-
سؤال مهم جدا
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته:
اعتقد ان القران وصف اعتقادات النصارى على حقيقتها بمعنى ان الله تعالى ذكر لنا اعتقاداتهم فى صورتها الحقيقية ولو تاملنا كيف ذكر الله تعالى اباطيل النصارى وكيف فندها ورد عليها بالتفصيل لعلمنا ان القران لديه حسن تصور لاقوال النصارى بدقة
والسؤال المهم جدا الذى ابحث عن تفصيل علمي ولغوى هو :لماذ استخدم الله تعالى فى ايات كثيرة وهو يرد على النصارى كلمة (اتخذ) الله ولدا ......بمعنى اخر: لماذا قال الله تعالى (اتخذ) وليس( أخذ )......ما القيمة او المعنى الذى تؤديه هذة الصفة المعنوية(اتخذ)
ارجو الاجابة العلمية مع ذكر المراجع للاهمية وجزاكم الله خيرا
-
قال الإمام محمد متولي الشعراوي (رحمه الله) في تفسيره للآية 68 من سورة يونس
أنك حين تقول: " اتخذ فلان بيتاً " أي: أن فلاناً له ذاتية سابقة على اتخاذه للبيت، وبها اتخذ البيت، فإذا قيل: { ٱتَّخَذَ ٱللَّهُ وَلَداً.. } [يونس: 68].
فهذا اعتراف منهم بكمال الله تعالى وذاتيته قبل أن يتخذ الولد.
وهم قد اختلفوا في أمر هذا الولد، فمنهم من قال: إن الملائكة هن بنات الله وكذَّبهم الحق سبحانه في ذلك، ومنهم من قال: عزير ابن الله وهم اليهود وقد كذَّبهم الله سبحانه في ذلك، وطائفة من المسيحيين قالوا: إن المسيح ابن الله، وكذَّبهم الحق سبحانه في ذلك.
ثم ما الداعي أن يتخذ الله الولد؟
هل استنفد قوته حتى يساعده الولد؟!
وهل يمكن أن يضعف سبحانه - معاذ الله - فيمتد بقوة الولد أو يعتمد عليه؟!
مثلما يقال حين يواجه شيخٌ شابّاً، ويعتدي الشاب على الشيخ، فيقال للشاب: احذر؛ إن لهذا الشيخ ولداً أقوى منك؛ فيرتدع الشاب، أو أن يقول الشيخ للشاب: إن أبنائي يفوقونك في القوة، وفي هذا اعتداد بالأولاد.
ويريد الحق سبحانه أن يغفل كل هذه الدعاوي ولتكون حركة الحياة متماسكة متلازمة، لا متعارضة ولا متناقضة؛ لذلك ينبغي أن يكون المحرِّك إلهاً واحداً تصدر منه كل الأوامر، فلا تعارض في تلك الأوامر؛ لأن الأوامر إن صدرت عن متعدد فحركة الحياة تتصادم بما يبدد الطاقة ويفسد الصالح.
ولذلك لا بد أن يكون الأمر صادراً من آمر واحد يُسْلَّم له كل أمر، وهذا الإله منزَّه عن كل ما تعرفه من الأغيار، فله تنزيه في ذاته؛ فلا ذات تشبه ذاته، ومنزَّه في صفاته؛ فلا صفة تشبه صفته، ومنزَّه في أفعاله؛ فلا فعل يشبه فعله.
وحتى نضمن هذه المسألة لا بد أن يكون الإله واحداً، ولكن بعضاً من القوم جعلوا لله شركاء، ومن لم يجعل له شريكاً، توهَّم أن له ابناً وولداً.
ونقول لهم:
إن كلمتكم: { ٱتَّخَذَ ٱللَّهُ وَلَداً } [يونس: 68] ترد عليكم؛ لأن معنى اتخاذ الولد أن الألوهية وُجِدَتْ أولاً مستقلة، وبهذه الألوهية اتخذ الولد.
ومن المشركين من قال: إن الملائكة بنات الله.
فردَّ عليهم الحق سبحانه:
{ أَلَكُمُ ٱلذَّكَرُ وَلَهُ ٱلأُنْثَىٰ * تِلْكَ إِذاً قِسْمَةٌ ضِيزَىٰ }
[النجم: 21-22].
والكمال كله لله سبحانه فهو كمال ذاتي؛ ولذلك يأتي في وسط الآية ويقول تعالى:
{ سُبْحَانَهُ هُوَ ٱلْغَنِيُّ.. } [يونس: 68].
وسبحانه تعني: التنزيه، وهو الغني أي: المستغني عن مُعِين كما تستعينون أنتم بأبنائكم، وهو دائم الوجود؛ فلا يحتاج إلى ابن مثل البشر، وهم أحداث تبدأ وتنتهي؛ لذلك يحبون أن يكون لهم أبناء كما يقول الشاعر:
ابني يا أنا بعد ما أقَْضَى
ويقال: " من لا ولد له لا ذِكْر له " ، كأن الإنسان لما علم أنه يموت لا محالة أراد أن يستمر في الحياة في ولده.
ولذلك حين يأتي الولد للإنسان يشعر الإنسان بالسرور والسعادة، والجاهل هو من يحزن حين تلد له زوجته بنتاً؛ لأن البنت لن تحمل الاسم لمن بعدها، أما الولد والحفيد فيحملان اسم الجد، فيشعر الجد أنه ضمن الذِّكْر في جيلين.
إذن: فاتخاذ الولد إما استعانة وإما اعتداد، والحق سبحانه غنيٌّ عن الاستعانة، وغني عن الاعتداد؛ لأنك تعتد بمن هو أقوى منك، وليس هناك أقوى من الله تعالى، وهو سبحانه لا يحتاج لامتداد؛ لأنه هو الأول وهو الآخر، وعلى ذلك ففكرة اتخاذ الولد بالنسبة لله تعالى لا تصح على أي لون من ألوانها.
ولذلك يقول الحق سبحانه مرادفاً لتلك الفكرة: { سُبْحَانَهُ } لأنها تقطع كل احتمالات ما سبقها، ويُتْبعِ ذلك بقوله: { هُوَ ٱلْغَنِيُّ } لأنه غني عن اتخذا الولد، وغني عن كل شيء، وقوله: { سُبْحَانَهُ } تنزيه له، والتنزيه: ارتفاع بالمُنَزَّه عن مشاركة شيءٍ له - في الذات أو الأفعال.
انتهى