إنجيل يهوذا أحدث الأناجيل اكتشافاً ... زلزال.. يضربالعقيدة النصرانية.
يكشف عن خلل كبير فيصلب العقيدة النصرانية ولذلك تعاديه الكنيسة وترفض الاعتراف به مثل إنجيل برنابا
تم اكتشافه عام 1970م في مصر مكتوبا بالقبطية.. وترجمه رودولف كَسير إلى الإنجليزية في مايو الماضي
الإنجيل.. كلمة الله التي أوحاها لعيسى عليه السلام لم يدوَّن أو يقنن إلا بعد وفاة عيسى عليه السلام بـ325 عاما على أقلالتقديرات
زلزال كبير يضرب اساس العقيدة النصرانية احدثتها الترجمة الانجليزية التي ظهرت حديثا لما يسمى بانجيل يهوذا الاسخريوطي، الذي تم اكتشافه مكتوبا باللغة القبطية على 13 بردية مصرية عام 1970م في صعيد مصر وقام العالم الأمريكي «رودولف كسير» بترجمته من القبطية إلى الإنجليزية، وقام بنشرها في مجلة «ناشيونال جيوجرافيك» الامريكية الشهرية في عدد مايو الماضي.
وهو ما احدث ضجة كبرى بما فيه «أي الانجيل» من معالم جديدة تضرب اساس العقيدة النصرانية من حيث صلب المسيح- وتكذب ما جاء في الاناجيل المعتمدة في العالم عن الصلب وعن يهوذاالاسخريوطي وغيرها.
واهمية الموضوع بالنسبة الينا نحن المسلمين.. تكمن في انه يقدم دليلا جديدا من خلال نصوص هذا الانجيل الجديد على تناقض الاناجيل، وعلى أن بعضها يكذب بعضا.. رغم انها جميعا مليئة بالاساطير وتروج لعقيدة فاسدة هي الصلب كأساس للعقيدة المسيحية ولربوبية المسيح وبنوته لله، وهذا شرك بالله.
وهذاالموضوع يقدم صورة للتناقضات والاختلافات، التي تتسع بمرور الزمن بين الاناجيل،محدثة اهتزازات داخل الكنيسة.. الامر الذي يجعل المسلم يحمد الله على نعمة الاسلام وعقيدة التوحيد.
فما كادت الضجة التي احدثها فيلم ورواية «شيفرة دافنشي» بمافيهما من نقاط مثيرة تتعلق بتاريخ المسيحية تنتهي، حتى طلعت علينا مجلة «ناشيونالجيوجرافيك» الامريكية في عدد مايو 2م بحدث جديد لا يقل اثارة للقلق المسيحي عن الرواية والفيلم المذكورين، ألا وهو الانتهاء من ترجمة احدث اناجيل النصارى اكتشافا «إنجيل يهوذا» الذي وجد في مغارة في الصحراء المصرية مكتوبا بالقبطية على أوراق بردي، بلغ عددها 13 ورقة، و«رودولف كسير» الذي قام بترجمة الانجيل عن القبطية هوواحد من خمسة علماء باقين يقرؤون هذه اللغة.
وعلى عكس القرآن الكريم الذي دون وروجع في حياة سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، فإن الانجيل كلمة الله التي أوحاهالعيسى عليه السلام، لم يدون أو يقنن إلا بعد وفاة نبي الله عيسى عليه السلام بـ325عاما على أقل التقديرات، فقبل ان ينعقد المجلس المسكوني الاعلى الاول كان الانجيل عبارة عن مدونات من اوراق البردي، كتبت كل مدونة منها على يد أحد حواريي المسيح أوغيرهم من اتباعه، وظل الانجيل يدون بروايات متعددة ومختلفة بلغت قرابة الستين رواية! وكان «أحد أهم مهام المجلس المسكوني أن يقرر: أي من هذه الاناجيل سيكون فيمابعد هو الكتاب المقدس للديانة الجديدة، ولذلك اعطيت اوامر بالتخلص من الاناجيل التي لا توافق سياسة الامبراطور الروماني الوثني «قسطنطين» والذي بقي تعرض للتعديل».
اما الاناجيل التي لم يقننها المجلس فقد اعتبرت هرطقة أو كذبا يجب التخلص منه، وعلى إثر ذلك، سارع ملاك الاناجيل غير المعتمدة باخفائها، إما خشية على انفسهم من ملاحقة الكنيسة لهم بتهمة الهرطقة، أو خشية على الاناجيل التي في حوزتهم.
ورغم مرور عشرات القرون على اخفاء تلك الاناجيل فان عمليات البحث والتنقيب في الاراضي المقدسة مازالت تكشف كل فترة واخرى عن واحد منها لتثير ضجيجا وتعيدالتساؤلات للاذهان.
قسطنطين والإنجيل
الدور الذي لعبه قسطنطين الامبراطور الروماني الوثني،في تشكيل المسيحية بصيغتها التي نعرفها اليوم وكذلك دوره ودور رجال الدين في اعتماداناجيل محددة دور كبير ولاشك، وإن كان مرجعه رغبة الامبراطور في الابقاء على هيمنتها المطلقة على امبراطوريته، رغبة قسطنطين هذه ادت الى «إحكام الطوق على النشاط الفكري والعلمي.. والحكم بالالحاد على افكار العلماء المارقين عن الفكر الكنسي بكل تفاصيله، وإبقائه رهينا لموروثات كنيسة مبهمة لا تعتمد على دليل أو برهان»، بل على رؤى ومنامات، إذ بحسب الموسوعات الغربية فإن اهتمام قسطنطين بالمسيحية كان إثر رؤيارأى فيها الصليب يعانق الشمس إله الوثنيين، وسمع فيها صوت المسيح يقول له: «إنالصليب سيكون سببا لنصرك».
وبناء على هذه الرؤيا المزعومة أخذ قسطنطين على عاتقه مهمة تنصير روما الوثنية وإرساء دعائم مسيحية تحافظ على سطوة الامبراطور،وتبقى له على ولاء شعبه، فكان ان نقل قسطنطين شعبه الى النصرانية، معتمدا رؤياه الوثنية المسيحية منهجا، فحافظ لشعبه على رموزه الوثنية ولكنه دمج معها الكثير من رموز المسيحية.
وتبرر موسوعة «إنسيكلوبيديا إنترناشيونال» هذا الهجين الديني الذي صنعه قسطنطين ولا تجد فيه غضاضة، لانها ترى ان مقتضى حال شعب روما فرض ذلك.
ومن المفارقات الطريفة جدا ان قسطنطين ظل على الوثنية حتى مماته، إذ تقول موسوعة «إنسيكلوبيديا إنترناشيونال» إن قسطنطين عمَّد قبل وفاته بفترة قصيرة، أماموسوعة «فنك وواجنال» فتشير الى ان قسطنطين تم تعميده وهو على فراش الموت.
ولعل تشكيك الموسوعتين في حقيقة تحول قسطنطين الى المسيحية وهو الراعي الاول للمسيحية المقننة، يقدح- بلا شك- في صورة المسيحية التي وضعها مجلس قسطنطين المسكوني، ويثير علامات استفهام شتى حول الطريقة التي تم بها اعتماد اناجيل دون غيرها.
هذه الطبيعة الوثنية بالغة البعد الزمني والفكري عن عهد ومنهج المسيح- عليه السلام- تبقي الباب مفتوحا امام من يريد ان يناقش بعلمية كل انجيل جديد مكتشف، فحتى لو كان القانون قد حدد والاناجيل قررت، فإن كيفية الاعتماد والتوثيق تلك تبقى دون اسس واضحة وتبقى مثيرة للشك، ويزيدها ريبة أن تحول قسطنطين عن الوثنية هو امر مشكوك فيه اصلا، وتدور حوله روايات متضاربة، ولهذا فعند اكتشاف انجيل أو مخطوط مسيحي جديد لا يتم رفضه مطلقا، بل يتم وضعه تحت البحث والتقصي الجدي من قبل كثير من الاوساط النصرانية العلمية.
ولو كان الانجيل المعتمد اليوم هوالانجيل الفصل لحدث اجماع كنسي على رفض كل انجيل جديد، ولكان منهج الكنيسة في الرد منهجا علميا موثقا بعيدا عن الفلسفة.
اناجيل جديدة
في بدايات القرن الثامن عشر اعلن في دولة بروسيا «ألمانيا سابقا» عن اكتشاف انجيل برنابا، ومع ان روايات هذا الانجيل تشابه الروايات الموجودة في الاناجيل الاربعة المعتمدة وعلى الرغم من اعتراف الكنيسة بان برنابا هواحد تلامذة المسيح المخلَّصين، فإن نصوص انجيل برنابا الصريحة التي تؤكد بشرية المسيح عليه السلام، وتبشر بقدوم محمد صلى الله عليه وسلم جعلت الكنيسة تعاديه وتتهمه بالنوسطية والهرطقة، بل وذهب الافراط بالكنيسة الى حد الزعم بانه انجيل مزور كتبهالمسلمون ونسبوه لبرنابا كي يفرضوا نظرة العقيدة الاسلامية والقرآن على النصرانية.
وبعد اكتشاف انجيل برنابا وفي عام 1945م اكتشفت «وثائق نجع حمادي» التي كانت عبارة عن 52 نصا مقدسا مكتوبا على 13 ورقة بردي، وكما هو الحال مع انجيل برنابا،فإن «وثائق نجع حمادي» قوبلت برفض الكنيسة ايضا واتهمتها بالنوسطية، اما آخرالاناجيل اكتشافا، فهو «إنجيل يهوذا الاسخريوطي» الذي كشف الستار عنه بعد ترجمته للانجليزية منذ شهور قليلة فقط، كسابقه من الاناجيل المكتشفة، واتهم ايضابالنوسطية.
النوسطية ورجال الدين
تعرف موسوعة CARM النوسطية «مأخوذة من الكلمة اليونانية Gnosticism» التي تعني المعرفة، بانها حركة علمية تؤمن بان نجاة وخلاص الانسان يكون عن طريق وصوله لمعرفة خاصة واتصال مباشر بالله، وليس عبر الايمان بان الخلاص كان وسيبقى مرتبطا بفكرة المسيح المصلوب.
ومع ان الفلسفة النوسطية تنطوي على الكثيرمن المعتقدات الخاطئة إلا ان ما يثير الكنيسة ضد النوسطية حسب CARM هو «انها تنفي حلول الله في ولده»، اي انها تنفي ان يتجسد الله في شخص المسيح عليه السلام،فبالنسبة للنوسطيين فان المسيح عليه السلام هو «أساسا معلم وكاشف لحقائق وحكم، وليس مخلصا يُصلب ليكفِّر عن خطايا العالم».
هذا، ولا يمكن تحديد تاريخ ظهورالنوسطية تماما، فبحسب الموسوعة الكاثوليكية فان النوسطية حركة ظهرت قبل ظهورالمسيحية وكانت متأثرة بالفلسفة الافلاطونية، وبحسب مكتبة الجمعية النوسطية فالنوسطية المسيحية ظهرت على يد فالانتينوس في القرن الاول بعد الميلاد، وظلت تقوى كحركة علمية، إلى ان أحكم رجال الدين المسيحيون قبضتهم عليها بعد انعقاد المجلس المسوني الاول في روما في عام 325م، الذي حدد شكل المسيحية كما جرى ذكره،النوسطيون الرافضون لسيطرة الكنيسة ولفكرة الخلاص عن طريق الإله الرب، نشروا خفيةأناجيل غير التي اعتمدتها الكنيسة، كإنجيل بيتر وفيليب وتوماس وغيرها، وحين بدأت الكنيسة تطاردهم أخذت حركتهم الدينية الفلسفية بالتلاشي، وصار كل ما يصدر عن المسيحية ولا يوافق أهواء الكنيسة ينعت بالنوسطية.
إنجيل يهوذا وتناقضات المسيحية
جدير بالذكر هنااننا حين نتناول أياً من الأناجيل بالطرح، سواء انجيل برنابا أو انجيل يهوذا فإن هذا لا يعني اننا نعتقد بأن كلمة الله التي أنزلها على عيسى عليه السلام صارت بين أيدينا اليوم! فكتاب الله المنزل لا يروى على ألسنة البشر، وإن كانوا تلامذة المسيح عليه السلام فلا يكتب الانجيل أو يرويه لا يوحنا ولا لوقا ولا مرقص ولا متى ولا حتى برنابا، ومع أن في الأناجيل ما يمكن ان يتوافق مع النظرة الإسلامية للتاريخ وللإيمان، إلا أن فيها أيضا ما يقدح في مصداقيتها قدحا، ينزه عنه الكتب السماويةأجمع، فـ «إنجيل برنابا» مثلا وان اشار صراحة إلى قدوم نبي آخر الزمان محمد صلى الله عليه وسلم، فهو يؤكد قصة صلب المسيح، أما انجيل يهوذا فيحوي من الروايات -كغيره من الأناجيل- ما يمكن ان يرقى لمرتبة الأساطير فيما يتعلق بالخلق، فالقارئ سيذهل وهو يقرأ في الانجيل صور خالق هذا الكون، فهو بداية «ملاك يخلق نفسه، ثم يخلق أربعة من الملائكة، وتارة ملاك يخلق ملكين أحدهما نيبرو الذي يخلق العلم السفلي،وساكلاس الذي يخلق ملائكة لتخلق بشرا بهيئته وصورته، حاشا لله، وتعالى عن ذلك التشبيه علوا عظيما.
ومن اللافت للنظر ان مشكلة الكنيسة مع انجيل يهوذا لا تكمن في كونه مليئا بمثل هذه الأساطير الرومانية الوثنية، لأن مثل هذه الاساطير تملأالأناجيل المعتمدة اصلا، ولكنها تكمن في ان هذا الانجيل يعرض قصة جديدة عن يهوذاوعن الصلب تتعارض الى حد ما مع ما يعرض في الاناجيل المعتمدة أصلا، فعلى عكس تلك الاناجيل التي يصور فيها يهوذا على أنه الحواري الخائن الذي تآمر مع اليهود ودلهم على عيسى عليه السلام ليصلبوه، فإنه في الانجيل الجديد حواري متعطش للمعرفة كثيرالسؤال طلبا للعلم، ومقرب من المسيح.
يتبع إن شاء الله
المفضلات