علاج الاخلاق في الاسلا لم ولن تكون الا من- القرآن الكريم :
قال شيخ الإسلام رحمه اللَّه : ( والقرآن شفاء لما في الصدور ومن في قلبه أمراض الشبهات والشهوات ففيه من البينات ما يزيل الحق من الباطل، فيزيل أمراض الشبهة المفسدة للعلم والتصور والإدراك بحيث يرى الأشياء على ما هي عليه ، وفيه من الحكمة والموعظة الحسنة بالترغيب والترهيب والقصص التي فيها عبرة ما يوجب صلاح القلب، فيرغبُ القلب فيما ينفعه ويرغب عما يضره ، فيبقى القلب محباً للرشاد ، مبغضاً للغي ، بعد أن كان مريداً للغي ، مبغضاً للرشاد ، فالقرآن مزيل للأمراض الموجبة للإرادات الفاسدة، حتى يصلح القلب فتصلح إرادته ، ويعود إلى فطرته التي فُطر عليها ، كما يعود البدن إلى الحال الطبيعي ، ويغتذي القلب من الإيمان والقرآن بما يزكيه ويؤيده كما يغتذي البدن بما يُنَمّيه ويقومه ، فإن زكاة القلب مثل نماء البدن)( مجموع الفتاوى (10/95-96)).
وقال ابن القيم رحمه اللَّه لما ذكر حديث أبي هريرة السابق : (وهذا يعم أدواء القلب والروح والبدن وأدويتها ، وقد جعل النَّبِيّ ( الجهل داء، وجعل دواءه سؤال العلماء .. وقد أخبر سبحانه عن القرآن أنه شفاء فقال تعالى : ( وَلَوْ جَعَلْنَاهُ قُرْءَانًا أَعْجَمِيًّا لَقَالُوا لَوْلا فُصِّلَتْ ءَايَاتُهُ ءَأَعْجَمِيٌّ وَعَرَبِيٌّ قُلْ هُوَ لِلَّذِينَ ءَامَنُوا هُدًى وَشِفَاءٌ) (فصلت ، الآية 44)، وقال تعالى : ( وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْءَانِ مَا هُوَ شِفَاءٌ وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ((الإسراء ، الآية 82) و " من " هنا لبيان الجنس لا للتبعيض، فإن القرآن كله شفاء كما قال في الآية المتقدمة ، فهو شفاء للقلوب من داء الجهل والشك والريب ، فلم ينزل اللَّه سبحانه من السماء شفاء قط أعم ولا أنفع ولا أعظم ولا أنجع في إزالة الداء من القرآن ...
ولكن ههنا أمر ينبغي التفطن له ، وهو أن الأذكار والآيات والأدعية التي يستشفى بها ويرقى بها ، هي في نفسها ، وإن كانت نافعة شافية ، ولكن تستدعي قبول المحل وقوة همة الفاعل وتأثيره ، فمتى تخلف الشفاء كان لضعف تأثير الفاعل أو لعدم قبول المنفعل أو لمانع قوي فيه ، يمنع أن ينجع فيه الدواء ، كما يكون ذلك في الأدوية والأدواء الحسية، فإن عدم تأثيرها قد يكون لعدم قبول الطبيعة لذلك الدواء وقد يكون لمانع قوي يمنع من اقتضائه أثره ، فإن الطبيعة إذا أخذت الدواء بقبول تام كان انتفاع البدن به بحسب ذلك القبول. فكذلك القلب إذا أخذ الرقى والتعاويذ بقبول تام، وكان للراقي نفس فعالة وهمة مؤثرة في إزالة الداء( انظر : الجواب الكافي ص21-23 ....) .
وقال في موضع آخر : ( وقد تقدم أن جماع أمراض القلب هي أمراض الشبهات والشهوات. والقرآن شفاء للنوعين . ففيه من البينات والبراهين القطعية ما يبين الحق من الباطل ، فتزول أمراض الشُّبه المفسدة للعلم والتصور والإدراك، بحيث يرى الأشياء على ما هي عليه، وليس تحت أديم السماء كتاب متضمن للبراهين والآيات على المطالب العالية : من التوحيد، وإثبات الصفات، وإثبات المعاد والنبوّات ، ورد النِّحَل الباطلة والآراء الفاسدة، مثل القرآن. فإنه كفيل بذلك كله، متضمن له على أتمّ الوجوه وأحسنها ، وأقربها إلى العقول وأفصحها بياناً. فهو الشفاء على الحقيقة من أدواء الشبه والشكوك ؛ ولكن ذلك موقوف على فهمه ومعرفة المراد منه. فمن رزقه اللَّه تعالى ذلك أبصر الحق والباطل عياناً بقلبه ، كما يرى الليل والنهار ، وعلم أن ما عداه من كتب الناس وآرائهم ومعقولاتهم : بين علوم لا ثقة بها ، وإنما هي آراء وتقليد، وبين ظنون كاذبة لا تغني عن الحق شيئاً، وبين أمور صحيحة لا منفعة للقلب فيها ؛ وبين علوم صحيحة قد وعّروا الطريق إلى تحصيلها ، وأطالوا الكلام في إثباتها ، مع قلة نفعها .
لى أن قال : وأما شفاؤه لمرض الشهوات فذلك بما فيه من الحكمة والموعظة الحسنة بالترغيب والترهيب ، والتزهيد في الدنيا، والترغيب في الآخرة، والأمثال والقصص التي فيها أنواع العبر والاستبصار ، فيرغب القلب السليم إذا أبصر ذلك فيما ينفعه في معاشه ومعاده، ويرغب عما يضره، فيصير القلب محباً للرشد، مبغضاً للغي. فالقرآن مزيل للأمراض الموجهة للإرادات الفاسدة، فيصلح القلب، فتصلح إرادته، ويعود إلى فطرته التي فطر عليها، فتصلح أفعاله الاختيارية الكسبية، كما يعود البدن بصحته وصلاحه إلى الحال الطبيعي، فيصير بحيث لا يقبل إلاَّ الحق ، كما أن الطفل لا يقبل إلاَّ اللبن ، فيتغذى القلب من الإيمان والقرآن بما يزكيه ويقويه ويؤيده ويفرحه ، ويسره وينشطه...)( إغاثة اللهفان (1/44-46) وقد ذكر ابن القيم رحمه اللَّه في عدة مواضع أهمية قراءة القرآن وإنه شفاء لما في الصدور . انظر : إغاثة اللهفان (1/15، 22، 70، 92) .)
ابراهيم مرعي-الداعية الاسلامي
المفضلات