-
جـ ـ السبب فى محاولة الكاتب إخفاء هدفه الحقيقى
إنه الجبن !
السمة الأساسية للملحدين ، خاصة العرب منهم !
الطريف فى الأمر ، أنك تجدهم أكثر الناس طنطنة ، بالشجاعة والجهاد بالكلمة وحرية القلم والفكر ... إلخ !
وعندما تسمع " طنينهم " هذا ، تتخيلهم فرساناً مغاوير ، لا يخافون فى " إلحادهم " لومة لائم ، ولو نشروا بالمناشير !
ثم تجد أساتذتهم وأكابرهم فى كتاباتهم فى بلاد المسلمين كالدواجن فى خوفها ، وكالحرباء فى تلونها بحسب ما تقتضيه الظروف ، فلا يظهرون إلا ما يسمح به فساد المناخ ، وإلا ما يسمح به تهاون المسلمين فى دينهم .
هذا الجبن يجعل ملاحدة العرب يلجأون إلى التدرج فى خطاب الجماهير ! ..
فقد فوجئوا ـ منذ القديم ـ أنهم لا يستطيعون إتمام اللعبة بشكل جيد مع شعوب المسلمين كما فعل أسلافهم الغربيين ، وأنهم لا يستطيعون اختراق حصن الإسلام بنفس السهولة التى أذل بها أسلافهم ناصية النصرانية الوثنية فى أوربا ..
إن تمسك المسلم بالقرآن والسنة لا يقارن أبداً بتمسك النصرانى بكتاب اكتشف علماؤه أنفسهم تحريفاً فيه وإن لم يسموه باسمه .. ثم إن دين النصرانية عموماً أقوال رجال ، وليس نصوصاً صريحة فى الكتاب المقدس ، بخلاف حال المسلم فى دينه ، بهذه الصراحة والوضوح الشديدين فى نصوص القرآن والسنة الشارحة .
نعم .. وجد الملاحدة المسلمين فى غفلة من دينهم .. لكن ذلك لم يسهل عليهم الأمر ، إذ من نعمة الله على خير أمة ، أنه قد ألا تزال طائفة منها على الحق ظاهرين لا يضرهم من خذلهم .. وما أكثر ما كشف العلماء وطلبة العلم ألاعيب الملاحدة وحيلهم ، وما أكثر ما فضحوا جهلهم وهذيانهم .
من هنا كان حال القوم وشأن دينهم لا يساعد الملاحدة على إكمال لعبتهم ، فحثهم جبنهم على اللجوء إلى التدرج كلما استطاعوا .
لكن الله يظهرهم لنا فى لحن القول .. ثم إن ذكائهم لا يساعدهم على التخفى بشكل جيد ! .. كذلك الحقد الشديد والغيظ والكمد على هذا الدين وأهله ، كل ذلك يجعل من التخفى أمراً مكشوفاً فى أحيان كثيرة !
ونكرر فنقول : إن أكثر ما يثير غيظ الملاحدة ـ الماركسيين خصوصاً ـ هو أن دولتهم بادت ولم تبلغ سن الفطام ، وكان سبب انهيارها هو فشل الثقافة الإلحادية ذاتها على المستويين النظرى والتطبيقى .. على حين ما زال الإسلام طوداً شامخاً وجبلاً راسخاً وقلعة حصينة طوال أربعة عشر قرناً من الزمان .. تتزايد أعداد الموحدين فى أرجاء المعمورة ، رغم تخلف المسلمين الآن عن التقدم العلمى ، ورغم شدة تكالب أعدائهم عليهم ، ورغم كثرة الأيدى الممدودة إلى القصعة .. إن أكثر ما يغيظهم أن يسمعوا اسم " محمد " يتردد فى أرجاء الأرض ، متبوعاً بالصلاة عليه والتسليم ، من أفواه الملايين من البشر .. ليجعل الله ذلك حسرة فى قلوبهم !
-
<div align="center">(4) مدى أصالة فكرة الكاتب</div>
من المعلوم مدى شغف معظم ملاحدة العرب بدعوى تاريخية النصوص وجدليتها ، إذ لا يستطيعون مخالفة ثقافتهم الماركسية ، التى تدعى على الأديان بأنها من اختراع البشر وتأليفهم ، فالإنسان ـ عندهم ـ هو الذى خلق الله !
من هنا كان لا بد ـ للماركسيين وتلامذتهم من الملاحدة ـ من إثبات ذلك على الأديان جميعها ، من كل سبيل ، صح أم لم يصح .
ولأن الملاحدة اليساريين يحتذون الفكر المادى حذو القذة بالقذة ، فسنجد عبد الكريم لا يتخلف عن الركب ، فيردد ـ فى كتابه ـ معظم مقولاتهم ، حتى الفرعى منها !
بدون ذلك ـ قارئى الكريم ـ لن تستطيع تفسير كثير من مقولات عبد الكريم المضحكة ! .. لأن رد جميع مقولاته إلى الإلحاد العام لا يكفى ، بل لا بد لك من تلمس آثار ماركس بين ألفاظ عبد الكريم .
مثال ذلك
بغض عبد الكريم للعرب ، متمثل فى الصحابة رضى الله عنهم .
لو رددت ذلك الكمد والغيظ لديه إلى مجرد الإلحاد لما كفى ذلك ، ولما أنصفت الرجل ، بل لا بد لك من التعرف على أحد معالم الفكر المادى ، صاحب دعوى الجدلية التاريخية .
وذلك أنهم يعتبرون الزراعة هى الأصل ، والمزارعين طيبى النية .. أما الرعاة فهم متوحشون همجيون ، يريدون التسلط والتملك لأدوات الإنتاج .. وما ذاك لشىء إلا لأن هؤلاء رعاة وأولئك مزارعون !
ثم إنهم يصنفون الصحابة فى بند الرعاة ولا بد ، وأقباط مصر فى بند المزارعين ولا بد .. وقد عدى الرعاة ـ المتوحشون طبعاً ! ـ على المزارعين ـ طيبى النية كما تتوقع ! ـ وتعدوا على أراضيهم !
لن يسمع منك الماركسى تنبيهك عليه بأنه لم يكن كل الصحابة رعويين ، بل كان منهم مزارعون ! .. ولن يسمح لك بأن تجابهه بأنه ليست كل البلاد المفتوحة للمسلمين كان أهلها مزارعين ! .. لن يسمع ولن يسمح .. لأنك بذلك تفقده متعة اللعبة الماركسية التى لا يمتلك غيرها ! .. بالضبط كما يغضب منك الطفل ذو الخيال الواسع ، عندما تجابهه بأن المقعد الذى يمتطيه ليس سيارة ، وأن حزمة الأوراق البيضاء التى يحملها ليست نقوداً حقيقية !
حتى لا يظن القارئ أننا ندعى ظلماً على عبد الكريم ، نورد نقلاً واحداً فقط ، من كتابه الذى بين أيدينا : السفر الثانى : الباب الأول : الفصل الأول : البند الخامس : تحت عنوان فرعى : " الزراعة والعلوج " .. يقول المتهوك :
" بلغ استكبار ( العربان ) فى نظرتهم إلى الزراعة حدًا جعلهم يطلقون على ( الفلاحين ) فى البلاد التى دعسوها بسنابك أحصنتهم ـ دون أى مسوغ ـ ونهبوا خيراتها ... : " العلوج" وهى مقلوب "العجول".. مُنيت مصر المحروسة بالعديد من الغزو والاحتلال ، ولكن لم يقم أى من الغزاة والمحتلين بمثل ما قام به ( العُربان ) , نهبوا خيراتها واستوطنوا أراضيها وشمخوا بأنوفهم المحدوبة على شعبها , أعرق شعوب الأرض قاطبة ، وصاحب أقدم وأزهى حضارة عرفتها البشرية , ولم يكتفوا .. بل أقدموا على ما هو أوعر : أجبروهم على التخلى عن لغتهم ، وأكرهوهم على تعلم لسانهم الفصيح ، وأجبروهم على الأخذ بثقافتهم .. يطلقون على الفلاحين ( العُلوج ) مقلوب ( العجول ) جع عجل. فى معاجم اللغة : العلْج = الرجل الضخم من كفار العُجم. [ المصباح المنير للفيومى ]. بعضهم يطلق ( العلْج ) على الكافر المطلق. [ ذات المصدر ]. أى أن مجرد رفض إنسان / ابن آدم الدخول فى دينهم يحوله إلى حيوان : عِجْل أو عِلْج " ا.هـ.
لا شك أن القارئ قد لحظ أن المسألة هى مجرد لعبة : " لعبة عربان وفلاحين " لا أكثر ولا أقل !
لكن هذه اللعبة التى يهواها المتهوك ، تجعله يصب ناقم غضبه على أفضل خلق الله بعد رسله ، كما تجعله " يدلس " لغوياً وتاريخياً على القارئ ، متبعاً أثر أسياده الماركسيين وسنتهم فى الكذب المكشوف !
أعتقد أن القارئ الكريم قد أصبح مهيئاً لما نحن مقبلون عليه !
-
<div align="center">(5) سبب نشر النصارى للكتاب</div>
ينشر النصارى ـ بذكائهم المعهود ـ كتب الملاحدة عموماً ، التى تهاجم الإسلام من أى زاوية ؛ لأن ثقة النصارى فى الملاحدة لا تتزعزع ، فما زالت الأقفية محمرة من أيديهم ، ورجاء النصارى أن يفعل الملاحدة بالمسلمين وكتابهم مثلما فعلوا بهم من قبل وأذلوا ناصيتهم .. والله متم نوره ولو كره الكافرون !
وسبب آخر يدفعهم لذلك ، وهو أن المسلمين إما ألا ينجحوا فى صد هجوم عبد الكريم ، فبها ونعمت .. وإما أن ينجحوا ، فلم يخسر النصارى شيئاً ، فليس عبد الكريم منهم حتى يعيروا بسفاهته ، غاية أمره أن يكون من كلابهم ، ومن يعبأ بهزيمة كلب !
وهذا أولاً يدلنا على فراغ جعبة القوم ، وقلة حيلتهم فى مواجهة الحق ، حتى أصبحوا يلجأون إلى كلام كل جاهل متشدق ، وحتى راحوا يستعملون أى سلاح فى مواجهة الإسلام .
وهذا ثانياً يدلنا على جهلهم ، ونقص عقولهم ، فإن الحق يزداد ظهوراً بهجوم الباطل .
ونسأل الله أن يوفق الإخوة الكرام إلى تبيين حمق النصارى باتباعهم لنعيق عبد الكريم ، فما أنصفناهم لو طرقوا الباب دون أن يسمعوا الجواب !
-
<div align="center">(6) نقد الحجة الرئيسية للكاتب</div>
<div align="center">أ ـ المزلق الأول</div>
<div align="center">( 1 )</div>
يسود كلام المتهوك نغمة بعينها ، فهو يحدثنا عن المناسبة للآية التى يسوقها ، كأنها اكتشاف شخصى له ، أو كأن علماء المسلمين كانوا يخفون ذلك عن عوامهم ، فجاء البطل الماركسى المغوار ـ وكل الماركسيين مغاوير ! ـ ليكشف عن الحقيقة الغائبة ، ويسمع القارئ ما أخفاه عنه علماؤه أزمنة مديدة .
<div align="center">( 2 )</div>
ننبه النصارى المساكين على المزلق الأول الذى أوقعهم فيه عبد الكريم بتشدقه !
لقد أوهمهم المتهوك بحديثه ، أنه " يبقر " بطون الكتب الصفراء بقراً ، و" يغوص " فى المصادر القديمة غوصاً ؛ ليحصل على هذه المناسبات والمواقف التى نزلت فيها الآيات ، ويظهر ما أخفاه علماء المسلمين لعوامهم المساكين !
وقد انساق المساكين وراء تفاخره المريض ؛ لتفشى الجهل فيهم ، ولعدم توافر حصانة علمية لديهم ، إذ ليس فى دينهم المحرف تعاليم تربى ذلك فيهم .
(1)
إن الكتب التى وضعها علماء المسلمين على مر العصور فى " أسباب النزول " جد كثيرة ، ومن العبث أن نحاول سرد بعضها هنا .
وإلى جانب هذه المؤلفات المباشرة ، فإنه توجد مؤلفات أخرى يستقى منها أسباب النزول ومناسباته ، بشكل صريح ظاهر ، دون الحاجة إلى الغوص أو البقر !
(2)
فهناك كتب التفسير على اختلاف ألوانها ، وأغلبها يحرص على توضيح سبب نزول الآية ومناسبته ، إيماناً من مفسرينا بأهمية ذلك فى فهم الآية وعلل التشريعات والحكم الإلهية .. إلى جانب إيمانهم بأن العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب !
(3)
وهناك كتب السيرة النبوية ، والتى تؤرخ لسيرة النبى عليه الصلاة والسلام ، وتهتم كثيراً بربط الأحداث بنزول بعض الآيات ، لما فى ذلك من فوائد جليلة ، سواء فى مجال تحديد الترتيب الصحيح للأحداث ، أو فى مجال إظهار التدرج الإلهى فى تربية الفئة المؤمنة الأولى ، وعلى رأسها المصطفى عليه الصلاة والسلام ، إلى غير ذلك من المجالات .
(4)
بالإضافة إلى كتب علوم القرآن ، وهى تعد من علومها علم أسباب النزول ، وتفصل فيه القول ما شاءت .
ولم نذكر مع ما سبق كتب الصحاح والمسانيد ، التى حوت فى ثنايا رواياتها الكثير من هذه المناسبات .. لم نفعل لأننا شرطنا أن نورد الظاهر الصريح ، دون ما يحتاج إلى الاستقراء والاختيار ، مع السهولة المعروفة لذلك لدى طلبة العلم المسلمين !
وعموماً .. أى عالم مسلم عندما يريد الاستدلال بآية معينة ـ غالباً ـ لا بد أن يوضح سبب النزول ، ليتوصل إلى المعنى السليم للآية ، سواء أكان هذا العالم يتحدث فى مسألة فقهية ، أم يؤصل قاعدة أصولية ، أم يستنبط فقهاً من السيرة النبوية ... إلخ .
والمقصود :
التنبيه على أن النغمة التى يتحدث بها عبد الكريم عن مناسبات الآيات ، هى نغمة فاشلة ! .. فالمسلمون يعرفون ما تتحدث عنه يا متهوك منذ قرون مديدة ، ويؤلفون فيه على مر أزمان متطاولة ، وما أنت إلا مقتبس من نورهم ، لتحاول إيهام نفسك بأنك أول من أشعل الضوء ، على عادة ملاحدة العرب فى التفاخر المريض !
والمقصود أيضاً :
التنبيه على أن النصارى قد انساقوا وراء عبد الكريم ، وانخدعوا بتشدقه الجاهل ، لعدم وجود قواعد التثبت العلمية التى تحميهم من ذلك ، لا وجود لها فى كتابهم ، ولا فى كلام علمائهم .. هم محرومون من ذلك !
-
<div align="center">ب ـ المزلق الثانى</div>
<div align="center">(1)</div>
كلما أثبت عبد الكريم مناسبة لآية ، عد ذلك دليلاً دامغاً ـ وكل أدلته دامغة ! ـ على فكرته الرئيسية ، وهى أن كثيراً من آيات القرآن نزلت فى مناسبات بعينها ، وفى هذا الحجة البالغة ـ عنده ـ على أن القرآن من الأرض لا من السماء !
وهو لا يتوقع من أى فلحاس ـ وكل معترض عليه فلحاس ! ـ أن ينبرى للرد عليه ، أو يتجرأ فينكر دليلاً واحداً مما أتى به ، لأن عبد الكريم يجابهه بالمنقول من كتب أسلافه ، وفيها الأدلة الدامغة على أن هناك آيات نزلت فى مناسبات !
<div align="center">(2)</div>
لقد وجه عبد الكريم كل مجهوده إلى إثبات أكبر قدر ممكن من المناسبات للآيات القرآنية ، لكنه نسى !
نسى أن مجرد نزول الآيات فى مناسبات لا يعد دليلاً على بشرية القرآن .. لقد نسى الرجل أن يوضح لنا وجه التلازم المنطقى بين نزول الآيات فى مناسبات وبين اتهام النبى بالكذب .. لقد سرد الأمر كأن مجرد إثبات المناسبات للآيات يكفى تلقائياً للحكم على النبى بالكذب !
أعرف أنك مندهش الآن قارئى الكريم من هذا الأمر ، وقد اندهشت مثلك عندما تأكدت منه ، لكن ما حيلتنا فى ذلك ؟ .. الرجل نسى .. هذه حقيقة !
<div align="center">(3)</div>
إن مسلك عبد الكريم فى كتابه ، يذكرنا بمسلك النصارى المضحك مع قضية مصدر القرآن .. فتجد النصرانى المسكين يعد لك مواضع التشابه بين قصص القرآن وقصص التوراة ، وكلما أورد لك موضعاً ، حسب أنه ألقمك حجراً ! .. كأن المسلمين ينكرون مواضع التشابه بين القرآن والكتب السابقة ، أو كأن القرآن شرط أن يخالف كل ما سبقه ، أو كأن القرآن ما وصف نفسه بأنه مصدق لما بين يديه .
لكن لعدم معرفة النصارى بالفرق بين فرضيات الادعاء وبين الأدلة على صحته ، فهم يعتبرون مواضع التشابه هى أدلة الادعاء نفسه ! .. وعندما تطالبهم بدليل واحد على ادعاء النقل عن أهل الكتاب ، يغضب منك النصرانى الذكى ؛ لأنه لم يعجبك كل ما قدم لك من " أدلة " !
عبد الكريم يفعل هنا نفس الشىء .. فهو يدعى أن القرآن من اختراع النبى ، ويقدم على ذلك حجته بأن الآيات كانت تنزل فى مناسبات ، وسيورد لك الآية تلو الآية ، ويثبت لك المناسبة تلو المناسبة ، حاسباً نفسه يسرد عليك الدليل تلو الدليل !
والنصارى ينشرون كتاب عبد الكريم ، فرحون بما فيه ، فعبد الكريم أورد " الأدلة " ( الدامغة طبعاً ) ، ولا يظنون المسلمين قادرين على تفنيد كل ذلك ، وحتى لو نجح المسلمون فى رد بعض ما قال عبد الكريم ، فستبقى هناك عشرات الأدلة ، على أن الآيات القرآنية كانت تنزل فى مناسبات بعينها !
والآن .. ما هو موقف المسلمين ؟ .. وماذا هم فاعلون ؟ .. كم من أدلة عبد الكريم سيستطيعون ردها أو إبطالها ؟
<div align="center">(4) </div>
حسناً نفعل .. لنكن ـ نحن المسلمون ـ أكثر كرماً مع عبد الكريم وأنصاره من النصارى الوثنيين ! .. لنسلم لهم بصحة كل " دليل " أورده عبد الكريم ، على سبيل الإجمال ، دون الرضا بكافة التفصيلات .. لنسلم له وللنصارى بالحقيقة الواقعة التى لا سبيل إلى إنكارها ..
لنسلم بأن هناك كثيراً من الآيات القرآنية نزلت فى مناسبات محددة ، ومواقف معروفة !
أليس هذا أقصى ما يتمناه عبد الكريم من جداله ؟ .. أليس هذا أعظم ما يطمح إليه النصارى وهم يرقبون معركة بطلهم الملحد المغوار مع المسلمين ؟
<div align="center">(5) </div>
السؤال الآن : وما الغضاضة فى ذلك ؟!
ما الغضاضة فى أن ينزل رب العزة بعض الآيات ـ أو حتى كلها ـ فى مناسبات ومواقف ؟!
هل هذا دليل على أن النبى يؤلف القرآن من عندياته ؟! ..
أليس الله على كل شىء قدير ؟!
إن من يجعل من تنزل القرآن فى مناسبات دليلاً على أنه من اختراع النبى لا من الله .. من يفعل ذلك يحكم باستحالة أن ينزل الله وحيه فى مناسبات ! .. فهل يحكم النصارى بذلك ؟ .. وهل ذلك يخدم إلحاد عبد الكريم ؟
<div align="center">(6)</div>
فيما يختص بالبطل المغوار .. لا ينفعه ذلك البتة !
لأن العقل يجوز أن ينزل الله وحيه فى مناسبات ، ولا يلزم الله أبداً بأن ينزله جملة واحدة ، فالله يفعل ما يشاء ، ولا يحكم العقل ـ أى عقل ـ باستحالة أن ينزل الله وحيه فى مواقف بعينها ، فالذى يقدر المواقف هو الله ، والذى ينفذ قضاءه فيها هو الله ، والذى له أن ينزل وحيه أم لا هو الله ، فله المواقف الكونية ، وله الآيات الشرعية .. " ألا له الخلق والأمر " .
نعم .. ينكر عبد الكريم كإخوانه الملاحدة وجود الله .. لكن مناقشة ذلك وتبيين ما فيه من جهل له مقام آخر .. أما الذى يعنينا هنا ، هو أنه يتخذ من تنزل الآيات فى مناسبات دليلاً على كذب النبى ، لأنه لا وحى ولا إله هناك !
ولم يحاول عبد الكريم أبداً أن يبين لنا وجه الحجة فيما يدعيه ، فلم يوضح لنا ما وجه التلازم بين تنزل الوحى فى مناسبات وبين كذب النبى ، وإنما عد ذلك من المسلمات التى لا تحتاج إلى توضيح أو شرح ، ناهيك أن تحتاج إلى إثبات !
اكتفى على طول الكتاب وعرضه ، بمحاولة إثبات أن هناك آيات نزلت فى مناسبات ومواقف ، معتقداً أنه لو نجح فى ذلك ، فالبقية معروفة للجميع ، فما دامت آيات قد نزلت فى مناسبات ، فلا وحى هناك ولا إله ، بل نبى كاذب مخادع يسعى فى رضا أتباعه وشهوات نفسه !
الطريف فى الأمر ، أن الطائفة التى ينتمى إليها هذا المتهوك .. طائفة الملاحدة خاصة العرب منهم .. لا يملون أبداً من تكرار نغمة بعينها ، مفادها أن الناس لا بد أن يفكروا تفكيراً علمياً ، وأن يعملوا عقولهم ، وأن يمنطقوا الأمور دائماً ، فقد خاب وخسر من عادى العلمانية ، وخاب وخسر من رفض العقلانية !
هؤلاء المتهوكون الذين يطنطنون بهذه الشعارات الجوفاء ، هم أبعد الناس عن العقل والمنطق !
لن نسعى لإثبات ذلك لك هنا قارئى الكريم ، لكننا ندلك على أصل المسألة ، ونستخدم من صنيع عبد الكريم فى كتابه كمثال على بعد هؤلاء المتهوكين عن العقل والمنطق .
كنا نتمنى أن يورد عبد الكريم أى وجه عقلى للتلازم الحتم ـ عنده ـ بين تنزل الآيات فى مناسبات وبين كذب النبى .. كنا نتمنى ذلك كى نبطله بفضل الله تعالى .. لكن الرجل حرمنا ذلك فلم يعبأ به !
<div align="center">(7)</div>
أما بالنسبة للنصارى الأذكياء .. فلا ينفعهم أيضاً !
لا يستطيع النصارى استخدام " حجة " عبد الكريم ، لأنهم لو فعلوا ـ وقد فعلوا بنشرهم الكتاب ! ـ لكان معنى ذلك تسليمهم بذلك الأمر .. تسليمهم بأنه محال على الله عقلاً وشرعاً أن ينزل بعض وحيه فى مناسبات !
وهم لا يستطيعون ذلك أبداً ، لأن أناجيلهم تثبت عليهم التناقض لو فعلوا ، وذلك أن كلام المسيح عليه السلام عندهم وحى إلهى ، تجب طاعته واتباعه ، فى كل زمان ومكان ، وكثير من كلام المسيح لم يرد إلا فى مناسبات بعينها ، لولا وقوع تلك الحوادث لما نطق بما قال أو تفوه به .
فلم يقل المسيح : " يليق بنا أن نكمل كل بر " ، إلا عندما رفض يوحنا تعميده [متى : 3 : 15]
فهل يقال : إن المسيح اضطر لقول ذلك بسبب فعل يوحنا ، ولو لم يمنعه يوحنا لما قاله .. ثم يعد ذلك دليلاً على كذب المسيح ، فلا هو نبى صادق ولا إله !
كذلك لم يبح المسيح يوم السبت ، إلا بعد أن اعترض اليهود ، لأن أتباعه قد انتهكوا حرمته ، فعندما جاعوا ابتدأوا يقطفون سنابل من الزروع ويأكلون [ متى : 12 : 1 ]
ولم يقرر أن تلاميذه هم أمه وإخوته لأنهم يعملون بمشيئة الله ، إلا بعد أن طُلب منه أن يقطع كلامه ليرد على أمه وإخوته الذين يطلبونه بالخارج [ متى : 12 : 46 ]
ولم يعترض على هؤلاء الكتبة والفريسيين ، ويتهمهم بالرياء والبعد عن وصية الرب ، إلا دفاعاً عن تلاميذه ، الذين اتهمهم الكتبة بأنهم يخالفون تقليد الشيوخ ، لأكلهم بأيد غير مغسولة [ متى : 15 : 1 ]
ولم يعط التشريف لسمعان بطرس بإعطائه مفاتيح ملكوت السموات ، إلا بعد أن شهد له صراحة بأنه المسيح ابن الله [ متى : 16 : 16 ]
والأمثلة كثيرة جداً من حياة المسيح عليه السلام ، وهى موجودة فى حياة غيره من الرسل والأنبياء .. كثير من الوحى الإلهى يتنزل فى مناسبات معينة ، ومواقف محددة ، ليزيل إشكالاً ، أو يجيب سؤالاً ، أو يوجب أمراً ... إلخ .
فهل يقر النصارى بأن كل هذه المناسبات أدلة دامغة على كذب هؤلاء الرسل ؟!
بالطبع كلا ! ..
<div align="center">(8)</div>
حقيقة الأمر ، أن الوحى الإلهى قد يتنزل مفرقاً تبعاً لملابسات موقف قدرها رب العالمين ، وكذلك النبى الكاذب يمكنه أن يدعى ذلك ، فليس الأمر معقوداً على وجود ارتباط بين الوحى والمناسبات ، وإنما يحتاج إلى إثبات صدق النبى من كذبه إلى أدلة أخرى .
لكن .. لأن النصارى يدعون كذب النبى عليه الصلاة والسلام ، ولأن عبد الكريم يدعى كذب الرسل بعامة ، اعتبر المتهوكون جميعاً أن مجرد ارتباط الوحى بالمناسبات هو دليل على ما هو مسلم عندهم .. اعتبروه دليلاً على كذب النبى .. وليس الأمر كذلك .
وإنما غاب عنه وعنهم ، لبعد الجميع عن استخدام العقل السليم والمنطق الصحيح ، إذ لا يستقيم للنصارى أمر دينهم الوثنى مع سلامة العقل ، ولا يتهيأ لعبد الكريم دينه الإلحادى مع صحة المنطق .. أضف إلى ذلك الحقد على دين الله المتين وأهله .. هذا الحقد يعمى أصحابه عن كل عقل ومنطق !
-
أما بعد .. قارئى الكريم ..
فقد كان هذا بمثابة تعليق إجمالى على الكتاب ، آثرنا فيه العموميات والبعد عن الاستشهاد والتفصيلات ، وسيرد من ذلك الكثير فى تفنيدنا لمزاعم المتهوك التفصيلية ، وفى توضيحنا لمدى حماقة النصارى بالانسياق وراء الكاتب ، جرياً منهم على سياستهم العتيدة " العيار اللى ما يصيبش يدوش " !
يريدون ليطفئوا نور الله بأفواههم .. والله متم نوره ولو كره الكافرون !
-
بصراحة الحمد لله أن الأخ اكنولج فتح هذا الموضوع كى يخرج لنا الأخ متعلم بعضاً من علمه، لماذا تبخل علينا يا أخى؟ هل يجب أن نستفزك كى تنشر هذا النقد الرائع؟!!
كلام موزون رزين مبنى على ثقة فى المنهج و وعى بالفكر المنتقد و المدرسة التى تخرج منها فضلاً عن الجهات التى تستفيد من وراءه ، بارك الله فيك و شكر لك مجهودك
-
الله أكبر ... الله أكبر ...
أتحفنا بالمزيد يا أخي و لا تحرمنا لا حرمك الله من طلاقة اللسان و سلامة البيان .