انظروا الفرق- كيف عظم هؤلاء الله


آخـــر الـــمـــشـــاركــــات

انظروا الفرق- كيف عظم هؤلاء الله

النتائج 1 إلى 2 من 2

الموضوع: انظروا الفرق- كيف عظم هؤلاء الله

  1. #1
    تاريخ التسجيل
    Aug 2004
    آخر نشاط
    03-09-2004
    على الساعة
    10:38 PM
    المشاركات
    119

    افتراضي

    انظر كيف عظَّموا الله

    بقلم : ناصر بن مسفر الزهراني

    كان ـ صلى الله عليه وسلم ـ يزرع في نفوس أصحابه الثقة بالله، والأنس به، والتسليم له، ولما عظموا الله جل وعلا وآمنوا به، ووثقوا بنصره، تربعوا على عرش الدنيا، وأذعنت لهم الإنسانية، وهزوا كيان البشرية.

    يقول علي بن أبي طالب ـ رضي الله عنه: « لقد سبق إلى جنان عدنٍ أقوام ما كانوا بأكثر الناس صلاة ولا صياماً ولا حجاً ولا اعتماراً، لكنهم عقلوا عن الله مواعظه، فوجلت منه قلوبهم، واطمأنت إليه نفوسهم، وخشعت له جوارحهم، ففاقوا الناس بطيب المنزلة، وعلوِّ الدرجة عند الناس في الدنيا وعند الله في الآخرة ». أ هـ.

    أبو بكر الصديق ـ رضي الله عنه:
    لقد كان أبو بكر الصديق ـ رضي الله عنه ـ رجلاً أسيفاً بكّاءً كثير الوجل والخوف من الله جل وعلا، ولم يسبق الأمة بكثير صلاة أو صيام، وإنما سبقهم بشيءٍ وقر في قلبه، وهو إيمان عميق، وتصديق وثيق.

    لما حضرته الوفاة قالوا له: ألا ندعو لك طبيباً، قال: « إن الطبيب قد رآني فقال: إني فعال لما أُريد ».

    عمر بن الخطاب ـ رضي الله عنه:
    كان في وجه عمر بن الخطاب خطان أسودان من كثرة البكاء، وكان يسمع بكاؤه من آخر الصفوف، وسمع قارئاً يقرأ قوله تعالى: ﴿ إِنَّ عَذَابَ رَبِّكَ لَوَاقِعٌ ﴾ … [الطور:7] فسقط مغشياً عليه، وبقي أياماً مريضاً يزوره الناس، وكان إذا أظلم عليه الليل يضرب قدميه بالدرة، ويقول لنفسه ماذا عملت اليوم يا عمر؟ وكان ينعس وهو قاعد، فقيل له: ألا تنام يا أمير المؤمنين؟ قال: « إذا نمت الليل ضيعت حظي مع الله، وإذا نمت النهار ضيعت رعيتي »

    وحين حضرته الوفاة يقول لابنه: « ضع خدي على التراب عل الله يرى حالي فيرحمني ».

    بكى عمر الفاروق خوفاً وخشية وقد كان في الأرض الإمام المثاليا
    وقال بصوت الحزن يا ليت أنني نجـوت كفافـاً لا عليَّ ولا ليـا

    ولقد لقي راعياً في يوم من الأيام، فقال له: بعنا شاة من غنمك، فقال الراعي: الغنم لسيدي وليست لي، قال له عمر: قل له أكلها الذئب، فقال الراعي: فأين الله؟ فأخذ عمر يبكي، ويقول إي والله أين الله؟ إي والله أين الله؟.

    عثمان بن عفان ـ رضي الله عنه:
    أما عثمان بن عفان ـ رضي الله عنه وأرضاه ـ فأمره عجيب، لقد كان من إجلاله لله، وحيائه من الله، لا يغتسل واقفاً، وإنما يغتسل جالساً حياء من الله، ولا غرو فهو الرجل الذي تستحي منه الملائكة.

    علي بن أبي طالب ـ رضي الله عنه:
    أما علي بن أبي طالب ـ رضي الله عنه ـ فقد كان صواماً قواماً، فارساً بالنهار، راهباً بالليل. صلى صلاة الفجر في يوم من الأيام فجلس حزيناً مطرقاً، فلما طلعت الشمس قبض على لحيته، وبدأ يبكي ويبكي، ثم قال: « لقد رأيت أصحاب النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ فما رأيت شيئاً يشبههم، كانوا يصبحون شعثاً غبراً صفراً بين أعينهم كأمثال ركب الماعزمن كثرة السجود قد باتوا لله سجداً وقياماً يراوحون بين جباههم وأقدامهم، فإذا طلع الفجر ذكروا الله فمادوا كما يميد الشجر في يوم الريح، وهطلت أعينهم بالدموع، والله لكأنّ القوم باتوا غافلين ».

    أُبيُّ بن كعب ـ رضي الله عنه:
    أما أُبيُّ بن كعب ـ رضي الله عنه وأرضاه ـ فقد قال له النبي ـ صلى الله عليه وسلم: ( إن الله أمرني أن أقرأ عليك القرآن )، فلما سمع أُبي بالخبر قال في لهفة وشوق وإجلال وإعظام: « أوسمَّاني لك ؟ » قال: (نعم) فانهار أُبيٌّ ـ رضي الله عنه ـ بالبكاء.

    طفح السرور علي حتى إنه من عِظم ما قد سرّني أبكاني

    أُبي لم يتحمل الموقف، ولم يصمد للنبأ؛ لأنه أيقن ماذا يعني تسميته الله له باسمه، وماذا يعني تردد اسمه في الملأ الأعلى، حيث الواحد الأحد، حيث العظمة والكبرياء، حيث سدرة المنتهى، حيث العرش والكرسي.


    بلال بن رباح ـ رضي الله عنه:
    أما بلال ـ رضي الله عنه وأرضاه ـ الذي امتلأ قلبه بنور الله، وعُمر فؤاده بجلال الله وعظمة الله، فقد هان لديه كل عظيم، عَذُبَ عنده كل تعذيب، يوضع في رمضاء مكة الحارقة، وتوضع الصخور الكبيرة على صدره وهو يهتف بكلمة المحبة: أحدٌ أحد .. أحدٌ أحد.

    خباب بن الأرت ـ رضي الله عنه:
    عن الشعبي قال: دخل خباب بن الأرت على عمر بن الخطاب فأجلسه على متكئه، وقال: ما على الأرض أحدٌ أحقُّ بهذا المجلس من هذا إلا رجل واحد، قال له خباب من هو يا أمير المؤمنين؟ قال: بلال. فقال له خباب: يا أمير المؤمنين، ما هو بأحق مني. إن بلالاً كان له من المشركين ما يمنعه الله به، ولم يكن لي أحد يمنعني، فلقد رأيتني يوماً أخذوني، وأوقدوا لي ناراً ثم سلقوني فيها، ثم وضع رَجُلٌ رجله على صدري فما اتقيت الأرض إلا بظهري ثم كشف عن ظهره فإذا هو قد برص.

    لقد كان خباباً ـ رضي الله عنه ـ صانعاً للسيوف، فلما علم المشركون بإسلامه حولوا جميع الحديد الذي كان بمنزله إلى قيود وسلاسل، كل يحمى عليها في النار حتى تستعر وتتوهج ثم يطوّق بها جسده ويداه وقدماه، ولكن ذلك كله لم يثنه عن دين الله، وما ازداد به إلا صبراً وثباتاً وقوة ويقيناً.

    خالد بن لوليد ـ رضي الله عنه:
    إليك هذه الكلمات الموجزة التي نشير بها إشارة عابرة إلى ما كان عليه الصحابة من إيمان عميق، ويقين وثيق، ومن أراد المزيد فما عليه إلا بمراجعة سيرهم وأخبارهم وقصصهم وأعاجيبهم وحروبهم وجهادهم، ليرى أحداثاً عظيمة، وتاريخاً مذهلاً لأمةٍ زرعت في قلوبها مهابة الله وجلاله.

    أما الكلمات فهي لخالد بن الوليد ـ رضي الله عنه وأرضاه ـ قالها حين كان يجاهد في سبيل الله، وكانت أعداد العدو هائلة، وجيوشه مذهلة، وقوّته ضاربة، فسئل عن قتاله لأمثال هؤلاء مع قلة جيشه، وضآلة عدده وعتاده، فقال: « أرى والله أنا إن كنا إنما نقاتل بالكثرة والقوة فهم أكثر منا وأقوى علينا، وإن كنا إنما نقاتلهم بالله، ولله، فما أرى أن جماعتهم ولو كانوا أهل الأرض جميعاً تغني عنهم شيئاً ».أرأيت هذا الموقف الخالد، فلله در خالد.
    ولقد كان له من المواقف ما يبهج القلب، ويسر الخاطر، ويمتع الفؤاد.

    عبد الله بن حرام ـ رضي الله عنه:
    انظر إلى قصة عبد الله بن عمرو بن حرام، أبي جابر ـ رضي الله عنهما ـ حينما أراد أن يتقرب إلى ربه ـ جل وعلا ـ ولم يجد شيئا يثبت به حبه وإجلاله إلا نفسه ، فأقبل في حب وتعظيم، وخشية وإجلال، وخرج للقاء المشركين في غزوة أحد، فقتل شهيداً في سبيل الله ـ جل وعلا ـ فقال ـ صلى الله عليه وسلم ـ لولده جابر يوماً: ( يا جابر، ما كلم الله أحد قط إلا من وراء حجاب، وقد كلم الله أباك كفاحاً ـ أي مواجهة ـ فقال له: يا عبدي سلني أعطيك، فقال: يا رب أسألك أن تردّني إلى الدنيا لأُقتل في سبيلك ثانية، قال الله له: إني قد سبق القول مني أنهم إليها لا يرجعون، قال: يا رب فأبلغ من ورائي بما أعطيتنا من نعمة، فأنزل الله تعالى: ﴿ وَلاَ تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُواْ فِي سَبِيلِ اللّهِ أَمْوَاتاً بَلْ أَحْيَاء عِندَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ ﴾ ... [آل عمران:169].

    أبو الدحداح ـ رضي الله عنه:
    أما أبو الدحداح ـ رضي الله عنه وأرضاه ـ فإنه من شدة إجلاله لربه ومحبته له بذل أغلى ما يملك من أمواله استجابة لمولاه وطمعاً في نيل رضاه.

    فقد كان له بستان في المدينة اسمه [بيرحاء] وهو أفضل بساتينها، وفيه ستمائة نخلة، وقد سمع قول الله تعالى: ﴿ مَّن ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللّهَ قَرْضاً حَسَناً فَيُضَاعِفَهُ لَهُ أَضْعَافاً كَثِيرَةً ﴾ ... [البقرة:245]، فقال: يا رسول الله، وإن الله عز وجل ليريد منا القرض؟! قال: نعم يا أبا الدحداح، قال: أعطني يدك يا رسول الله، فناوله يده قال: فإني قد أقرضت ربي عز وجل حائطي، ثم ذهب إلى زوجته أم الدحداح، فناداها: يا أم الدحداح، قالت لبيك، قال اخرجي فقد أقرضته ربي عز وجل.

    يتبع....

    «« توقيع نسيبة بنت كعب »»

  2. #2
    تاريخ التسجيل
    Aug 2004
    آخر نشاط
    03-09-2004
    على الساعة
    10:38 PM
    المشاركات
    119

    افتراضي

    انظر كيف عظَّموا الله ( 2 )


    ناصر بن مسفر الزهراني

    خبيب بن عدي ـ رضي الله عنه:
    كان خبيب آية في الفداء، أعجوبة في التقوى، مثالاً في النسك، معجزة في الحب، لقد كان في سجنه موثقاً في الحديد، وكان يُرى وهو يأكل العنب في وقت لم يكن موسماً للعنب ﴿ هُوَ مِنْ عِندِ اللّهِ إنَّ اللّهَ يَرْزُقُ مَن يَشَاءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ ﴾ ... [ آل عمران:37].

    قرّر المشركون أن يصلبوه ويقتلوه، فطلب منهم أن يأذنوا له بصلاة ركعتين، فتركوه فصلاهما، لقد كانت أمنية خبيب أن يمرغ وجهه للحبيب وأن يستدر عطف العظيم ورحمتة ، ليقبله في عباده الصالحين، فلما سلّم قال: والله لولا أن تحسبوا أن بي جزعا من الموت لازددت صلاة، ثم شهر ذراعيه نحو السماء قائلاً: اللهم أحصهم عدداً، واقتلهم بدداً، ولا تُبق منهم أحداً، ثم راح يتلو أنشودة الحب، ومقطوعة الوداع، في يقين راسخ، وإيمان يتحدى الجبال الشامخة:


    لقد أجمع الأحزاب حولي، وألّبـوا قبائلهـم واستـجمعوا كـل مجْمـعِ
    وكـلُّهم مبـدي العــداوة جاهـد عليّ لأنـي فـي وثــاق بمضْيـعِ
    وقـد قرّبـوا أبنـاءهـم ونساءهم وقُرّبتُ من جذعٍ طويـــل مُمنّـع
    إلى الله أشكو غربتي بـعد كُربتـي وما أرصد الأحزاب لي عند مصرعي
    فذا العرش صبّرني على ما يراد بي فقد بضّعو لحمي وقـد ياس مطمعـي
    وقد خيّروني الكـفر والموتُ دونه فقد ذرفت عيناي من غيـر مجـزع
    وما بي حِذارُ الموت إِنـي لميِّـتٌ وإن إلى ربي إيابــي ومـرجعـي
    ولستُ أبالي حيـن أُقتـل مسلمـاً على أي شقٍّ كان فـي الله مضجعـي
    وذلك فـي ذات الإلـه وإن يشـأ يُبارك على أوصـال شـلْوٍ مُـمزّع
    فلسـت بمبـدٍ لـلعـدو تخشُّعـاً ولا جزعاً، إني إلـى الله مرجعـي



    فقال له أبو سفيان: أيسرُّك أن محمداً عندنا تُضربُ عنقُه وإنك في أهلك، فقال: لا والله، ما يسرُّني أني في أهلي، وأن محمداً في مكانه الذي هو فيه تصيبه شوكةٌ تؤذيه!!.

    حبيب بن زيد ـ رضي الله عنه:
    ولهذا الصحابي الجليل قصة أشبه بالخيال، وحادثة أعجب من العجب يقف الفكر أمامها مشدوهاً، والعقل حائراً، والفؤاد خاشعاً، رائعة من روائع الحب، وقصة من أبدع قصص التضحية، تُتوَّج بها القصص، ويفخر بها الزمان، ويتيه بها التاريخ.

    فلقد أرسله رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ برسالة إلى مسيلمة الكذاب فسجنه مسيلمة وعذبه، ثم جمع قومه في يوم مشهود، وجيء بمبعوث رسول الله ـ صلى الله فقال له مسيلمة: أتشهد أن محمد رسول الله؟ قال حبيب: نعم أشهد أن محمداً رسول الله، فغضب مسيلمة ثم قال له: أتشهد أني رسول الله فأجابه حبيب في سخرية لاذعة: إني لا أسمع شيئاً، فهاج مسيلمة هياجاً شديداً واشتد غضبه وعلا صوته، ثم أمر جلاده أن يبدأ قِصَّةً في العذاب تُسْطِّر أسوأ مظاهر الوحشية، وتبين أفظع ألوان القسوة والهمجية، فبدأ الجلاد ينخس جسم حبيب بسن سيفه، ثم راح يقطع جسده وهو حي قطعة قطعة، ، وعضواً عضواً، والبطل العظيم لا يزيد علي همهمة يرددها [لا إله إلا الله محمد رسول الله] بقي عليها حتى لفظ أنفاسه الطاهرة.

    لقد باع حبيب روحه للحبيب، فاستلذ طعم العذاب في ذاته، وأسلم الأمر للعظيم فجعل نار العذاب عليه برداً وسلاماً، أي جلالٍ هذا، وأي عظمة تلك، وأي حب وأي فداء وأي صبر وأي إيمان. لقد ضُرب بين حبيب وأعداء ربه بسور باطنه فيه الرحمة وظاهره من قبله العذاب، لقد كان بإمكان حبيب أن يجد مخرجاً، أو يلتمس عذراً، أو يستجيب ظاهراً، ولو فعل ذلك لما أثم: ﴿ إِلاَّ مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالإِيمَانِ ﴾ ... [النحل: 106]، ولكنه وجدها فرصة ليعقد أعظم وأجمل وأربح صفقة في الحياة مع أجل وأحب مشترٍ: ﴿ إِنَّ اللّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُم بِأَنَّ لَهُمُ الجَنَّةَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللّهِ فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ وَعْداً عَلَيْهِ حَقّاً فِي التَّوْرَاةِ وَالإِنجِيلِ وَالْقُرْآنِ وَمَنْ أَوْفَى بِعَهْدِهِ مِنَ اللّهِ فَاسْتَبْشِرُواْ بِبَيْعِكُمُ الَّذِي بَايَعْتُم بِهِ وَذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ ﴾ ... [التوبة: 111].

    الحسن البصري ـ رضي الله عنه:
    ومن أشد الناس ذكراً لله ومعرفةً به وإجلالاً له: الحسن البصري ـ رحمه الله ـ الذي أثر عنه من كلمات الثناء، وعبارات الدعاء، ما ينبئ عن قلب حي ، وذهن متوقد، ونفس مؤمنة، كان إذا جلس في مجلسه قال: " اللهم لك الحمدُ بما بسطت رزقنا، وأظهرت أمننا، وأحسنت معافاتنا، من كل ما سألناك من صالح أعطيتنا، فلك الحمدُ بالإسلام، ولك الحمد بالأهل والمال، ولك الحمدُ باليقين والمعافاة.

    اللهم لك الحمدُ بالإسلام، ولك الحمد بالقرآن، ولك الحمد بالأهل والمال، بسطت رزقنا وأظهرت أمننا، وأحسنت معافاتنا، ومن كل ما سألناك من صالح أعطيتنا، فلك الحمد ُ كثيراً كما تُنعم كثيراً، وأعطيت خيراً كثيراً، وصرفت شراً كبيراً، فلوجهك الجليل الباقي الدائم؛ الحمد لله رب العالمين.

    عروة بن الزبير ـ رضي الله عنه:
    أما العالم الرباني، والإمام الروحاني: عروة بن الزبير ـ رضي الله عنه وأرضاه ـ فقد كان في أحد أسفاره، ثم ابتلي بداء الآكلة في رجله، فأجمع الأطباء على أنه لا بد من قطعها، فقالوا له: نسقيك مرقد ومخدر لئلاً تحس بالوجع، فقال: لا والله، ولكني إذا كنت في الصلاة فإنني مع الله ولا أدري عن شيئ. فلما قام إلى صلاته قطعوها فلم يتحرك، فلما نظر إلي رجله وهي في أيدي الأطباء تناولها بيده، ثم قال: الحمد لله، أما والذي حملني عليك إنه ليعلم أني ما مشيت بك إلى حرام قط.

    وفي اليوم نفسه رفست الدابة أحبَّ أبنائه إلى قلبه فمات، فقال: الحمد لله على كل حال، لقد لقينا في سفرنا هذا نصباً، ثم أتجه إلى السماء في خشوع وخضوع وتذلل وافتقار، ورفع يديه قائلاً: اللهم كان لي أطرف أربعة فأخذت واحداً وأبقيت لي ثلاثة، وكان لي بنون سبعة، فأخذت واحداً وأبقيت ستة، فلك الحمد على ما أعطيت، ولك الشكر على ما أبقيت.

    الإمام ابن أبي ذئب:

    أما الإمام ابن أبي ذئب ـ رحمه الله ـ وهو علم من الأعلام، وشيخ من شيوخ الإسلام، ولهذا العالم الجليل نبأ عظيم، وقصة ماتعة، وحادثة ذائعة، تجلّي تعظيمه لله، وإجلاله لله، فعليه رحمة الله:

    لما حج المهدي دخل مسجد رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ وكان ابن ذئب جالساً في المسجد يسبح الله، ويعظم الله، ويذكر الله، فلما دخل المهدي لم يبق أحد من الجالسين في المسجد إلا وقف، أما ابن أبي ذئب فلم يقم من مكانه، فقال له أحد الحاضرين منكراً عليه: قم فإن هذا أمير المؤمنين، فقال الإمام: إنما يقوم الناس لرب العالمين، لقد تذكر الإمام عظمة الله ـ جل وعلا ـ وجلال الموقف بين يديه يوم تعنو الوجوه له، ويقوم الناس له، فمنعه ذلك من القيام لغيره ـ جل وعلا ـ وهذه النية الصادقة جعلت المهدي ـ رحمه الله ـ يهتز ويرتعد ويتأثر بهذه الموعظة الجليلة، واللفتة المؤثرة، فقال المهدي للرجل: دعه دعه، فلقد قامت كل شعرة في رأسي.

    سفيان الثوري ـ رحمه الله:
    أما سفيان الثوري ـ رحمه الله ـ فقد طاف وصلى خلف المقام ركعتين، ثم رفع رأسه فنظر إلى السماء فوقع مغشياً عليه خوفاً وخشية وإجلالاً ومهابة لله، وقد كان شديد التفكر في عظمة الله وقدرته، وكان من شدة تفكره وخوفه يبول الدم في أحيان كثيرة.

    الفضيل بن عياض ـ رحمه الله:
    أما الفضيل بن عياض فوقف يوم عرفة يدعو ويبكي حتى غربت الشمس، ثم نظر إلى السماء وأخذ بلحيته وقال: واسوأتاه مِنْكَ وإن غَفَرْتَ.

    يقول إبراهيم بن الأشعث: ما رأيت أحداً كان خوف الله في صدره أعظم من الفضيل، كان إذا ذَكَر الله أو ذُكِر عنده أو سمع القرآن ظهر به خوف، وحزنٌ شديد، وفاضت عيناه، وبكى حتى يرحمه من يحضره ويشفق عليه وكنا إذا خرجنا معه في جنازة لا يزال يعظ ويذكر ويبكي بكاءً شديداً وكأنه ذاهب إلى الآخرة، وكان يقول: رهبة العبد من الله على قدر علمه بالله، وزهادته في الدنيا على قدر رغبته في الآخرة.

    محارب بن دثار ـ رحمه الله:
    وهذا مُحارب بن دثار كان قاضٍ من قضاة الكوفة، يقول أحد جيرانه: كنا إذا أظلم الليل، ونامت العيون نسمع محارب بن دثار وهو يدعو ويرجو ويهتف ويبكي في ظلمة الليل، وكان مما يقول: " يا رب أنا الصغير الذي ربيته فلك الحمد، أنا الضعيف الذي قويته فلك الحمد، أنا الفقير الذي أغنيته فلك الحمد، أنا الغريب الذي وصيته فلك الحمد، أنا الصعلوك الذي مولته فلك الحمد، أنا العزب الذي زوجته فلك الحمد، أنا الساغب الذي أشبعته فلك الحمد، أنا العاري الذي كسوته فلك الحمد، أن المسافر الذي صاحبته فلك الحمد، أنا الغائب الذي ردّيته فلك الحمد، أنا السائل الذي أعطيته فلك الحمد، أنا الداعي الذي أجبته فلك الحمد، فلك الحمدُ ربنا حمداً كثيراً على حمدٍ لك ".

    لقد كان السلف ـ رحمهم الله فرساناً بالنهار، رهباناً بالليل، قدموا لله أرواحهم، وبذلوا في سبيله أنفسهم، وصفت له سرائرهم، وأشرقت بحبه قلوبهم، ودمعت في خشيته أعينهم، عملوا بالكتاب، واتبعوا الرسول، واجتهدوا في الطاعة ومع ذلك أطار الخوف قلوبهم، واسهر الإشفاق أعينهم، وأقضّت النار مضاجعهم، ثم انظر في أحوال كثير من الناس اليوم، قلة في الطاعة، وتقصير في العبادة، ومخالفة للسنة، ومقارفة للمعاصي، ومنادمة للخطايا، ثم لا عينٌ تدمع، ولا قلب يخشع، ولا خوفٌ يردع، ولا تذكّرٌ لهول المطلع!.

    إبراهيم التيمي ـ رحمه الله:
    يقول إبراهيم التيمي: " مَثّلْتُ نفسي في الجنة آكل من ثمارها، وأشرب من أنهارها، وأعانق أبكارها، ثم مثّلت نفسي في النار، آكل من زقومها، واشرب من صديدها، وأعالج سلاسلها وأغلالها، ثم قلت لنفسي: يا نفس أيَّ شيء تريدين؟ قالت: أريد أن أُرَدّ إلى الدنيا فأعمل صالحاً قال: فأنت في الأمنية فاعملي ".


    تتجافى جنوبهم عن وطيْء المضاجعِ
    كُلهم بين خـائفٍ مستجيرٍ وطـامعِ
    تركوا لذة الـكرى للعيون الهواجعِ
    ورعوا أنجم الدجى طالعاً بعد طالعِ
    واستهلت عيونهم فائضات المدامعِ
    ودعوا يا مليكنا يا جميل الصنـائعِ
    اعف عنا ذنوبنـا للعيـون الدوامعِ
    اعف عنا ذنوبنا للـوجوه الخواشعِ
    أنت إن لم يكن لنا شافع خير شافعِ



    الإمام محمد بن النضر ـ رحمه الله:
    وهذا الإمام محمد بن النضر الحنفي النيسابوري، الذي كان شيخ وقته، وإمام علماء عصره، جاءه رجل، فقال له: إن لي جيراناً من أهل الأهواء، لا يشهدون الجمعة، فقال له الإمام: ما تقول في من يردُّ على أبي بكر وعمر؟، قال الرجل: رجل سوء، قال الإمام: فإن ردّ على النبي ـ صلى الله عليه وسلم ؟، قال الرجل: يكفر، قال الإمام: فإن رد العليِّ الأعلى؟، ثم غشي عليه ـ أي أنه لم يستطع أن يتحمل هول الموقف، وفداحة الخطب، حينما تصور أحداً يرد على الله ـ ثم أفاق بعد ذلك فقال: ردوا عليه، والذي لا إله إلا هو لقد قال الله: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نُودِي لِلصَّلَاةِ مِن يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ ﴾ ... [الجمعة:9].

    العلامة الشيخ عبد العزيز بن باز ـ رحمه الله:
    وممن عرفناه بالولاية العظيمة والتقوى العاطرة، والخشوع لله، والخضوع لجلاله، والمداومة على ذكره، واستحضار هيبته، وكثرة البكاء من خشيته، هو الإمام العلامة الشيخ عبد العزيز بن باز ـ رحمه الله ـ فلم ترى عيني ولم تسمع أذني بمثله في زماننا الحاضر فهو بقية السلف، ودرة الزمان، وباختصار إن هذا الشيخ ليس من سمات أهل الدنيا إلا أنه يعيش بيهم، أما قلبه وفكره ووجدانه فهو في الدار الآخرة، كان يبيت يناجي ربه ويدعو ويرجو ويهتف ويبكي، ثم إذا ارتفع النداء بادر إلى المسجد ثم صلى الفجر في خشوع وخضوع ثم أتى بكامل الأوراد ثم أُتي له بالأوراق كلها ثم يبدأ بقراءة المعاملات والنظر في حاجات الناس، ثم قراءة بعض مسائل العلم ثم قبل أن يخرج من بيته وهو في كامل طهره ووضوئه، متطهراً متطيباً متسوكاً ،يتجه إلى الله تعالى ويدعوه أن يحفظه وأن يعينه وأن لا يكله إلى نفسه طرفة عين.

    في سفر من أسفاره الطويلة أحس أن الركب قد تعبوا وظهرت عليهم وعثاء السفر، وكآبة المنظر، وذلك بعد منتصف الليل، فقال لهم: ما رأيكم لو نمنا هنا ثم في الصباح نكمل السفر، فوافق كل من كان معه حيث غلبهم النوم ويريدون أن يستريحوا، فلما نزلوا من السيارة كل منهم ذهب إلى ناحية فنام فيها، أما الشيخ فإنه لما نزل طلب ماء وتوضأ ثم شرع يصلي ما شاء الله له ثم نام، ولما قاموا لصلاة الفجر وجدوا الشيخ قد سبقهم للقيام ووجدوه يصلي !! فتعجبوا منه ومن جلده على العبادة، حيث كان هو أخر من نام وأول من قام فسبحان الذي أعطاه هذه القوة والعزيمة ـ رحمه الله رحمة واسعة.

    *******

    عن : موقع طريق القرآن

    «« توقيع نسيبة بنت كعب »»

انظروا الفرق- كيف عظم هؤلاء الله

معلومات الموضوع

الأعضاء الذين يشاهدون هذا الموضوع

الذين يشاهدون الموضوع الآن: 1 (0 من الأعضاء و 1 زائر)

المواضيع المتشابهه

  1. هؤلاء اناس اسلموا لنرى سويا لماذا اسلم هؤلاء
    بواسطة ابن النعمان في المنتدى قسم النصرانيات العام
    مشاركات: 1
    آخر مشاركة: 29-11-2011, 08:05 PM
  2. الفرق بين قراءة سِخرياً وسُخرياً في كتاب الله سبحان الله
    بواسطة عبدالواحد الأحد في المنتدى قسم علوم القرآن الكريم والسنة النبوية
    مشاركات: 1
    آخر مشاركة: 15-03-2011, 02:43 AM
  3. هل آمن هؤلاء بأن المسيح هو الله ؟
    بواسطة mdaoud في المنتدى قسم التثليث والآلوهيــة
    مشاركات: 0
    آخر مشاركة: 24-02-2009, 03:06 PM
  4. تعالى الله عما يقول هؤلاء النصارى السكارى
    بواسطة اصبر واتقي في المنتدى قسم التثليث والآلوهيــة
    مشاركات: 4
    آخر مشاركة: 23-11-2008, 03:07 AM
  5. انظروا الفرق- كيف عظم هؤلاء الله
    بواسطة نسيبة بنت كعب في المنتدى قسم المواضيع العامة والأخبار المتنوعة
    مشاركات: 1
    آخر مشاركة: 02-09-2004, 04:48 PM

الكلمات الدلالية لهذا الموضوع

المفضلات

المفضلات

ضوابط المشاركة

  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •  

انظروا الفرق- كيف عظم هؤلاء الله

انظروا الفرق- كيف عظم هؤلاء الله