طوائفها ، إلا تعريض القفا ، وتنكيس الرأس ، غير قادرين على رد الطعونات الإلحادية الكثيرة على كتابهم المحرف ودينهم الوثنى .
وما زال كهنة النصرانية على ذلك السلوك إلى الآن ، وهذا يفسر لك سر احترامهم ـ العميق ! ـ للملاحدة ، وأدبهم الجم عند التحدث معهم أو عنهم ! .. بل صارت مؤلفات الملاحدة من أوثق المصادر العلمية عند كهنة النصرانية ، لا يرضون عنها بديلاً ! .. رغم أنه فى القديم ، أيام سطوة النصرانية وسلطانها ، لم يكن جزاء من يصدر عنه دعوى " شبه " إلحادية واحدة ، إلا العقاب الفورى الذى قد يصل إلى الحرق حياً !
ما علاقة ذلك بموضوعنا ؟
صبى يشاهد فيلماً سينمائياً ، فيرى " بطل " الفيلم ، يركل هذا بقدمه ، ويضرب ذاك بقبضته ، ويطوح ثالثاً فى الهواء ، ولا ينتهى المشهد إلا عن ثلة من البشر ، ملقاة عند قدمى البطل المغوار .
فينبهر الصبى ببطله ، ويتمثله فى نفسه ، لتأخذه الحمية ، وتملأ قلبه الشجاعة ، فيهرع إلى أقرانه ، يحاول تقليد ما فعله البطل فى الفيلم ، على أنه يصطدم باختلاف ما يواجه عما رأى ، وبأن الأمر ليس بالسهولة التى تصورها .
وما علاقة ذلك أيضاً بموضوعنا ؟!
العلاقة واضحة قارئى الكريم ! .. فإن ملاحدة العرب يقرأون ما حدث فى الغرب منذ قرون ، فتأخذهم الحمية ، وتملأ قلوبهم الشجاعة ، فيعمدون إلى " دينهم " يحاولون نقضه وهدمه ، ظانين أن الدين كالدين ، جاهلين بالفرق الشاسع بين دين إلهى منزل من عند الله يحفظه ، وبين دين مبدل محرف تخلى عنه أكثر أتباعه ، واستخزى الآخرون ونكسوا رؤوسهم منه !
فإذا تأملت حال ملاحدة العرب فى العصر الحديث ، وجدت كل منهم يعتبر نفسه " فولتير " قومه ، و " روسو " عصره ، و " ماركس " زمانه .. وكل منهم يحاول الدخول فى " جدليات " فكرية مع كتابات هؤلاء ، مؤكداً لك أنه أتى بما لم يأتوا به ، وابتدع ما لم يقولوه .. وكأنك تقر له أصلاً بصحة عقول " أبطاله " وعلمية كتاباتهم .
-
إن ملاحدتنا ( العظام طبعاً ! ) حاولوا تكرار لعبة أسلافهم الغربيين مع دين قومهم .. الأولون فعلوها مع النصرانية الوثنية ونجحوا ، والأخيرون أرادوا لعبها مع دين الله المتين .. ففوجئوا بأن الدين ليس كالدين ، وأن القوم ليسوا كالقوم .
أما أن الدين ليس كالدين .. فلإن دين الله المنزل المتين " الإسلام "، ليس كالدين المبدل المحرف " النصرانية " .
مثال ذلك : أن الملاحدة لم يستطيعوا اتهام الإسلام بمناهضته للعلم وإعمال العقل ، لوجود الآيات القرآنية والأحاديث النبوية التى تحث على ذلك .
وأما أن القوم ليسوا كالقوم .. فلإن خير أمة أخرجت للناس " أمة الإسلام " ـ مهما انحطت ! ـ ليست كالأمم السابقة .. لأن الإسلام يعطى لأبنائه حصانة ـ تلقائية ـ ضد كثير من الضلالات ، ولا تستطيع النصرانية المحرفة ذلك .. ولأن الخير فى أمة محمد عليه الصلاة والسلام إلى يوم القيامة .. وما تزال طائفة منهم ظاهرين على الحق إلى يوم الدين ، لا يضرهم من خالفهم ولا من خذلهم .
فوجد الملاحدة " علماء المسلمين " وطلبتهم ، يفندون ضلالاتهم ، ويظهرون غثائهم ، ويفضحون عوار آرائهم .
إذن .. الدين ليس كالدين .. والقوم ليسوا كالقوم !
لا بد إذن من تعديل فى " المنهج " ! .. لن يقبل المسلمون الدعوة إلى ترك كتابهم وسنة نبيهم بسهولة ولا بصعوبة ! .. فلندخل إليهم إذن من باب آخر ، ظاهره فيه الرحمة وباطنه من قبله العذاب ! .. لن ندعوهم إلى ترك الإسلام .. لكن لنقل لهم : إن الإسلام يوافق ما جاء عن ماركس ولينين ـ دون ذكر أسماء طبعاً ! ، وكل ما فى الأمر ـ أيها المسلمون ـ أنكم فهمتم الإسلام خطأ ، وآن لكم أن تفهموا قرآنكم على وجهه الصحيح !
على مثل هذه الشاكلة فكر الملاحدة ، وبمثل هذا الأسلوب عملوا .. فالمسلم لا يرفض أبداً أن يفهم دينه صواباً ، ولا أن يفقه قرآنه حق الفقه .. وبذلك يستطيع الملاحدة أن يتحدثوا كيفما شاءوا ، ومن اتهمهم بالإلحاد جابهوه بأنهم مسلمون ـ أكثر منه ! ـ لكنه لا يفقه حقائق دينه الكريم !
وهذا التستر منهم مجرد " مرحلة " ، حتى إذا انتهت ، استطاعوا مجابهة المسلمين ـ ضيقى الأفق ! ـ بإلحادهم مكشوفاً عارياً عن كل الأستار !
-
لكن هذا التستر منهم لا يخفى عليك قارئى الكريم ، فلسوف ترى إلحادهم من وراء ألفاظهم ، ولتشاهدن كفرهم بين طيات كلامهم ، ولتعرفنهم فى لحن أقوالهم .
ويزيد من هتك أستارهم الغيظ والكمد الذى ملأ قلوبهم على هذا الدين وأهله ، لأنهم حرموا من تحقيق بطولاتهم بسبب طبيعة هذا الدين وما أكسبه لأهله من حصانة .
كان الأحرى بهم أن يكتشفوا الحقيقة التى يعرضون عنها ، بل كان من الممكن أن يتهموا أنفسهم بأنهم ليسوا كأسلافهم الغربيين .. لكنهم لم يروا هذا ولا ذاك ، وآثروا اتهام مخالفيهم بكل الاتهامات ، فالعيب ليس فى المفكرين العظماء الأفذاذ ، وإنما فى أقوامهم البليدة الغبية ، التى لا تقدر الدرر التى تتساقط من أفواه عباقرتها المفوهين !
وليكن كل مخالف ـ للعظماء ـ جاهلاً بليداً غبياً " فلحاساً " منغلقاً متزمتاً رجعياً .. إلخ .. لا فرق عندهم بين العلماء ومن دونهم ، وبين المتخصصين فى الفن عن غيرهم .. يغدقون أوصافهم تلك على جميع المخالفين بلا استثناء !
أقصد أن أقول : إن فى قلوب ملاحدتنا العظام غيظاً شديداً على هذا الدين وأهله ، تراه فى كل لفظ لهم ينضح بمرارة الكمد .. غيظ وكمد يملأ صدورهم عندما يسمعون اسم " محمد " عليه الصلاة والسلام ، يتردد بين جنبات المعمورة ، على ألسنة المسلمين من كل جنس ولون .. ليؤكد لهؤلاء الملاحدة فشلهم الذريع فى لعبتهم الحقيرة !