(1)
المعيار الأول لمعرفة النبي الصادق : أن يأتي كل نبي بجديد عما سبقه من الأنبياء ، وإلا صار مقلداً مما يخرجه عن دائرة النبوة ، وأن لا يرجع مرة أخرى إلى تعاليم السابقين من الأنبياء .
هذا ملخص ما قالته الضيفة الكريمة على حد تعبيرها الآتي :
اقتباس:
اولا ويتَّضح صدق الرسالةلاى نبى مرسل عندما نطابقها بكلمة الله الصادقة التي أوحى بها منذ البدء لأنبيائه،فالذي يكرر رسالة جاءت من قبل ليس نبيا، لكنه مقلِّد تدرج الوحى من وحى شفوى الى كتابى الى التجسد اما ان يظهر أنبياء يقطعون هذا التسلسل الإلهي والتصاعدي، ويرتدُّون إلى تعاليم السَّلَف، ويرجعون بالإنسان إلى دائرة أو مرحلة تخطّاها من زمن بعيد في علاقته بالله. فقد قال الله عن هؤلاء: «لم أرسل الأنبياء بل هم جَرَوْا. لم أتكلم معهم بل هم تنبأوا. ولو وقفوا في مجلسي لأخبروا شعبي بكلامي وردُّوهم عن طريقهم الرّديء وعن شر أعمالهم. ألعلّي إلهٌ من قريب يقول الرب، ولست إلهاً من بعيد؟.. قد سمعتُ ما قالتْهُ الأنبياء الذين تنبأوا باسمي بالكذب قائلين: حلِمْتُ حلمت.. النبي الذي معه حُلمٌ فليقُصَّ حُلماً، والذي معه كلمتي فليتكلم بكلمتي بالحق. ما للتبن مع الحنطة يقول الرب؟ أليست هكذا كلمتي كنارٍ يقول الرب وكمطرقةٍ تحطم الصخر.. وأنا لم أرسلهم ولا أمرتُهم» (إرميا 23: 21-32).
وكأن دليل صدق هذا النبي هو إتيانه بأي جديد في الناحية التشريعية من أجل التجديد لا أكثر ولا أقل .
فهل المقياس هو أن يقوم أي شخص بطرح اي جديد حتى يدخل في دائرة النبوة الصادقة ؟
هذا المعيار يترتب عليه تعقبيان أطرحهما على حضرتك يا ضيفتنا الفاضلة :
أولهما : أنه إقرار صريح البيان ، وملتوي التصريح بالناسخ والمنسوخ ، فإنكاركم للنسخ يتطلب ضرورة وحدة وتطايق الرسالة والشرائع والأحكام بين كل الأنبياء والمرسلين من الرب ، وهذا لم يحدث بل فالكتاب المقدس بعديه مليء باحكام تدرجت بأشكال ودرجات معينة حتى وصلت لصيغة نهائية .
مثل الأمر في العهد القديم :
سفر اللاويين أصحاح 26 :
7 وَتَطْرُدُونَ أَعْدَاءَكُمْ فَيَسْقُطُونَ أَمَامَكُمْ بِالسَّيْفِ.
الي ان جاء يسوع ناسخاً لهذا بقوله :
الانجيل بحسب متى اصحاح 5 :
44 وَأَمَّا أَنَا فَأَقُولُ لَكُمْ: أَحِبُّوا أَعْدَاءَكُمْ.
مثال آخر على تدرج الأحكام :
شرح أغسطينيوس للعلاقة التي تقوم بين البشر ودرجاتها الست :
الدرجة الأولى: تظهر في الإنسان البدائي الذي يبدأ بالاعتداء على أخيه.
الدرجة الثانية: فيها يرتفع الإنسان على المستوى السابق، فلا يبدأ بالظلم، لكنّه إذا أصابه شر يقابله بشرٍ أعظم.
الدرجة الثالثة: وهي درجة الشريعة الموسويّة التي ترتفع بالمؤمن عن الدرجتين السابقتين فلا تسمح له بمقاومة الشرّ بشر أعظم، إنّما تسمح له أن يقابل الشرّ بشر مساوٍ. أنها لا تأمر بمقابلة الشرّ بالشرّ، إنّما تمنع أن يرد الإنسان الشرّ بشرٍ أعظم، لكنّه يستطيع أن يواجه الشرّ بشر أقل أو بالصمت أو حتى بالخير إن أمكنه ذلك.
الدرجة الرابعة: مواجهة الشرّ بشرٍ أقل.
الدرجة الخامسة: يقابل الشرّ بالصمت، أي لا يقابله بأي شر، أي عدم مقاومته.
الدرجة السادسة: التي رفعنا إليها السيّد وهي مقابلة الشرّ بالخير، ناظرين إلى الشرّير كمريض يحتاج إلى علاج. [1]
قكما نرى الفرق بين الدرجة الثالثة والخامسة ، وما كان عليه الحال في الشريعة الموسوية ونسخه يسوع بحكم جديد
فالنتيجة الطبيعية المستخلصة هي ارتباط التجديد بمفهوم النسخ لا محالة .
الثاني : وهو وجود تشابه وتكرار بين رسائل الأنبياء في الكتاب المقدس نفسه .
فها هو أيوب يقول :
28: 28 مخافة الرب هي الحكمة و الحيدان عن الشر هو الفهم
ثم يأتي كاتب سفر الأمثال ليؤكد هذا الأمر ويكرره لنا مرة أخرى :
1 : 7 مخافة الرب رأس المعرفة .
وغيرها الكثير من النصوص على هذه الشاكلة .
ليس ذلك فقط ، بل تجاوز الأمر هذا ، وأخذ الكتاب يكرر في كلام يعرفه أصغر طفل من قديم الأزل ، فيقول سفر الجامعة على سبيل المثال الأصحاح الثاني :
1 لِكُلِّ شَيْءٍ زَمَانٌ، وَلِكُلِّ أَمْرٍ تَحْتَ السَّمَاوَاتِ وَقْتٌ:
2 لِلْوِلاَدَةِ وَقْتٌ وَلِلْمَوْتِ وَقْتٌ. لِلْغَرْسِ وَقْتٌ وَلِقَلْعِ الْمَغْرُوسِ وَقْتٌ.
3 لِلْقَتْلِ وَقْتٌ وَلِلشِّفَاءِ وَقْتٌ. لِلْهَدْمِ وَقْتٌ وَلِلْبِنَاءِ وَقْتٌ.
4 لِلْبُكَاءِ وَقْتٌ وَلِلضَّحْكِ وَقْتٌ. لِلنَّوْحِ وَقْتٌ وَلِلرَّقْصِ وَقْتٌ.
5 لِتَفْرِيقِ الْحِجَارَةِ وَقْتٌ وَلِجَمْعِ الْحِجَارَةِ وَقْتٌ. لِلْمُعَانَقَةِ وَقْتٌ وَلِلانْفِصَالِ عَنِ الْمُعَانَقَةِ وَقْتٌ.
6 لِلْكَسْبِ وَقْتٌ وَلِلْخَسَارَةِ وَقْتٌ. لِلصِّيَانَةِ وَقْتٌ وَلِلطَّرْحِ وَقْتٌ.
7 لِلتَّمْزِيقِ وَقْتٌ وَلِلتَّخْيِيطِ وَقْتٌ. لِلسُّكُوتِ وَقْتٌ وَلِلتَّكَلُّمِ وَقْتٌ.
8 لِلْحُبِّ وَقْتٌ وَلِلْبُغْضَةِ وَقْتٌ. لِلْحَرْبِ وَقْتٌ وَلِلصُّلْحِ وَقْتٌ.
فمن منا لا يعلم هذا ؟
وما هو التجديد في ذلك ، وما الفرق بينه وبين تقليد ومحاكاة أفكار عرفها الإنسان القديم منذ فجر التاريخ مثل للبكاء وقت و للضحك وقت ؟
والإسلام قد جاء ناسخاً ما قبله من الشرائع ، فلن يتقبل من اي شخص اي شيء بعد بعثة سيدنا رسول الله :salla: :
وَمَن يَبْتَغِ غَيْرَ ٱلْإِسْلَٰمِ دِينًۭا فَلَن يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِى ٱلْءَاخِرَةِ مِنَ ٱلْخَٰسِرِينَ ( 85 ) آل عمران
عن أبي هريرة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال والذي نفس محمد بيده لا يسمع بي أحد من هذه الأمة يهودي ولا نصراني ثم يموت ولم يؤمن بالذي أرسلت به إلا كان من أصحاب النار [2]
والإسلام حينما أتى قد اتى للعالم نظام جديد يسوي فيه ويحكم فيه بالعدل المطلق بمفهومه المحكم .
فحينما تحدثت التوراة عن قتل الأطفال والنساء في الحروب جاء الإسلام ليمنع كل هذا ويحرمه :
سفر صموئيل الأول أصحاح 15 :
3 فَالآنَ اذْهَبْ وَاضْرِبْ عَمَالِيقَ، وَحَرِّمُوا كُلَّ مَا لَهُ وَلاَ تَعْفُ عَنْهُمْ بَلِ اقْتُلْ رَجُلاً وَامْرَأَةً، طِفْلاً وَرَضِيعًا، بَقَرًا وَغَنَمًا، جَمَلاً وَحِمَارًا».
ويقول :salla: كما يحكي ابن عمر :radia-ico : وجدت امرأة مقتولة في بعض تلك المغازي فنهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن قتل النساء والصبيان [3]
وليس معنى الرجوع مرة أخرى لحكم معين فيما قد سبق أنه دليلاً على كذب هذه النبوة ، بل فأن الله سبحانه وتعالى ييسر على عباده ليجعل شريعته بالأمر السهل وليس المعضل مستحيل التنفيذ .
فقد قالت التوراة :
سفر اللاويين اصحاح 24 :
17 وَإِذَا أَمَاتَ أَحَدٌ إِنْسَانًا فَإِنَّهُ يُقْتَلُ.
18 وَمَنْ أَمَاتَ بَهِيمَةً يُعَوِّضُ عَنْهَا نَفْسًا بِنَفْسٍ.
19 وَإِذَا أَحْدَثَ إِنْسَانٌ فِي قَرِيبِهِ عَيْبًا، فَكَمَا فَعَلَ كَذلِكَ يُفْعَلُ بِهِ.
20 كَسْرٌ بِكَسْرٍ، وَعَيْنٌ بِعَيْنٍ، وَسِنٌّ بِسِنٍّ. كَمَا أَحْدَثَ عَيْبًا فِي الإِنْسَانِ كَذلِكَ يُحْدَثُ فِيهِ.
21 مَنْ قَتَلَ بَهِيمَةً يُعَوِّضُ عَنْهَا، وَمَنْ قَتَلَ إِنْسَانًا يُقْتَلْ.
وهذا أمر رداع لأي من يتجاوز الحدود والإعتبارات المتعارف عليها دينياً وإجتماعياً ، وهو ما حكى عنه القرءان الكريم :
وَكَتَبْنَا عَلَيْهِمْ فِيهَآ أَنَّ ٱلنَّفْسَ بِٱلنَّفْسِ وَٱلْعَيْنَ بِٱلْعَيْنِ وَٱلْأَنفَ بِٱلْأَنفِ وَٱلْأُذُنَ بِٱلْأُذُنِ وَٱلسِّنَّ بِٱلسِّنِّ وَٱلْجُرُوحَ قِصَاصٌۭ ۚ فَمَن تَصَدَّقَ بِهِۦ فَهُوَ كَفَّارَةٌۭ لَّهُۥ ۚ وَمَن لَّمْ يَحْكُم بِمَآ أَنزَلَ ٱللَّهُ فَأُو۟لَٰٓئِكَ هُمُ ٱلظَّٰلِمُونَ ( 45 ) المائدة
فحينما يعيد الإسلام القصاص مرة أخرى - بغض النظر عن الإختلاف بينه وبين التوراة في حيثياته - فذلك لأن حياة البشر تتطلب ذلك ، وإلا صارت الدنيا غابة ، ولست أتصور الحالة التي كانت ستعيش عليها المجتمعات اليوم في ظل غياب مبدأ العقاب عند الخطأ ومحاسبة الجناة !!
وتصور الأناجيل أن المسيح عليه السلام قد قال في الموعظة هذه العبارة الشهيرة :
متى اصحاح 5 :
44 وَأَمَّا أَنَا فَأَقُولُ لَكُمْ: أَحِبُّوا أَعْدَاءَكُمْ. بَارِكُوا لاَعِنِيكُمْ. أَحْسِنُوا إِلَى مُبْغِضِيكُمْ، وَصَلُّوا لأَجْلِ الَّذِينَ يُسِيئُونَ إِلَيْكُمْ وَيَطْرُدُونَكُمْ،
فهذا تجديد لشريعة العهد القديم التي اشرت إليها مسبقاً .
وأنا أسألك سؤال يا ضيفتنا الكريمة :
ما هو تصرفك لو هجم عليك أحدهم - لا سمح الله - وأراد بك السوء ؟
هل ستباركيه وتتركيه ولو دون حتى مقاومة خفيفة ؟
دولة مثلاً حُشد على حدودها جيش جرار ليغزوها ، فماذا هم فاعلون ؟
هل بذلك يتوجب عليهم إمداد الجيوش الغازية بالمؤن والأموال كي يحبون أعداؤهم ؟
فهل هذا التجديد ينفع في حياتنا بحق المسيح عليكٍ ؟
والخلاصة كالآتي :
1- التجديد ومخالفة الأنبياء والشرائع القديمة لأجل المخالفة لا يصلح لأن يكون حكماً في تحديد صدق أو كذب أي نبوءة .
2- الله سبحانه وتعالى رؤوف رحيم ، ييسر على عباده ، فينزل أحكاما معينة فيقرها أو ينسخها وقتما شاء ذلك .
3- الإسلام أتى بأمور جديدة لم تعرفها لا التوراة ولا الإنجيل - وسردت مثال صغير عن أخلاق الحروب بين القرءان الكريم والكتاب المقدس - كما أنه أقر في الشريعة المحمدية الشريفة أحكاماً قد أقرت في شرائع سابقة ، وهذا لا يوجد فيه أي مشكلة ، فالله قد وضع هذه الأحكام بما يناسب عباده وييسر عليهم ، أنه بهم لرؤوف رحيم .
هذا تعليقي على المعيار الأول ، يتبع مع التعليق على المعيار الثاني
ورجاء يا ضيفتنا أن لا تعلقي علي إلا بعد ان انتهى تماماً
يتبع
________________________
[1] تفسير العهد الجديد - تادرس يعقوب الملطي
[2] رواه الإمام مسلم في الصحيح ك : الإيمان ب :وجوب الإيمان برسالة نبينا محمد :salla: إلى جميع الناس ونسخ الملل بملته ح 152 1 / 49 .
[3] رواح الإمام مسلم ك : تلجهاد والسير ب : ب : تحريم قتل النساء والصبيان في الحرب ح 1744