المشاركة الأصلية بواسطة: د. هشام عزمي
من العجمة أتينا !!
اعلم أن صفة الملل والخداع والمكر من الصفات المقيدة في النصوص , وهي في اللغة على وجهين:
الوجه الأول: صفات نقص إذا جاءت بوصف مطلق كقولك : ( فلان مخادع...ماكر...ملول)وهذه لا تليق بالله جل وعلى لذا لم ترد في النصوص بالإطلاق.
الوجه الثاني: صفات كمال ومدح إذا جاءت مقيده بما يقابلها من الوصف , فإن الكريم عند العرب يمل من الذي يمل منه فهي صفة أنفةٍ ممدوحة ....وكذا المكر فإن الذي يمكربه وهو لا يستطيع أن يرد المكر بمثله فهذا عندهم صفة ذم لذلك يقول عمر : (لست بالخب -يعني المخادع- وليس الخب يخدعني).
فإذا علم أن السياق ليس بسياق ذم بل سياق مدح علم أنها صفة مدح ثم بعد ذلك تجرى الصفة على قاعدة أهل السنة والجماعة في صفات الله تعالى.
فبالنسبة لصفة الملل فهي من باب المشاكلة والمقابلة . . .
قال ابن رجب رحمه الله في فتح الباري (1/166) ( وسمي المنع من الله مللاوسآمة مقابلة للعبد على ملله وسآمته ، كما قال تعالى ( نسوا الله فنسيهم) فسمى إهمالهم وتركهم نسينا مقابلة لنسيانهم له هذا أظهر ما قيل في هذا ) انتهى
فيكون المعنى إن الله لايمل من الثواب للأعمال حتى يمل المؤمن من العمل فما دام أنه يعمل فالله يكتب له الأجر على عمله وإذا ترك العمل لم يكتب له الأجر .
أو ان تكون بغرض نفي الملل عن الله . . .
قال ابن قتيبة في تأويل مختلف الحديث : (( قالوا رويتم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال إكلفوا من العمل ما تطيقون فإن الله تعالى لا يمل حتى تملوا فجعلتم الله تعالى يمل إذا ملوا والله تعالى لا يمل على كل حال ولا يكل
قال أبو محمد ونحن نقول إن التأويل لو كان على ما ذهبوا إليه كان عظيما من الخطأ فاحشا ولكنه أراد فإن الله سبحانه لا يمل إذا مللتم ومثال هذا قولك في الكلام هذا الفرس لا يفتر حتى تفتر الخيل لا تريد بذلك أنه يفتر إذا فترت ولو كان هذا هو المراد ما كان له فضل عليها لأنه يفتر معها فأية فضيلة له وإنما تريد أنه لا يفتر إذا افترت وكذلك تقول في الرجل البليغ في كلامه والمكثار الغزير فلان لا ينقطع حتى تنقطع خصومه تريد أنه لا ينقطع إذا انقطعوا ولو أردت أنه ينقطع إذا انقطعوا لم يكن له في هذا القول فضل على غيره ولا وجبت له به به مدحة وقد جاء مثل هذا بعينه في الشعر المنسوب إلى بن أخت تأبط شرا ويقال إنه لخلف الأحمر
صليت مني هذيل بخرق
لا يمل الشر حتى يملوا لم يرد أنه يمل الشر إذا ملوه ولو أراد ذلك ما كان فيه مدح له لأنه بمنزلتهم وإنما أراد أنهم يملون الشر وهو لا يمله )) . انتهى
قال الحافظ الملال استثقال الشيء ونفور النفس عنه بعد محبته وهو محال على الله تعالى باتفاق فالتقدير لا يمل وتملون فنفى عنه الملل وأثبته لهم قيل حتى هنا بمعنى الواو ومعناه حسب رواية مسلم لا يسأم إذا سئمتم فالمعنى أن الله لا يَمَلُّ أبداً مَلِلْتم أو لم تَمَلُّوا فجرى مَجْرى قولهم حتى يَشيبَ الغُرابُ ويبيَضَّ القَار وقد جاء مثل هذا بعينه في الشعر المنسوب إلى ابن أخت تأبط شرا ويقال إنه لخلف الأحمر :
صليت مني هذيل بخرق لا يمل الشر حتى يملوا
يريد أنه لا يمل إذا ملوا ولو أراد به النهاية لم يكن فيه مدح ولا له عليهم فضل ومثاله قولهم في البليغ فلان لا ينقطع حتى ينقطع خصومه معناه لا ينقطع إذا انقطع خصومه ولو كان معناه ينقطع إذا انقطع خصومه لم يكن له فضل على غيره ومثال هذا قولهم في الكلام هذا الفرس لا يفتر حتى تفتر الخيل فلو كان المعنى أنه يفتر إذا فترت لو كان هذا هو المراد ما كان له فضل عليها لأنه يفتر معها فأية فضيلة له وإنما تريد أنه لا يفتر إذا افترت .
وهذا على القول بأن الملل صفة نقص لا تجوز في حق الله وقد نص على ذلك جمع من العلماء المعاصرين منهم الشيخ محمد بن أمان والشيخ عبد المحسن العباد ويدل على ذلك ما فـي حديث أُم زَرْعٍ؛ قالت : زَوْجي كلـيلِ تهامة لا قُرٌّ ولا سَآمة ومن هذا حديث ابن مسعود قال كان النبي صلى الله عليه وسلم يتخولنا بالموعظة مخافة السآمة .
أما على القول بأن حتى على بابها وهي بمعنى انتهاء الغاية فهي من باب المشاكلة والمقابلة قال الحافظ وجدت بعض ما ذكر هناك من تأويل الحديث احتمالا في بعض طرق الحديث وهو قوله أن الله لا يمل من الثواب حتى تملوا من العمل أخرجه الطبري في تفسير سورة المزمل وفي بعض الإشارة ما يدل على أن ذلك مدرج من قول بعض رواة الحديث والله أعلم قال الزرقاني لكن في سنده موسى بن عبيدة وهو ضعيف .
قال ابن عبد البر وانما جاء لفظ هذا الحديث على المعروف من لغة العرب بانهم كانوا اذا وضعوا لفظا بازاء لفظ وقبالته جوابا له وجزاء ذكروه بمثل لفظه وان كان مخالفا له في معناه الا ترى الى قوله عز وجل وجزاء سيئة بسيئة مثلها وقوله فمن اعتدى عليكم فاعتدوا عليه بمثل ما اعتدى عليكم والجزاء لا يكون سيئة والقصاص لا يكون اعتداء لأنه حق وجب د ومثل ذلك قول الله تبارك وتعالى ( ومكروا ومكر الله والله خير الماكرين ) وقوله (إنما نحن مستهزؤن الله يستهزىء بهم ) وقوله (إنهم يكيدون كيدا وأكيدا كيدا ) وليس من الله عز وجل هزؤ ولا مكر ولا كيد انما هو جزاء لمكرهم واستهزائهم وجزاء كيدهم فذكر الجزاء بمثل لفظ الابتداء لما وضع بحذائه وكذلك قوله صلى الله عليه وسلم ان الله لا يمل حتى تملوا أي ان من مل من عمل يعمله قطع عنه جزاؤه فاخرج لفظ قطع الجزاء بلفظ الملال اذ كان بحذائه وجوابا له .
قال ابن الأثير وهذا بابٌ واسع في العربية كثير في القرآن .
هذه الدرر منقولة من ملتقى اهل الحديث بتصرف