السلام عليكم ورحمة الله وبركاته ،
أذكر نفسي وإياكم أحبتي في الله وإخواني في دين الله بقول جعفر بن محمد رحمه الله : (( إياكم والخصومة في الدين ؛ فإنها تُشغل القلب ، وتورث النفاق )) الإبانة الكبرى ج2 ص526 .
وقد جعل أهل العلم أبوابًا وفصولاً من كتبهم لذم الخصومة والجدال والمراء في الدين مثل الآجري في الشريعة الذي وضع (( باب ذم الجدال والخصومات في الدين )) وشيخ الإسلام أبي إسماعيل الهروي في ذم الكلام وأهله الذي جعل (( باب ذم الجدال والتغليظ فيه، وذكر شؤمه )) وهذا كثير في كتب العلماء .
(( فعن وهب بن منبّه قال: كنت أنا وعكرمة نقودُ ابنَ عباس بعد ما ذهب بصره حتى دخلنا المسجد الحرام؛ فإذا قومٌ يَمترون في حلقةٍ لهم مما يلي باب بني شيبة، فقال لنا: أُمَّا بي حلقة المِراء. فانطلقنا به إليهم فوقف عليهم فقال: انتسبوا لي أعرفْكم. فانتسبوا له – أو من انتسب منهم – قال: فقال: ما علمتم أن لله عباداً أَصَمَّتهم خشيته من غير عِيٍّ ولا بَكَم!! وإنهم لهم العلماءُ الفصحاءُ النبلاءُ الطلقاء، غير أنهم إذا تذاكروا عظمة الله - عز وجل - طاشت لذلك عقولهم، وانكسرت قلوبهم، وانقطعت ألسنتهم، حتى إذا استفاقوا من ذلك تسارعوا إلى الله بالأعمال الزاكية . فأين أنتم منهم؟! . قال: ثم تولَّى عنهم، فلم ير بعد ذلك رجلاً )) . ذم الكلام وأهله للهروي ج4 ص158-159 .
(( وحدث حماد بن زيد عن محمد بن واسع عن مسلم بن يسار أنه كان يقول: إياكم والِمراء فإنها ساعة جهل العالم، وبها يبتغي الشيطان زلّته )). الشريعة للآجري ج1 ص434-435 .
(( وقال الأوزاعي : إذا أراد الله بقوم شرّاً فتح عليهم الجدل، ومنعهم العمل )). ذم الكلام ج5 ص123 .
قال عبد الله بن مصعب :
ترى المرء يعجبُه أن يقول : : : : وأسلمُ للمرءِ أن لا يقولا
فأمسِك عليكَ فضولَ الكلامِ : : : : فإنّ لكلِّ كلامٍ فضولا
ومن أضرار هذا الجدال على المشتغل به في دينه كونه شاغل له عما هو أولى منه كخلوّ القلب لذكر الله ، وتذوق حلاوة مناجاته ، والاشتغال بقراءة القرآن ، وتعلّم وتعليم العلم النافع فإن أهل الاشتغال بهذه الأعمال الجليلة في شغل عن هذه المماحكات ، ولم يولّد المماراةَ والجدلَ في الدين إلا قومٌ فرغوا عن العمل النافع فانشغلوا بما هو دونه بمراتب ، بل بما يكون ضرره على الواحد منهم - وعلى سائر المسلمين- أكثر من نفعه .
فينبغي على من أراد الجدال أن يرجع إلى نفسه ويقول لها : (( إني لو نجوتُ وعطب أهلُ الأرض من أهل الأهواء ما ضرني ذلك . ولو عطبتُ ونجَوا ما نفعني . فإقامتي الحجة عليهم وتركي أن أقيم الحجة على نفسي - في تضييعي أمره حتى أؤدي ما أمرني به ربي ، وأنتهي عمَّا نهاني عنه ، وأربح أيام عمري ليوم فقري وفاقتي - أولى بي فقد شغلوني عن نفسي وعن العمل لنجاتي ...)) الرعاية لحقوق الله تعالى للحارث المحاسبي ص460 .
والله الموفق .