فليأتوا بسورة من مثله إن كانوا صادقين
- وجوه إعجاز القرآن:
- كل هناك كتاب يذكر صاحبه أنه هو الذي كتبه ويضع عليه اسمه وتوقيعه… . فهل تعلم كتابا واحدا غير القرآن الكريم على وجه الأرض فيه "تنزيل من رب العالمين" "تنزيل من الرحمن الرحيم" وإنه لتنزيل رب العالمين" وسائر الآيات التي يثبت فيها الله عز وجل أنه هو الذي أنزله لا أحد غيره…ولم يدع أحد غير الرب عز وجل أنه ألفه؟؟؟
- أتى كتاب من قِبَل ملك المدينة مع رسول ليحذر الشعب فيه من عدو قادم، ويرشد فيه أهل المدينة كيفية النجاة من هذا العدو..فانقسم الناس إلى ثلاثة أقسام، قسم أخذ الكتاب بقوة وعمل بكل ما فيه، وقسم صدَّق ولكن انشغل بأمور حياته، وقسم أخذ يتشكك ويطعن في الكتاب، ثم جاء العدو.. فنجا من نجا وهلك من انشغل ومن كان يُكَذِّب…فمن أين قسم أنت؟؟؟ وما موقفك من كتاب رب العالمين الذي يحذر فيه من الشيطان ويرشد كيفية النجاة من مكائده؟
- هل تعلم كتابا واحدا على وجه الأرض حفظه كم هائل من البشر كالقرآن الكريم، منذ ألف وأربعمائة سنة، بطريقة التواتر[أي جمع عن جمع يحيل العقل اتفاقهم على الكذب أو الخطأ]، مع اختلاف العصور واختلاف البلدان والأقاليم على أكثر أنحاء الأرض؟
- هل تعلم كتابا واحدا مثل القرآن الكريم عمل عليه دراسات وأُلِّفَ عليه وعلى علومه هذا الكم الهائل من كتب التفاسير والفقه والأحكام والقراءات والبلاغة واللغة والإعجاز وغيره؟؟…بحيث يقول أي إنسان، إذا كان هذا الاهتمام بعلوم القرآن وآياته بل وحروفه، فكيف الاهتمام بالكتاب نفسه؟ ويوقن كل إنسان أنه من المحال تحريف ولو حرف واحد فيه، للدقة الشديدة في دراسته...
- هل تعلم كتابا واحدا يتلوه هذا الكم من البشر في مشارق الأرض ومغاربها في آن واحد، وفي الإذاعات المختلفة، غير القرآن الكريم؟؟؟[تدبر هذا الأمر في صلاة التراويح في رمضان في جميع أنحاء العالم، بل كل يوم في صلاة العشاء].
- هل تعلم كتابا واحدا لو أخطأ رجل وراءه مليون شخص في تلاوة حرف واحد كالواو بدل الفاء، يرده ويصححه الكثير، هذا من أندونيسيا وهذا من أمريكا وهذا من مصر وهذا من الصين وهذا من الهند..كما لو أخطأ إمام الحرم مثلا في التلاوة؟؟
- هل تعلم كتابا واحدا ليس فيه اختلاف بين مخطوطاته في حرف واحد، غير القرآن، منذ ألف وأربعمائة سنة؟؟؟
- سؤال للأدباء فقط: قد درست جميع الأساليب العربية القديمة والحديثة.. فهل تعلم كتابا له أسلوب مثل أسلوب القرآن الكريم، لا هو شعر ولا هو نثر، ويحتوي على أكثر من ستة آلاف آية؟؟
- هل تعلم كتابا واحدا على وجه الأرض،غير القرآن الكريم، إذا قرأت حرفا واحدا منه أخذت به حسنة، وارتقت روحك وكأنك في مجالس الملائكة الكرام ؟؟
- هل تعلم كتابا واحدا على وجه الأرض تتنزل الملائكة بالسكينة على قارئه؟؟
- هل تعلم كتابا واحدا مثل القرآن الكريم على وجه الأرض إذا جلست وقرأته، قمت وقد انشرح صدرك وخفت من عليك ذنوبك، وقمت خفيفا من الذنوب مقبلا على الطاعات مدبرا عن المعاصي وقد تحسنت أخلاقك في معاملاتك؟؟؟
- هل تعلم كتابا واحدا على وجه الأرض غير القرآن الكريم، إذا أراد أعداؤه الطعن فيه أتوا بمتخصصين في علم اللغة وعلم الاجتماع وعلم التاريخ وعلم الجغرافيا وعلم الفلك وعلم النفس وعلوم أخرى شتى.. مما يثبت أن هذا الكتاب من المحال أن يقوم بتأليفه بشر وأمي لا يقرأ ولا يكتب ويعيش في قبائل أمية لا تقرأ ولا تكتب؟؟؟
- هل تعلم كتابا أكثر من القرآن الكريم قد تلقى الطعن من أعدائه منذ ألف وأربعمائة سنة وإلى الآن، ولا يزال هو الكتاب الأول في العالم انتشارا وحفظا وتلاوة ودراسة؟؟؟
- هل هناك كتاب غير القرآن لو أنزل على جبل لرأيته خاشعا متصدعا من خشية الله.؟؟؟.
- هل هناك كلام غير الوحي إذا نزل صعقت منه الملائكة فإذا أفاقوا قالوا ماذا قال ربكم فرد جبريل قال الحق وهو العلي الكبير???… تفسير قوله تعالى في سورة سبأ: حتى إذا فزع عن قلوبهم قالوا الحق…
- هل هناك كتاب عندما نزل إلى السماء الدنيا تملأ السماء حرسا شديدا وشهبا.؟؟؟. وأنا لمسنا السماء فوجدناها ملئت حرسا شديدا وشهبا…وأنا كنا نقعد منها مقاعد للسمع فمن يستمع الآن يجد له شهابا رصدا…
- هل هناك كتاب فيه شفاء لما في الصدور، وشفاء لأمراض الأبدان غير القرآن؟؟
- هل هناك كتاب يساوي كتابا أنزله الله بعلمه؟؟ لكن الله يشهد بما أنزل إليك أنزله بعلمه والملائكة يشهدون..
- هل هناك كتاب يرفع الله به أقواما ويضع به آخرين غير القرآن؟؟؟
- هل هناك كتاب فيه إخبار بأخبار الأمم السابقة وإخبار بالغيبيات وما سوف يأتي في آخر الزمان، ثم إذا قامت الساعة وفي الجنة والنار وما سوف يكون فيهما وفي الحشر وغير ذلك من الغيبيات؟؟؟
- هل علمت الآن لماذا قال الله عز وجل: {قل لئن اجتمعت الإنس والجن على أن يأتوا بمثل هذا القرآن لا يأتون بمثله ولو كان بعضهم لبعض ظهيرا}؟؟؟
الحفظ الإلهي لكتابه العزيز
لقد نقل القرآن بأدق نقل عرفه التاريخ البشري….ومن عنده معرفة قليلة بعلم القراءات، أيقن أن القرآن لم يحرف منه حرف واحد منذ أن نزل…والسبب في هذا اليقين هو اهتمام القراء بكل حرف في القرآن بكيفية نطقه، وعدد حركات مده، وهل هو ممال أم لا وهل هو مفتوح أو مكسور…وكل ذلك مسطور في كتب القراءات وأراجيز القراء المشهورين أمثال الشاطبي رحمه الله تعالى في الشاطبية مثلا… فإذا كان الحرف مثلا يمد حركتان اثنتان فمده قارئ ثلاثة حركات عد القراء ذلك تحريف، وإذا كانت الألف ممالة في قراءة ولم يملها قارئ في تلك القراءة عد ذلك تحريف عند القراء القدماء وعند القراء المعاصرين…وإذا فخم حرف وهو مرقق لم يقبل ذلك القراء ولم يعطوا لصاحب هذا النطق إجازة… وإذا سكن حرف متحرك أو العكس كذلك، وإذا خرج حرف من مخرج ليس من مخرجه من المخارج السبعة عشر كانت هذه مصيبة وكارثة عند المقرئين وزلة لا تغفر لصاحبها….وكذلك أي خطأ في صفة الحرف…
والأعجب من ذلك أن هو تأليف الكتب والأراجيز على حروف القرآن، فالنون مثلا هل هي مشددة أم لا هل هي مدغمة أم لا ومتى تدغم في الميم ومتى لا تخفى، وكل نون في القرآن قد عمل عليها تلك الدراسات، وألف عليها الكتب القديمة والحديثة، وكذلك الميم وكذلك اللام الشمسية والقمرية…وأيضا ألف على بعض كلمات القرآن كتبا وعمل عليها دراسات، ومن أمثلة ذلك في العصر الحديث: كتاب: "لو" و"لولا" في القرآن الكريم… فهذه الدراسات وحده كفيلة بحفظ القرآن دون أن ننظر إلى دقة نقل القراء عبر العصور المختلفة
فإذا كانت هذه الدقة في صفة كل حرف، وألف على ذلك الكتب وقرئ القرآن منذ أن نزل وإلى عصرنا هذا…ولم يختلف اثنان على حرف واحد من القرآن طوال هذه القرون الأربعة عشر في قراءة واحدة… وكذلك في عصرنا لم يقرأ أحد مثلا في الهند بقراءة حفص الواو بدلا من الفاء في قوله تعالى مثلا: فاتقوا الله لعلكم تشكرون….وقرأ ذلك في المغرب بالفاء بدلا من الواو، بل إن الجميع قرأوها بالفاء…ومن فعل غير ذلك عد ذلك تحريفا وصححها له بقية القراء وكانت فضيحة له إن كان إماما يصلى بالناس فقرأها هكذا….فهل يمكن أن يكون قد حرف حرف واحد في القرآن دون علم بقية القراء في أي عصر من العصور….والآن بعد هذا العرض البسيط السريع، هاتوا لي كتابا واحدا على وجه الأرض سماوي أو غير سماوي في أي عصر من أي مكتبة قديمة أو حديثة فيها هذه الدقة، لا أقول الدقة في نقل القرآن أو جملة من القرآن أو حرفا من القرآن بل في صفة الحرف وكيفية مخرجه…فإذا كان الأمر كذلك يتبين لنا أن القرآن قد نقل بأدق ما عرفه النقل البشري في التاريخ البشري كله…ومن شك بعد ذلك فأحرى أن يشك في جميع ما كتب في جميع العصور وجميع البلدان….وإن فعل وشك فلا شك في القرآن أيضا…
الإجازة الشفهية:
ليس هناك أي اختلاف بين نسخ القرآن منذ عهد عثمان رضي الله عنه وإلى عصرنا هذا، ومع ذلك فهناك دليل أقوى منذ ذلك وهي الإجازة الشفهية وليست المكتوبة: …فمن عنده معرفة بقراء القراءات والمقرئين، تعجب من تلك الدقة، فالقرآن مثلا بقراءة حفص، معروف كل قارئ في سلسلة القراء التي تنتهي بالنبي صلى الله عليه وسلم، معروف اسمه وتاريخ حياته ومتى أخذ الإجازة ومتى أعطاها ولمن أعطاها ومن هم شيوخه ومن هم تلاميذه وحياته الشخصية.. وتصل الإجازة إلى عصرنا هذا لأناس معروفين بأسمائهم…فمثلا من أخذ إجازة من الشيخ عبد الرزاق البكري رحمه الله المهندس فلان والطبيب فلان والمحاسب فلان والصيدلي فلان..ومن أخذ إجازة من الشيخ عامر رحمه الله كذلك فلان وفلان وفلان ، وهم معروفون على مستوى تلاميذ ذلك الشيخ، ومشهورون في المساجد، ويشهد لهم بقية تلاميذ الشيخ…
فالحفظ المكتوب يسير جنبا إلى جنب مع الحفظ الشفهي بحيث يكون من المحال عقلا أن يكون هناك تحريف ولو في حرف واحد في القرآن الكريم…والحفظ الشفهي مقدم على الحفظ المكتوب، وإن كان الآخر يقويه ويدعمه ويدل على صحته ويزيد في حفظه…فإذا حصل أي خطأ في طباعة المصحف كخطأ مطبعي ولو في حرف واحد إلى عصرنا هذا يعترض علماء القراء على هذه الطبعة ويتم سحبها مباشرة ولا يؤذن للمطبعة توزيع الكتاب.. وحادثة الخطأ المطبعي في الكويت قريبا معروفة عندما طبعت صفحة معكوسة واعترض عليها في المجلس النيابي وتم وقف توزيع المصحف من المطبعة، مع العلم بأن هذا الخطأ مشهور عند من له علم بالطباعة الحديثة ويحصل كثيرا في أي كتاب…
والحكمة الإلهية في حفظ القرآن الشفهي في عصر الصحابة وإلى عصرنا هذا -بجوار الحفظ المكتوب-، هي أنه كانت الكتب السماوية القديمة تكتب من ناس لا يعرف هل هم أصحاب الرسول أم تلاميذهم أم جاءوا متأخرين كما هو فيما يسمى بالكتاب المقدس عند النصارى… ومن السهل جدا أن يكتب أحد كتابا ويضع فيه ما يشاء ثم يقول إنه منسوب لأحد أصحاب الرسول أو النبي، كما حصل في بعض الكتب التي تسمى بالأناجيل التي في الكتاب المقدس، وكما فعل اليهود مع النصارى في نسبة بعض الكتب إلى الحواريين ولذلك فإن بعض الأناجيل تتهم الأناجيل الأخرى وأصحابها بأنها من وضع اليهود وأنهم دسوها كما هو مشهور في الخلاف بين بعض الأناجيل الأربعة ورسالات تنسب إلى الحواريين، فيحصل بذلك اختلاف لا في حرف ولا في جملة ولا في آية من الإنجيل وإنما في أصل العقيدة وفي أهم شئ نزلت الكتب السماوية من أجله، ألا وهو طبيعة الرب وهل له ابن أم لا، وهل طبيعة الابن بشرية أم إلهية، وغير ذلك من الاختلافات في صلب العقيدة وأصل مقاصد الكتب السماوية أي تعريف الناس بربهم وخالقهم…وهناك سر آخر في حكمة حفظ الله عز وجل للقرآن بالنقل الشفهي إلى عصرنا هذا، وهو أن حفظ القرآن والخوض في علومه وفهمه واكتشاف أسراره وكنوزه لا تحصل إلا لطائفة معينة، وهي التي ذكرها الله عز وجل في قوله: {قل هو للذين آمنوا هدى وشفاء والذين لا يؤمنون في آذانهم وقر وهو عليهم عمى}، فلا يصل إلى هذه الدرجة إلا الذين آمنوا بربهم وأحبوا الرب عز وجل وأحبوا كلامه وشغلوا أوقاتهم بكلام حبيبهم، فيحفظونه عن ظهر قلب، ويكون الجزاء من جنس العمل، أن يفتح الله لهم كنوز القرآن ويفهم معانيه ويفيض عليهم من أسراره وتأويله، ولا يستطيع أي أحد من أعداء الله وأعداء كلامه أن ينتسب إلى هذه الطائفة، فلا يستطيع أحد تحريف القرآن، لأنه ليس من هذه الطائفة التي تسمى بأهل القرآن..لأن القرآن يصعب على لسانه وعلى قلوبهم فلا يستطيعون فهمه ولا تلاوته وذكره والتلذذ به ولا قيام الليل به ولا تعلمه ولا تعليمه…فينتفي من نقلة القرآن كل من يبغض كلام الرحمن…بينما النقل الخطي يمكن -في حالة فقدان النقل الشفهي- أن يكتب أي أحد كلاما ثم ينسبه إلى الرب كما حصل في اتهام كتاب الأناجيل بعضهم لبعض..انظر كتاب:(القرآن الكريم والتوراة والإنجيل لموريس بوكاي) في الكلام على الأناجيل الأربعة وأعمال الرسل…
وهناك ملحوظة مهمة جدا: أنه إذا كان هناك مهندس في علم الهندسة، له خبرة ثلاثون عاما، وآخر طبيب ماهر ولكنه لم يتعلم الهندسة قط في حياته، وآخر فشل في كلية الهندسة فانتقل إلى كلية أخرى فهو يسب ويلعن في الهندسة ليل نهار وفي المهندسين وفي أساتذة الكلية وعميد الكلية…فعندما تكون هناك عمارة آيلة للسقوط، فإننا لا نأتي بالطبيب ولا بالذي فشل في الهندسة ليعالج الخلل في العمارة، ولكننا نأتي بالمهندس…فإذا جاء الطبيب للإصلاح الخلل، فإن أول كلمة تقال له قبل أن يفتح فمه: من أنت؟ وما هي خبرتك بالهندسة..؟؟؟وكذلك في الطالب الذي فشل في الهندسة: فإن أول كلمة تقال له إن كنت تكره الهندسة فلماذا تتكلم فيها….؟؟؟
فعندما نريد أن نعرف هل حصل تحريف في المصحف أم لا.. لا نذهب إلى كلية القديس بطرس أو الفاتيكان أو إلى من يكرهون الإسلام ويكرهون القرآن، وإلا نكون قد فعلنا كمن يأتي بالطالب الفاشل في الهندسة للإصلاح الخلل في العمارة…ولا نأتي كذلك برئيس وزراء أو عميد كلية الطب، وإنما نذهب إلى من لهم خبرة ثلاثين سنة أو أكثر في القراءات وهم كثير والحمد لله رب العالمين…
الإعجاز التأريخي للقرآن الكريم
الإعجاز التأريخي للقرآن الكريم:
" قل لئن اجتمعت الإنس والجن على أن يأتوا بمثل هذا القرآن لا يأتون بمثله ولو كان بعضهم لبعض ظهيرا"
معنى الإعجاز التأريخي هو عجز جميع المؤرخين أن يأتوا بمثل ما في القرآن من تاريخ وقصص، في جميع العصور على اختلاف مللهم وأوطانهم. وذلك من عدة وجوه على سبيل المثال لا على سبيل الحصر:
- تاريخ ما قبل خلق آدم، من خلق السماوات والأرض، وكذلك قبل أن ينفخ الروح في آدم، عندما أمر الله عز وجل للملائكة بالسجود، ثم عصيان إبليس بعد نفخ الروح، وما كان من حوار بين الله عز وجل وبين الشيطان، أو حوار مع الملائكة.
والطبع لا يستطيع مؤرخ أن يحكي هذه القصة، عن طريق شاهد لذلك العصر، لأن ذلك كان قبل أن ينزل آدم عليه السلام على الأرض… فهذا ينفرد به القرآن الكريم… وهذا من أدلة صحة القرآن، إذ إنه لا يستطيع أحد مهما كان أن يتكلم عن ذلك الوقت إلا أن يكون الله عز وجل وحده في كتبه السماوية.
- اختيار القصة وما فيها من اعتبار وعظة:
{نحن نقص عليك أحسن القصص}
لا يستطيع مؤرخ أن ينتقي أهم القصص والتواريخ والأحداث ويختارها مثل اختيار القرآن للقصة وبعض أحداثها دون بعض…. لأن ذلك يتطلب من المؤرخ أن يكون عالما بجميع العصور أ و يكون شاهدا على جميع العصور بجميع تفاصيلاتها…… وهذا ينفرد به القرآن أيضا إذ لا يعلم كل ما يحدث من صغير أو كبير في كل بيت وقصر وحرب وسلم في جميع العصور إلا الله عز وجل. الذي يعلم كل شئ في كل وقت حتى ما في نفس الشخصية التاريخية، وما تسر به للآخرين." وعنده مفاتح الغيب لا يعلمها إلا هو ويعلم ما في البر والبحر وما تسقط من ورقة إلا يعلمها ولا حبة في ظلمات الأرض ولا رطب ولا يابس إلا في كتاب مبين".
- الشهادة على العصر: وهذا ما يفتقده كثير من المؤرخين عند كتابة بحثهم، وهو وجود مؤرخ معاصر للأحداث لا يرويها عن طريق رواية آخر. وإن وجد فلن يكون موجودا أثناء جميع الأحداث بل يشاهد بعضها ويحكي ما يسمع أحيانا من غيره. والمؤرخ الناجح هو الذي يبحث عن مؤرخ معاصر للحادثة التي يرويها… .. ولكن القرآن الكريم ينفرد بهذا أيضا، إذ أن الله عز وجل يعلم ما في جميع العصور بتفاصيلاتها.
- أي مؤرخ يحكي من القصة والحادثة ما هو ظاهر أمامه، ولكن قد لا يظهر أمامه نية الشخصية التاريخية وحديثها النفسي ولماذا فعلت هذا أو لم تفعل هذا… مثال بسيط، أمر السلطان العثماني بالهجوم على بلجراد: فهذه حادثة، ولكن لماذا فعل هذا هل هو لنشر الدين والتوحيد؟ أم لحب الغزو والقتل والنهب؟ الله عز وجل فقط هو الذي يعلم السر وأخفى. فيظل يبحث المؤرخ عن قرائن ليفهم هل فعل هذا من أجل هذا المقصد أم من أجل هذا المقصد.
مثال آخر: ادعى نابليون بونابرت في مصر الإسلام، وكذلك مينو. ولم يصرح نابليون عن سبب ادعائه الإسلام إلا في منفاه في جزيرة سانت هيلانه. وطوال هذه الفترة لم يكن أحد يعلم ما في نفس نابليون هل كان قد أسلم فعلا أم لا؟. ومن لم يقع على تصريحاته وهو في منفاه لا يستطيع أن يعلم لماذا نطق بالشهادتين وتبعه مينو في ذلك.
فالنوايا والمقاصد والأسرار الداخلية للنفس البشرية، لا يعلمها بالجزم إلا الله.
ولا يستطيع أحد من المؤرخين أن يقول"وأسرها يوسف في نفسه فلم يبدها لهم" ولا أن يقول" إن كادت لتبدي به لولا أن ربطنا على قلبها لتكون من المؤمنين". وكذلك الحالة النفسية للشخصية التاريخية:"فأوجس في نفسه خيفة موسى".
أو يقول"وإذ تقول للذي أنعم الله عليه وأنعمت عليه أمسك عليك زوجك واتق الله وتخفي في نفسك ما الله مبديه وتخشى الناس والله أحق أن تخشاه" أو يقول" يخفون في أنفسهم ما لا يبدون لك يقولون لو كان لنا من الأمر شئ ما قتلنا هاهنا"
"يقولون بأفواهم ما ليس في قلوبهم"، والله أعلم بما يكتمون".
وكذلك لا أحد يعلم نوايا المستشرقين في تأييدهم لمحمد علي أو الثورة العربية وغيرها.. فكل هذا لا يستطيع أحد التكلم فيه إلا إذا علم منهج القرآن في التأريخ، والقواعد التي يصنف عليها البشر، والمقاصد التي يتحرك على أساسها البشر.
ولذلك كان السلف من المؤرخين دائما يستشهدون بالقرآن في أحداث التاريخ المختلفة. وقد نص القلقشندي في صبح الأعشى على أهمية حفظ القرآن للكاتب ونقل عن البعض كلاما ما نصه:" النوع السادس: حفظ كتاب الله العزيز، وفيه مقصدان: المقصد الأول: في بيان احتياج الكاتب إلى ذلك في كتابته… قال في "حسن التوسل": ولا بد للكاتب من حفظ كتاب الله تعالى، وإدامة قراءته، وملازمة درسه، وتدبر معانيه، حتى لا يزال مصورا في فكره، دائرا على لسانه، ممثلا في قلبه ليكون ذاكرا له في كلامه وكل ما يرد عليه من الوقائع التي يحتاج إلى الاستشهاد به فيها، ويفتقر إلى قيام قواطع الأدلة عليها{فلله الحجة البالغة} وكفى بذلك معينا له على قصده، ومغنيا له عن غيره. قال تعالى{ما فرطنا في الكتاب من شئ} وقال عز وجل{تبيانا لكل شئ}. قال في "المثل السائر" كان بعضهم يقول: لو ضاع لي عقال لوجدته في القرآن الكريم.قال في" حسن التوسل" وقد أخرج من الكتاب العزيز شواهد لكل ما يدور بين الناس في محاوراتهم، ومخاطباتهم، مع قصور كل لفظ ومعنى عنه، وعجز الإنس والجن عن الإتيان بسورة من مثله. كما حكي أن سائلا سأل بعض العلماء أين تجد في كتاب الله معنى قولهم" الجار قبل الدار". قال في قوله تعالى{ضرب الله مثلا للذين آمنوا امرأت فرعون إذ قالت رب ابن لى عندك بيتا في الجنة} فطلبت الجار قبل الدار، ونظائر ذلك كثيرة" انتهى كلام القلقشندي. صبح الأعشى في صناعة الإنشا ج1ص189-الهيئة المصرية العامة للكتاب تحقيق د.محمد عبد القادر حاتم.
والمقصد أن لله قد ضرب في القرآن من كل مثل يمكن الرجوع إليه للحكم على المسألة التاريخية{ولقد ضربنا للناس في هذا القرآن من كل مثل}.
درة التنزيل وغرة التأويل في بيان الآيات المتشابهات في كتاب الله العزيز، الطبعة رقم 1، الخطيب الإسكافي (غلاف فني)
دار الكتب العلمية سعر السوق: 6$ سعرنا: 4.5$ التوفير: 1.5$ (25%)
تابع الإعجاز التأريخي للقرآن الكريم
ذكر القصة بطرق وأساليب مختلفة، ليس لها نظير في كتب البشر….وذكر القصة الواحدة عدة مرات في سور متعددة وفي كل مرة تظهر معاني لم تكن موجودة في غيرها على حسب أهداف السورة الكريمة. فالسورة التي تريد إظهار عاقبة الظالمين تحكى فيها القصة بطريقة تختلف عن السورة التي يكون لها مقاصد أخرى. وكذلك كل حادثة أو كل قصة تحتاج إلى رؤية من عدة أوجه وكل رؤية تمثل جانب من جوانب القصة أو الحادثة، فرؤية فرعون غير رؤية موسى عليه السلام غير نظرة السحرة غير نظرة بني إسرائيل غير نظرة مؤمن آل فرعون وهكذا. وهذا من أسرار تفسير القرآن وهو موجود في كتب التفسير لمن أراد أن يفهمها، وسوف يرى من العجائب والأسرار ما تغنيه في علم التاريخ… ومن ذلك كتاب: درة التنزيل وغرة التأويل في بيان الآيات المتشابهات في كتاب الله العزيز، للخطيب الإسكافي، وتفسير الزمخشري، وأبو السعود والبيضاوي، أسرار التكرار في القرآن للكرماني. وغيرهما من كتب التفاسير….. ومن الأبحاث الحديثة : بدائع الإضمار القصصي في القرآن الكريم لكاظم الظاهري(دار الصابوني ودار الهداية)، النظم الفني في القرآن لعبد المتعال الصعيدي، القصص القرآني في منطوقه ومفهومه لعبد الكريم الخطيب، التصوير الفني في القرآن لسيد قطب، وهذا مجال ليحتاج إلى كثيرة من الجهود والبحوث حتى يستطاع فهم بعض أسرار القرآن، ولن يستطيع الناس أن يغفروا كل كنوز البحر المحيط مهما فعلوا، ولا أن يصطادوا كل الدرر البهية من البحار والمحيطات. وهكذا كنوز القرآن لا تفنى، ولا تنفد عجائبه، ولا تنتهي أسراره…..
ففي مقدمة كتاب: بدائع الإضمار:" لم يزل القرآن الكريم جديدا وقديما، يطلع علينا كل يوم ببكر من وجوه إعجازه، وما زال أرباب العلوم في كل باب، يجدون فيه من الأدلة ما يقنع أرباب صناعتهم أن هذا الكتاب لا ينبغي له أن يكون من عند بشر…. ثم يسرد فيه المؤلف بدائع الإضمار في فصول قسمها تقسيما أدبيا على حسب المفاهيم الأدبية المعاصرة . وأسماء الفصول: القفز بالحدث عبر الزمان والمكان معا…. وحدة المكان والقفز بالحدث عبر الزمان…. فنون من الحذف لتحقيق الحضور في العرض …الطي في الحوار والحدث، التفصيل والإجمال… التكرار…انتقاء الأحداث في القصة… تناسب القصص القرآني وغايات التنزيل ……أثر إضمار القول والقائل والمقول في مشاهد القرآن ومحاوراته: الوصف الناطق المعبر…. التكثيف والإسقاط والحضور….إحياء مشاهد الغيب وتجسيدها… بناء المشهد القصصي بين مراتب حذف لفظ القول وتكراره… قيمة الحذف وعمل الإضمار في البناء الفني للقصة….
ومن أمثلة القفز عبر الزمان والمكان معا… كما في سورة طه:
اذْهَبْ أَنتَ وَأَخُوكَ بِآيَاتِي وَلَا تَنِيَا فِي ذِكْرِي {42} اذْهَبَا إِلَى فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغَى {43} فَقُولَا لَهُ قَوْلاً لَّيِّناً لَّعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَى {44} قَالَا رَبَّنَا إِنَّنَا نَخَافُ أَن يَفْرُطَ عَلَيْنَا
أَوْ أَن يَطْغَى {45} قَالَ لَا تَخَافَا إِنَّنِي مَعَكُمَا أَسْمَعُ وَأَرَى
{46} فَأْتِيَاهُ فَقُولَا إِنَّا رَسُولَا رَبِّكَ فَأَرْسِلْ مَعَنَا بَنِي إِسْرَائِيلَ
وَلَا تُعَذِّبْهُمْ قَدْ جِئْنَاكَ بِآيَةٍ مِّن رَّبِّكَ وَالسَّلَامُ عَلَى مَنِ اتَّبَعَ
الْهُدَى {47} إِنَّا قَدْ أُوحِيَ إِلَيْنَا أَنَّ الْعَذَابَ عَلَى مَن كَذَّبَ
وَتَوَلَّى {48} قَالَ فَمَن رَّبُّكُمَا يَا مُوسَى {49} قَالَ رَبُّنَا الَّذِي أَعْطَى
كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هَدَى {50} قَالَ فَمَا بَالُ الْقُرُونِ الْأُولَى {51}
قَالَ عِلْمُهَا عِندَ رَبِّي فِي كِتَابٍ لَّا يَضِلُّ رَبِّي وَلَا يَنسَى {52}
الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ مَهْداً وَسَلَكَ لَكُمْ فِيهَا سُبُلاً وَأَنزَلَ
مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجْنَا بِهِ أَزْوَاجاً مِّن نَّبَاتٍ شَتَّى {53} كُلُوا
وَارْعَوْا أَنْعَامَكُمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِّأُوْلِي النُّهَى {54}
فكان الحوار أولا بين رب العزة وموسى عليه السلام في سيناء، ثم انتقل ليكون بين موسى وهارون من جهة ورب العزة من جهة أخرى، ثم انتقل مرة أخرى ليكون بين موسى وهارون وبين فرعون.
فهذه القصة تحوي على ثلاثة مشاهد: بينما أهملت بقية المشاهد التي لا تفيد في غرض القصة وأهداف السورة، وهي رحلة موسى إلى مصر، ولقائه بأخيه بعد غياب طويل، وطلبهم من الحراس لقاء فرعون وانتظارهم مدة طويلة..وهذا الأسلوب في عرض المشاهد هو أحدث أسلوب توصل إليها الروائيون في العصر الحديث، وإن كان القرآن قد سبقهم إليها من أربعة عشرة قرنا….كما قارن المؤلف بين أحدث أساليب وطرق القصة في العصر الحديث وبين أساليب القصة في القرآن.
ومن أمثلة: وحدة المكان والقفز بالحدث عبر الزمان: كما في سورة النمل:
إِنِّي وَجَدتُّ امْرَأَةً تَمْلِكُهُمْ وَأُوتِيَتْ مِن كُلِّ شَيْءٍ وَلَهَا
عَرْشٌ عَظِيمٌ {23} وَجَدتُّهَا وَقَوْمَهَا يَسْجُدُونَ لِلشَّمْسِ مِن
دُونِ اللَّهِ وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ أَعْمَالَهُمْ فَصَدَّهُمْ عَنِ السَّبِيلِ
فَهُمْ لَا يَهْتَدُونَ {24} أَلَّا يَسْجُدُوا لِلَّهِ الَّذِي يُخْرِجُ الْخَبْءَ
فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَيَعْلَمُ مَا تُخْفُونَ وَمَا تُعْلِنُونَ {25} اللَّهُ
لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ {26}
فهنا الحديث بين الهدهد وسليمان عليه السلام، ولكن وجدنا أن الخطاب في تخفون وتعلنون للهدهد ليعترض على ما رآه من قبل، وكأنه يخاطب من سبأ عندما رآهم يسجدوا لغير الله في زمان آخر…..
وفي مقدمة الفصل الثاني: انتقاء الأحداث في القصة، يقول:"وتفضي بنا خصيصة التناسب هذه إلى خصيصة أخرى تبرز بجلاء في القصص القرآني، حيث غلبت على هذه القصص صفة الانتقاء في الأحداث والإضراب عن بعضها جملة وتفصيلا أو بإحالته إلى موضع آخر من السورة أو سور أخرى، والعلة الكبرى الكامنة وراء هذه الخصيصة هي علة التناسب السالفة لأن القرآن الكريم ليس كتاب قصص وتسلية، وليس كتاب تاريخ حتى يأتي بالقصة بحذافيرها كهدف من أهدافه وإنما للقصة وظيفة في الكتاب الكريم نرجو أن تكون قد بينت بجلاء في الصفحات السابقة، وهذه الوظيفة تقتضي أمرين:
أولهما: عدم بتر السياق والاستغراق في القصة بما يزيد عن الحاجة ويفسد الموضوع ويصرف السامع عن الغرض الذي جيء بها من أجله.
وثانيهما: أن يركز من أحداث القصة على ما جيء بها شاهدا عليه ولأجله." "انتهى كلام المؤلف
-
- حفظ الوثيقة التاريخية: من أكبر مشكلات التاريخ والصعاب التي يواجهها المؤرخ، هو الحصول على الوثيقة التاريخية بدون خطأ أو تحريف…. فهو يذهب إلى دار للكتب فإذا وجد الوثيقة سليمة ووجد منها عدة مخطوطات لا بد من مقابلة تلك المخطوطات بعضها ببعض، ولا بد أن يجد اختلافات بين المخطوطة "أ"،و "ب"، و "ج"….. ولكن القرآن الكريم ينفرد بأنه المخطوطة الوحيدة على وجه الأرض التي لم يتغير منها حرف واحد منذ أن نزل من السماء على رسول الله صلى الله عليه وسلم، وحتى عصرنا هذا أي بعد أربعة عشر قرنا. ونحن في ذلك على يقين من هذا لسبب واحد وهو أنه الكتاب الوحيد على وجه الأرض الذي روي بالتواتر… ومعنى التواتر هو رواية جمع عن جمع يحيل العقل اتفاقهم على الكذب أو الخطأ… فهو الكتاب الوحيد الذي يحظى بكثرة حفاظه من العهد النبوي وإلى عصرنا هذا…. وقبل عصر الاستعمار كانت هناك الكتاتيب التي تخرج آلاف من الحفظة كل عام….. ولا زالت هناك معاهد القراءات والمدارس التي تحفظ القرآن في شتى أنحاء العالم….. وعلى الرغم من تطور الطباعة في العصر الحديث، ومن كون القرآن أكثر الكتب طباعة وانتشارا واهتماما وحفظا، إلا إنه لا يزال الحفظ الشفهي موجود في جميع أنحاء العالم، وهو المرجع الأول، ولذلك فإن الحاصل هو مراجعة كل طبعة للمصحف على علماء القراءات المشهورين في جميع أنحاء العالم ثم اعتمادها بالإمضاء من العلماء….
ولو افترضنا الاعتماد على المكتوب فقط من القرآن لكان يمكن أن يحصل كما حصل للكتب المقدسة من قبل من الاختلافات…. وليس هناك كتاب سماوي ولا غير سماوي حفظ في قلوب البشر مثل القرآن الكريم…. منذ أن نزل وحتى عصرنا هذا. وتأمل عدد المساجد التي تقرأ القرآن كاملا في التراويح، ولو أخطأ الإمام في حرف واحد فقال:واو بدلا من الفاء، لرده الكثير ولاعترض عليه الكثير لخطأه. فبمقارنة بسيطة بين الاهتمام بالقرآن قراءة وحفظا وتفسيرا وتعليما وبين جميع الكتب الأخرى، تعرف كيف حفظ الله عز وجل كتابه حتى في عصور انحطاط المسلمين واستضعافهم من جميع الأعداء…..فليس هناك وثيقة تاريخية أثبت من القرآن الكريم بعد مرور أربعة عشر قرنا من الزمان…..
الإعجاز اللغوى للقرآن الكريم
عرض سريع لبعض كتب علوم القرآن: كتاب البرهان في توجيه متشابه القرآن، تأليف تاج القراء محمود بن حمزة بن نصر الكرماني، المتوفى حوالي 505هـ، تحقيق عبد القادر عطا..دار الكتب العلمية ببيروت لبنان….
وفي هذا الكتاب يذكر المؤلف لماذا ذكر الله عز وجل ألفاظ في موضع من إحدى السور، ثم ذكر ألفاظ أخرى في سور أخرى والحكمة من تكرار هذا الذكر والفرق بين هذا وذاك، والحكمة من تكرار بعض الكلمات والجمل والآيات…فتتبع المؤلف جميع متشابهات القرآن والقصص القرآني من سورة الفاتحة إلى سورة الناس… فمثلا في سورة البقرة قال تعالى: وإذ قلنا ادخلوا هذه القرية فكلوا… وفي الأعراف ذكر ألفاظا أخرى… فيقول المؤلف في هذا: {وإذ قلنا ادخلوا هذه القرية فكلوا} بالفاء[في البقرة]، وفي الأعراف بالواو لأن الدخول سريع الانقضاء فيتبعه الأكل… وفي الأعراف {وإذ قيل لهم اسكنوا} المعنى: أقيموا فيها، وذلك ممتد فذكر الواو، أي اجمعوا بين الأكل والسكون، وزاد في البقرة{رغدا} لأنه سبحانه أسنده إلى ذاته بلفظ التعظيم وهو قوله:{وإذ قلنا} خلاف ما في الأعراف، فإن فيه{وإذ قيل}…وقدم {وادخلوا الباب سجدا} على قوله:{وقولوا حطة} في هذه السورة، وأخرها في الأعراف، لأن السابق في هذه السورة{ادخلوا} فبين كيفية الدخول…. وفي هذه السورة(أي البقرة) {وسنزيد{، وفي الأعراف{سنزيد} بغير واو، لأن اتصالها في هذه السورة أشد، لاتفاق اللفظين، واختلفا في الإعراب لأن اللائق{سنزيد} محذوف الواو ليكون استئنافا لكلام…
ومثال آخر: لماذا قال تعالى في البقرة:{إن الذين آمنوا والذين هادوا والنصارى والصابئين}، وفي الحج{والصابئين والنصارى}، وفي المائدة{والصابئون والنصارى}،قال الكرماني رحمه الله:{لأن النصارى مقدمون على الصابئين في الرتبة، لأنهم أهل كتاب، فقدمهم في البقرة، والصابئون مقدمون على النصارى في الزمان، لأنهم كانوا قبلهم، فقدمهم في الحج، وراعي في المائدة بين المعتين، وقدمهم في اللفظ، وأخرهم في التقدير، لأن تقديره والصابئون كذلك…قال الشاعر: فإن يك أمسى بالمدينة رحله فإني وقيار بها لغريب
أراد الشاعر إني لغريب وقيار كذلك…فتأمل فيها وفي أمثالها يظهر لك إعجاز القرآن…انتهى كلام الكرماني…
يقول المحقق في الهامش ص31:وترتيب الطوائف في المائدة جامع للترتيب بالكتب وبالزمان، فتقديم الصابئين فيها على النصارى يدل على ترتيب الزمان. ورفعه بين المنصوبات يدل على نية تأخيرهم، والترتيب بالكتب السماوية. وترتيبهم في البقرة بالكتب، فأخر المجوس لأنهم لا كتاب لهم. وترتيبهم في الحج بالأزمنة، فقدمهم لأنهم قبل النصارى، ولم يقصد الترتيب بالكتب، لأن أكثر المذكورين ممن لا كتب لهم. وأخر الذين أشركوا وإن تقدمت لهم أزمنة لأنهم كانوا أكثر من ابتلي بهم الرسول صلى الله عليه وسلم ويحادهم، فكانوا أهل زمانه أيضا….
ويسير الكتاب بنفس الطريقة في جميع سور وآيات القرآن حتى سورة الناس:
ويقول في سورة الفلق:وكرر {من شر} أربع مرات، لأن شر كل واحد منها غير الآخر….
وقوله تعالى:{أعوذ برب الناس} ثم كرر الناس خمس مرات…قيل: كرر تبجيلا لهم على ما سبق. وقيل: كرر لانفصال كل آية من الأخرى..
فمن تعلم علوم القرآن من أهلها، أيقن بأن من يتكلم في القرآن بغير علم، فهو كالطالب الفاشل في كلية الهندسة الذي أخذ يعترض على نظريات أكبر الأساتذة وكلامهم…