بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله و الصلاة و السلام على رسول الله أشرف الخلق و أكرم الخلق و أرحم الخلق ، و كيف لا ؟ و هو الذى لا ينطق عن الهوى.
ألا فليعلم كل مسلم أن النبى صلى الله عليه وسلم لا ينطق عن الهوى ، و ليعلم كل مسلم أن الله هو الحق المبين ، فما قاله أو بلغ عنه رسوله هو الحق الذى لا مراء فيه ، و هو الخير الذى لا شر فيه و هو الطيب الذى لا خبيث فيه .
أخى محمود ، تقول " وبعدين إحنا بنقول إن الإنجيل فيه عنف غير مبرر فهل هذا يبرر الحديث لأ (1) المفروض الإسلام أحسن ولا إيه " ، و أقول : يا رحمك الله ، اعلم أن الحسن هو ما جاء به الإسلام ، و ليس كل ما رأيناه حسنًا هو الإسلام . ذلك أن الله هو ذو الأسماء الحسنى و الصفات العلى و ما يتكلم به أو يخبرنا به رسوله صلى الله عليه وسلم عنه لا يكون إلا حسنًا ، و أن ما نراه حسنًا ليس بواجب أن يكون حسنًا و ما نراه فحشًا ليس بواجب أن يكون فاحشًا.
فيارحمك الله ، خذ بنصيحتى ، فإن الله امتدح فى كتابه قومًا قالوا فيما اشبته عليهم من كتاب الله " ءامنا به كل من عند ربنا " و سماهم الراسخون فى العلم ، فقال " و الراسخون فى العلم يقولون ءامنا به كل من عند ربنا " ، فلتكن إذا هذه الآية هى منطلقك و ليكن منتهاك التعليل الشرعى و العقلى، فإن لم تجد ، فليكن منطلقك كمنتهاك " ءامنا به كل من عند ربنا " و لتصبر حتى يرزقك الله علما نافعا و إجابة شافية من أهل العلم الكرام .
كان شيخ الإسلام ابن تيمية يقول لتلميذه ابن القيم فيما أثر عنه، ما معناه " إذا مرت عليك الشبهات ، فليكن قلبك كالزجاجة المصمتة ، تمر عليك فتراها و لا يعلق منها شىء فى قلبك " ا.هـ بتصرف .
---------------- الجواب الكافى ------------------
نأتى لجواب شبهتك إن شاء الله ، فنقول مبتدئين ببسم الله الرحمن الرحيم و به نستعين :
___
شبهتك غير واضحة ، فما فهمته أولا أنه اشتبه عليك قتل من سب النبى صلى الله عليه وسلم ، و أقول لك : ذلك حكم الله ءامنا به كل من عند ربنا . بل أكثر من ذلك ، فإن أهل العلم قالوا أن من سبّ الله يقتل إلا أن يتوب ، و من سبّ النبى صلى الله عليه وسلم يقتل و إن تاب و يبعث على نيته .(2)
و أقول : إن النبى صلى الله عليه وسلم أحب إلينا من أولادنا و آبائنا و أمهاتنا اللاتى ولدتنا ، و معلوم أن حب النبى صلى الله عليه و سلم أكثر من النفس و الولد مأمور به .
و أقول : أننا لا نتعصب لشخص ، بل القتل حكم الله فيمن سب أى واحد من أنبياء الله سواء بسواء.
و أقول : ذلك الحكم أيضًا عندهم فى كتابهم و قد سبق ذكره من قبل أخونا " أنا مسلم " بارك الله فيه. بل إن الحكم عندهم أغلظ ، إذ يدخل فيه من سب الآباء و الأمهات ، كما سبق بيانه.
____
و ما فهمته ثانيا أنه اشتبه عليك قتل الطفل الصغير ، و ما ذنب ذلك الطفل. و أقول لك : إن تماشيت معك فى أن الطفل قد مات و سيأتى تفصيله إن شاء الله ، فإن الرجل ما قام ليقتل طفله ، بل قتل امرأته و لم يقصد قتل الطفل . فإن قلتَ : فكيف يقتلها و هو يعلم أن فى بطنها طفلا منه ؟ قلتُ لك : لعله الغضب غيب عقله و هو كثيرا ما يحدث ، و هو مبحث شرعى مهم فى الطلاق ، هل غاب عقل الرجل بغضب أم لا و هو يطلق امرأته ؟ أو لعله لم يعلم أن فى بطنها طفلا ، فربما كانت فى بدايات الحمل حيث لا تعلم هى و لا هو أن فى بطنها طفلا ، فلما انغرس المغول فى بطنها نزل السقط ، و سمى طفلا تجاوزا باعتبار ما كان ليكون عليه . فإن قلتَ : فكيف لا يوبخه رسول الله صلى الله عليه وسلم على قتله لها و فى بطنها طفلا منه ؟ قلتُ لك : إن الرجل لم يذكر للنبى صلى الله عليه و سلم أنها كانت حبلى منه ، فإن قلت : فلم لم يخبره الوحى؟ قلتُ لك : لأن قتل النفس التى حرم الله قتلها بغير ذنب منصوص عليه لا يحتاج لبيان فى كل موضع ، فضلا عن أن عدم ذكره فى الحديث لا يعنى عدم حدوثه ، فلعل النبى صلى الله عليه وسلم فعل - و هو كذلك إن علم إن شاء الله و مات الطفل حقا إذ أنه هو من بلغ عن ربه حرمة قتل النفس التى حرم الله إلا بالحق - و لكن الذى وصل إلينا هو الغاية من الحديث و هو قتل ساب رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فضلا عن أن يكون الطفل مات حقًا و ذلك لم يحدث و لله الحمد ، فكل ما سبق مبنى على افتراض واهٍ فى الأصل .
مبحث : هل مات الطفل حقا ؟
سؤال بسيط إجابته بالنفى قطعًا ، إذ أن الظاهر فعلا من الحديث أنه لم يمت كما حققه صاحب " عون المعبد شرح سنن أبى داود" ، و ذلك للقرائن الآتية :
الأولى : أن الحديث لم يذكر فيه أن الطفل مات ، مع أن الرجل ذكر كل محاسن المرأة .
الثانية : أن اللفظ لا يوحى أبدا بموت الطفل بل هو يحتمله احتمالا ضعيفًا إذ فيه " فوقع بين رجليها طفل ، و الأصل أن إطلاق لفظة " طفل " يقصد بها طفل حى ، إلا فى وجود قرينة ، و القرينة ممتنعة لأنه قال " فوقع " و هذه لفظة لا تدل على الموت إطلاقا .
الثالثة : إن لم يخنّى الفهم ، فإن ابن عباس قال " كانت له أم ولد " ولد واحد ، و فى نهاية الحديث قال الرجل " ولي منها ابنان مثل اللؤلؤتين " فجلعهما ابنان ، فهذه دلالة صريحة على كون الطفل لم يمت.
إلاأننى وجدت فى عون المعبود أن معنى "كانت له أم ولد " أن المرأة كانت كتابية ، و لم أفهم هل يقصد أن هذا هو المعنى الوحيد للفظ أم أنها دلالة يحتويها فى طياته بالإضافة للمعنى الأصلى أنها أم ابن له. فنرجوا الإفادة من الإخوة الكرام طلبة علم الحديث.
و إنّى لا أفهم أخى لماذا تقول أن الظاهر أن الطفل لم يمت ، فما القرائن التى اجتمعت لديك على ذلك ، خصوصا كما سبق التنبيه عليه أنه ليس فى الحديث أن الطفل مات و لعل عدم ذكر النسائى هذه الزيادة عند أبى داود " فوقع بين رجليها طفلا " دليل على ذلك . راجع سنن النسائى ، و لكنى أتوقع أنك إن قلت لهم ذلك ، قالوا بل عدم ذكر النسائى لهذه الجملة دليل على صحتها يريد أن يوارى الخطأ بها ، كبرت كلمة تخرج من أفواهم ، فليكن جوابك أن سند الحديث واحد عند أبى داود و النسائى غير أن النسائى لم يسمعه من عباد من موسى الختلى مباشرة بل بواسطة عثمان بن عبد الله.
ملحوظة : أنا لم أجد الحديث عند الترمذى ، فلعله سبق قلم منك ، فإن لم يكن فليتك تبين موضعه .
أخى ، نصيحة منى ، إياك أن تدخل حوارا مع أهل الباطل و ليس معك من الحق شىء ، فعليك بالعلم أولا ، اجلس إلى العلماء ، اسمع منهم و اسألهم ، فإنى تعجبت لما قلتَ أنك لمّا وجدت الحديث صدمت ، و كأنك لم تسمع به من قبل ، و هو حديث مشهور معلوم بين العوام قبل الخواص و طلبة العلم .
و أخيرا بالنسبة لك، اعلم أن عزو الحديث لأبى داود لا يدل على صحة الحديث ، ولا حتى سكوته عنه ، فكم من حديث سكت عنه أبو داود و هو ضعيف ، كما قرر ذلك العلامة الألبانى .
أخى فى الله " أنا مسلم " :
لم أفهم قولك " الحديث حسن صحيح رجاله رجال مسلم ولا مجال لغمز السند من خلال عثمان الشحام فقد وثق" أولا : ماالذى قد يجعل المرء يضعف الحديث لأن فيه عثمان الشحام ؟ هل هو متكلم فيه ؟ فإن كان متكلم فيه و هو الظاهر من قولك " ولا مجال لغمز.......فقد وثق" فأفيدونا رحمكم الله و لمَ لم يلتفت للكلام فيه ؟ ثانيا : ما أعلمه و الله تعالى أعلم قول " رجاله رجال مسلم " ليس دليلا على صحة السند ، فإن من رجال الصحيحين من هو ضعيف لكن البخارى و مسلم ينتقون حديثه كابن أخت الإمام مالك على ما أذكر ، و الله تعالى أعلم .
__________________________________________
(1) الخط فوق الكلمة هو فعل سلفنا من علماء الحديث ، و الخط تحتها هو فعل أهل الغرب الكافر . حرر مفاده الشيخ الألبانى ناصر الدين والسنة فى حاشية كتابه الماتع حجاب المرأة المسلمة قبل أن يغير اسمه إلى "جلباب المرأة المسلمة".
(2) راجع الصارم المسلول على شاتم الرسول لشيخ الإسلام.