بارك الله فيك أخي المجاهد في الله وجزاكم الله عنا خير الجزاء
فتح الرحمن في رسم القرآن
إن تلك الجهود العظيمة التي تقام ومازالت من أجل خدمة القرآن الكريم لتثير الدهشة والإعجاب لكثرتها وتواليها على تعاقب القرون , وتثير ـ أيضاً ـ الإجلال والإعزاز لأولئك الأئمة الذين أدوا إلينا بأمانة دقائق هذا الموضوع وتفصيلاته وحاولوا جاهدين أن يعطوا التفسير الصحيح ـ على تفاوت بينهم في ذلك ـ لظواهر الرسم العثماني , فكان لعلماء الرسم والقراءات أولاً ولعلماء العربية ثانياً مواقف وأقوال في هذا الصدد , سواء فيما يتعلق بالتزام الرسم في كتابة المصاحف أم بدراسة الظواهر نفسها ومحاولة إعطاء التفسير المحتمل لها ..
فقد كتب الصحابة رضوان الله عليهم المصاحف بما كان متعارفاً عليه في زمنهم من قواعد الهجاء وأصول الرسم وكان أكثر الصحابة ومن وافقهم من التابعين وتابعيهم يوافقون الرسم العثماني في كل ما يكتبون ، ولو لم يكن قرآناً ولا حديثاً واستمر الأمر على ذلك عهداً طويلاً فكانوا يرسمون الألف واواً في الصلوة والزكوة والحيوة كما يقول ابن قتيبة (أدب الكاتب ص253).
ويبدو أن محاولات جرت منذ وقت مبكر لإدخال بعض صور الكلمات المستعملة عند الكتابة في المصحف فيروي الداني أن إمام المدينة مالكاً (ت179ﻫ) رحمه الله ، سئل فقيل له: " أرأيت متى استكتب مصحفاً اليوم أترى أن يكتب على ما أحدث الناس من الهجاء اليوم, فقال : لا أرى ذلك , ولكن يكتب على الكتبة الأولى " ـ المقنع للداني ص (9-10).
والرأي الذي تطمئن إليه النفس هو رأي الجمهور الذين ذهبوا إلى أن خط المصاحف توقيف ، ولا تجوز مخالفته ، ويترجح هذا الرأي بإجماع الصحابة ومن بعدهم على كتابة المصاحف على هذه الهيئة المعلومة ، وعلى رفض ما سواها فلا يُعتبَر بعد إجماع أهل القرون الأولى خلاف من خالف بعد ذلك ، ولا يجوز خرق إجماعهم ؛ لأن الإجماع لا يُنْسَخُ ، ويؤيد ذلك أن الرسم الإملائي اصطلاح والاصطلاح قد يتغير مع تغير الزمان ، كما أن قواعد الإملاء تختلف فيها وجهات النظر ، فيؤدي ذلك إلى التحريف والتبديل في كلام الله عز وجل ، فلو أن أهل كل زمانٍ اصطلحوا في كتابة المصاحف على اصطلاح يناسب ما يألفونه من قواعد الإملاء، ثم أتى جيلٌ بعدهم فاصطلح على اصطلاح آخر يناسب ما استجدَّ من القواعد، وانقطعت صلة الأجيال المتتابعة بالمصاحف التي كتبها الصحابة لو حدث ذلك لوصلنا خلال عقود قليلة إلى نصٍّ مشوَّهٍ من القرآن وحينئذ لن يستطيع الناس تَمييز القراءة الصحيحة من غيرها،ويؤدي ذلك إلى تحريف كتاب الله ، ويحصل الشكُّ في جميعه ، فهذا الرسم العثماني هـو أقوى ضمان لصيانـة القرآن من التغيير والتبديل.
لذلك قيد الله للأمة الإسلامية من يحافظ على كتابه الكريم من عبث العابثين فوجدنا من كتب القرآن الكريم بالرسم العثماني إليكترونياً ووضع له برنامجا خاصاً بحيث يتبع في الرسم مصحف المدينة المنورة وهو ما اعتمدت عليه في دراستي هذه
«« توقيع زهدي جمال الدين »»
المفضلات