ولنا تعليق على كلام الدكتور رفعت
مراجعات تنظيم الجهاد
حقا إنه في داخل السجون تمت مراجعات تنظيم الجهاد مع أنفسها وبين قياداتها..
ونجحت المراجعات لأن التعامل معها كان بنفس طويل وبدون إكراه، وترك الحوار داخل قيادات الحركة يأخذ حظه من الوقت والتأمل والحرية، لأن التحول الفكري لا بد أن يكون بقناعة ذاتية وليس قسرا، وإلا كان الأمر خداعا، ولذلك اتجهت قيادات الجماعة إلى إنجاز المراجعات بإصرار وجدية وثقة واطمئنان نفس، من منطلق النقد الذاتي، بغض النظر عن رد فعل الطرف المقابل، وهو السلطة وأجهزتها. صحيح أن الجماعة وضعت في ميزان تقديرها مصالح ومفاسد وحجم الآلام التي أنتجتها التجربة، ولكن كان هذا الأمر في ظلال المحنة والأحداث والتحولات، في الإطار الخارجي وليس في جوهر الفكرة، لأنه يستحيل أن يكون في صلب المراجعات الفكرية، ما لم تكن هناك قناعة فكرية ومنهجية رسخت في ضمير أصحابها، لذلك نجحت مراجعات الجماعة الإسلامية رغم كل الاضطرابات والتوترات والأرض الرخوة التي كانت تقف عليها الأجهزة الأمنية.
واليوم بعد المراجعات التي تمت بين فصائل التيار الجهادي، وهي مراجعات أكثر تعقيدا، لأن التيار الجهادي أكثر تشرذما من الجماعة الإسلامية ، إذ أنه يوجد هناك أكثر من تيار داخل التيار العام، وهناك مجموعات مقبلة على المراجعة بقوة وهناك مجموعات متحفظة وهناك آخرون يرفضون ذلك بشدة وإصرار، وهذا ـ في تقديري ـ أمر طبيعي لأكثر التنظيمات الإسلامية راديكالية.
إن خطاب النفي والعنف أصيل وعميق في فكر التيار الجهادي فالفكرة أساسا قامت على ذلك من حيث الأصل والجوهر، بخلاف الجماعة الإسلامية التي دخلت عليها فكرة العمل المسلح والمواجهة بفعل أحداث طارئة، لذلك يحتاج التعامل مع التيار الجهادي إلى مزيد من الصبر وطول النفس، ويحتاج إلى الحكمة أيضا.
إن الاستعجال في مثل هذه المراجعات التي تتصل بالضمير الديني والمناهج الفكرية يأتي بنتيجة عكسية، ويعطي انطباعا أن هذه المراجعات ما هي إلا انكسارات سياسية لا تعبر عن تحول فكري حقيقي، أو أنها مجرد استجابة لإغراءات أمنية أو غيرها، لذلك أزعجني جدا اتخاذ الجهاز الأمني إجراءات عقابية ضد مجموعات رفضت المراجعات أو تحفظت عليها ونكلت بهم وبأسرهم عندما نقلتهم إلى سجون بعيدة "لمرمطة" أهلهم وإيذائهم نفسيا، هذا سلوك غير حصيف ولا يخدم مشروع المراجعة.
إن فكرة عزل المجموعات التحريضية مفهوم وربما يخدم مسار المراجعة على أساس أن يكون التفاعل الفكري بين أطراف متقاربة في رؤيتها للمسألة، ولكن هذا لا يكون بقمع الآخرين، وإنما بتهيئة الظروف النفسية والعلمية والدينية التي تعين على المزيد من التأمل والتفكير، وأنا على يقين من أن التيار الجهادي التقليدي في مصر الآن قريب جدا من المراجعات ومن العودة إلى العمل السلمي والبعيد عن العنف، وأن العوائق كلها تقريبا ذات طابع نفسي أكثر منها فكري وعقيدي، ولذلك كلما كانت طرق التعامل معه أكثر انفتاحا وتسامحا وصبرا كلما اختصرنا الطريق إلى إنهاء هذا الملف المظلم.
كما أن مثل هؤلاء القيادات الجهادية التقليدية عندما تعود إلى المجتمع وساحة الدعوة، ستكون مانعات صواعق، تحتوي نزق أجيال جديدة هشة الفكر والمعرفة، وربما كانت أكثر شراسة في توجهاتها العنيفة بفعل مؤثرات دولية وإقليمية عديدة تدفع بهذا الاتجاه الأكثر فوضوية، وتحول دون اختراقها للعمل الإسلامي من جديد.
آمل أن تتوقف فكرة الدفع للمراجعات عن طريق الضغوط والسياسة العقابية، لأن هذا فوق أنه سلوك غير مقبول من الناحية الأخلاقية والإنسانية، فإنه يضر بصحة المراجعات وقيمتها وثمارها.
وليس معنى المراجعات أن يتصور (عبود الزمر) نفسه رئيساً للجمهورية وذلك من خلال برنامج سياسي مكون من خمسين نقطة ، ورصيده من الحياة السياسية صفر، فلعله قد تصور نفسه (نيلسون مانديلا) والذي خرج من السجن رئيساً لجنوب أفريقيا..
الأمر مختلف تماما بينهما وذلك من ناحية فلسفة النضال والجهاد..من جهة..ومن ناحية ميدان الجهاد وأدواته من جهة أخرى..
لقد دخل عبود الزمر السجن متطرفاً في أفكاره ..وخرج منه أكثر تطرفاً في معتقداته..
قراءة في فكر
جماعة الجهاد المصرية
1 ـ تعرف الجماعة بعدة مسميات: الجهاد الإسلامي، والجهاد الإسلامي المصري، والجهاد، وجماعة الجهاد، والجماعة الإسلامية. وهي جماعة دينية مسلحة متشددة تسعى لإنشاء حكم إسلامي في مصر بالقوة. ويتلخص الهدف الأساسي للجماعة في الإطاحة بالحكومة المصرية وإقامة دولة إسلامية تحكم بالشريعة الإسلامية.
أفرزت معاهدة السلام المصرية الإسرائيلية عام 1979 شعوراً بغضب قومي وإسلامي، ومع لهفة الرئيس المصري محمد أنور السادات الشديدة لتعزيز زخم سياسته السلمية، أصبح أكثر قربا من الولايات المتحدة الأميركية والإسرائيلية مما اعتبره الإسلاميون فشلا داخليا وخيانة خارجية.
وكان اغتيال السادات في أكتوبر1981على يد أعضاء من جماعة الجهاد ردا على هذا التوجه، وبرزت هذه الجماعة إلى الوجود في السبعينيات ـ كظاهرة أكثر منها كجماعة منظمة ـ في السجون، وبعد ذلك في الجامعات المصرية.
وبعد إطلاق الرئيس أنور السادات سراح معظم السجناء الإسلاميين بعد عام 1971 بدأت عدة مجموعات أو خلايا من المسلحين تنظم نفسها وعرفت بأسماء متعددة مثل حزب التحرير الإسلامي، وجماعة التكفير والهجرة، شباب محمد، الناجون من النار، جماعة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، والجهاد، والجماعة الإسلامية، والجماعة السلفية، فضلاً عن جماعة الإخوان المسلمين.
وكانت كل خلية تعمل منفصلة ومستقلة، وتعتبر نفسها أنها هي الجماعة الناجية وباقي الفرق هلكى؟..
2ـ وبعدتعرض الرئيس المصري محمد أنور السادات لمحاولة الاغتيال الفاشلة عام 1974م على يد " جماعة إسلامية " بمصر وذلك بمقر الكلية الفنية العسكرية، طلب مني شباب الجامعة آنذاك أن أعد لهم رسالة موضحاً فيها حكم الشرع في هذه المحاولة..
وأعددت الرسالة وقلت يومها أنهم ( بغاة..لا دعاة )..ورد علىّ المستشار على جريشة ـ رحمه الله ـ برسالة وكان عنيفاً في رده بعنوان (بل دعاة ..لا بغاة)..وكان رده مشحوناً بعاطفة شديدة، حيث صدّر كتابه بخطبة للمرحوم ـ كارم الأناضولي ـ والتي ارتجلها أمام المحكمة العسكرية ونفى فيها علاقته بحادثة الفنية العسكرية، الأمر الذي أخرج كتابه بعيداً عن الموضوعية والتحليل العلمي.
وكان الاختلاف بيننا في المنهجين، إذ أنني لم أكن أعتمد في دراستي على جماعة الفنية العسكرية بعينها بقدر ما اعتمدت على فقه الحدث وليس الحادث بذاته.. في حين أنه كان يعتمد ـ رحمه الله ـ على الحادث نفسه ، وبعيداً عن فقه الحدث..وآثرت الصمت يومها ولم أرد عليه..
وفي السادس من أكتوبر/ تشرين الأول عام 1981م نجحت جماعة الجهاد الإسلامي وهي غير جماعة الفنية العسكرية في محاولتها لاغتيال الرئيس المصري محمد أنور السادات..وذلك في حادثة المنصة الشهيرة..
•ففي أعقاب حرب رمضان 1393هـ أكتوبر 1973م اتخذ العمل الإسلامي داخل الجامعات المصرية بُعداً أوسع حيث أنه تم انحراف في فكر الجماعة " جماعة الدراسات الإسلامية " لاسيما بعد خروج جماعة الإخوان المسلمين من المعتقلات وتم تغيير اسم الجماعة إلى " الجماعة الإسلامية " واتخذوا لأنفسهم شعاراً أصفراً عبارة عن سيفين متقاطعين وبينهما كلمة وأعدوا..
الأفكار والمعتقدات:
تبلورت معظم أفكار الجماعة الإسلامية في صورة كتب ورسائل داخل سجن ليمان طره ومن أهمها كتاب:
• ميثاق العمل الإسلامي: وهو دستور الجماعة ويمكن تلخيص ما ورد فيه من الأفكار فيما يلي:
ـ غايتنا: رضا الله تعالى بتجريد الإخلاص له سبحانه وتحقيق المتابعة لنبيه صلى الله عليه وسلم.
ـ عقيدتنا: عقيدة السلف الصالح جملةً وتفصيلاً.
ـ فهمنا: نفهم الإسلام بشموله كما فهمه علماء الأمة الثقات المتبعون لسنته صلى الله عليه وسلم وسنة الخلفاء الراشدين المهديين رضي الله عنهم.
ـ هدفنا:
1 ـ تعبيد الناس لربهم.
2 ـ إقامة خلافة على نهج النبوة.
ـ طريقنا: الدعوة والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والجهاد في سبيل الله خلال جماعة
منضبطة حركتها بالشرع الحنيف تأبى المداهنة أو الركون وتستوعب ما سبقها من تجارب.
ـ زادنا: تقوى وعلم، يقين وتوكل، شكر وصبر، زهد في الدنيا وإيثار للآخرة.
ـ ولاؤنا: لله ورسوله وللمؤمنين.
ـ عداؤنا: للظالمين، على أن الكفر منه أكبر وأصغر وكذا الظلم منه أكبر وأصغر فيوالي من عنده ظلم أصغر على قدر ما عنده من خير، ويعادي على قدر ما عنده من ظلم.
ـ اجتماعنا: لغاية واحدة، بعقيدة واحدة، تحت راية فكرية واحدة.
• الفريضة الغائبة، حكم قتال الطائفة الممتنعة عن شرائع الإسلام حيث يعتقدون:
ـ أن الجهاد هو القتال أي المواجهة والدم، أما اقتصار الجهاد على الوسائل السلمية مثل الكتابة والخطابة والإعداد بتربية الأمة العلمية والفكرية أو بمزاحمة السياسيين في أحزابهم وأساليبهم السياسية، بل إن الاهتمام بالهجرة يعد من الجبن والتخاذل ولن ينتصر المسلمون إلا بقوة السلاح وعلى المسلمين أن ينخرطوا في الجهاد مهما قل عددهم.
ـ الطوائف المنتسبة للإسلام الممتنعة عن التزام بعض شرائعه تقاتل حتى تلتزم ما تركته من الشرائع وكذلك قتال من عاونهم من رجال الشرطة ونحوهم وإن خرجوا مجبرين يقتلوا ويبعثوا على نياتهم.
ـ يرون أن القتال ليس فقط لمن داهمنا في ديارنا واستولى على جزء من أرض الإسلام ولكنه أيضاً لمن يقف بالسيف والسلطان في وجه دعوتنا رافضاً التخلية بيننا وبين الناس ندعوهم لدين الله ونحكمهم بشرع الله؛ لأن الاستعمار هو العدو البعيد والحكام الكفرة هم العدو القريب فهم أولى من قتال العدو البعيد.
ـ قتال أي طائفة على وجه الأرض تحكم الناس بغير شرع الله كافرة كانت أو منتسبة للإسلام.
وعلى ذلك يرون حتمية المواجهة كما في رسالتهم حتمية المواجهة للأسباب الآتية:
ـ خلع الحاكم الكافر المبدِّل لشرع الله.
ـ قتال الطائفة الممتنعة عن شرائع الإسلام.
ـ إقامة الخلافة وتنصيب خليفة للمسلمين.
ـ تحرير البلاد واستنقاذ الأسرى ونشر الدين.
• يحكمون على الديار المصرية وما شابهها بأنها ليست بدار السلم التي تجري عليها أحكام الإسلام لكون أهلها مسلمين، ولا بمنزلة دار الحرب التي أهلها كفار، بل هي قسم ثالث يعامل المسلم فيها بما يستحق، ويقاتل الخارج عن شريعة الإسلام بما يستحق وعلى ذلك لا يكفرون الأمة إنما يكفرون الحكام الذين يبدلون ويعطلون شرائع الإسلام، وعليه لا يحرِّمون تولي الوظائف الحكومية مثل جماعة التكفير.
• يوجبون الدعوة إلى الله والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر حتى لآحاد الرعية بمراحله الثلاث، ولكن يؤخذ عليهم في ذلك عدم مراعاة الضوابط الشرعية للأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وميلهم للاستعجال والقاعدة: "من تعجل الأمر قبل أوانه عوقب بحرمانه".
• تعارض الجماعة مشاركة الاتجاه الإسلامي في الحكومات العلمانية المعادية للإسلام إذ أن هذه المشاركة تترك مفاسد كثيرة وتوقع الجماهير العريضة في الحيرة والتضليل والشك، إذ أنها تدلل على شرعية الحكومة التي تصدر وتطبق القوانين الوضعية.
الجذور الفكرية:
• تُعد الجماعة الإسلامية القرآن الكريم والسنة النبوية هما مصدرا أفكارها، لذا فإنها تكثر من الاستشهاد بآيات الجهاد والأحاديث التي تحث على الجهاد.
• وكذلك تلجأ الجماعة إلى فتاوى العلماء وأبرزهم شيخ الإسلام ابن تيمية (661 ـ 728ھ) الذي ملئت كتاباتهم بأقواله وفتاواه.
• وكذلك تلجأ الجماعة الإسلامية إلى الوقائع التاريخية وأقوال العلماء أمثال ابن القيم والقاضي عياض وابن كثير والنووي وسيد قطب لتدلل على أفكارها ومبادئها.
• ويؤخذ على الجماعة انشغالها بقضية الخروج على الحكام؛ دون تفريق بين مسلمهم وكافرهم، ودون إعداد العدة لمن كفر منهم؛ مما تسبب في قتل الأبرياء من المسلمين، والتضييق على الدعوة الإسلامية، وتبعثر الجهود الخيّرة. وقد تنبه قادة الجماعة أخيرًا إلى سوء عاقبة مسلكهم الأول، فلعلهم ـ بعد هذا ـ يُعنوا بالعلم الشرعي، وبنشر العقيدة الصحيحة بين العامة، وتبصيرهم بالبدع والشركيات والمخالفات؛ لتستحق الأمة بعدها النصر والتمكين؛ كما هي سنة الله .
أماكن الانتشار:
• تتركز القوة الرئيسة للجماعة الإسلامية في الصعيد المصري وخاصة في محافظة أسيوط، ولها أنصار في كل المدن والجامعات المصرية. كما انتشر كثير من أتباعها في الدول الأخرى نتيجة لمطاردتهم من قبل الحكومة المصرية.
«« توقيع زهدي جمال الدين »»
المفضلات