* ونبتت نـابتة ( أوائل القرن الأول )
" عقيدة التثليث ليست من تعاليم العهد القديم , وأما ما وجد في العهد الجديد فأقدم شهادة لهذه العقيدة توجد في رسائل بولس " . ( الموسوعة الكاثوليكية الحديثة جـ14, ص 306 ) .
" إن بولس مدين للفلسفة الإغريقية وأفكارها " . ( قاموس الكتاب المقدس لهاستنجز جـ5,ص 150 ) .
" كان بولس من أهم أتباع الديانة المسيحية الأوائل وأكثرهم مسئولية عن التغيير الذي أصابها في عقائدها , فقد أضاف إليها أشياء جذرية رسمت مستقبل المسيحية " . (لايدروس وتينيت هيلز في كتابهما " الأديان العظمى " ص 139 ) .
لم يكن بولس من الرسل أو الحواريين الذين اختارهم المسيح عليه السلام في حياته , وبالأضافة إلى ذلك فإنه لم يحقق الشروط التي وضعها الحواريون لكون الشخص رسولاً بعد خيانة يهوذا الإسخريوطي وخداعه , وهو أن يكون الرجل قد صحب المسيح طول حياته . ( أعمال الرسل 1 : 21 – 22 ) .
بل ليس هذا فقط بل إنه لم يبال بمن سبقه من الرسل مطلقًا , فلم يذهب إليهم للتعلم والفهم ,وهو يصرح بهذا قائلاً : " لم أحصل من هؤلاء المعتبرين شيئًا ولم أشاور اللحم والدم , ولم ألجأ إلى الذين كانوا رسلاً قبلي في أورشليم " (غلاطية 2 : 6 , 1 : 16-17 ) .
وادعى بولس أنه تلقى تعليمه من المسيح مباشرة إذ يقول : ( وأعرفكم أيها الإخوة بأن الإنجيل الذي بُشرت به ليس عن طريق إنسان ما , لأني لم أخذه من إنسان ولا عُملته من إنسان , بل بإلهام من يسوع المسيح ) ( غلاطية 1 : 11-12 ) .
وهكذا تحت شعار الإلهام أدخل بولس الفلسفة الإغريقية ودقائقها , والديانة الوثنية وأوهامها في الدين المسيحي .
لقد وضع بولس لأول مرة في تاريخ المسيحية أسس عقيدة ألوهية المسيح وبنوته متسترًا وراء أقوال المتصوفة الباطنية , كيف لا وقد كان الشرق والغرب يهيم في تلك الفلسفات الصوفية الباطنية , ولم يكن عند بولس ما يمنعه من تقبل هذه الفلسفات , فهو لم يتعلم من الرسل الذين عاصروا المسيح , بل علم نفسه بنفسه , وفي ظل كل هذه الفلسفات الباطنية إذا كان المرء لا يملك العلم الصحيح فهو ساقط فيها بلا شك . بل إن بولس لم يطلع على الأناجيل التي تعج بالنصوص الموحدة فرسائله سابقة عليها .
" كتبت جميع رسائل بولس قبل ظهور المخطوطات القديمة للأناجيل والأعمال . وكونه قد اطلع على مجموعة من الأوراق والوثائق – قبل ظهور الأناجيل – والتي احتوت على تعاليم يسوع وأمثاله ومعجزاته والتي تعتبر مصدرًا حزئيًا , للأناجيل الأربعة المعترف بها , أمر مشكوك فيه " .
(C.F.Potter : The Lost Years Of Jesus Revealed,
1959,p.115)
فـ " رسائل بولس أقدم من الأناجيل , بل إنها أقدم من معظم المصادر التي اعتمدت عليها الأناجيل".
(Hastings' Dictionary Of The Bible,1963,p.478)
( أما رسائل بولس فيكاد أن يكون منالأكيد أنها لم تدخل إلى القانون الواحدة بعد الأخرى , بل إن مجموعتها أُدخلت إليهبرمتهايوم أخذ يغلب على الكنيسة الرأى القائل بأنه لابدمن الحصول على قانون للعهد الجديد) ( الترجمة الكاثوليكية للكتاب المقدس للرهبنة اليسوعية ص 9 ) .
وفيما يلي نماذج من أقواله :
" هو صورة الله غير المنظور خليقة-أي المسيح- , لأن فيه خُلق كل ما في السموات وما على الأرض " و " فإنه يحل كل ملء اللاهوت جسديًا " ( كولوسي 1 : 16-17 , 2 : 9 ) . " ومن كان على صورة الله فهو مكافيء لله , ولكنه ظهر بشكل إنسان " ( فليبي 2 : 6-8 ) . " المسيح الذي هو صورة الله " و " فإننا لسنا ندعو إلى أنفسنا بل إلى المسيح يسوع ربًا " ( كورنثوس (2) 4 : 4 -5 , تسالونيكي 2 : 15 , 3 : 6 ) .
وأعلن بولس عن نفسه أن " عبد المسيح " ( تيموثاوس(1) 1 : 12 , وفليمون 1 : 25, ورومة 1:1 ) . ثم مهد للأقنوم الثالث من أقانيم التثليث وهو الروح ليدخله في الألوهية ويصيره شريكًا لها , وفعل ذلك بإعطائه شخصية مستقلة ( تيموثاوس(1) 4 : 1 ) , وجعل الرب والروح متحدين في المعنى ( كورنثوس(2) 3 : 17 ) .
لقد زعم بولس أنه ( لبس لكل حالة لبوسها ) حتى ينشر دعوة ( المسيح ) , فإذا هو يعلن موت المسيح , ويبعث إلهًا أنسانًا , وإنسانًا إلهًا , يدغدغ به مشاعر اليونان والرومان الذين كانوا يتصورون الآلهة على صورة بشر ولها أقانيم تتجلى بها , وما أدري هل كان تويبني يمزح أو يسخر أو يثني على هذا ( المكر ) اليهودي حين قال : ( لو لم ينزع بولس الطرسوسي ببراعة عن المسيحية أرديتها الفلسطينية التي كانت تكسوها , وقتما وفدت إلى العالم , لما قيض أبدًا لفناني الأقبية الرومانية من المسيحيين , ولا لفلاسفة المدرسة اللاهوتية المسيحية بالإسكندرية , الفرصة لعرض المسيحية في ثوب الفكر والخيال لليونانيين , فكان أن مهدوا الطريق لاعتناق العالم الهليني لها – أي للمسيحية - ) ( مختصر دراسة للتاريخ جـ3 , ص 46 ) .
وهنا سؤال يطرح نفسه : هل سكت الحواريون والمسيحيون المخلصون أمام ذلك , ولم يحاول أحد مقاومته ؟ , والجواب على ذلك كما في الكتاب المقدس وتاريخ الكنيسة بالنفي , فهناك معارضات ضد أفكاره , وقد اعتمد بولس في نشر معتقداته على أسلوبه الصوفي الرمزي الذي تحتمل فيه كل كلمة أكثر من دلالة , ولذلك لم يدرك عامة الناس الفروق الجذرية الدقيقة بين تعاليم المسيح وتحريفات بولس وأهدافها . ولذلك ظل بولس بعيدًا عن الحواريين , قليل الإتصال بهم , ورغم كل ذلك واجهته معارضة شديدة في هذه المسائل التي انفرد بها , لدرجة أنه اضطر إلى أن يكتب إلى أصحاب كنيسة غلاطية : "أعود فأقول إن كان أحد يبشركم بغير ما قبلتم فليكن ملعونًا " ( غلاطية 1 : 9 ) . وسمى أفكار مخالفيه وتعاليمهم " كلامًا باطلاً " ( تيموثاوس(1) 1 : 6-7 ) , وقال لتموثاوس أيضًا ناصحًا له : " احفظ ( المرجع السابق 1 : 2 ) الوديعة معرضًا عن الكلام الباطل الدنَّس ومخالفات العلم الكاذب , الذي إذا تظاهر به قوم زاغ إيمانهم " ( المرجع السابق 6 : 20-21 ) .
ونظرًا لما كان عليه بولس من سعة اطلاع بالعهد القديم , فإنه قد قام بنسخ شريعة العهد القديم التي نادت بالتوحيد الخالص في العديد من المواضع , وكل ذلك لكي يهييء العقول لاستقبال عقائده الفلسفية الباطنية التي تتنافي مع الناموس , فقال : " إن الشريعة لا تُبرر أحد عند الله ... إن الشريعة ليست من الإيمان " ( غلاطية 3 : 11-12 ) , و " أن الإنسان لا ينجو بأعمال الناموس بل بإيمانه بيسوع المسيح " ( غلاطية 2 : 16 ) , و " قد ابتعدتم عن المسيح أيها الذين تتبرون بالناموس , وحرمتم فضله " ( غلاطية 5 : 4 ) .
واعتبر بولس الشريعة " عداوة " ( غلاطية 3 : 13 ) , و" لعنة " وشيئًا يجلب " الغضب والتعدي " ( رومة 4 : 15 ) , كما أنه عدها شيئًا ناقصًا ( العبرانيين 8 : 7 ) مبطلاً العمل بها فقال : ( وأما ما عتق وشاخ فهو قريب من الإضمحلال-يعني الناموس- ) (العبرانيين 8 : 13).
لقد خالف بولس في هذا الأمر المسيح أشد المخالفة , فلقد قال المسيح : " لا تظنوا أني جئت لأنقض الناموس أو الأنبياء , ما جئت لأنقض , بل لأكمل , فإني أقول لكم الحق إلى أن تزول السماء والأرض : لا يزول حرف واحد أو نقطة واحدة من الناموس حتى يكون الكل , فمن نقض إحدى هذه الوصايا الصغرى , وعلم الناس هكذا يدعى أصغر في ملكوت السموات , وأما من عمل وعلم فهذا يدعى عظيمًا في ملكوت السموات " (متَّى 5 : 17-19 ) .
ولذلك أدان يعقوبُ رئيس التلاميذ بولس وأمره بالتطهر والإستغفار , بل وأرسل التلاميذ أناسًا من أتباع المسيح لإصلاخ هرطقة بولس : " فلما سمعوا كانوا يمجدون الرب وقالوا له أنت ترى أيها الأخ كم يوجد ربوة من اليهود الذين آمنوا وهم جميعًا غيورون للناموس. وقد أُخبروا عنك أنك تعلم جميع اليهود الذين بين الأمم الإرتداد عن موسى قائلاً أن لا يختنوا أولادهم ولا يسلكوا حسب العوائد . فإذًا ماذا يكون ؟ لا بد على كل حال أن يجتمع الجمهور لأنهم سيسمعون أنك قد جئت . فافعل هذا الذي نقول لك , عندنا أربعة رجال عليهم نذر . خذ هؤلاء وتطهر معهم وانفق عليهم ليحلقوا رؤوسهم فيعلم الجميع أن ليس شيء مما أُخبروا عنك بل تسلك أنت أيضًا حافظًا للناموس . وأما من جهة الذين آمنوا من الامم فأرسلنا نحن إليهم وحكمنا أن لا يحفظوا شيئًا مثل ذلك سوى أن يحافظوا على أنفسهم مما ذبح للأصنام ومن الدم والمخنوق والزنى . حينئذ أخذ بولس الرجال في الغد وتطهر معهم ودخل الهيكل مخبرًا بكمال أيام التطهير إلى أن يقرب عن كل واحد منهم القربان . ولما قاربت الأيام السبعة أن تتم رأه اليهود الذين من أسيا في الهيكل فأهاجوا كل الجمع و ألقوا عليه الأيادي . صارخين يا أيها الرجال الإسرائيليون أعينوا ! ... هذا هو الرجل الذي يعلم الجميع في كل مكان ضدًا للشعب والناموس وهذا الموضع , حتى أدخل يونانيين أيضًا إلى الهيكل ودنس هذا الموضع المقدس . لأنهم كانوا قد رأوا معه في المدينة تروفيمس الأفسسي فكانوا يظنون أن بولس أدخله إلى الهيكل . فهاجت المدينة كلها وتراكض الشعب وأمسكوا بولس وجروه خارج الهيكل وللوقت أغلقت الأبواب . وبينما هم يطلبون أن يقتلوه نما خبر إلى أمير الكتيبة أن أورشليم كلها قد اضطربت . فللوقت أخذ عسكرًا وقواد مئات وركض إليهم فلما رأوا الأمير والعسكر كفوا عن ضرب بولس) (أعمال الرسل 21 : 20-32 )
بل إن العجيب في الأمر أن التلاميذ أنفسهم كانوا يمنعونه من الدخول إلى الشعب حتى لا يفسد عقيدتهم بعقائده الغريبة عن تعاليم المسيح : ( ولما كان بولس يريد أن يدخل بين الشعب لم يدعه التلاميذ )( أعمال 19 : 30 ) .
وفي نهاية الأمر افترق بولس عن بقية الحواريين , وأخذ في البحث عن المصادر التي قد تساعده في وضع العقائد الجديدة حول المسيح , وكان مما استفاد منه بولس إلى جانب الفلسفات الإغريقية , بعض الديانات الوثنية المعاصرة له , يقول هـ.ج ويلز متحدثًا عن مصادر الفكر البوليسي : " كان بولس ملمَّـًا بعلم الإلهيات الموجودة في الإسكندرية ... وهو يستعمل عبارات وتعبيرات تشبه عبارات أهل الديانة المثراوية " .
( H.G Wells : The Outline Of History,p536-537 )
وهكذا أسس بولس ديانة مسيحية جديدة , تختلف عن دين المسيح الذي دعا له عليه السلام , فألغى بولس الشريعة , وجعل الإيمان بيسوع ربًا وإلهًا مات على الصليب من أجل البشر أصل الإيمان ولا أصل غيره , وحلل ما كان محرمًا في الملة , ووضع البنية الأولى لعقيدة التثليث الوثنية , وما قاله وول ديورانت – عالم التاريخ والفلسفة الشهير – يعبر عن الحقيقة الواقعة :
" المسيحية المتداولة لم تقض على الديانات الوثنية القديمة بل امتصتها بداخلها ! " ( قصة الحضارة جـ3, ص595 ) .
يتبع .....