3- معجزات عيسى عليه السلام لا تدل إلا على أنه نبي مرسل مؤيد بالمعجزات:

لا يوجد في الأناجيل كلها رغم ما نالها من التحريف، والخطأ نص واحد يقول فيه عيسى عليه السلام أنه الله، أو أنه ابن الله بنوة نسب، وولادة، وجزء (تعالى الله عن ذلك علواً كبيراً).

أو أن ذاته ذات الله، وفعله فعله، أو أن مشيئته مساوية لمشيئة الرب، أو أنه خالق، أو رازق أو مصور، بل الموجود على العكس من ذلك تماماً، ولو كان عيسى إلهاً، ورباً، وخالقاً، ورازقاً كما يدعي الضالون لأظهر ذلك، وقاله إذ أن مثل ذلك هو الاعتقاد.. ألا نرى إلى قول الله سبحانه وتعالى في القرآن وهو يذكر عن نفسه جل وعلا أنه هو الخالق، والرازق، والبارئ، والمصور، والذي بيده الأمر كله، وإليه يرجع الأمر كله، وأن له كان صفات المجد، والألوهية، والربوبية لا ينازعه أحد، ولا يشاركه مشارك، وليس لأحد معه من الأمر شيء، بل لا يملك أحد من كل خلقه ملائكة، وإنساً، وجناً، لنفسه من أمره خيراً، ولا شراً إلا بمشيئة الرب الواحد سبحانه وتعالى.

وعيسى -عليه السلام- لم يدّع شيئاً من ذلك قط، ولا خلع على نفسه قط صفة من صفات الألوهية، والربوبية، بل تكلم بضد ذلك تماماً ذكر أنه عبد يصلي، ولا مشيئة له مع مشيئة من أرسله، وأظهر دائماً من الضعف، والعجز، والخوف، والتبرء من الحول، والطول ما يظهر لكل ذي عينين أنه عبدالله ورسوله، وليس ابن الله، أو الله، أو أن له شركة مع الله في شيء من صفاته قط، وعامة ما روته الأناجيل، وتمسك به الضالون في إدعاء ربوبية المسيح -عليه السلام- بعض المعجزات والبركات، والكرامات التي أظهرها الله على يديه كإحياء بعض الموتى، وشفاء من لهم آفات وعاهات دائمة يعجز الطب عنها، وإخراج بعض الأرواح الشريرة، والشياطين التي تتلبس بعض الناس، وقد أفاضت الأناجيل بخاصة في قضية تخليص بعض الناس التي تلبست بهم الشياطين، علماً بأن هذا الأمر يجري على يد أناس بسطاء من أمة محمد صلى الله عليه وسلم بل ذكر عن بعض سادة هذه الأمة الإسلامية كالإمام أحمد بن حنبل أن الشياطين كانت تخرج ممن تلبست به بمن يأمرها بإسمه دون أن يتكلف عناء الذهاب إلى المريض بنفسه، أو حتى نقله إليه، وهناك من أمة محمد صلى الله عليه وسلم من أخرج آلافاً من هذه الشياطين من جسوم المرضى، والذين يؤذنهم، ويصرعونهم.. وأما إحياء الموتى فقد كان على يد كثير من الأنبياء قبل عيسى -عليه السلام- كما جاء في قتيل بني إسرائيلل على عهد موسى، وطيور إبراهيم، وأما شفاء الأمراض المستعصية فهي معجزة لهذا النبي الكريم، وقد جاء وصفه في القرآن: {وجعلني مباركاً أينما كنت وأوصاني بالصلاة والزكاة ما دمت حياً}، فعيسى رسول مبارك، ومن بركته ما أجرى الله على يديه من الخير والبركة للناس في الدنيا كشفاء من شفي من المرض، والخير والبركة في الآخرة كالدعوة إلى الإيمان، والتوحيد، وابتغاء ما عند الله سبحانه وتعالى.. وكل هذه المعجزات، والكرامات قد جرى أمثالها على يد كثير الأنبياء، والمرسلين، وخيار الصالحين، ولا يعني مطلقاً أن فاعلها هو الرب الإله خالق السماوات والأرض.

وهذه نماذج مما جاء في الإنجيل عن معجزاته -عليه السلام- والبركات التي أجراها الله على يديه:

أ- يسوع يطرد روحاً نجساً:

(ونزل إلى كفر ناحوم، وهي مدينة بمنطقة الجليل، وأخذ يعلم الشعب أيام السبت، فذهلوا من تعليمه، لأن كلمته كانت ذات سلطة، وكان في المجمع رجل يسكنه روح شيطان نجس، فصرخ بصوت عال: "آه! ما شأنك بنا يا يسوع الناصري؟ أجئت لتهلكنا؟ أنا أعرف من أنت: أنت قدوس الله". فزجره يسوع قائلاً: "إخرس، واخرج منه". وإذ طرحه الشيطان في الوسط، خرج منه، ولم يصبه بأذى، فاستولت الدهشة على الجميع، وأخذوا يتساءلون فيما بينهم: "أي كلمة هي هذه؟ فإنه بسلطة وبقدرة يأمر الأرواح النجسة فتخرج!" وذاع صيته في كل مكان من المنطقة المجاورة) (ومثل هذا العمل يقوم به اليوم وأمس ألوف من أمة محمد صلى الله عليه وسلم ولا يدعي لهم أحد نبوة، ولا ألوهية أو ربوبية).

ب- يسوع يشفي الله على يديه كثيرين:

(ثم غادر المجمع، ودخل بيت سمعان، وكانت حماة سمعان تعاني حمى شديدة، فطلبوا إليه إعانتها، فوقف بجانب فراشها، وزجر الحمى، فذهبت عنها، فوقفت في الحال، وأخذت تخدمهم، ولما غربت الشمس، أخذ جميع الذين كان عندهم مرضى مصابون بعلل مختلفة يحضرونهم إليه، فوضع يديه على كل واحد منهم، وشفاهم، وخرجت أيضاً شياطين من كثيرين، وهي تصرخ قائلة: "أنت ابن الله"، فكان يزجرهم، ولا يدعهم يتكلمون، إذ عرفوا أنه المسيح.
ولما طلع النهار خرج، وذهب إلى مكان مقفر، فبحثت الجموع عنه حتى وجدوه، وتمسكوا به لئلا يرحل عنهم، ولكنه قال لهم: "لا بد لي من أن أبشر المدن الأخرى أيضاً بملكوت الله، لأني لهذا قد أرسلت". ومضى يبشر في مجامع اليهودية
) (لوقا 4/31-44).

ومن الأدلة في هذا النص على عبودية المسيح لله، وأنه رسول الله ما يأتي:

1- قول الشيطان لعيسى عليه السلام: (ما شأنك بنا يا يسوع الناصري).. فقد نسبه إلى بلدته، وأقره عيسى على ذلك، ومثل هذا المنسوب إلى بلدة لا يكون إلهاً، ورباً، وخالقاً..

2- قول الشيطان له: (أنت قدوس الله)، وإقرار عيسى لذلك، والمعنى أنت مقدس من قبل الله سبحانه وتعالى، ولا شك أن عيسى مقدس لأن الله سبحانه وتعالى قدّسه، وطهّره، وزكّاه، والذي يقدسه الله لا يكون هو الله.

3- قول الشياطين له (أنت ابن الله) لا تعني أنه جزء منه، وأنه ولده نسباً وصهراً كما ذكرنا ذلك مراراً، وإنما هذا جار على عادتهم في استعمال هذا اللفظ.

4- قال عيسى في النهاية: (لا بد لي أن أبشر المدن الأخرى بملكوت الله لأني لهذا أُرسِلْتُ) نص واضح جلي على أنه رسول مرسل من الله سبحانه وتعالى، وأنه لم يأت بنفسه.

5- قول راوي الإنجيل (ومضى يبشر في مجمع اليهودية) أي أنه رسول إلى بني إسرائيل كما قال تعالى في القرآن عنه: {ورسولاً إلى بني إسرائيل}..


للباقي تتمة ....