آخـــر الـــمـــشـــاركــــات
-
تفسير انجيل متى .. الإصحاح الخامس(موعظة الجبل 1)
وَلَمَّا رَأَى الْجُمُوعَ صَعِدَ إِلَى الْجَبَلِ، فَلَمَّا جَلَسَ تَقَدَّمَ إِلَيْهِ تَلاَمِيذُهُ. 2 فَفتحَ فاهُ وعَلَّمَهُمْ قَائِلاً: 3 «طُوبَى لِلْمَسَاكِينِ بِالرُّوحِ، لأَنَّ لَهُمْ مَلَكُوتَ السَّمَاوَاتِ. 4 طُوبَى لِلْحَزَانَى، لأَنَّهُمْ يَتَعَزَّوْنَ. 5 طُوبَى لِلْوُدَعَاءِ، لأَنَّهُمْ يَرِثُونَ الأَرْضَ. 6 طُوبَى لِلْجِيَاعِ وَالْعِطَاشِ إِلَى الْبِرِّ، لأَنَّهُمْ يُشْبَعُونَ. 7 طُوبَى لِلرُّحَمَاءِ، لأَنَّهُمْ يُرْحَمُونَ. 8 طُوبَى لِلأَنْقِيَاءِ الْقَلْبِ، لأَنَّهُمْ يُعَايِنُونَ اللهَ. 9 طُوبَى لِصَانِعِي السَّلاَمِ، لأَنَّهُمْ أَبْنَاءَ اللهِ يُدْعَوْنَ. 10 طُوبَى لِلْمَطْرُودِينَ مِنْ أَجْلِ الْبِرِّ، لأَنَّ لَهُمْ مَلَكُوتَ السَّمَاوَاتِ. 11 طُوبَى لَكُمْ إِذَا عَيَّرُوكُمْ وَطَرَدُوكُمْ وَقَالُوا عَلَيْكُمْ كُلَّ كَلِمَةٍ شِرِّيرَةٍ، مِنْ أَجْلِي، كَاذِبِينَ. 12 اِفْرَحُوا وَتَهَلَّلُوا، لأَنَّ أَجْرَكُمْ عَظِيمٌ فِي السَّمَاوَاتِ، فَإِنَّهُمْ هكَذَا طَرَدُوا الأَنْبِيَاءَ الَّذِينَ قَبْلَكُمْ.
13 «أَنْتُمْ مِلْحُ الأَرْضِ، وَلكِنْ إِنْ فَسَدَ الْمِلْحُ فَبِمَاذَا يُمَلَّحُ؟ لاَ يَصْلُحُ بَعْدُ لِشَيْءٍ، إِلاَّ لأَنْ يُطْرَحَ خَارِجًا وَيُدَاسَ مِنَ النَّاسِ. 14 أَنْتُمْ نُورُ الْعَالَمِ. لاَ يُمْكِنُ أَنْ تُخْفَى مَدِينَةٌ مَوْضُوعَةٌ عَلَى جَبَل، 15 وَلاَ يُوقِدُونَ سِرَاجًا وَيَضَعُونَهُ تَحْتَ الْمِكْيَالِ، بَلْ عَلَى الْمَنَارَةِ فَيُضِيءُ لِجَمِيعِ الَّذِينَ فِي الْبَيْتِ. 16 فَلْيُضِئْ نُورُكُمْ هكَذَا قُدَّامَ النَّاسِ، لِكَيْ يَرَوْا أَعْمَالَكُمُ الْحَسَنَةَ، وَيُمَجِّدُوا أَبَاكُمُ الَّذِي فِي السَّمَاوَاتِ.
17 «لاَ تَظُنُّوا أَنِّي جِئْتُ لأَنْقُضَ النَّامُوسَ أَوِ الأَنْبِيَاءَ. مَا جِئْتُ لأَنْقُضَ بَلْ لأُكَمِّلَ. 18 فَإِنِّي الْحَقَّ أَقُولُ لَكُمْ: إِلَى أَنْ تَزُولَ السَّمَاءُ وَالأَرْضُ لاَ يَزُولُ حَرْفٌ وَاحِدٌ أَوْ نُقْطَةٌ وَاحِدَةٌ مِنَ النَّامُوسِ حَتَّى يَكُونَ الْكُلُّ. 19 فَمَنْ نَقَضَ إِحْدَى هذِهِ الْوَصَايَا الصُّغْرَى وَعَلَّمَ النَّاسَ هكَذَا، يُدْعَى أَصْغَرَ فِي مَلَكُوتِ السَّمَاوَاتِ. وَأَمَّا مَنْ عَمِلَ وَعَلَّمَ، فَهذَا يُدْعَى عَظِيمًا فِي مَلَكُوتِ السَّمَاوَاتِ. 20 فَإِنِّي أَقُولُ لَكُمْ: إِنَّكُمْ إِنْ لَمْ يَزِدْ بِرُّكُمْ عَلَى الْكَتَبَةِ وَالْفَرِّيسِيِّينَ لَنْ تَدْخُلُوا مَلَكُوتَ السَّماوَاتِ.
21 «قَدْ سَمِعْتُمْ أَنَّهُ قِيلَ لِلْقُدَمَاءِ: لاَ تَقْتُلْ، وَمَنْ قَتَلَ يَكُونُ مُسْتَوْجِبَ الْحُكْمِ. 22 وَأَمَّا أَنَا فَأَقُولُ لَكُمْ: إِنَّ كُلَّ مَنْ يَغْضَبُ عَلَى أَخِيهِ بَاطِلاً يَكُونُ مُسْتَوْجِبَ الْحُكْمِ، وَمَنْ قَالَ لأَخِيهِ: رَقَا، يَكُونُ مُسْتَوْجِبَ الْمَجْمَعِ، وَمَنْ قَالَ: يَا أَحْمَقُ، يَكُونُ مُسْتَوْجِبَ نَارِ جَهَنَّمَ. 23 فَإِنْ قَدَّمْتَ قُرْبَانَكَ إِلَى الْمَذْبَحِ، وَهُنَاكَ تَذَكَّرْتَ أَنَّ لأَخِيكَ شَيْئًا عَلَيْكَ، 24 فَاتْرُكْ هُنَاكَ قُرْبَانَكَ قُدَّامَ الْمَذْبَحِ، وَاذْهَبْ أَوَّلاً اصْطَلِحْ مَعَ أَخِيكَ، وَحِينَئِذٍ تَعَالَ وَقَدِّمْ قُرْبَانَكَ. 25 كُنْ مُرَاضِيًا لِخَصْمِكَ سَرِيعًا مَا دُمْتَ مَعَهُ فِي الطَّرِيقِ، لِئَلاَّ يُسَلِّمَكَ الْخَصْمُ إِلَى الْقَاضِي، وَيُسَلِّمَكَ الْقَاضِي إِلَى الشُّرَطِيِّ، فَتُلْقَى فِي السِّجْنِ. 26 اَلْحَقَّ أَقُولُ لَكَ: لاَ تَخْرُجُ مِنْ هُنَاكَ حَتَّى تُوفِيَ الْفَلْسَ الأَخِيرَ!
27 «قَدْ سَمِعْتُمْ أَنَّهُ قِيلَ لِلْقُدَمَاءِ: لاَ تَزْنِ. 28 وَأَمَّا أَنَا فَأَقُولُ لَكُمْ: إِنَّ كُلَّ مَنْ يَنْظُرُ إِلَى امْرَأَةٍ لِيَشْتَهِيَهَا، فَقَدْ زَنَى بِهَا فِي قَلْبِهِ. 29 فَإِنْ كَانَتْ عَيْنُكَ الْيُمْنَى تُعْثِرُكَ فَاقْلَعْهَا وَأَلْقِهَا عَنْكَ، لأَنَّهُ خَيْرٌ لَكَ أَنْ يَهْلِكَ أَحَدُ أَعْضَائِكَ وَلاَ يُلْقَى جَسَدُكَ كُلُّهُ فِي جَهَنَّمَ. 30 وَإِنْ كَانَتْ يَدُكَ الْيُمْنَى تُعْثِرُكَ فَاقْطَعْهَا وَأَلْقِهَا عَنْكَ، لأَنَّهُ خَيْرٌ لَكَ أَنْ يَهْلِكَ أَحَدُ أَعْضَائِكَ وَلاَ يُلْقَى جَسَدُكَ كُلُّهُ فِي جَهَنَّمَ.
31 «وَقِيلَ: مَنْ طَلَّقَ امْرَأَتَهُ فَلْيُعْطِهَا كِتَابَ طَلاَق. 32 وَأَمَّا أَنَا فَأَقُولُ لَكُمْ: إِنَّ مَنْ طَلَّقَ امْرَأَتَهُ إلاَّ لِعِلَّةِ الزِّنَى يَجْعَلُهَا تَزْنِي، وَمَنْ يَتَزَوَّجُ مُطَلَّقَةً فَإِنَّهُ يَزْنِي.
33 «أَيْضًا سَمِعْتُمْ أَنَّهُ قِيلَ لِلْقُدَمَاءِ:لاَ تَحْنَثْ، بَلْ أَوْفِ لِلرَّبِّ أَقْسَامَكَ. 34 وَأَمَّا أَنَا فَأَقُولُ لَكُمْ: لاَ تَحْلِفُوا الْبَتَّةَ، لاَ بِالسَّمَاءِ لأَنَّهَا كُرْسِيُّ اللهِ، 35 وَلاَ بِالأَرْضِ لأَنَّهَا مَوْطِئُ قَدَمَيْهِ، وَلاَ بِأُورُشَلِيمَ لأَنَّهَا مَدِينَةُ الْمَلِكِ الْعَظِيمِ. 36 وَلاَ تَحْلِفْ بِرَأْسِكَ، لأَنَّكَ لاَ تَقْدِرُ أَنْ تَجْعَلَ شَعْرَةً وَاحِدَةً بَيْضَاءَ أَوْ سَوْدَاءَ. 37 بَلْ لِيَكُنْ كَلاَمُكُمْ: نَعَمْ نَعَمْ، لاَ لاَ. وَمَا زَادَ عَلَى ذلِكَ فَهُوَ مِنَ الشِّرِّيرِ.
38 «سَمِعْتُمْ أَنَّهُ قِيلَ: عَيْنٌ بِعَيْنٍ وَسِنٌّ بِسِنٍّ. 39 وَأَمَّا أَنَا فَأَقُولُ لَكُمْ: لاَ تُقَاوِمُوا الشَّرَّ، بَلْ مَنْ لَطَمَكَ عَلَى خَدِّكَ الأَيْمَنِ فَحَوِّلْ لَهُ الآخَرَ أَيْضًا. 40 وَمَنْ أَرَادَ أَنْ يُخَاصِمَكَ وَيَأْخُذَ ثَوْبَكَ فَاتْرُكْ لَهُ الرِّدَاءَ أَيْضًا. 41 وَمَنْ سَخَّرَكَ مِيلاً وَاحِدًا فَاذْهَبْ مَعَهُ اثْنَيْنِ. 42 مَنْ سَأَلَكَ فَأَعْطِهِ، وَمَنْ أَرَادَ أَنْ يَقْتَرِضَ مِنْكَ فَلاَ تَرُدَّهُ.
43 «سَمِعْتُمْ أَنَّهُ قِيلَ: تُحِبُّ قَرِيبَكَ وَتُبْغِضُ عَدُوَّكَ. 44 وَأَمَّا أَنَا فَأَقُولُ لَكُمْ: أَحِبُّوا أَعْدَاءَكُمْ. بَارِكُوا لاَعِنِيكُمْ. أَحْسِنُوا إِلَى مُبْغِضِيكُمْ، وَصَلُّوا لأَجْلِ الَّذِينَ يُسِيئُونَ إِلَيْكُمْ وَيَطْرُدُونَكُمْ، 45 لِكَيْ تَكُونُوا أَبْنَاءَ أَبِيكُمُ الَّذِي فِي السَّمَاوَاتِ، فَإِنَّهُ يُشْرِقُ شَمْسَهُ عَلَى الأَشْرَارِ وَالصَّالِحِينَ، وَيُمْطِرُ عَلَى الأَبْرَارِ وَالظَّالِمِينَ. 46 لأَنَّهُ إِنْ أَحْبَبْتُمُ الَّذِينَ يُحِبُّونَكُمْ، فَأَيُّ أَجْرٍ لَكُمْ؟ أَلَيْسَ الْعَشَّارُونَ أَيْضًا يَفْعَلُونَ ذلِكَ؟ 47 وَإِنْ سَلَّمْتُمْ عَلَى إِخْوَتِكُمْ فَقَطْ، فَأَيَّ فَضْل تَصْنَعُونَ؟ أَلَيْسَ الْعَشَّارُونَ أَيْضًا يَفْعَلُونَ هكَذَا؟ 48 فَكُونُوا أَنْتُمْ كَامِلِينَ كَمَا أَنَّ أَبَاكُمُ الَّذِي فِي السَّمَاوَاتِ هُوَ كَامِلٌ.
يسمي النصارى هذه الإصحاحات التي جاءت معظمها على لسان المسيح "بموعظة الجبل " "Cermon of the mountain". وقد خصص لها كاتب هذا الإنجيل ثلاثة إصحاحات كاملة حيث جاءت في (110) عدد. وحسب رواية لوقا 3/23، بدأ عيسى دعوته عندما كان في الثلاثين من عمره واستمر يدعو فترة اختلف النقاد في تقديرها من عام إلى ثلاثة أعوام وكانت لغته الآرامية، لغة الإنجيل في ذلك الزمان.
في الحقيقة لا يحتاج المرء لأن يكون ناقداً فنياً أو أديباً لامعاً ليلمس الفرق الشاسع بين كثير مما مضى من تخاريف الإصحاحات السابقة ذات النصوص الركيكة والمعاني الهابطة التي وردت في هذا الإنجيل، وبين بعض ما جاء في هذه الإصحاحات. إذ أن معظم ما مضى كان مجرد أخبار كما أسلفنا وقلنا إن تعريف الخبر في اللغة العربية هو ما يحتمل الصدق أو الكذب، وقد أثبتنا كذبها.
أما موعظة الجبل هذه فتسمى في اللغة العربية "إنشاء" وتعريف الإنشاء هو ما لا يحتمل الصدق أو الكذب كالأمر والاستفهام والنصح والإرشاد وغيره... وهي لا تختلف عن كل ما سبق شكلاً فقط، إنما تختلف عنه مضموناً أيضاً. كما تختلف أسلوبا ومعنى ورصانة. والكلام فيها مباشر ومسترسل يطل علينا من خلالها وجه المسيح الحاني على تلاميذه وعلى الجموع التي تبعته في إحدى مسيراته.
ولقد تميزت هذه الخطبة بالنصح المحض والصبر على المكاره والحث على البر وصالح الأعمال بكلام نابع من قلب المسيح. لأننا نشعر فيها بصدق الرسالة التي حملها من الله وجاء ليبلغها إلى الضعفاء والمساكين من أمته المسحوقة.
وحيث إن إنجيل مرقص أول الأناجيل لم يذكرها فنحن لا نشك لحظة أن متى المزيف هذا- أو من كتبوا هذه الموعظة- قد وضعوا أيديهم على الإنجيل الحقيقي للمسيح، واقتبسوا منه هذه الموعظة (مع أمثال أخرى قادمة) ليطعموا بها هذا الإنجيل ثم أخفوا ذلك الإنجيل لغرض في أنفسهم. لكن باقتباسهم لهذه الموعظة وتلك الأمثال يكونون قد كشفوا عن أنفسهم بأنهم ليسوا سارقي نصوص بعضهم البعض فحسب، إنما سارقو الإنجيل الحقيقي. ولا يدري أحد ماذا حوى ذلك الإنجيل أيضاً من طيب الكلام مثل هذه الموعظة كما لا ندري لماذا أهملها يوحنا صاحب آخر إنجيل! !؟.
ولكن للأسف!! حتى هذه الموعظة أبوا إلا أن يدسوا أصابعهم فيها ويفسدونها. ولقد أوردها لوقا في إنجيله 6/17، في (32) عدد فجاءت مضغوطة ومحرفة. وكل عاقل يستطيع أن يحكم بأن لوقا سرقها من متى المزيف واختصرها إلى (32) عدد من أصل (110) فشوهها بقلمه حتى لا يقال أنه سرقها منه. بينما كان الأولى أن يتركها كما وردت هنا ولا ضير عليه في ذلك، لأن فيها الكثير الكثير من أقوال المسيح الحقيقية. ونحن نستطيع أن نأخذ هذه الموعظة كميزان نزن بها ما سيرد معنا من أقوال نسبوها زوراً للمسيح. فما وافقها يكون من الإنجيل الحقيقي، وما خالفها يكون دسا وتدليسا.
متَّى 5/ 1- 2،. "ولما رأى الجموع صعد إلى الجبل وفتح فاه وعلمهم قائلاً".
لوقا 6/12: "وفي تلك الأيام خرج إلى الجبل ليصلي وقضى الليل كله في الصلاة... ونزل معهم ووقف في موضع سهل هو وجمع من تلاميذه وجمهور كثير من الشعب.. ورفع عينيه إلى تلاميذه وقال ".
النقد:
أولاً: هناك اختلاف في التاريخ فمتى المزيف وضع هذه التجربة قبل قطف السنابل ولوقا بعدها.
ثانياً: قال متى لما رأى الجموع صعد إلى الجبل بينما قال لوقا ونزل معهم ووقف في سهل. فلوقا أخذ الصعود وحوله إلى نزول كما أخذ الجبل وحوله إلى سهل. ومن المعروف أن من يريد أن يخطب في الجموع ينشد مكاناً عالياً لا سهلاً منخفضاً ليشاهده ويسمعه الجميع مما يدل على تحريف لوقا.
ثالثا: قال متى ففتح فاه وعلمهم قائلاً بينما قال لوقا ورفع عينيه فهل فتح فاه معناها رفع عينيه !؟.
رابعا: تجنب متى المزيف وهو اليهودي الشاؤولي المتعصب ذكر صلاة المسيح الوقت كله. أما لوقا الوثني فقال: وقضى الوقت كله في الصلاة. يبدو أن متى المزيف خشي أن يسأله أحد لمن كان المسيح يصلي فينكشف أن المسيح ليس إله لأن الإله لا يصلي لأحد، أما لوقا فيبدو أنه نسي ذلك فذكر أن المسيح قضى الوقت كله في الصلاة. إن الاختلافات كثيرة في نصوص الموعظتين لمن شاء أن يطالعها ولكن دعونا الآن نركز على المعاني التي جاءت في الموعظة:
متى 5/3-12،: "طوبى للمساكين بالروح لأن لهم ملكوت السموات. طوبى للحزانى لأنهم يتعزون، طوبى للودعاء لأنهم يرثون الأرض، طوبى للجياع والعطشى إلى البر لأنهم يشبعون، طوبى للرحماء لأنهم يرحمون، طوبى لأتقياء القلب لأنهم يعاينون الله، طوبى لصانعي السلام لأنهم أبناء الله يدعون. طوبى للمطرودين من أجل البر لأن لهم ملكوت السموات. طوبى لكم إذا عيروكم وطردوكم وقالوا عليكم كلمة شريرة من أجلي كاذبين. افرحوا وتهللوا لأن أجركم عظيم في السموات فأنهم هكذا طردوا الأنبياء قبلكم ".
إن من يتأمل كلام المسيح هذا يخرج بنتيجة واحدة وهي أنه كان يسكب مكنونات قلبه أمام فقراء ضعفاء مسحوقين من عامة الشعب، مغلوبين على أمرهم، يتطلعون إلى الخلاص ولا يملكون حولاً ولا قوة في دولة طغت وبغت، أصبح الظلم فيها عادة، والبطش طريقاً وأسلوباً.
والمسيح في هذه الخطبة يرفع من معنويات شريحة من الغالبية الفقيرة من الشعب المسكين منهم الحزانى، والودعاء، والعطشى إلى البر، والرحماء، وأتقياء القلب، يواسيهم ويعزز إيمانهم ويرفع من معنوياتهم لأن هذه الحياة لا تساوي شيئاً، وأن جزاء صبرهم الذي عانوه سيكون لهم ملكوت السموات الذي يغنيهم عن الدنيا وما فيها. وقد جاء قول نبي الإسلام مؤيداً لذلك، لأنها نفس الرسالة التي حملها الأنبياء، إذ قال "إن الدنيا وما فيها لا تساوي عند اللّه جناح بعوضة" وقول المسيح هنا يتمشى تماماً مع ما قرأه في المجمع من سفر اشعيا وذكره لوقا في 4/16، من إنجيله إذ قال: "وجاء إلى الناصرة حيث كان قد تربى ودخل المجمع حسب عادته... فدفع إليه سفر اشعيا... الذي كان مكتوباً فيه "روح الرب علي لأنه مسحني لأبشر المساكين، أرسلني لأشفي المنكسري القلوب، لأنادي للمأسورين بالإطلاق وللعمى بالبحر، وأرسل المنسحقين في الحرية، وأكرز بسنة الرب المقبولة".
"إن المسيح يحدد مكانه وخط سيره في المجتمع حين يستشهد بكلمات اشعيا ويتحدث بها كنبراس ومنهاج. إنه مع المساكين كي يبشرهم، مع منكسري القلوب ليجبر قلوبهم، مع المأسورين كي يحطم أغلالهم ويطلقهم، إنه مع الإنسان العادي الذي ليس معه من مال الدنيا ولا من جاهها ولا من سلطانها ما يرد إليه حقوقه التي اغتصبها منه الذين هم فوق. لقد سلح الناس العاديين بأقوى الأسلحة، الإيمان والأمل حين قال لهم طوباكم... وقفز بمكانتهم الإجتماعية إلى الصدارة حين جعلهم من الأهمية إلى حد أن يرسل اللّه من أجل حمايتهم وتصحيح أوضاعهم رسلاً" .
"ولقد جاء المسيح في عهد كان فيه عامة الشعب مغلوباً على أمره وواقعاً تحت المطرقة والسندان. وتمثل المطرقة في الحكام الرومان الذين كانوا مستبدين يعاملون الشعب معاملة السائمة ويبتزون منهم عشور أموالهم التي فرضوها عليهم كضريبة إجبارية. وتمثل السندان في كهنة اليهود ورؤسائهم الذين كانوا مرائين منافقين يتملقون رجال الحكم ويمتصون ما تبقى من مدخرات الشعب. يتظاهرون بالصلاح والتقوى أمام عامة الناس وهم من الداخل ذئاب كاسرة.
من يتزلف منهم أكثر للحكام يرتقي، ومن يرشو أكثر يصل، ومن ينافق أكثر يصمد، وكان كل شيء عندهم للعامة بثمن. كل صلاة بثمن، وكل دعاء بثمن، فسحقوا الشعب تحت مساومات مكلفة ومتاجرة مسعورة في الوقت الذي لم يكونوا مهتمين إلا بقشور الدين والتقاليد والشعائر التي أوجدوها لأنفسهم وفرضوها على العامة ورموا جوهر التوراة وراء ظهورهم.
وقد رأى المسيح كل ذلك، فأمتلأ قلبه غيظا على شيوخ الكهنة والفريسيين أولاد الأفاعي، كما امتلأ شفقة ورأفة على عامة الشعب الفقير الذي وجد صدى لمعاناته في كلمات المسيح، ففاضت روحه بموعظة الجبل. ولكن للأسف حتى هذه التحفة كما ذكرنا لم يتركها المحرفون على ما هي عليه إذ أبوا إلا أن يدسوا أصابعهم فيها!!.
5/9،: طوبى لصانعي السلام لأنهم أبناء اللّه يدعون: كما قلنا سابقاً "أبناء اللّه " معناها الأصلي "عباد الله الصالحين ". لكن الكتبة والمترجمين من أجل تضليل النصارى، أخذوا كلمة "ابن " وتركوا كلمة "عبد" أو "خادم ". فأظهر اللّه خبثهم هنا. إذ نجد أن لفظة ابن في العبرية ليست مقصورة على المسيح وحده- مع أنه لم يدعيها أبدا لنفسه- بل على كل مطيع فيكون عبد اللّه بحق.
هذا التحريف المتعمد أوقع جميع النصارى في المستحيل. فهذه الجملة مفروض أن تقرأ هكذا:"طوبى لصانعي السلام لأنهم عباد الله المخلصين يدعون " فهذه التي يستسيغها العقل. أما "أبناء اللّه " فمستحيل هضمها في العقل. لأن اللّه لا أبناء له. إنما له عباداً وخداماً مخلصين ولو أنهم استعملوا في هذه الأناجيل الترجمة الصحيحة للكلمة أي "خادم الله " و "عبد اللّه " بدل "ابن اللّه " الواردة هنا وفي التجربة وأماكن أخرى لاستراحوا وأراحوا. لكن الشيطان لم يمت والمعركة
مستمرة، فقد كانوا قد بيتوا النية منذ البداية على تخريب هذا الدين، وإلباس المسيح ثوبا ليس من قياسه، فضلوا هم وأضلوا معهم قطاعات عريضة من السذج والبسطاء من عامة الناس الذين جعلوهم بإفكهم هذا يعتقدون أن المسيح هو ابن اللّه حقيقة ليجروهم إلى التهلكة، وتعالى اللّه عن ذلك علواً كبيراً. وقالوا: (اتخذ الرحمن ولداً سبحانه هو الغني له ما في السموات وما في الأرض. إن عندكم من سلطان بهذا أتقولون على اللّه ما لا تعلمون )سورة يونس: الآية 68، (متاع في الدنيا ثم إلينا مرجعهم ثم نذيقهم العذاب الشديد بما كانوا يكفرون ) سورة يونس: الآية 70،.
13/51،: "أنتم ملح الأرض. ولكن إذا فسد الملح فبماذا يملح. لا يصلح بعد لشيء إلا لأن يطرح خارجا ويداس من الناس ".
يبين المسيح لحوارييه، وللمؤمنين الفقراء من الشعب أنهم" ملح الأرض" لذا وجب عليهم أن يكونوا المثل الأعلى في اتباع أوامر الله ونواهيه لأن هذا هو واجبهم. كثير من النقاد غربيون وشرقيون كما مر معنا حكموا صراحة بأن شاؤول قد غش النصارى الأوائل والأمميين وأفسد دين المسيح وحوله هو ومجامع اليهود والوثنيون إلى دين عجيب الصنع غريب التركيب. فلقد كان المسيحيون الأوائل الذين يعبدون الله الواحد فعلاً هم ملح الأرض في ذلك الزمان إذ فضلوا أن تكون أجسادهم مشاعل تضيء شوارع روما أو تأكلها الأسود المفترسة، على أن يتخلوا عن دين اللّه الواحد الذي جاء به المسيح، لكن الذين جاؤوا بعدهم من الأمميين والوثنيين والكنائس الشاؤولية الثالوثية الذين قتلوا الملايين لفرض ثالوثهم إرضاء للشيطان وللأباطرة الرومان الوثنيين، قد أفسدوا دين المسيح، ففسد ملحهم إذاً بماذا يملح بعد ذلك وصدق الشاعر الذي قال:
بالملح نصلح مانخشى تغيره فكيف بالملح إن حلت به الغير
لا يصلح بعدها لشيء إلا أن يطرح خارجاً ويداس من الناس. لله درك أيها المسيح كأنك بالنور الإلهي الذي كان يملأ قلبك كنت تعلم ماذا سيجري لدينك بعد رفعك إلى السماء. وقول المسيح هنا "لا يصلح بعد لشيء إلا لأن يطرح خارجاً ويداس من الناس " فيه لفتة كبيرة لمن لا يزالون حتى اليوم على دين شاؤول والمجمعات الكنسية إن أرادوا أن يتعظوا قبل فوات الأوان.
وإني لأتساءل إذا كانت كل أمة ستأتي مع نبيها أو رسولها ليشهد لهم أو عليهم أمام الله في ذلك اليوم الرهيب الذي يسمونه يوم الدينونة، فالشاؤوليون الكنسيون الذين يعتقدون اليوم أنهم مسيحيون مع من سيأتون ليستلموا كشف الحساب من الله جل شأنه الذي يسجل عليهم كل أعمالهم وأقوالهم!؟.
هل سيأتون مع موسى لأنهم طبقوا الناموس؟! لا!! لأن ذلك الناموس نزل ليرد الناس إلى عبادة اللّه الواحد، وهم جعلوا إلههم ثلاثة، ولأن الناموس نهى عن الخمر ولحم الخنزير بينما هم يشربون الخمر ويأكلون الخنزير. ولأن الناموس أمر بالختان والطهارة وهم لا يختتنون ولا يتطهرون حسب تعليمات شاؤول الذي حللهم من الختان والطهارة. ولأن الناموس أمر بالمحافظة على السبت وهم يحافظون على الأحد بأمر قساوستهم إرضاء للأمبراطور قسطنطين.
ولأن الناموس أمر بعدم تعليق الصور والأصنام، وهم يعلقون الصور ويسجدون للتماثيل والصور والصلبان... وغير ذلك كثير. لذا لن يأتوا مع موسى في ذلك اليوم!!.
فهل يا ترى سيأتون مع عيسى!!؟ كلا أيضاً!! لأن عيسى يقول "ما جئت إلا لخراف بيت إسرائيل الضالة" وهم قطعاً ليسوا من خراف بيت إسرائيل الضالة. وعيسى كان يصلي دائماً للّه الذي في الخفاء بينما هم يصلون لعيسى ولمريم وللصليب. وعيسى قال لهم كل غرس لم يغرسه إلهي السماوي يقلع. بينما هم غرسوا الثالوث وأشياء كثيرة في دينهم ولا يريدون أن يقلعوها. وعيسى قال لهم إنه نبي "وليس نبي بلا كرامة إلا في وطنه " متى: 13/57، بينما هم قالوا له "لا" أنت لست نبي إنما إله "وتجلس على يمين القوة". وعيسى قال لهم أنا وأمي من بني البشر بينما هم قالوا له: "أنت إله وأمك أم الله!... الخ وغير ذلك كثير. لذا لن يأتوا مع عيسى في ذلك اليوم!!.
إذاً مع من سيأتون!؟؟ لا شك أنهم سيأتون مع شاؤول. أليس هو الذي سموه بولس الرسول؟ أليمس هو الذي أعطاهم هذا الدين وهم قبلوه؟! ولكن شاؤول هذا ليس نبياً من عند الله، ولم ينزل عليه كتاب، ولا دين من السماء، إنما قضى ثلاث سنوات في الصحراء العربية التي ألهمت الشعراء العرب، ليؤلف لهم هذا الدين هناك. وهو كما يقول باعترافه ليس معه إلا غيبوبة أو حلم تراءى له فيه أنه سمع صوت المسيح (أعمال 9/3-9)،، وكل دينه قائم على ذلك الحلم، أو إن شئت قل تلك التمثيلية الهزيلة التي ادعاها في كتبهم حيث السيناريو مكتوب فيها بكل سذاجة لا يمكن أن يصدقه أي عاقل. لأن الوحي الحقيقي لا ينزل إلا على الأنبياء لا على الأدعياء الذين يدعون المنامات وينقلبون فجأة من عدو إلى رسول دون سابق مقدمات. نعم إنهم سيأتون مع شاؤول! ليشهد عليهم عيسى أمام الله. ولكن بماذا سيشهد عليهم عيسى وهو لم يأت إليهم؟ سيشهد عليهم بأنه لا يعرفهم، وأنه لم يرسل إلا لخراف بيت إسرائيل الضالة، وهم ليسوا من خراف بيت إسرائيل، لا الضالة ولا المهتدية منهم، إنما هم من الأمميين الذين اتبعوا دين شاؤول، لذا سيقول لهم المسيح في ذلك اليوم الرهيب "من أين أتيتم!؟ إني لم أعرفكم قط. اذهبوا عني يا فاعلي الأثم إلى النار الأبدية المعدة لإبليس وجنوده " متى 7/23،.
أخي العزيز: لا شك أنك توافقني في أن كل إنسان يريد أن يزور بلداً أو يقيم في بلد غير بلده، عليه أن يحمل جواز سفر، وتأشيرة زيارة أو إقامة ليقيم في ذلك البلد. فإن كان معك جواز سفر وعليه تأشيرة دخول لبريطانيا مثلاً، فأنك لا تستطيع أن تدخل أمريكا أو استراليا أو اليابان بتلك التأشيرة، إذ كل بلد يحتاج إلى تأشيرة خاصة. والجواز في هذه الحياة هو الأعمال الصالحة. أما التأشيرة لدخول الجنة كما صرح بها جميع الأنبياء والمرسلين- ما عدا شاؤول وكنائسه- هي "لا إله إلا الله " التي سماها لوقا "مفتاح المعرفة" 11/52، أي لا إله مع اللّه. إنما إله واحد. وواحد فقط. وهو الذي قال! عنه المسيح حسب الأناجيل "للرب إلهك تسجد وإياه وحده تعبد" متى: 4/ 10، واسمع يا إسرائيل الرب إلهنا رب واحد (مرقص 12/ 29)، فإن كان معك جواز سفر (أي أعمال صالحة) وعليه التأشيرة الشاؤولية " ابن اللّه" أو التأشيرة الكنسية الوثنية "أم الله " أو الأب والابن وروح القدس... الخ فأنك حتماً وبديهياً لن تدخل البلاد التي
تأشيرتها "لا إله إلا الله " التي هي تأشيرة الجنة والحياة الأبدية. بل ستدخل بلاداً غيرها من التي تأشيرتها ابن اللّه وأم اللّه أو الثالوث، أو الصور والتماثيل أو الخمر أو الخنزير أو الفطير الذي يتحول إلى جسد المسيح، البلاد التي تأشيرتها تصلب فيها الآلهة وتموت وتقبر ثلاثة أيام ثم تقوم من الموت... الخ. وهي التأشيرة المخالفة لجميع رسالات الأنبياء. وستجد هناك الكثيرين قد سبقوك ممن كانوا مثلك يعبدون آلهة وهمية مثل جوبيتر وعشتارون واللات، والعزى، والبعليم، والشمس والقمر والكواكب والنار ونهر النيل... وكل هذه البلاد اتفقت جميع الكتب المقدسة على تسميتها بجهنم، أو النار الأبدية حيث الدود لا يموت والنار لا تطفأ (مرقص 9/ 44)، ولأن مصدر الدين كله واحد فقط أكد القرآن ذلك (والذين كفروا لهم نار جهنم لا يقضى عليهم فيموتوا ولا يخفف عنهم من عذابها. كذلك نجزي كل كفور) سورة فاطر: الآية 36،.
أما إن كان لك مع كفرك بالله أعمال صالحة فلن تجديك شيئاً. لأن كل من له إيمان "بالله الواحد" سيعطى ويزداد، وكل من ليس له فالذي عنده يؤخذ منه (متى 25/ 30) أي سيحبط عمله تماماً كما قال اشعيا "لأن كل أعمال برنا ستكون كثوب خرقه " 64/6،. ولأن الدين في الأساس عند اللّه واحد فقد جاء مثيلها في القرآن إذ قال عز من قائل (وقدمنا إلى ما عملوا من عمل فجعلناه هباء منثوراً) سورة الفرقان: الآية 23. حتى لو ملأوا الأرض خيراً لأن جميع أعمالهم
الصالحة تلك بدونا لا إله إلا اللّه " لا تسوى شيئاً عند الله.
5/14-16،: "أنتم نور العالم لا يمكن أن تخفي مدينة موضوعة على جبل. ولا يوقدون سراجاً ويضعونه تحت المكيال بل على المنارة فيضيء لجميع الذين في البيت. فليضيء نوركم هكذا قدام الناس لكي يروا أعمالكم الحسنة ويمجدوا أباكم الذي في السموات ".
لقد أرسل الله الأنبياء لينيروا الطريق للناس، وليخرجوهم من نفق الظلمات إلى براح النور، فمن اهتدى كان في النور. بل كان نفسه نوراً يهتدي به غيره ليخرج من الظلمة، وهو في ذلك لا يخاف أحد، لأنه أضاء سراج "لا إله إلا الله " الساطع، ورفعه عالياً وهو سراج رب العالمين لا تطفؤه الرياح ولا العواصف ولا الأعاصير. أما الثالوثيون فقد أضاؤوا سراج الثالوث، ووضعوه تحت المكيال (أي الطاس الذي يكال به) لماذ!؟! الجواب لأنه سراج خافت مرتعش يخافون عليه من نسمة الهواء أن تطفئه فكيف إذا هبت عليه العواصف والأعاصير، لذلك همسوا في آذان طوائفهم لا تقولوا ثلاثة خوفاً من أن يتهمهم الناس بالوثنية، أو يأتي شخص وينفخ فيه نسمة "لا إله إلا اللّه " فينطفىء. أما إن زعموا وكابروا بأن ثالوثهم إله واحد نقول لهم هيهات! إنكم واهمون، وترددون كلاماً لا تفقهون معناه. بل وتزعجون أنشتاين في قبره ونتحداكم أن تدرسوا حسابكم هذا في أي مدرسة في العالم. ولو طبقت نظرية الواحد-ثلاثة، أو الثلاثة= واحد في أي شركة أو مؤسسة لأختل ميزانها المالي رأساً على عقب ولأفلست قبل أن تبدأ أعمالها.
أخي العزيز! إن كنت من الذين ضللوهم بهذه المقولة فتعال ندلك متى يكون الواحد ثلاثة والثلاثة واحد لأن هذا لا يمكن أبداً إلا في حالة واحدة فقط. وهي عندما تجد مصرفاً (بنكاً) واحداً في أي بقعة من بقاع العالم تودع فيه ألف جنيه فيسجلهم في حسابك ثلاثة آلاف جنيه. أو تستلف منه ثلاثة آلاف جنيه وعند السداد يطالبك بألف واحدة فقط. فإن وجدت مثل هذا المصرف فباللّه سارع في إعلامنا، لأننا ساعتها سنسارع بدورنا ونؤمن معك واضعين كل أموالنا في ذلك المصرف.
إن من ينظر إلى التفاحة ويراها تفاحة نقول إنه شخص عاقل وبصره سديد. أما من ينظر إلى التفاحة ويراها تفاحتين نقول أنه أحول وحتماً يحتاج إلى نظارة، ولكن!! الذي ينظر إلى التفاحة ويقول إنها تفاحة وموزة وبرتقالة فماذا تسميه؟ لا شك أنك ستقول ساعتها أنه يهذي.
ولا تمر أخي العزيز عن القول الذي نسبوه للمسيح في الصفحة السابقة "ويمجدوا اباكم الذي في السموات " مر الكرام. إذ الصواب أن تقرأ هذه الجملة هكذا "ويمجدوا إلهكم الذي في السموات " لأن المسيح لم يعرف قط لفظ الأب ولم يستعمله في حياته أبداً كما أسلفنا، لأن اللّه ليس أباً لأحد، إنما هو إله كل أحد، ولو كان الله أباً حقاً، والمسيح إبناً للّه في الثالوث الذي زعموه لقال "ويمجدوا إلهكم الواقف أمامكم". لكن حاشاه أن يقول ذلك أو بخطر بباله، إنما كان دائماً يشير إلى إله السموات والأرض الذي هو دائماً في الخفاء.
5/17-18،: "لا تظنوا إني جئت لأنقض الناموس أو الأنبياء. ما جئت لأنقض بل لأكمل. فإني الحق أقول لكم إلى أن تزول السماء والأرض لا يزول حرف واحد أو نقطة واحدة من الناموس حتى يكون الكل ".
أي ما جئتكم بدين جديد مناقض لما جاء به الناموس وما صرحت به الأنبياء، إنما جئت لأطبق ما في الناموس وأسفار الأنبياء. ولن يلغى حرف واحد أو نقطة واحدة من ناموس الله (أي التوراة التي نزلت على موسى وكان عيسى مؤيداً لها) حتى يكون "الكل ". أي حتى ذلك اليوم الذي تأتي فيه "الشريعة الكل "، الناسخة لكل الشرائع التي سبقتها والتي ستبقى إلى الأبد حسب قول اشعيا الذي مر معنا "واْما كلمة إلهنا فتثبت إلى الأبد" أشعيا:40/8، وهي التي نزلت على محمد فيما بعد وثبتت حتى يومنا هذا وإلى الأبد بدون تحريف. أي القرآن الذي كان بمثابة العهد الختامي الذي أودع الله فيه خلاصة الوحي منذ آدم، وبعده جفت الأقلام وطويت الصحف، فقال عز من قائل (وأنزلنا إليك الكتاب بالحق مصدقاً لما بين يديه من الكتاب ومهيمناً عليه) سورة المائدة: الآية 48، أي شاهداً على جميع الكتب السماوية السابقة،
وأن دور التوراة والإنجيل وغيرهما من الكتب في هداية الناس قد انتهى بنزول القرآن لأنه ناسخ لها جميعا بعد أن حوى جواهر معانيها وزاد عليها ما ينفع البشرية جمعاء حتى قيام الساعة.
وهذا تحقيق للنبوءة الورادة على لسان داود وعيسى. "لذلك أقول لكم أن ملكوت الله ينزع منكم ويعطي لأمة تعمل أثماره " متى. 21/42، ولقد نزعت النبوءة والرسالة منهم وأعطيت لمحمد وأمته فهم الذين يعطون أثمارها حتى اليوم كما مر معنا.
وقول المسيح ما جئت لأنقض... يتفق تماماً مع ما جاء في القرآن (وإذ قال عيسى ابن مريم يا بني إسرائيل إني رسول اللّه إليكم مصدقا لما بين يدي من التوراة ومبشراً برسول يأتي من بعدي اسمه أحمد) سورة الصف: الآية 6، يعني أن رسالته هى استمرار لرسالة موسى وتصديق لها، وما جاء به عيسى ليس إلا مرحلة من مراحل الرسالة الإلهية الواحدة التي ذكرناها في مطلع هذا الكتاب. وعليه لا يكون دين عيسى ديناً جديداً ومستقلاً بذاته. وإن كان عيسى قد أعطى الإنجيل فالإنجيل والتوراة ديانة خاصة باليهود حسب قول المسيح نفسه "لم أرسل إلا لخراف بيت إسرائيل الضالة" متى. 15/ 25، أما الشاؤولية الكنسية الوثنية (مسيحية اليوم) وهي المنفصلة تماماً عن الموسوية العيسوية فهي خروج على المنهج الإلهي ومشحونة بالأوهام والكفر. وهي التي هاجمها النقاد والمؤرخون النصارى الأحرار كما مر معنا، لذا يجب على كل عاقل نزع اسم "المسيحية" عنها ليظهر وجهها البشع الحقيقي تحتها وهو الوجه الشاؤولي الكنسي الوثني لأنها ليست من المسيحية في شيء، والمسيح نفسه بريء منها ومن أصحابها.
وللذي ما زال عنده شك نقول إنه في الوقت الذي قال فيه المسيح "ما جئت لأنقض الناموس أو الأنبياء" نرى شاؤول الفريسي ألد أعداء المسيح قد نقض الناموس لا بل نسفه وألغاه من أساسه. فاستمع إليه وهو يحرض الناس ضد الناموس ويقول "إن كان بالناموس بر، فالمسيح إذا مات بدون سبب " غلاطية 2/ 21، وقوله في مكان آخر "لقد كان الناموس مؤدبنا إلى المسيح لكي نتبرر بالإيمان، ولكن بعدما جاء الإيمان لسنا بعد تحت مؤدب " غلاطية:2/15 ،لماذا كل هذا !؟ نعم لقد فضحه النقاد وهاجموه بل كشفوه وعروه ولكن لم يذهبوا أبعد من ذلك. أي لم يسألوا أنفسهم لماذا كان يحض الناس على ترك الناموس وما الذي كسبه من وراء ذلك. والجواب ببساطة أنه أراد أن يبعد الأمم عن الناموس وعن الله الواحد ليوجههم إلى دينه الوثني من أجل إبقاء الجنة خالصة لقومه اليهود، وماذا كان دينة الوثني !؟ المسيح المصلوب الذي قدم نفسه ضحية ليرضي الآلهة، تماماً كالوثنيين القدامى الذين كانوا يقدمون الضحايا البشرية لآلهتهم الوثنية لترضى عنهم. لذا تقبلت الأمم الوثنية في ذلك الوقت دينه لا سيما بعد أن زعم لهم أن من يؤمن بذلك تغفر خطاياه وتكون له الحياة الأبدية.
واستمعوا له مرة أخرى وهو يروج لدينه الذي فبركه على الأمم ليغشهم ويبعدهم عن عبادة اللّه الواحد ويوجههم إلى عبادة المسيح المصلوب حيث يقول "لأني لم أعزم أن أعرف شيئاً بينكم إلا يسوع المسيح وإياه مصلوباً" كورنثوس الأولى: 2/ 2،. إنه لم يعزم أن يعرف شيئا. لا الناموس ولا الأنبياء ولا إله الناموس ولا إله الأنبياء... الشيء الوحيد الذي يعزم أن يعرفه ويركز اهتمام الأمم عليه هو المسيح المصلوب. هذا كان كل همه.
وسؤالنا لجميع من ضللهم شاؤول هذا ويعتقدون اليوم أنهم بشاؤوليتهم إنما هم مسيحيون من أتباع المسيح، هل قال المسيح شيئاً من هذا الهذيان !؟، إنها ليست سوى الشاؤولية التي أضافت لها الكنائس مزاعمها وطقوسها ومزجتها بالوثنية أكثر فأكثر فيما بعد فأدخلت يها التماثيل والأصنام والخمر والخنزير والفطير والصيام الرجيم والصلاة على أنغام أدوات الطرب البيانو والأورج في بيوت لا يذكر فيها اسم "اللّه " إنما يذكر فيها إله الكنيسة المثلث بعد قرع الأجراس الضخمة التي لم يسمع المسيح صوتها يوماً من الأيام. فهل غريباً أن يقول المسيح يوم الدينونة لهؤلاء القوم من أين أتيتم إني لا أعرفكم "اذهبوا عني يا ملاعين إلى النار الأبدية المعدة لإبليس وجنوده ".
واستمع إلى شاؤول هذا مرة ثالثة وهو يحرض الأمم التي اتبعته على ترك الناموس بل ونبذه "الإنسان لا يتبرر بأعمال الناموس. الإنسان يتبرر بالإيمان (وإيمانه صلب المسيح) بدون اعمال الناموس... لأن جميع الذين هم من أعمال الناموس هم تحت لعنة بأعمال الناموس لا يتبرر جسد ما... وأما الآن فقد تحررنا من الناموس " غلاطية: 2/ 16،.
والسؤال الذي يجب أن يسأله كل مسيحي لنفسه من أين له هذا التخريف؟! ومن الذي حرره من الناموس. لقد قال عيسى "ما جئت لأنقض الناموس أو الأنبياء"، وجاء شاؤول ليقول ما جئت إلا لأنسف الناموس والأنبياء ويحرض الناس على تركهما. إن الذي يحرض على الجريمة اليوم تقتص منه محاكمنا الوضعية بعقاب موازي لمرتكب الجريمة نفسها إن لم يكن أشد، فماذا سيكون عقابه عند اللّه وهو الداعي إلى ترك كتاب الله، فهل كان غريباً بعد ذلك أن يقيض اللّه له من يقطع رأسه ويخرسه إلى الأبد!؟ لذا تسميتنا لأتباعه بالشاؤوليين لم تأت من فراغ. وعليه لا يصح تسميتهم بالمسيحيين إطلاقاً!، ولسنا نحن الذين نقول ذلك بل مؤرخوهم ونقادهم الذين من ابناء جلدتهم إذ أين ما هم فيه اليوم من المسيحية الحقة التي جاء بها المسيح والتي يتشدقون بحمل اسمها فقط!؟.
لو دعا المسيح إلى ترك الناموس أثناء حياته على الأرض ولو مرة واحدة، أو لو حتى دعى إلى ذلك في تلك التمثيلية الهزيلة المصطنعة التي ادعى فيها شاؤول أنه سمع صوته يوبخه وهو متجه إلى الشام (أعمال الرسل إصحاح 9) لكان نبياً كاذباً لا يعتد به لأنه سيكون قد ناقض قوله السابق "ما جئت لأنقض الناموس "!! وحاشا للمسيح أن يفعل ذلك. ولكن ، دعونا نتصور ولو للحظة أن المسيح قد طلب ذلك من شاؤول وحمله الرسالة المناقضة لكل أقواله وأفعاله من بعده، فأن المدقق في أخبار شاؤول وأقواله وأفعاله حسب ما وردت فيما يسمونه بالعهد الجديد يجدها تبدأ من الإصحاح التاسع في أعمال الرسل، و جاءت جميع أقواله في 164 صفحة. ولما كانت كل صفحة تحتوي بحدود 21 سطراً وفي كل سطر بحدود 12 كلمة يكون الناتج عندنا 164×21×12=41832 كلمة. فهل هناك من يصدق أن المسيح كان يتكلم بسرعة 14328 كلمة في الدقيقة أو الدقيقتين التي تمت فيها تمثيلية الإغماءة المصطنعة التي سمع خلالها شاؤول صوته. وهل هناك عاقل يصدق أن شاؤول قد استوعب هذا العدد من الكلمات في دقيقة أو دقيقتين ليقوم بتنفيذه لأنه لم ير المسيح بعد ذلك!!؟ لا حقيقة ولا في المنام!!! إن من يؤمن بذلك فعلى عقله السلام.
إن هذا ليؤكد أن الى 41832 كلمة التي جاء بها شاؤول في أعمال الرسل ورسائله المختلفة وضلل بها أكثر من بليون إنسان إنما هي كلها من غرسه. والعاقل كما أسلفنا هو الذي يعمل بقول المسيح "كل غرس لم يغرسه إلهي السماوي يقلع " متى: 15/13،. ويكون حذراً من شاؤول وأمثاله الذين قال فيهم المسيح "احترزوا من الأنبياء الكذبة الذين يأتونكم بثياب حملان ولكنهم من الداخل ذئاب خاطفة" متى: 7/15،. وإذا كانت حقيقة شاؤول قد كتمت ولم يعرفها الكثير من السابقين، فاليوم قد عرفها النقاد الغربيون والمسيحيون المثقفون وجاهروا بها قبل النقاد الشرقيين وتحقق قول! المسيح "ليس مكتوم لن يستعلن ولا خفي لن يعرف " متى:10/26، وأما إذا كان حتى اليوم أكثر من بليون شاؤولي قد تركوا اللّه وعبدوا عيسى المصلوب فهذا دليل على أنه رغم كل ما كتبه النقاد المسيحيون الغربيون والشرقيون عن شاؤول اليهودي الفريسي فأن حقيقته لم تصل إلى العامة بعد. ومعنى ذلك أن المؤامرة ما زالت مستمرة على عيسى ودين عيسى. الأمر الذي يحتم على كل من يحب المسيح الذي قال "ابحثوا عن الحق والحق يحرركم " أن ينبه هؤلاء القوم الغافلين ويوقظهم لينزعوا الخشبة التي غرسها ألد أعداء المسيح في عيونهم لا بل في عقولهم ليعودوا إلى الله الواحد قبل فوات الأوان ليستردوا أماكنهم في الجنة. وسؤالنا لجميع الذين ما زالوا مضللين به معتقدين أنهم باتباع شاؤول هذا يكونون من أتباع المسيح الذي تعبد بالناموس حتى ساعاته الأخيرة على الأرض: هل في الناموس غير إله واحد! !؟ هل في الناموس أكل لحم الخنزير! !؟ هل في الناموس شرب الخمر !؟ هل في الناموس إلغاء للختان!!؟ هل في الناموس استبدال! السبت بالأحد! !؟ هل في الناموس أن دم المسيح فيه غفران للخطايا!!؟ هل في الناموس عماد!!؟ هل في الناموس صلاة باتجاه الشرق بدون اغتسال، على أنغام البيانو أو الأورج، وركوع وسجود للتماثيل والصلبان!!؟، هل مذكور في الناموس أن البشرية تحمل خطيئة آدم!!؟ وهل... وهل... وهل...!!؟.
فهل ترى أخي العزيز كيف فبرك شاؤول هذا ديناً عجيباً غريباً جعل فيه كل حرام حلالاً من أجل إضلال أكبر عدد من الأمم خوفاً من أن يذهبوا إلى عبادة الله الواحد الأحد الذي نادى به المسيح فيكسبوا الحياة الأبدية، وبذا يشاركون قومه الجنة! !؟. انظر كم من الوصايا التي كان يتمسك بها المسيح ألغاها بجرة قلم وأجهزت كنائسه من بعده على ما تبقى منها ليضلوا بها الأمم زاعمين لهم أن هذا هو دين المسيح!.
إننا في الحقيقة لنستغرب للعقلاء من الذين يسمون أنفسهم نصارى أو مسيحيين اليوم! ألم يفكروا ولو لدقيقة واحدة لماذا طلب منهم شاؤول هذا أن يتركوا الناموس! وكيف يتركون الناموس الذي لا زال فيه شيء من وحي اللّه ويتبعون دين شاؤول الإنسان المتلون الذي يرقص على كل حبل باعترافه هو شخصياً! ألم يستطيعوا أن يلمسوا أن لعبته مكشوفة ومفضوحة، وهي جرفهم بعيداً عن ناموس الله ليبقى الناموس الذي فيه لا إله إلا الله- لليهود وحدهم بدليل أنه بعد أن سوق عليهم الثالوث بقي قومه اليهود محتفظين بـ"لا إله إلا الله" حتى يومنا هذا، وهم ينفقون ملايين الدولارات سراً على نشر دينه ذي الإله المثلث بينما لا ينفقون فلساً واحداً على نشر دينهم ذي الإله الواحد. أفبعد كل هذا يترك النصارى الناموس ودين عيسى الموحد بالله ويتبعون شاؤول هذا، بينما المسيح نفسه قال "ما جئت لأنقض الناموس أو الأنبياء". ثم لاحظ كلمة "الأنبياء" في قول المسيح أي جئت أحمل نفس الدعوة التي حملها الأنبياء قبلي.
وجميع الأنبياء قبله دعوا إلى دين واحد وإله واحد مما يؤكد ما قلناه قبلاً. فهلا سأل النصراني قساوسته أن يدلوه على نبي واحد، وواحد فقط من الأنبياء الذين سبقوا عيسى منذ بدء الخليقة حتى الآن يكون قد دعى إلى إله مثلث اسمه الأب والابن وروح القدس، أو أن الله اتخذ ولداً... فإن دلوه فليأت ويقبض منا جائزته لأنه ساعتها يكون هو وقساوسته على صواب ونحن على خطأ.
متى 5/21-26،: "قد سمعتم أنه قيل للقدماء لا تقتل ومن يقتل يكون مستوجب الحكم. وأما أنا فأقول لكم أن كل من يغضب على أخيه باطلاً يكون مستوجب الحكم، ومن قال لأخيه رقا يكون مستوجب المجمع (ومن قال لأخيه يا أحمق يكون مستوجب نار جهنم) فإن قدمت قربانك إلى المذبح وهناك تذكرت أن لأخيك شيئاً عليك فاترك هناك قربانك قدام المذبح واذهب أولاً واصطلح مع أخيك وحينئذ تعال وقدم قربانك ". (كن مراضياً لخصمك سريعاً ما دمت معه في الطريق لئلا يسلمك الخصم إلى القاضي ويسلمك القاضي إلى الشرطي فتلقى في السجن. أقول لك لا تخرج من هناك حتى توفي الفلس الأخير).
قلنا في مطلع هذا الإصحاح أنهم لم يتركوا موعظة الجبل كما جاءت على لسان المسيح وأنهم أبوا إلا أن يدسوا أصابعهم فيها ليفسدوها. فلاحظ أخي العزيز أننا وضعنا لك الكلام الذي نعتقد أنه مدسوس بين قوسين. فالمسيح يتكلم عن ملكوت الله ويحذر من الأعمال التي تحول من الدخول فيه. كالقتل مثلاً، وشريعة موسى نهت عن القتل. والمسيح كان متشددا أكثر إذ حذر من الأسباب التي قد تقود إلى القتل والتي منها الغضب فنهى عن الغضب الذي إذا اشتعل باطلاً فقد يؤدي إلى القتل فقال: لا تغضب على أخيك باطلاً، أي ظلماً. لذلك إذا ذهبت لتقدم قربانك وتذكرت أن لأخيك شيئاً عليك، أي إذا كنت قد أخطأت في حق أخيك فاذهب أولاً واصطلح معه ليكون قلبك نقياً، ثم قدم قربانك حتى يتقبله اللّه منك ساعة تقديمه بقلب نقي.
وكلمه "رقا" كلمة آرامية ومعناها يدل على الاحتقار ولا ندري لماذا تركوها بدون ترجمة. نحن نستطيع أن نتقبل هذا الكلام ككلام المسيح، أما سواه مما جاء في باقي النص من القاضي والشرطي والسجن... فكلها ألفاظ تبدو عليها مسحة الكاتب، إضافة إلى أن الفلس لم يكن مستعملاً زمن المسيح. والهدف من كل ذلك هو إظهار المسيحية وقتها بأنها مسالمة للرومان المستعمرين الذين كانوا يخشون ظهور النبي القادم الذي سيزيل ملكهم يوم كانت الكنيسة ضعيفة بالكاد تقف على أرجلها. وما فضح الكاتب في دسه في نصوص المسيح هو قوله "من قال لأخيه يا أحمق يكون مستوجب نار جهنما". فإذا كان على هذه الكلمة مستوجب نار جهنم، فبالله ماذا ترك للكافر أو المجدف أو القاتل أو الزاني... يكون مستوجب ماذ!؟!.
متى 5/21-26،: "قد سمعتم أنه قيل للقدماء لا تزن وأما أنا فأقول لكم إن كل من ينظر إلى امرأة ليشتهيها فقد زنى بها في قلبه، فإن كانت عينك اليمنى تغرك فأقلعها والقها عنك لأنه خير لك أن يهلك أحد أعضائك ولا يلقى جسدك كله في جهنم، وإن كانت يدك اليمنى تغرك فاقطعها والقها عنك لأنه خير لك أن يهلك أحد أعضائك ولا يلقى جسدك كله في جهنم ".
كذلك نهت شريعة موسى عن الزنا، والمسيح تشدد في ذلك إذ جعل مجرد النظر إلى المرأة بنظرة الشهوة في حكم الزنى. فالمسيح كان يتعمق إلى جذور الخطايا وهذا طبعاً مغالاة من المسيح لأنه كان يحب أمته لكي يبعدهم عن الزنا بعداً كبيراً لأنه ذنب عظيم عند اللّه ولأن فيه اعتداء على الحرمات وخلط الأنساب، والزنا نهت عنه جميع الأديان السماوية السابقة واللاحقة. والمسيح يحب المؤمنين من قومه ويريد أن يضمن لهم الجنة، فهو لا يريد أن يبعدهم عن الزنا فحسب، بل عن كل ما يقربهم منه (النظرة للمرأة بعين الشهوة) لذا تشدد معهم ولقد جاء مثل ذلك في القرآن لأن رسالة الله كما أسلفنا رسالة واحدة لجميع أنبيائه إذ قال عز من قائل (ولا تقربوا الزنى إنه كان فاحشة وساء سبيلا! سورة الإسراء: الآية 32، وقوله لا تقربوا أبلغ من لا تزنوا، أي لا تقربوا من أي شيء قد يقودكم إلى الزنا، مثل النظرة، والخلوة والاختلاط... الخ.
ولكن إذا نظرنا اليوم إلى النساء الشاؤوليات نراهن في الأسواق والمجتمعات وهن متبرجات يلبسن القصير ويكشفن عن صدورهن ويبرزن مفاتنهن ويرقصن في حفلات التانجو والفوكس والروك والديسكو، ويرتمين في أحضان الشباب متعانقات لاهثات تحت الأنوار الخافتة والموسيقى الصاخبة أو الهادئة والتفت الساق بالساق والصدر بالصدر مع التأوهات والزفرات تحت تأثير الخمر والموسيقى وقد ارتفعت درجة حرارتهن وينتهي الاْمر إما في شقته أو شقتها لممارسة الزنا. أين هذا كله من قول المسيح "فإن كانت عينِك أو يدك تغرك فاقطعها،وكل من ينظر إلى امرأة ليشتهيها فقد زنى بها في قلبه "! لا عجب!! إنهن لسن مسيحيات إنما شاؤوليات.
متى 5/31-33،: "وقيل من طلق امرأته فليعطها كتاب طلاق وأما أنا فأقول لكم إن من طلق امرأته إلا لعلة الزنى يجعلها تزني ومن يتزوج مطلقة فأنه يزني ".
هنا يجب أن نتوقف وقفة طويلة. لماذ!؟! لأن الكاتب ابتدأ يهذي ويدس آراءه هو ويخلطها في آراء المسيح، فعليكم أن تلاحظوا الفرق بين التشديد السابق الذي كان ينادي به المسيح الذي هو في نفس خط التوراة، وليس فيه أي خروج على شريعة موسى، وبين التخريف الذي جاء يدسه هذا الكاتب، أو القسيس الجاهل لغرض في نفسه، والذي فيه كل
الخروج على شريعة موسى، منتهزاً تكرار قول المسيح "قد سمعتم أنه قيل... وأما أنا فأقول "، فجاء ليدس آراءه هو. فالتشريع الذي دسه الكاتب هنا يقطر كذباً. فهو علاوة على أنه مناقض لدين موسى الذي جاء في التوراة هو كذلك مناقض لقول المسيح الذي قال "ما جئت لأنقض "، بالإضافة إلى أنه تشريع غير حصين، ملىء بالثغرات، ويمكن الطعن فيه لأكثر من سبب، مما يثبت أنه لا يمكن أن يكون من أقوال المسيح إذ أن الطلاق في التوراة جائز لكل سبب فقد جاء
فيها "إذا أخذ امرأة وتزوج بها فإن لم يجد نعمة في عينيه لأنه وجد فيها عيب شيء وكتب لها كتاب طلاق ودفعه إلى يدها وأطلقها من بيته... الخ " تثنية: 24/ 1، ولكن في التشريع الغريب الذي وضعوه على لسان المسيح، لا يجوز الطلاق إلا لعلة الزنا، كما لا يجوز لرجل آخر أن يتزوج المطلقة وإن فعل فهو زانٍ فهذا تخريف ونقض لما جاء في الناموس والمسيح الذي قال ما جئت لأنقض لم يتحرك من مجلسه بعد. فهذا وجه الكذب في هذا التشريع. نعم في الطلاق مضار كثيرة معروفة، لكن من الناحية الاْخرى فيه منافع كثيرة أيضاً لا يمكن أن تكون قد غابت عن ذهن المسيح الذي كان ينطق بالإنجيل الذي هو وحي السماء. لكن من المؤكد أنها غابت عن ذهن القسيس الذي دس هذا التشريع الغريب فمن هذه المنافع:
(أ) الهدف الأساسي من الزواج هو الإنجاب وتكوين الأسرة. فإذا كانت الزوجة عاقراً، فلماذا لا يستبدلها الزوج بامرأة ولود تنجب له الأطفال وتكون له الأسرة. ولو منع هذا الاستبدال فإن الهدف من الزواج لن يتحقق.
(ب) قد يكون الزوج نفسه عاقراً، ولكن الزوجة تشعر بعاطفة الأمومة. ولكنها في مثل هذه الحال تجد نفسها محرومة منها بسبب عقم زوجها. فإذا طلقها زوجها وتزوجت من غيره وانجبت تكون قد أرضت عاطفتها التي غرسها اللّه فيها وحققت الهدف من الزواج بالإنجاب وتكوين الأسرة فلماذا لا تتطلق!؟.
(ج) قد لا يتلاءم الزوجان في الخلق فيحصل بينهما النفور. فهل يقضيان بقية عمرهما في تعاسة ونكد؟! لا!! إذ في إباحة الطلاق هنا خلاص للطرفين. فهل غابت مثل هذه الأمور عن المسيح؟ محال!.
(د) من ضعف التشريع المذكور أيضاً أنه بعيد عن التحقيق إضافة إلى أن فيه امتهان للزوجة لأنه حصر الطلاق بعلة زنا الزوجة، ولم يشر إلى زنا الزوج الذي مجال الزنا أمامه مفتوح أكثر. ومثل هذا لا يمكن أن يكون قد غاب عن ذهن المسيح أيضاً. لذا لا يمكن أن يكون المسيح هو صاحب هذا التشريع.
(هـ) من ضعف هذا التشريع أيضأ قوله:"من طلق امرأته إلا لعلة الزنا يجعلها تزني" وهذا خطأ فاحش فليس كل مطلقة لغير علة الزنا تزني. وإلا لأشار الناس إلى كل مطلقة في المجتمع بأنها زانية. وهذا غير صحيح.
(و) كما لا نفهم كيف من يتزوج مطلقة يكون هو زاني وهي زانية!! إذ أن الفرق بين الزواج والزنا واضح كل الوضوح. فالأول يتم علناً بالشهود والمهر والفرح والعرس وعلى مرأى من الجميع ويسجل في الدوائر الرسمية، بينما الثاني عملية سريعة ومؤقتة تتم في السر بين الطرفين. فأين الزواج من الزنا؟!!. ثم إن التزوج بالمطلقات والأرامل هو واجب المجتمع نحوهن إذ نبذهن فيه هضم لحقوق الإنسان في الحياة.
(ز) إن عدم الطلاق عند النصارى سابقاً انطوت تحته سيئات متعددة وكثيرة مثل كثرة العوانس، وانتشار الزنا، والأبناء الغير شرعيين. ولكي تتأكد أخي العزيز أن هذا الكلام مدسوس على المسيح إفتح إنجيل لوقا 16/18 واقرأ هذا العدد والذي سبقه والذي تلاه، لترى أن العدد 16/18، الذي يقول " كل من يطلق امرأته ويتزوج بأخرى يزني... الخ "
محشور حشراً بين ما سبقه وما تلاه لتتأكد ساعتها بنفسك أنه لا علاقة له بهما وأنه محشور حشراً بينهما.
لقد بقي النصارى الشاؤوليون أسارى لهذا التشريع المدسوس المليء بالثغرات قروناً عديدة وهم يعتقدون أنه من تشريعات المسيح، والمسيح ما كان أبداً مشرعأ، بل معلما وواعظا. ومما يذكر أن ملك انكلترا السابق ادوارد الثامن أحب مطلقة أمريكية كان اسمها "والي سمبسون " وصمم على الزواج منها، فخيرته الكنيسة بين الزواج منها وبين التنازل عن العرش، فتنازل المسكين عن العرش وتزوجها. أي سمحت الكنيسة لنفسها بأن تتناسى هذا التشريع الذي
يحرم الزواج بمطلقة، ولم تسمح لنفسها بأن تتناسى التقاليد الملكية، أي أن التقاليد الملكية عند الكنيسة أهم من الدين. وهذا دليل على أن هذا التشريع من صنع الكنيسة، تبدله كيف تشاء، ومتى تشاء وليس من صنع المسيح، فالذي يضع القوانين اليوم يستطيع أن يغيرها غداً فقد قالوا في الأناجيل الثلاثة أن عيسى ابن الله والنبي المنتظر. ثم غيروا رأيهم في الإنجيل الرابع وقالوا إن عيسى هو الله نفسه. لذا يقول الدكتور فريدريك كلفتن جرانت أستاذ الدراسات اللاهوتية في الكتاب القدس بمعهد اللاهوت الإتحادي بنيويورك "وعندما ننظر في العهد الجديد فأننا لا نتوقع أن نجد عقيدة محددة وثابتة... ".
وكما قلنا الطلاق في التوراة جائز لأي سبب بكتاب من الزوج. أما التشريع المذكور فقد حصره واضعه في علة الزنا. مما يعتبر عند كل عاقل نقضا للناموس. الأمر الذي وقع فيه كثيرون أسرى وضحايا لهذه النصوص الغير معقولة، عبر القرون الماضية مما اضطرهم إلى الزنا فعلاً، فكان الرجل يزني خارج منزله ولا يخاف اللّه. وكانت المرأة تزني خارج منزلها أيضاً ولا تخاف اللّه إنما يخافان الكنيسة. فيبقيان على زواجهما قائما أمام الكنيسة والناس. أما في سلوكهما الشخصي فقد كان كل منهما يضرب في واد. ويقول عبد الرحمن سليم البغدادي في كتابه الفارق بين المخلوق والخالق صفحة 235 "وإني لأستحي أن أحرر في كتابي هذا إحصاء الأولاد اللقطاء في الأمم التي تدعي التمدن من بلاد أوروبا ويكفيك أن الأمة الفرنسية جمعت في وقت ما من هؤلاء الأولاد ثمانين ألفا من العسكر وهذا أكثره تسبب عن منع الطلاق وبعضه من عدم جواز تعدد الزوجات ".
ولما كان هذا التشريع غير معقول بالمرة فقد ضاق الناس به ذرعاً. في القرن العشرين، وانتشر الزنا بسببه. وأخيراً ثار الناس وحطموا قيود الكنيسة وانتزعوا حق الطلاق منها ووضعوه في يد المحامي أو كاتب العدل. وفي البداية اشتهرت مدينة "ريودي جانيرو" عاصمة البرازيل بأنها "مدينة الطلاق" فأصبح كل من يريد الطلاق في أمريكا ما عليه إلا أن يسافر إلى مدينة "ريو" ليقوم بإجراء الطلاق على يد المحامي أو كاتب العدل ليحصل عليه.
ثم انفجر الأمر وانتشر الطلاق وعم في أوروبا وكل العالم الشاؤولي الكنسي المسمى ظلماً بالعالم المسيحي، وخشيت الكنيسة على نفوذها وعندها أعلنت إباحة الطلاق. ولكن!! كعادتها جاء قرارها متأخراً، بل ومتأخراً جداً، إذ أن الزمن كان قد تجاوزه بكثير- كما هي عادة قرارات الكنيسة دائماً- لأن الزواج نفسه قد خرج عن يد الكنيسة إلى يد المحامي أيضاً. إلا أن عدد الذين يتزوجون في أوروبا وأمريكا أخذ يقل تدريجياً بشكل ملحوظ بعد ذلك لانتشار الزنا بسبب اكتشاف حبوب منع الحمل واختراع العوازل للرجال، ونرى بلاداً كألمانيا وفرنسا تصرخان لانخفاض عدد مواليدهما. إذ أصبح الشباب يختارون خليلاتهم في سن مبكرة (15-16) سنة، والأكبر سناً يعيشون عيشة الأزواج تحت سقف واحد، شهراً أو اثنين، أو سنة أو سنتين أو العمر كله إذا شاؤوا دون زواج ودون كنيسة. وإن شاؤوا الانفصال انفصلوا بهدوء كما اجتمعوا بهدوء لا مراسم كنسية ولا حتى محامٍ . وكل ذلك سببه هذا التشريع الغير معقول الذي ضيق على الناس حياتها والذي نسبوه إلى المسيح زوراً فجنوا ما زرعته أيديهم، وأفسدوا بذلك المجتمع.
والعاقل يرى أن الطلاق لأي سبب في التوراة مباح، والتوراة كانت قبل المسيح. كذلك يرى أن الطلاق في القرآن مباح، والقرآن نزل بعد المسيح، ولا يستطيع المرء إلا أن يستنتج أن الطلاق كان أيضاً مباح في دين المسيح الذي لم يكن يناقض الناموس، ولكن التحريم جاء من قساوسة الكنيسة الشاؤولية لا من المسيح، لأن اللّه واحد ودينه واحد. كما أن الزواج بالمطلقة مباح أيضاً فىِ اليهودية والإسلام. وهذا هو اللائق برحمة اللّه لعباده كما أسلفنا. إذ جاء في القرآن (وإن يتفرقا يغن اللّه كلا من سعته وكان الله حكيماً) سورة النساء: الآية 130. أما إن لم يكن هناك حاجة إلى الطلاق فهو مكروه لأسباب عديدة معروفة. ولقد جاء في الحديث "أبغض الحلال إلى اللّه الطلاق ".
كما أن الزواج بأكثر من واحدة في التوراة مباح "واتخذ لامك لنفسه امرأتين اسم الواحدة عاده، واسم الأخرى صله " تكوين: 4/19،. وكذلك يعقوب كان له زوجتين ليقه وراحيل.
وإبراهيم ساره وهاجر وقطوره وموسى صفوره المديانية وأخرى كوشيه... وداود وسليمان... وكذلك الزواج بأكثر من واحدة في الإسلام مباح. والتوراة كانت قبل المسيح، والقرآن جاء بعد المسيح، إذا لا بد أن يكون الزواج بأكثر من واحدة مباح في دين المسيح لأن الله واحد ودين الله واحد كما أسلفنا لا سيما وأنه لا يوجد نص واحد على لسان المسيح في الأناجيل كلها يمنع الزواج بأكثر من واحدة. أما إذا كان الشاؤوليون الكنسيون لا يتزوجون بأكثر من واحدة حتى اليوم فذلك لأن شاؤول وقساوسة الكنيسة منعوهم من ذلك. وأصبح هذا تقليداً متبعاً حتى اليوم فهل بعد ذلك عجب في تسميتهم بالشاؤوليين الكنسيين وتسمية دينهم من قبل النقاد المسيحيين أنفسهم بـ"التقاليد الموروثة"!؟. هذا في الوقت الذي نرى فيه أن الكنيسة تغض الطرف عن تعدد الزوجات بين المسيحيين في أفريقيا. حتى القسيس في الكنيسة الأفريقية يجوز له أن يتزوج بأكثر من امرأة بينما يحرم هذا على زميله القسيس في أوروبا. فأيهما المسيحية؟ أتحريم التعدد على المسيحيين في أوروبا أم جوازه لشركائهم في العقيدة في افريقيا!!؟. تلك هي سياسة الكنيسة في نشر عقائدها، تحرم وتحلل لترغيب الناس في اعتناق المسيحية ثم يصير ما حللته أو حرمته بمرور الزمن تقليداً تدافع عنه الأجيال اللاحقة كأنه منزل من السماء وفي حقيقته لم يكن سوى تحريفاً لشريعة الله .
متى 5/33-37: "أيضا سمعتم أنه قيل للقدماء لا تخنث بل أوف للرب أقسامك. وأما أنا فأقول لكم لا تحلفوا البته لا بالسماء لأنها كرسي اللّه ولا بالأرض لأنها موطىء قدميه (ولا بأورشليم مدينة الملك العظيم) ولا تحلف برأسك لأنك لا تقدر أن تجعل شعرة واحدة بيضاء أو سوداء. بل ليكن كلامكم نعم نعم لا لا وما زاد على ذلك فهو من الشرير".
لقد أباحت التوراة القسم "الرب إلهك تتقي وإياه تعبد وباسمه تحلف " تثنية: 6/13، والمسيح هنا نصح بالنهي عن القسم خشية أن لا يستطيع المؤمن أن يفي بقسمه. وذلك نوع من التشديد أيضاً في نفس الخط ولا نرى فيه خروجاً على التوراة، إذ أن القسم موجود في كل الديانات. ولكن من حب المسيح للجموع الغفيرة التي كان يعظها، ومن شدة خوفه أن يقسموا ثم لا يستطيعوا الوفاء بقسمهم فقد نصحهم بتجنب القسم. لأن الوصية الثالثة من الوصايا العشر
تقول لا تنطق باسم الرب إلهك باطلاً لأن الله لا يبريء من ينطق باسمه باطلاً (خروج 20/7)
لذلك قال لهم المسيح ليكن كلامكم نعم نعم أو لا لا "أي ليصدقكم من يصدق وليكذبكم من يكذب ".
أما القرآن فقد جاء وسطاً بين قول موسى وعيسى، إذ قال (ولا تجعلوا اللّه عرضة لأيمانكم ) سورة البقرة. الآية 224، أي لا تقسموا باللّه على الصغيرة والكبيرة، ودعوا القسم فقط للأمور التي تتطلب القسم، لأن هناك أمور لا بد لها من القسم. لكن المدقق في تكملة النص الذي ورد في الإنجيل يجد يداً غريبة قد امتدت وأفسدت النص بجملة تعتبر حشواً لا طائل تحته وهي جملة "ولا بأورشليم مدينة الملك العظيم " فهذا دس مكشوف لتعظيم أورشليم وملكها "داود" ولا مكان لهذه الجملة، لأن أورشليم تدخل ضمن "الأرض " التي هي موطىء قدمي اللّه، حسب ما جاء في النص، مما يثبت أن كاتبها يهودىِ متعصب لأورشليم ولداود، دسها في الإنجيل ونسبها للمسيح، أما قوله "لا بالسماء لأنها كرسي اللّه ولا بالأرض لأنها موطىء قدميه " فهو قول يدعو للتفكير عند كل مسيحي عاقل، إذ كما أسلفنا كيف يعتقدون أن من كرسيه السماء والأرض موطىء قدميه قد وسعه أو تحمله رحم مريم!.
5/8-42: "سمعتم أنه قيل عين بعين وسن بسن. وأما أنا فأقول لكم لا تقاوموا الشر بالشر (بل من لطمك على خدك الأيمن فحول له الآخر. ومن أراد أن يخاصمك ويأخذ ثوبك فاترك له الرداء أيضاً) ومن سخرك ميلاً واحداً فأذهب معه اثنين، ومن سألك فأعطه ومن أراد أن يقترض منك فلا ترده".
(أ) لا تقاوموا الشر بالشر: شريعة التوراة هي العين بالعين والسن بالسن. اقرأ معي "وإن حصلت أذية تعطي نفساً بنفس وعيناً بعين وسناً بسن ويداً بيد ورجلا برجل وكياً بكي وجرحاً بجرح ورضاً برض " خروج: 21/ 24، وكذلك "وإذا أمات أحد إنساناً فأنه يقتل. ومن أمات بهيمة يعوض عنها، نفساً بنفس... كسرا بكسر... وعيناً بعين، وسناً بسن... " لاويين: 24/19-2
لأنهم كانوا أجلافاً لا يفهمون إلا لغة القوة، ولكن زمن المسيح كانت الأمم قد تطورت وارتقت إذ نشأت هناك فلسفة يونانية، وقوانين رومانية تحكم وتضبط، وتتمشى مع العقل والمنطق فتغيرت مفاهيم الناس لذلك جاء المسيح يقول: لا تقاوموا الشر بالشر لأن المنطق يقول من يقاوم النار بنار مثلها يزيدها اشتعالاً، ومثل هذا المنطق ينطبق مع التفكير الذي كان قد ترقى وساد في تلك الأيام، ولا يسمى هذا تشريعاً حتى لا يقال إن المسيح كان مشرعا إنما هو من باب الوعظ والنصح والإرشاد.
ولقد جاء في القرآن فيما بعد يؤيد ذلك (ولا تستوي الحسنة ولا السيئة، ادفع بالتي هي أحسن فإذا الذي بينك وبينه عداوة كأنه ولي حميم) سورة فصلت: الآية 34، إلا أنه حفظ لك الحق في الرد فقال (وإن عاقبتم فعاقبوا بمثل ما عوقبتم به- لكنه أضاف- ولئن صبرتم لهو خير للصا برين ) سورة النحل: الآية 126،.
(ب) من لطمك على خدك الأيمن فحول له الآخر...: هذا المثل وإن كان قد شاع وذاع منسوباً للمسيح فهو أمر للناقد الفاحص، يدعو إلى الاستهجان والغرابة. مما يستبعد أن يكون من أقوال المسيح. صحيح أن هناك أمور يستطيع المرء أن يتحملها ويغض الطرف عنها، كما أن هناك أمور أخرى قد تستفزه، ومع ذلك يستطيع أن يكظم غيظه ويعمل بقول المسيح لا تقاوموا الشر بالشر، لكن عندما يصل الأمر إلى اللطم على الخد، فلا نعتقد أن أحداً يستطيع أن يحول الخد الاخر أو حتى يسكت، لأن هذا إن دل على شيء فإنما يدل على الذل والخنوع، بل وعلى جهل تام بطبيعة الإنسان، إذ هو تمرد عليها وليس مساير لقوانينها فيه مغالطة كبيرة ومصادمة للطبيعة، مما يؤكد أنه لا يمكن للمسيح الناطق بوحي الله أن يكون جاهلاً بها. فهل يا ترى كان قصد كتبة الأناجيل اليهود أن يجعلوا الأمم التي تبعت شاؤول خاضعة ذليلة لهم؟! أم أن الكنيسة عندما كانت ضعيفة أرادت أن تظهر للرومان أنها مسالمة لدرجة الخنوع بعد أن انتشرت أخبار النبي القادم الذي سيزيل مملكة الرومان!؟ لكن السؤال! الذي يطرح نفسه هنا، إذا كانت شريعة الكنيسة قائمة على الصفح إلى هذا الحد، فلماذا تناقض نفسها وتأبى صفح الله عن آدم؟ ولماذا جعلت اللّه أمام طوائفها غاضباً حتى انتصف لنفسه بذبح إله مثله، ابنه الوحيد!!؟ أو على الأقل لماذا لم تصفح الكنيسة عن من خالفوها الرأي فذبحت الملايين منهم وقتلتهم دون شفقة أو رحمة!. "إن عظمة المبادىء لا تقاس بجودة صياغتها والترويج لها وإنما تقاس باختباراتها في ميادين العمل والتطبيق، وما يسفر عن تطبيقها من اًثار". وهذا القول الذي نسبوه إلى المسيح "من لطمك على خدك الأيمن فحول له الآخر" لا يمكن تطبيقه في حياتنا الواقعية. كما لا يقبله أو يعمل به اليوم أي مسيحي في العالم. لذا لا يمكن أن يكون من أقوال المسيح. فهل يعقل أن يكون هذا تشريعاً جاء به المسيح بينما الإنسان العادي لا يقبله! !؟.
الجواب بكل بساطة لا. ولكن لماذا لا:
أولاً: عيسى كما قلنا لم يكن مشرعاً إنما مطبقاً للناموس. ولو أنه شرع ذلك حقاً لكان بهذا التشريع قد خرج عن شريعة موسى بالكامل. ويكون بذلك قد ناقض نفسه.
ثانياً: هذا التشريع يدل على جهل صاحبه بالطبيعة البشرية. فعلم الميكانيكا يقول: "كل فعل له رد فعل مساوٍ له في المقدار ومضاد له في الإتجاه ". أي أننا إذا ضربنا كرة إلى الحائط ردها لنا الحائط بنفس القوة التي ضربناها في اتجاهه. هذا مع الجماد. فكيف مع الإنسان الذي هو لحم ودم وأعصاب تثور وتلتهب إذا ما لطم صاحبها على خده!!؟ وعليه لا يمكن لأحد أن يلطم ويسكت، والمسيح لا يمكن أن يعلم شيئاً ضد الطبيعة البشرية وهو الذي ينطق بالإنجيل،
وحي الله كما أسلفنا.
ثالثاً: الدليل الثالث الذي يثبت كذب نسبة هذا القول إلى المسيح هو ما حدث مع المسيح نفسه حسب ما ورد في إنجيل يوحنا. فتعال أخي العزيز لنقرأ سوياً "ولما قال هذا لطم يسوع واحد من الخدام كان واقفاً قائلاً أهكذا تجاوب رئيس الكهنة. أجاب يسوع إن كنت قد تكلمت ردياً فاشهد على الردي وإن حسناً فلماذا تضربني " يوحنا: 18/22-23،. فها هو المسيح الذي زعموا لنا أنه صاحب هذا التشريع لم يحول لضاربه الخد الآخر بل احتج عليه، وليس من المعقول أن يتنكر المسيح لما سبق ونادى به. وفي هذه المناسبة لا يفوتني أن أقول إن يوحنا الذي نسبوا إليه الإنجيل الرابع الذي تطاول فيه فجعل المسيح إلهاً في أول إنجيله، لم يستح أن يناقض نفسه ويجعل أحد خدام اليهود يصفع إلهه في آخر إنجيله فضلاً عن صلبه!! هل يصدق أحد إن الإله يصفعه أو يصلبه أحد من البشر! !؟.
رابعا: لأن هذا التشريع غير قابل للتطبيق العلمي في الحياة كما ذكرنا، فأنت لا يمكن أن تجد مسيحياً واحداًا ليوم في تمام عقله إذا لطمته على خده أدار لك الآخر، أنظر إلى أفلامهم في التلفزيون بعد فرية الذبح والقتل والصلب التي أدخلها شاؤول في دينهم، تجدها كلها ذبح وقتل وبطش وجريمة، لا يعيرون التسامح أي اهتمام، بل ولا يلتفتون إليه لأنه لا يخطر ببالهم.
لأن شريعة التسامح هذه لن تجدي وكيف تجدي في الوقت الذي قتلهم وذبحهم وكل جرائمهم سيغفرها المسيح لهم إن هم فقط آمنوا أنه صلب من أجلهم كما علمهم شاؤول. ألم يجعلوا من المسيح حمل الله الذي سيحمل عنهم جميع خطاياهم بالصلب!.
إذاً من الذي دس هذه المزاعم المناهضة للعقل في موعظة الجبل فأفسده!؟! إن الأصابع تشير إلى الكنيسة القديمة حسب ما قال القس السابق عبد الأحد داود لأن ذلك يتفق مع مصالحها يوم كانت ضعيفة لا تكاد تتماسك لتقف على أرجلها وهي تخطب ود الرومان لتعيش دين حب وسلام مع الطبقات الحاكمة بعيداً "عن نبوءة المسيا القادم " الذي سيحطم دولة الرومان. فهذا تشريع- إن صح لنا القول- سياسي ومثله التشريع الذي يليه وهو:
متى 5/43-45. "سمعتم أنه قيل تحب قريبك وتبغض عدوك وأما أنا فأقول لكم أحبوا أعداءكم باركوا لاعنيكم أحسنوا إلى مبغضكم وصلوا لأجل الذين يسيئون إليكم لكي تكونوا أبناء أبيكم الذي في السموات ".
هل لأطباء علم النفس أن يخبرونا كيف يمكن لنا أن نحب أعدائنا ونبارك لاعنينا؟! إنه مطلب ضد الطبيعة البشرية ولا يمكن تطبيقه لأنه يكلف النفس ما ليس من طبعها وما لا تطيقه ، وقد قال اللّه سبحانه وتعالى (لا يكلف اللّه نفساً إلا وسعها) سورة البقرة: الآية 286، نعم قد أستطيع أن أعفو عمن ظلمني أو أن أعفو عن عدوي عندما أتمكن منه، وأستطيع أن أسامحه على ما فعله معي لكن أن أحبه، فهذا فوق طاقة النفس البشرية ولا يمكن تطبيقه لأن النفس مجبولة على حب من يحبها وبغض من يبغضها، فضلاً عن أنه مناقض للتوراة التي قال المسيح أنه لم يأت لينقضها. لذا فلا يمكن أن تكون هذه النصوص من أقوال المسيح. وفي هذا الصدد قال نبي الإسلام "الأرواح جنود مجندة، ما تعارف منها ائتلف وما تناكر منها اختلف ". وقال الشاعر:
إذا أنت أكرمت الكريم ملكته وإن أنت أكرمت اللئيم تمردا
فموضع السيف بالعلا مضر كوضع السيف في موضع الندى
وهذا شاعر وليس نبي أو رسول. فهل يعرف الشاعر أسرار النفس البشرية أكثر من المسيح الذي كان ينطق بكلام اللّه؟!! وما أحرانا أولاً أن نحب اللّه وننزهه عن أن يكون ثالث ثلاثة أي ثلث إله ونتبع أوامره ونواهيه قبل أن نحب أعداءنا!! إن الحقيقة في هذه النصوص جاءت على لسان نبي الإسلام في قوله "تعطي من حرمك وتعفو عمن ظلمك وتصل من قطعك "
لا أحبوا أعداءكم وباركوا لاعنيكم.
نحن نعرف أن عيسى كان مسالماً، والناس كلها تدعوه نبي السلام. لكن لم نعرف أبداً أنه كان مستسلماً خاضعاً ذليلاً يأمر الناس بالخضوع والذلة والمهانة. بل كان شجاعاً في قولة الحق لا يخشى لومة لائم ويشهد له على ذلك تقريعه للفريسيين وطبقة الكهنة عندما هاجمهم على رؤوس الأشهاد وقال لهم "يا أولاد الأفاعي ". والمسيح نفسه احتج عندما لطمه أحد الخدام أمام قيافا كما ذكرت الأناجيل ولم يستسلم. لكن الذي دس هذه التشريعات يريد أن يقول للرومان إن النبي القادم (الذي جعلوا منه عيسى) لن يحطم ملكهم وإن اليهود أناس مسالمون حتى لو ضربتموهم فهم مستعدون أن يديروا لكم خدهم الآخر ومستعدون أن يحبوكم ويباركوكم بل ويصلوا من أجلكم. أما أن تكون هذه المبادىء من مبادىء المسيح فأمر محال. لذا فمن الخطأ نسبتها إلى المسيح ولا يمكن نسبتها إلا إلى الكنيسة قبل أن تتحول من كنيسة لتعليم الصلوات للناس وشرح أمور دينهم إلى دولة عظمى تسيطر على ملوك الدول وأمرائها وتتدخل في حياة الناس. والدليل على ذلك أنها تنكرت لجميع هذه المبادىء الاستسلامية فيما بعد ودست في الأناجيل ما يتناسب مع بطشها وإرهابها مثل: "لا تظنوا إني جئت لألقي سلاماً على الأرض. ما جئت لألقي سلاماً بل سيفاً" متى: 10/34 "وجئت لألقي ناراً على الأرض فماذا أريد لو اضطرمت... أتظنون إني جئت لأعطىِ سلاماً على الأرض. كلا أقول لكم بل انقساماً" لوقا: 12/49-51 . "أما أعدائي أولئك الذين لم يريدوا أن أملك عليهم فأتوا بهم إلى هنا واذبحوهم قدامي " لوقا19/27،.
فهل هناك عاقل يقول إن هذه الأقوال تتفق مع "من ضربك على خدك الأيمن فحول له الآخر" أم ترى أنها تتفق مع "أحبوا أعداءكم باركوا لاعنيكم "!؟.
وللأسف بعد أن قامت الكنيسة بدس تلك الأقوال التي يشتم منها رائحة الذبح والقتل في الأناجيل نسبتها مرة أخرى للمسيح لتبرر جرائمها التي ارتكبتها بحق الشعوب المغلوبة على أمرها، موهمة إياهم بأنها كانت تنفذ أوامر وتعلميات المسيح المنصوص عليها في الأناجيل حيث كانت الأناجيل حكراً عليها تزيد عليها أو تحذف منها ما تشاء.
وهذا يقودنا إلى باب اسمه "جرائم الكنيسة" نستميحكم عذراً في أن نمر عليه بسرعة لنعرف جانباً من تاريخ الكنيسة فيكفيك أخي العزيز أن تعلم أن الكنيسة الشاؤولية الوثنية في فرضها الثالوث- الذي لم يعرفه أحد سواها- على الناس بالقوة لجرفهم نحو الهاوية قد قتلت الملايين من الأبرياء الذين يعبدون الله الواحد... ففي سنة 1329 م وحدها تم
إحراق وإراقة دماء (000، 10) بريء في فرانكفورت، وفورتزبرغ، ونورمبرغ وغيرها. وحكمت محاكم التفتيش في خلال فترة تربو على الثمانية عشر سنة بين عامي (1481 م-1499م) على (0 0.22 1) شخصاً بأن يحرقوا أحياء فأحرقوا. كما حكمت على (6865) شخصاً بالشنق حتى الموت بعد التشهير بهم فشهروا وشنقوا، وكذلك حكمت على (97320) شخصاً بعقوبات مختلفة فنفذت. وحكمت هذه المحاكم من يوم نشأتها سنة 1481 م إلى عام 1808 م على (0 0 0.5 34) شخص منهم نحو (0 5 5.0 0 2) أحرقوا بالنار وهم أحياء.
(ولعل البعض يتذكر فيلم جان دارك تلك الفتاة الفرنسية البريئة التي أحرقوها وهي حية في عمر الزهور). وفي 15 فبراير1579 م أصدر الكرسي المقدس حكماً بالإعدام على جميع سكان الأراضي المنخفضة (هولندا- بلجيكا- الدانمرك) بتهمة الهرطقة- ربما يقصد التوحيد- واستثني قلائل... وبثلاثة أسطر فقط حكم على ثلاثة ملايين من الرجال والنساء والأطفال بالإعدام شنقا.
هذه بعض جرائم الكنيسة، وريثة بطرس والمسيح في فرض ثالوثها الوهمي بالقوة على الناس، فهل سمعتم أن المسيح قتل أحداً طيلة حياته وهو القائل "أريد رحمة لا ذبيحة" فإن كان أحد يعرف فبالله يخبرنا.
وإذا كانت الخطيئة تتسلسل كما زعمت الكنيسة لطوائفها في خطيئة آدم، تكون كنائس اليوم كلها بكامل أطقمها، وهي سليلة كنائس الأمس، مسؤولة أيضاً عن تلك الخطايا، ما لم تجد من يعمدها في مياه الأردن ويغسل أيديها من الدماء أو تجد لها كاردينالاً آخر كالكاردينال "بيا" ليبرئها من تلك الخطايا والدماء المسفوكة، كما برأ اليهود من دم المسيح. أو تجد لها مسيحاً آخر ليصلب من أجل غفران خطاياها، وإلا فأنها ستأتي يوم الدينونة وأيديها تقطر دما.
ومع أن جرائم الكنيسة وإرهابها في فرض الثالوث على الناس بالقوة ليس له مثيل في ظلمه وفظاعته في التاريخ إلا أنه لم يمنع العلماء والمفكرين الذين كان لهم نصيب الأسد من أحكام هذه المحاكم الجائرة، من أن يقفوا في وجهها، ويجاهروا بعداوتهم، بل ومقاومتهم لمعتقداتها الوهمية الوثنية في الثالوث، وأن يضحوا بأرواحهم منادين للعودة إلى عبادة اللّه الواحد لإنقاذ البشرية من الضلال والهلاك الأبدي الذي كانت الكنيسة تجرهم إليه وتدفعهم إليه دفعاً. وهؤلاء كثيرون ولذا مرة أخرى نستميحك عذراً لنذكر له بعضاً منهم على سبيل المثال لا الحصر لتعرف أن اللّه واحد، وأن عيسى لم يناد إلا لعبادة رب واحد، وأن كثيراً من مسيحي الأمس- وحتى اليوم- لا يزالون يكفرون بالثالوث ويؤمنون بالله الواحد الذي نادت به كل الأنبياء.
من أمثال هؤلاء "الدكتور ميخائيل سيرفيتوس " (1511- 1533 م) الذي سمى أصحاب الثالوث بالكفرة الملحدين وكتب رسالة لأحد القساوسة قال فيها "إن ديننا الإنجيلي خال من الإيمان وليس له إله. وإنه بدلاً من اللّه الواحد عندنا كلب بثلاثة رؤوس". وكان قد ألف كتاباً سماه "أخطاء الثالوث " وقد جاء فيه "لا يعلم إلا اللّه ويا للحسرة كم كان هذا الثالوث أضحوكة للمسلمين. كما أن اليهود يأنفون من الإيمان بوهمنا هذا ويسخرون من حماقاتنا حول الثالوث بسبب ما فيه من كفر، لا يصدقون أن هذا هو المسيح المذكور في كتبهم " وعندما أحرقته الكنيسة مع كتابه في 26 أكتوبر عام 1553 بقي ثابتاً ساعتين في النار. وقال سلسوس عنه فيما بعد "إن ثبات سيرفيتوس وسط اللهيب أقنع الكثيرين بالتحول إلى عقيدته، مِما دعى كاستيللو هو الآخر لأن يجاهر في وجه الكنيسة ويقول إن حرق رجل لا يعني ! إثبات
عقيدة"... وفي السنوات التالية أحيى أهل جنيف (سويسرا) ذكراه بإقامة تمثال له وليس "لكلفن " الذي أحرقه حياً.
وفرانسيس دافيد (1510- 1579 م) الذي أول ما نشأ كان قساً كاثوليكيا في تراتسلفانيا.
فقد أنكر مفهوم الأب والابن والروح القدس، وقال مهما حاول العالم أن يفعل فأنه سوف يتضح للدنيا بأسرها أن الله واحد. ووجد على جدران سجنه قصيدة تقول "لا البرق ولا الصليب ولا سيف البابا ولا وجه الموت الكالح... يستطيع الوقوف في وجه الحق. وبعد موتي سوف تنهار تعاليم الكذب كلها! أي تعاليم الثالوث.
وليليو فرانسيسكو ماريا سوزيني (1525- 1562 م) المفكر الكبير في بولونيا الذي توصل إلى استنتاج بوجود إله واحد، وأن عيسى ما كان في الحقيقة إلا بشراً، وقد حملت به أمه العذراء في رحمها الطاهر نتيجة أمر من روح القدس. وإن عقيدة التثليث وألوهية عيسى كانتا من الآراء التي أدخلها الفلاسفة الملحدون.
وفاوستو باولو سوزيني (1539- 1604 م) الذي شكك في عقيدة التكفير... وأكد أن عيسى لم يكن إلهاً بل إنساناً. إذ لا يوجد سبيل يجعل شخصاً واحداً قادراً على تكفير خطايا البشرية. وهذه الحقيقة وحدها كافية لتبديد هذه العقيدة الخرافية، وأكد أنه لا يمكن للمسيح أن يكون قد قدم تضحية لا حدود لها من أجل الخطيئة، لأن المسيح حسب ما ورد في الأناجيل لم يتألم إلا لفترة قصيرة. فضرب بذلك عقيدة المسيحيين في الصميم، كما أكد أنه لا يمكن وجود أكثر من كائن واحد مسيطر وله سيادة مطلقة على الأشياء جميعها، فأن الحديث عن ثلاثة أقانيم مسيطرة هو حديث هراء ورفض عقيدة التثليث كلياً على أساس أنه لا يمكن أن تكون لعيسى طبيعتان في اًن واحد، الفناء والخلود.
وجون بيدل (1615- 1662 م) في انكلترا الذي قال إن الذي ينفصل عن الله ليس هو اللّه. والروح القدس منفصلة عن الله، لذا فالروح القدس ليست هي الله. وإن الذي يعلمه آخر ليس هو اللّه، بل الآخر هو اللّه. لذلك فالمسيح ليس الله. وإن الروح القدس ملاك وبسبب بروزه وحظوته عند اللّه فقد اختاره الله لحمل رسالته " وهذه نفس عقيدة المسلمين.
وميلتون (1608- 1674 م) الذي استشهد بأقوال عديدة من التوراة في توحيد الخالق منها "أنا أنا هو وليس معي إله معي " تثنية: 32/39، و "أنا الرب وليس آخر. لا إله سواي " أشعياْ 45/5، وكثير غيرها من آيات التوحيد في التوراة.
فقال إن الروح القدس ليس عليما بكل شيء والروح القدس ليس موجوداً في كل مكان. ولا يمكن القول أنه بسبب تنفيذ الروح القدس لأعمال الله أنه جزء من اللّه.
وثيوفيليس لندسي (1723- 08 18 م) الذي سأل الذين يعبدون عيسى عن رد فعلهم لو ظهر عيسى ووجه الأسئلة التالية لهم "لماذا تتوجهون بعبادتكم إلي؟ هل أمرتكم قط بذلك؟ ألم أضرب لكم الأمثال باستمرار بأنني أعبد الأب بنفسي، وأصلي لأبي وأبيكم وإلهي وإلهكم (يوحنا: 20/17). وعندما طلبت إلى تلاميذي الصلاة فهل علمتهم أن يصلوا إلى أي
شخص آخر عدا الأب وهل دعوت نفسي إلها قط؟! أو إني قلت لكم إني خالق الكون ويجب أن أعبد؟!.
ووليام اليري تشاننج (1780- 1842 م) الذي قال إننا نعترض على عقيدة التثليث التي وإن كانت تعترت كلامياً بوحدانية الله إلا أنها تهدمها عملياً... وقال الأب يرسل الابن أما الأب فلا يرسله أحد... ونحن نتحدى خصومنا أن يقدموا عبارة واحدة في العهد الجديد تعني فيها كلمة الله ثلاثة أشخاص.
وهناك آدم نيوسر، وتوماس أميلين، وجيرمي تيلور، وبرونو، وكوبرنيكوس، وجاليليو، وجون لوك، والسير إسحاق نيوتن، ووليام تشلنجوورث... وكثير كثير غيرهم.
وهكذا قضت الكنيسة على العلم والعلماء وبقيت كصخرة كأداء في وجه كل تقدم وعاشت في عصور كلها دجل وتخلف، يحيط بها الظلام من كل جانب فانتشرت الخرافات والبدع وانحطت الأخلاق وهذا يقودنا إلى(مفاسد الكنيسة) ومرة أخرى نستميحكم عذراً في ذكر بعضها، التي انعكست على حياة الشعوب فقد كانت "العلاقات الجنسية" قبل الزواج وفي خارج نطاق الزواج منتشرة. كما كانت بعض النساء يعتقدن أن ورعهن آخر الأسبوع يكفر عن مرحهن وبطنتهن، وكان الإغتصاب شائعأ... وتمشى العهد مع مطالب ذلك الوقت فقد كانت بعض النساء الذاهبات إلى الحج يكسبن نفقة الطريق، كما يقول الأسقف بنيفاس، ببيع أجسادهن في المدن القائمة في طريقهن، وكان كل جيش يتعقبه جيش اًخر من العاهرات لا يقل عن جيش أعدائه (عن كتاب "قصة الحضارة" لـ "ول ديورانت" الجزء الخامس من المجلد الرابع ص 179-180).
وفرضت الكنيسة إتاوات على كل فرد مسيحي طيب السلوك أو سيء السلوك وقد استخدمت أساليب غير مهذبة في جمع المال حتى إن روما عاصمة البابا كان فيها 16000 من النساء العاهرات اللواتي يستخدمن أعراضهن في الحصول على المعيشة، وقد اعتبرتهن الكنيسة مورداً مالياً لخزانة الدولة وفرضت عليهن إتاوات وضرائب.
وكانت هذه المفاسد التي تزخر بها الحياة العامة صورة لمفاسد أخرى تزخر بها الكنيسة ورجالها من الداخل فالبابوات أنفسهم انصرفوا إلى الشؤون الدنيوية وتحايلوا على اصطياد المال بكل طريق غير مشروع. ولذا تأثرت الكنيسة بأسرها من مساوىء راعيها الأكبر. حتى أن الأديرة التي نشأت فيما مضى لقمع الشهوات الدنيوية ونشر الهدى والإصلاح قد تحولت إلى بؤرات للفساد والجهل. بل إن هذا الفساد تطرق إلى تعاليم الكنيسة نفسها، فبدل أن يكون الغفران نتيجة التوبة والاعتراف أصبح يباع كالسلعة بقدر من المال .. ومن أوضح النماذج لهذا كان البابا أينوست الثامن (1484- 1492 م) الذي يرى "ول ديورانت " أنه "وجد صعوبة كبيرة في موازنة دخله ونفقاته، ولهذا أخذ يجري على السنة التي جرى عليها سلفه البابا سكتس الرابع (1471- 1484 م)... فملأ خزائنه بالأموال التي كان يتقاضاها من طلاب المناصب الكبيرة.
«« توقيع أبو عمران »»
-
ولما وجد ما في هذا من نفع كبير أنشأ مناصب جديدة وعرضها للبيع، فرفع أمناء البابوية إلى ستة وعشرين وحصل بذلك على (62400) دوقه. ثم رفع عدد حاملي الأختام إلى اثنين وخمسين وجنى من ذلك (2550) دوقة من كل واحد عينه في المنصب " (قصة الحضارة لـ ول ديورانت الجزء الثالث من المجلد الخامس ص 74-75).
والبابا "لاون العاشر" الذي توسع في منح الغفرانات... فأرسل كثيراً من أتباعه إلى أقطار أوروبا يبيعون الغفرانات لأهلها بالدراهم لتمحى بها ذنوبهم ولا يحاسبون عليها في الآخرة...فأخذوا يبيعون الغفرانات بأبخس الأثمان !.
ويرى ول ديورانت أن هناك ثلاث مشاكل داخلية كان يضطرب بها قلب الكنيسة وهي المتاجرة بالمناصب في محيط البابوية والأسقفية، والزواج والتسري بين رجال الدين من غير الرهبان، ووجود حالات متفرغة من الدعارة بين الرهبان أنفسهم (قصة الحضارة.. الجزء الثالث من المجلد الرابع ص 384). فقد كان البابا اسكندر السادس (1503 م) الذي يصفه ول ديورانت بأنه "في أيام شبابه وسيم الخلق جذاباً، حلو الطبع حاراً في عشقه، قد عقد حوالي (1466) صله أكثر دوماً من صلاته النسائيه السابقة مع فانتيسا دي كتاني " ويرى أن روما قد غفرت للبابا علاقته بفانتيسا الساذجة، ولكنها دهشت لعلاقته "بجوليا" التي انتقلت من عشيق إلى عشيق...، بالإضافة إلى بيعه المناصب الكنسية واستيلائه على ضياع الموتى من الكرادلة والتوسع في بيع صكوك الغفران، وأنه قاسم القساوسة نصيبهم منها، كما فتح باب الصكوك فجعلها لغفران كل ذنب حتى الزواج من المحارم لما يدره عليه ذلك من كسب.
دين يباع ويشترى ويقولون فليحيا المسيح غافر الخطايا هذا ولقد نقل محرر الجوائب في كتابه الفارياق ما يلي:
"إن البابا يوحنا الثاني عشر قتل وهو معانق لامرأة وكان القاتل زوجها".
"وإن البابا جريجوريوس السابع عقد مجمعاً في روميه على هنري الرابع ملك جرمانيا وقال فيه: "قد خلعت هنري عن ولاية النمسا وإيطاليا وأعفيت جميع النصارى من الطاعة له ونقضت عهدهم له ". "فأضطر هذا إلى الذهاب إلى روميه فلما قدم على البابا وجده مختليا بالكونتيسه ماتيلدا ".
"وإن البابا اينوسنت الرابع عقد المجمع الثالث عشر على الإمبراطور فريدريك الثاني وحكم عليه بكفره فناضل عن الإمبراطور خطباؤه وحزبه وردوا على البابا أنه افتض بنتاً وارتشى غير مرة".
"وإن البابا "كليمانصو" الخامس عشر كان يجول في فينا وليون لجمع المالى ومعه عشيقته ".
"وإن البابا يوحنا الثالث والعشرين سم سلفه، وباع الوظائف الكنسية وأنه كان كافراً ولوطيا معاً ".
وإن البابا "سرجيوس " كان قد استوزر "ثاودورة" "أم ماروزيا"... وإن البابا أولد ماروزيا هذه ولداً رباه عنده داخل قصره.
وإن البابا يوحنا الثاني عشر المسمى "اكتافيوس... فسق بعدة نساء وخصوصاً "ايتنت " التي ماتت وهي نفساء... مما أوجب على الإمبراطور خلعه وتنصيب ليو الثامن في مكانه ".
هذا غيض من فيض من فضائح بابوات الكنيسة أصحاب الكرسي المقدس!! الذين يزعمون لطوائفهم أنهم ورثة بطرس والمسيح وحملة مفاتيح السماء وأنه لا خلاص لهم إلا على أيديهم المباركة. جعلوا الدين ملعبة فقالوا لطوائفهم "لا تكنزوا كنوزا على الاْرض حيث يفسد السوس والصدأ" متى: 6/19 بل أكنزوا لكم كنوزاً في الكنيسة وجعلوا الدين لطوائفهم "لا تقدرون أن اتخدموا الله والمال " متى: 6/24، فاخدموا اللّه ونحن لكم المال. كما جعلوا الدين لطوائفهم "من طلق امرأته إلا لعلة الزنا وتزوج بأخرى يزني، والذي يتزوج بمطلقة يزني " متى 5/32، و "يوجد خصيان خصوا أنفسهم لأجل ملكوت السموات من استطاع أن يقبل فليقبل " متى: 19/12، أما بالنسبة لهم فتظاهروا بخصي أنفسهم أمام الناس وادعوا العصمة أما في سرهم فلم يخصوا أنفسهم بل شمروا عن ساقهم وزنوا بفانتيسا دي كتاني وايتنت وجوليا والكونتيسه ماتيلدا وتمتعوا بالمطلقة لعلة الزنى تمتعهم بالمتزوجة أو العذراء، فمارسوا الزنا واللواط وراء جدران الكنيسة العالية وتحايلوا على الناس وباعوهم الدين بصكوك الغفران، وجمعوا الثروات الهائلة من كل مكان، وزعموا للناس أنه أعطى لهم ملكوت السموات فكل ما يربطونه على الأرض يكون مربوطاً في السماء وكل ما يحلونه على الأرض يكون محلولاً في السماء. فإذا كان هؤلاء ملح الأرض في الكنيسة الشاؤولية فلا يسعنا إلا أن نردد قول المسيح "إذا فسد الملح فبماذا يملح، لا يصلح بعد لشيء إلا لأن يطرح خارجاً ويداس من الناس" متى:5/13،.
ولقد نشرت الصحف منذ فترة خبرا بعنوان "الفاتيكان يبرئ جاليليو بعد 359 عاما!!!"
إنه لغريب حقاً أن يصدر الفاتيكان اليوم هذا العفو عن "جاليليو" بعد أكثر من359 عاماً من موته، وجاليليو كما هو معروف لم يرتكب إثماً سوى أنه نادى بكروية الأرض، وأقر بأنها ليست سوى كوكب صغير يدور حول الشمس، وليست مركزاً للكون، بعكس ما كان بابوات الكنيسة يعتقدون في العهود المظلمة، الأمر الذي هددته الكنيسة آنذاك، واضطرته إلى التراجع عن أقواله وحبسته في بيته بقية حياته.
وإصدار الفاتيكان اليوم هذا العفو الذي لا لزوم له بعد 359 عام إنما يدين الفاتيكان أكثر مما يؤيده، لأنه اعتبر نفسه سليل كنائس الأمس، وبالتالي حمل نفسه مسؤولية أدبية لا حصر لها، لا عن جاليليو فحسب، بل عن جميع جرائم تلك الكنائس في عهد الظلمات، وعن فظائعها التي لا مثيل لها من قتل العلماء الآخرين أمثال "برونو" و "كوبرينكس " والعديد العديد من المصلحين الذين ذكرنا بعضاً من أسمائهم، والملايين الأخرى الذين حكمت عليهم بالموت والحرق على الخازوق بعد أن نهبت أموالهم وصادرت ممتلكاتهم وباعتهم صكوك الغفران.
ولكم كان الأجدر بالفاتيكان المبجل أن لا يصدر عفواً عن جاليليو بل اعتذاراً لجاليليو مع إدانة وتنديد شديدين بجميع كنائس عهد الظلمات السابقة التي ظلمته واعتذاراً شديداً لأصحاب العلم والعلماء لأن تلك الكنائس بجهلها أخرت العلوم والاكتشافات قرونا عديدة، وأن يشمل تنديده كذلك اعتذاراً عن جميع الجرائم والفظائع والانتهاكات والانحرافات التي ارتكبها بابوات تلك الكنائس الذين مرغوا الكنيسة في الرذيلة والوحل، وكذا أن يشمل تنديده جميع بابوات اليهود الذين اخترقوا سلك البابوية وقادوا العالم إلى الحروب الصليبية التي راح ضحيتها عشرات الألوف وتعهداً منه بأنه من الآن فصاعداً سيدقق في هوية جميع كرادلته ويطرد منها كل يهودي مندس بينهم وأن مثل تلك الحروب لن تتكرر مرة ثانية. وقبل هذا وذاك كان الأجدر بالقاتيكان أن يصدر تنديداً شديد اللهجة بجميع البابوات الذين تلو البابا "هونوريوس " 680 م الذين ارتدوا بالكنيسة إلى التثليث مرة أخرى بعد أن كانت الكنيسة موحدة بالله، وذلك من أجل إنقاذ مئات الملايين الذين ما زالوا مضللين بالتثليث حتى اليوم ليستعيدوا أماكنهم في الجنة تماماً كما طالب قساوسة الكنيسة الإنجليكانية.
ومناشدتنا للفاتيكان هذه لا تأتي من فراغ فقد امتلأت المكتبات والأرصفة بالكتب التي كتبها مسيحيون غربيون وشرقيون قديماً وحديثاً ينتقدون فيها هذا الدين الموروث عن كنائس عهد الظلمات الجاهلة التي جعلت فيه الإله يولد من فرج أنثى، ثم يصلب على أيدي البشر فيموت ويدفن في التراب ثم يقام من الأموات، بينما الله الحقيقي يقول "حي أنا إلى الأبد" تثنية: 32/40، والذي جعلته تلك الكنائس يتغير من أب إلى ابن إلى روح قدس، في الوقت الذي فيه اللّه الحقيقي يقول "أنا الرب لا أتغير" ملاخي: 3/6، "أنا الأول وأنا الآخر ولا إله غيري، أنا الرب وليس آخر" أشعيا 44/6، 45/8، أي لا أب ولا ابن ولا روح قدس التي أتت بها كنائس عهد الظلمات. هذا هو المطلوب من الفاتيكان اليوم، لا أن يصدر عفواً عن جاليليو.
متَّى 5/48،: "فكونوا أنتم كاملين كما أن إلهكم الذي في السموات كامل: ها هو المسيح يعترف أن إلههم الذي في السموات كامل فكيف ينسبون إلى إلههم الولادة، والولادة نقص لأنها عمل بهيمي؟! وها هو المسيح يشير إلى إله واحد وليس إلى ثلاثة، ألا أنها لا تعمي الأبصار ولكن تعمي القلوب التي في الصدور. لقد تمت فيهم نبوءة اشعيا القائلة: "تسمعون سمعاً ولا تفهمون، ومبصرين تبصرون ولا تنظرون " متى 13/ 13،.
«« توقيع أبو عمران »»
معلومات الموضوع
الأعضاء الذين يشاهدون هذا الموضوع
الذين يشاهدون الموضوع الآن: 1 (0 من الأعضاء و 1 زائر)
المواضيع المتشابهه
-
بواسطة يوسف محمود في المنتدى قسم النصرانيات العام
مشاركات: 3
آخر مشاركة: 30-11-2011, 07:16 AM
-
بواسطة أبو عمران في المنتدى قسم النصرانيات العام
مشاركات: 1
آخر مشاركة: 25-06-2008, 10:01 PM
-
بواسطة أبو عمران في المنتدى قسم النصرانيات العام
مشاركات: 0
آخر مشاركة: 26-05-2004, 06:28 PM
-
بواسطة أبو عمران في المنتدى قسم النصرانيات العام
مشاركات: 2
آخر مشاركة: 24-05-2004, 12:16 PM
-
بواسطة أبو عمران في المنتدى قسم النصرانيات العام
مشاركات: 12
آخر مشاركة: 21-05-2004, 05:20 PM
الكلمات الدلالية لهذا الموضوع
ضوابط المشاركة
- لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
- لا تستطيع الرد على المواضيع
- لا تستطيع إرفاق ملفات
- لا تستطيع تعديل مشاركاتك
-
قوانين المنتدى

المفضلات