سيتناول هذا البحث بإذن الله تعالى عدة مسائل:
- الإعجاز فى الجهاد الإسلامى
- الحكمة من تشريع الجهاد
- من أحكام الرحمة فى الجهاد الإسلامى
- الجهاد عند أهل الكتاب
- كلمة عن الفتح الإسلامى لمصر (دراسة قبطية)
- كيف انتشرت المسيحية ؟
****************************************
<span style='font-size:17pt;line-height:100%'>إعجاز الجهاد فى الإسلام</span>
دائماً يا يثير أعداء الإسلام مسألة الجهاد و الفتوحات الإسلامية للطعن فى دين الله، و هذا المسلك التشويشى التدليسى يهدفون من وراءه إلى صرف الأبصار عن حقيقة خطيرة جداً و هى أن تلك الفتوحات هى إحدى الأيات البينات على صدق نبوة رسول الله صلى الله عليه و سلم و على صدق رسالته الخالدة، لأن ما فعله النبى محمد عليه السلام و أبناءه الصحابة من بعده لا عهد لمثله فى تاريخ البشرية ، فقد بعث الله محمداً (ص) فى قوم أميين يعيشون فى ظلمات الجاهلية، يشربون الدم، يقتلون أبناءهم ، يعبدون الأصنام، لا يعلمون زراعة ولا صناعة ولا حضارة، فما كان يخطر على بال إنسان أن هؤلاء سيزكى الله منهم على يد نبيه الشريف من ويغير بهم وجه الأرض و يحول مجرى التاريخ ، و قد أيد الله نبيه بالأيات الباهرات و صدقت نبوءات رسول الله (ص) عن النصر و التمكين ، و فتح الأمصار و من ذلك:
1) بشر الله تعالى نبيه الكريم بالنصر فى موقعة بدر قبل الهجرة المباركة وقبل أن تقوم للإسلام دولة فى وقت كان المسلمون قلة مستضعفة يسامون سوء العذاب بسبب تمسكهم بايمانهم ، فأنزل الل تعالى (( سَيُهْزَمُ الْجَمْعُ وَيُوَلُّونَ الدُّبُرَ)) فلما قرأها رسول الله صلى الله عليه و سلم تعجب عمر بن الخطاب و قال: "أى جمع يهزم و أى جمع يغلب؟" قال عمر: "فلما كان يوم بدر رأيت رسول الله(ص) يثب فى الدرع و هو يتلوا هذه الأية الكريمة فعرفت تأويلها".
و رغم أن المشركين كانوا أضعاف المؤمنين ولم يكن هناك وجه للمقارنة بين القوتين فى العدة و العتاد حتى أم المسلمين لم يكن معهم إلا فرسان، فقد بشر النبى عليه الصلاة و السلام صحبه بنصر الله فى ذلك اليوم التاريخى حين استشار الأنصار فقالوا: "لا نقول كما قال قوم موسى لموسى إذهب انت و ربك فقاتلا إنا ههنا قاعدون، و لكن اذهب انت و ربك فقاتلا إنا معكم مقاتلون، فوالذى بعثك بالحق لو ضربت أكبادها إلى برك الغماد لاتبعناك" فسُر النبى (ص) و قال: " سيروا و أبشروا فإن الله قد وعدنى إحدى الطائفتين و الله لكأنى الأن أنظر إلى مصارع القوم" فكان ذلك وعداً مفعولاً
و حين دنى اللقاء كان أبو بكر الصديق مع رسول الله(ص) فى عريشه و النبى عليه السلام يكثر من الإبتهال و التضرع و الدعاء و يقول فيما يدعوا: "اللهم إن تهلك هذه العصابة لن تُعبد فى الأرض أبداً، اللهم أنجز لى ما وعدتنى، اللهم نصرك، يا حى يا قيوم يا حيى يا قيوم" و يرفع يديه إلى السماء حتى سقط الرداء عن منكبيه الشريفين، و جعل الصديق رضى الله عنه يلتزمه من وراءه و يسوى عليه رداءه و يقول مشفقاً عليه من كثرة الإبتهال: "يا رسول الله بعض مناشدتك لربك فإنه سينجز لك ما وعدك" و قد كان ، فقد استجاب الله لتضرعات نبيه الهادى و نصر المؤمنين فى هذه الموقعة العظمى التى سماها ربنا عز وجل (يوم الفرقان) فغزوة بدر لا تعدلها أى غزو أخرى فهى باكورة الجهاد و نقطة التحول فى مسار الأمة الإسلامية المباركة، و قد أيد الله تعالى نبيه و صحابته بالأيات المبهرات فطهرهم و ثبت أقدامهم بالمطر وأنزل السكينة و أرسل الملائكة الأبرار و لم تقاتل الملائكة فى معركة سواها و أبرأ النبى(ص) باذن الله أكثر من صحابى فقئت عينه و تناول النبى كفاً من الحصباء فرمى بها المشركين فلم يبق مشرك إلا انشغل بعينه حتى هزموا و فروا (ومار ميت إذ رميت ولكن الله رمى) ...إلى غير ذلك من نعم الله المذكورة فى القرأن الكريم و الأحاديث الشريفة الصحيحة
2) بشر الله تعالى نبيه بفتح خيبر بقوله تعالى (لَقَدْ رَضِيَ اللَّهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبَايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ فَعَلِمَ مَا فِي قُلُوبِهِمْ فَأَنزَلَ السَّكِينَةَ عَلَيْهِمْ وَأَثَابَهُمْ فَتْحاً قَرِيباً ) و نزلت هذه الأية فى طريق عودة المؤمنين إلى المدينة بعد صلح الحديبية ، فمكث رسول الله عشرين يوماً ثم خرج فى طلب خيبر ، و كالعادة كان اليهود يفوقون المسلمين فى العدد و العتاد و كانت حصون خيبر أحصن القلاع ، وبعد فترة حصار دامت طويلاً وصل على ابن أبى طالب، و روى البخارى و مسلم أن علياً كان قد تخلف عن النبى عليه الصلاة و السلام لأن عينيه أصيبت بالرمد، و مع ذلك صمم على ملاحقة المجاهدين و قال: "أنا أتخلف عن النبى(ص) ؟" فلحق بالجيش و هو محاصر لخيبر، فقال رسول الله(ص) ليلة فتح خيبر: "لأعطين الراية غداً رجلاً يفتح الله على يديه يحب الله و رسوله و يحبه الله و رسوله" فبات الناس كلهم يتمنى أن يكون هو فلما أصبح النبى عليه السلام قال: أين على ابن أبى طالب؟ قالوا هو يشتكى عينه يا رسول الله، فأرسل النبى (ص) إليه فأتى فتفل فى عينيه و دعا له فبرأ كأن لم يكن به أذى، و أعطاه الراية و فتح خيبر كما أخبر رسول الله(ص)
4) بشر النبى عليه الصلاة و السلام بفتح مكة فكان كما أخبر عليه السلام
3) أخبر النبى عليه السلام خالد ابن الوليد حين أرسله لاكيدر أنه يجده يصطاد البقر ، فوجده خالد كما اخبر النبى و أسره من بين جيشه،
5) بشر النبى عليه الصلاة و السلام الصحابة بفتح مصر و اوصاهم بأقباطها و أخبرهم أن جندها خير أجناد الأرض فكان كما أخبر عليه الصلاة و السلام و صارت مصر حصناً للإسلام و كنانة الله التى رد تصدت للتتار و الصليبين و غيرهم
6) بشر النبى عليه الصلاة و السلام بفتح بيت المقدس و اليمن و أن الأمن يظهر حتى ترحل المرأة من الحيرة إلى مكة لا تخاف إلا الله
7) بشر النبى عليه السلام بفتح فارس و الروم و الشام ، و العجب أن هذه البشارة جاءت فى أشد أوقات المحن و الاستضعاف، فقال النبى عليه السلام لسراقة ابن مالك:"يا سراقة مابال و فى يديك سوارى كسرى؟" و قد قال هذا حين خرج مهاجراً من مكة إلى المدينة فلحقه سراقه ليقتله فعصمه الله منه ثم بعد أن فتحت فارس على يدى الفاروق عمر ابن الخطاب ألبس سراقة سوارى كسرى و كان قد أسلم قبل وفاة رسول الله(ص) ثم قال عمر :"الحمد لله الذى سلبهما كسرى و ألبسهما سراقة" ، كما أخبر النبى(ص) بفتح فارس و الروم حين كان الأحزاب يحاصرون المسلمين بالألاف فى غزوة الخندق، و اليهود يحاصرنهم من خلفهم، فكان مشهداً رهيباً ، و قد شارك النبى عليه السلام فى حفر الخندق مع صحابته وحين صادفتهم صخرة لم يقدروا عليها أخذ النبى (ص) المعول و ضرب الصخرة ثلاث ضربات كانت مع كل ضربة برقة و كان يكبر مع كل ضربة و يتلو (( وَتَمَّتْ كَلِمَتُ رَبِّكَ صِدْقاً وَعَدْلاً لاَّ مُبَدِّلِ لِكَلِمَاتِهِ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ )) فتحطمت الصخرة ، فسأل سلمان الفارسى رسول الله (ص) عن ذلك فأخبره عليه الصلاة و السلام أنه أوتى مفاتح كسرى و مفاتح الشام و مفاتح مدائن الروم ، فاستبشر الصحابة و طلبوا من النبى أن يدعوا لهم بأن يكون ذلك على أيديهم فدعا لهم رسول الله، بينما قال المنافقون:"محمداً يعدنا بكنوز كسرى و أحدنا لا يستطيع الذهاب إلى الغائط!" فأنزل الله تعالى ((يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ جَاءتْكُمْ جُنُودٌ فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِيحاً وَجُنُوداً لَّمْ تَرَوْهَا وَكَانَ اللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيراً ذْ جَاؤُوكُم مِّن فَوْقِكُمْ وَمِنْ أَسْفَلَ مِنكُمْ وَإِذْ زَاغَتْ الْأَبْصَارُ وَبَلَغَتِ الْقُلُوبُ الْحَنَاجِرَ وَتَظُنُّونَ بِاللَّهِ الظُّنُونَا * هُنَالِكَ ابْتُلِيَ الْمُؤْمِنُونَ وَزُلْزِلُوا زِلْزَالاً شَدِيداً *وَإِذْ يَقُولُ الْمُنَافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ مَّا وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ إِلَّا غُرُوراً ))
- و قال النبى عليه الصلاة و السلام أيضاً:" فارس نطحة أو نطحتان ثم لا فارس بعد هذا أبداً، أما الروم ذات القرون كلما هلك قرن خلف مكانه قرن أهل صخر و بحر و هيهات أخر الدهر" و قد سقطت فارس بعد نطحتين بالفعل و لا تزال الروم (نصارى الغرب) يتعاقبون قرناً وراء قرن
- و قال عليه الصلاة و السلام حين كان عند أم حرام بنت ملحان رضى الله عنها: " أول جيش من أمتى يغزون البحر قد أوجبوا، فقالت أم حرام: يا رسول الله أنا فيهم؟قال عليه السلام: أنت فيهم"و قالت أم حرام ثم قال النبى (ص): " أول جيش من أمتى يغزون مدينة قيصر مغفور لهم، قلت أنا فيهم يا رسول الله؟ قال لا" رواه البخارى، و قد وقعت الغزوة الأولى فى البحر سنة 27 مع معاوية حين غزا قبرص و كان معهم أم حرام بنت ملحان مع زوجها الصحابى الجليل أحد نقباء ليلة العقبة عبادة ابن الصامت، و توفيت فى مرجعهم من الغزوة ، و كان أول جيش يغزو القسطنطينية سنة52 و كان أميره يزيد ابن معاوية و معهم أبو أيوب الانصارى فمات هنالك رضى الله عنه، و قد أخبر النبى أن القسطنطينية تفتح قبل روما و هو ما كان فى عهد محمد الفاتح.
8) أخبر النبى صلى الله عليه و سلم بغزو الهند و قد حدث فى على يد معاوية و عاد منها غانماً و عنمها المسلمون من بعده
إلى غير ذلك من النبوءات التى لا يتسع المقام لسردها و قد وقعت كما أخبر النبى عليه الصلاة و السلام ، و قد أثارت فتوحات المسلمين دهشة كبار مفكرى العالم فما استطاعوا الوصوال إلى سر هذا النصر المبين و التمكين المتين الذى لا سابقة له فى الأمم فقال لاس كازاس: ( إذا طرحنا جانباً الظروف العرضية التى تأتى بالعجائب، فلا بد أن يكون فى نشأة الإسلام سر لا نعلمه، و أن هناك علة أولى مجهولة و جعلت الإسلام ينتصر بشكل عجيب على النصرانية ، و ربما كانت هذه العلة المجهولة أن هؤلاء القوم الذيم وثبوا من أعماق الصحارى قد صهرتهم قبل ذلك حروب داخليه عنيفة طويلة تكونت خلالها أخلاق قوية، و مواهب عبقرية، و ربما كانت هذه العلة شيئاً أخر من هذا القبيل) و هكذا لم يجد الكاتب المنبهر سبباً منطقياً يفسر هذا الاجتياح العالمى من المسلمين فأرجع بالظن أن سبب ذلك الحروب الداخلية و نسى أن الإسلام لم تقم له دولة و لم يشرع الجهاد إلا قبل وفاة رسول الله بثمانى أعوام فقط و أن الحروب و التدافع سنن للبشر فى كل أنحاء المعمورة منذ القدم ، و أن الفرس و الروم هم أسياد العالم وقتئذ الين خاضوا حروباً عديدة و جيشوا جيوشاً مديدة لا وجه للمقارنة بينها و بين مناوشات القبائل العربية المتخلفة، وكان أقرب الأقوال من الصحة ما قاله ش.شرفيش: ( عندما رفع الله إليه مؤسس الإسلام العبقرى كان هذا الدين القويم قد تم تنظيمه نهائياً و بكل دقة حتى فىأقل التفصيلات شأناً ، و قد أثار القلق الطبيعى المؤقت عقب موت القائد الملهم بعض الفتن العارضة، إلا أن الإسلام كان قد بلغ من تماسك بنائه و من حرارة إيمان أهله، ما جعله يبهر العالم بوثبته الهائلة التى لا نظن أن لها فى سجلات التاريخ مثيلاً، ففى أقل من مائة عام و رغم قلة عددهم استطاع العرب الأمجاد الذين اندفعوا لأول مرة خارج جزيرتهم المحرومة من مواهب النعم أن يسيطروا على أغلب بقاع العالم المتحضر من الهند إلى الأندلس)
- و سبب الإنتصارات الإسلامية يتخلص فى الأية الكريمة (( إن تنصروا الله ينصركم و يثبت أقدامكم)) و قوله تعالى (( إِلاَّ الَّذِينَ تَابُواْ وَأَصْلَحُواْ وَاعْتَصَمُواْ بِاللّهِ وَأَخْلَصُواْ دِينَهُمْ لِلّهِ فَأُوْلَـئِكَ مَعَ الْمُؤْمِنِينَ وَسَوْفَ يُؤْتِ اللّهُ الْمُؤْمِنِينَ أَجْراً عَظِيماً )) فالمسلمون ما انتصروا عن كثرة أو قوة أو خبرة و إنما لأنهم صدقوا الله فصدقهم فقد كانوا رهباناً بالليل فرساناً بالنهار و كانت كلمة السر فى كل المعارك ذكر الله الذى أمر الله به فى كل حين حتى وقت القتال (( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إِذَا لَقِيتُمْ فِئَةً فَاثْبُتُواْ وَاذْكُرُواْ اللّهَ كَثِيراً لَّعَلَّكُمْ تُفْلَحُونَ )) و أما إن شاب الإخلاص شائبة فحينئذ تكون الهزيمة كما تعلمنا من درس هزيمة المسلمين فى غزوة أحد بعد أن كانوا منتصرين نتيجة لعصيان بعض الرماة أمر رسول الله (ص) بالبقاء فى أماكنهم و دخول الدنيا فى قلوب البعض يقول تعالى (( وَلَقَدْ صَدَقَكُمُ اللّهُ وَعْدَهُ إِذْ تَحُسُّونَهُم بِإِذْنِهِ حَتَّى إِذَا فَشِلْتُمْ وَتَنَازَعْتُمْ فِي الأَمْرِ وَعَصَيْتُم مِّن بَعْدِ مَا أَرَاكُم مَّا تُحِبُّونَ مِنكُم مَّن يُرِيدُ الدُّنْيَا وَمِنكُم مَّن يُرِيدُ الآخِرَةَ ثُمَّ صَرَفَكُمْ عَنْهُمْ لِيَبْتَلِيَكُمْ وَلَقَدْ عَفَا عَنكُمْ وَاللّهُ ذُو فَضْلٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ )) قال عبد الله ابن مسعود: "ما كنت أعلم أن أحداً من أصحاب رسول الله (ص) يريد الدنيا حتى أنزل الله هذه الأية" و هكذا علم ربنا هذا الجيل و نشأه على الصبر و الاخلاص و الطاعة
- و لنقرأ كلمات الصديق أبو بكر خليفة رسول الله التى بعث بها إلى جنده حين جيش لهم الروم مئتا و أربعون ألفاً و كان عدد المؤمنين بضع و ثلاثين ألفاً أى كان الروم عشر أضعافهم فقال الصديق لهم فى رسالته: " اجتمعوا و كونوا جنداً واحداً و القو المشركين فأنتم أنصار الله و الله ينصر من ينصره وخاذل من كفره و لن يؤتى مثلكم عن قلة و لكن من تلقاء الذنوب فاحترسوا منها" فكان نصراً مؤزراً على النصارى فى ذلك اليوم.
- و هذا أمير المؤمنين الزاهد العابد عمر ابن الخطاب يرسخ هذه الحقيقة حين ذهب لتسلم بيت المقدس فمر ببركة طينية فنزل عن بغلته و مر فى البركة بقدمه فقال له أبو عبيدة:" والله لا يسرنى أن يراك أهل الشام على هذه الهيئة يا أمير المؤمنين" فقال له عمر: "أوه أبو عبيدة لو أن غيرك قالها لجعلته نكالاً لأمة محمد ، لقد أعزنا الله بهذا الدين فمتى ابتغينا العزة فى غيره أذلنا الله"
- و هذا نص رسالة عمر ابن الخطاب إلى سعد ابن أبى وقاص يعظه فيها قبل غزو الفرس الجبابرة فقال: " أما بعد فإنى أمرك و من معك من الأجناد بتقوى الله على كل حال، فإن تقوى الله أفضل العدة على العدو ، و أقوى المكيدة فى الحرب ، و أمرك و من معك أن تكونوا أسد احتراساً من المعاصى منكم من عدوكم، فإن ذنوب الجيش أخوف عليهم من عدوهم، فإنما ينصر المسلمون بمعصية عدوهم لله ، و لولا ذلك لم تكن لنا بهم قوة،لان عددنا ليس كعددهم و لا عدتنا كعدتهم،فإن استوينا فى المعصية فإن لهم الفضل علينا فى القوة،فاعلموا أن عليكم حفظة من الله يعلمون ما تفعلون، فاستحيوا منهم، ولا تعملوا بمعاصى الله و أنتم فى سبيل الله، ولا تقولوا ان عدونا شراً منا فلن يسلط علينا ، فرب قوم سلط عليهم شر منهم، كما سلط على بنى إسرائيل لما عملوا بمساخط الله كفار المجوس فجاسوا خلال الديار و كان وعداً مفعولا،اسألوا الله العون على أنفسكم كما تسألونه النصر على عدوكم.......و نخ منازلهم عن قرى اهل الصلح و الذمة، فلا يدخلها من أصحابك إلا من تثق فى دينه ولا يرزأ أحداً من أهلها شيئاً فإن لهم حرمة و ذمة إبتليتم بالوفاء بها كما ابتلوا بالصبر عليها، فما صبروا لكم فنولوهم خيراً، ولا تستنصروا على أهل الحرب بظلم أهل الصلح...و الله ولى أمرك و من معك ، ولى النصر لكم على عدوكم و الله المستعان."
فأرسل سعد ابن أبى وقاص ربعى ابن عامر إلى رستم قائد الفرس بناءً على طلبه و كان مجلس رستم مزيناً باللألىء الثمينة و اليواقيت و النمارق الحريرية و جلس رستم على سرير من ذهب فدخل ربعى بعزة يرتدى ثياباً صفيقة و يمسك بسيف و ترس متملقاً فرساً قصيرة لم يزل راكبها حتى داس بها على طرف البساط، ثم أقبل يحمل سلاحه فلما وصل رستم سأله: "ماجاء بكم؟ فقال: الله ابتعثنا لنخرج العباد من عبادة العباد إلى عبادة رب العباد و من جور الأديان إلى عدل الإسلام و من ضيق الدنيا إلى سعة الدنيا و الاخرة" فحين أبى الفرس خيارى الاسلام أو الجزية كانت المعركة، و كانت جموع الفرس أكثر من مئة و عشرين ألفاً بينما المؤمنين ثلاثون ألفاً فخطب سعد خطبة عظيمة و تلى قول الله تعالى (( وَلَقَدْ كَتَبْنَا فِي الزَّبُورِ مِن بَعْدِ الذِّكْرِ أَنَّ الْأَرْضَ يَرِثُهَا عِبَادِيَ الصَّالِحُونَ(( فكبر المؤمنون و تلوا أيات الجهاد المقدس ثم غزوا باسم الله فكانت ملحمة أسطورية لا مثيل لها و تحقق النصر بفضل الله و عزته و لله الحمد و المنة.
و هكذا يجب ان يقرأ التاريخ تاريخ انتصار الحق على الباطل ، النور على الظلام ، الخير على الشر ، إن فتوحات المسلمين من أظهر المعجزات على أن الإسلام هو الحق المبين.
<span style='font-size:15pt;line-height:100%'>شبهة ورد</span>
------------------------------
قد يقول سائل و لكن النصر كتب لجنكيز خان و نبختنصر و لينين و غيرهم مع كفرهم؟
جواب ذلك واضح فجانب الفارق الشاسع بين أحوال المثلين و امكاناتهم و ثبات منهجهم و ثمارهم، فإن أحداً من هؤلاء لم يقل أنه رسول الله المتحدث باسمه المتصرف بأمره الموعود بنصره، و إنما كانت سجيتهم ظاهرة و مسالكهم جائرة، فحاشا لله أن يفترى عليه احد الكذب و يلبس على الناس دينهم و يفتنهم فيه ثم ينصره الله وأتباعه و يتم له ما زعم و يقهر أعداءه ويقر عينيه بالتمكين و يكون أمة مجيدة عريقة تمتد فى المشارق و المغارب، فهذا من أعظم الافتراء على الله تعالى الله عن ذلك و لننظر إلى النصوص فى هذا المعنى فى التوراة و الإنجيل و القرأن:
((إِذَا قَامَ فِي وَسَطِكَ نَبِيٌّ أَوْ حَالِمٌ حُلماً وَأَعْطَاكَ آيَةً أَوْ أُعْجُوبَةً *وَلوْ حَدَثَتِاالآيَةُ أَوِالأُعْجُوبَةُ التِي كَلمَكَ عَنْهَا قَائِلاً: لِنَذْهَبْ وَرَاءَ آلِهَةٍ أُخْرَى لمْ تَعْرِفْهَا وَنَعْبُدْهَا *فَلا تَسْمَعْ لِكَلامِ ذَلِكَ النَّبِيِّ أَوِالحَالِمِ ذَلِكَ الحُلمَ لأَنَّ لرَّبَّ إِلهَكُمْ يَمْتَحِنُكُمْ لِيَعْلمَ هَل تُحِبُّونَ الرَّبَّ إِلهَكُمْ مِنْ كُلِّ قُلُوبِكُمْ وَمِنْ كُلِّ أَنْفُسِكُمْ. *وَرَاءَ الرَّبِّ إِلهِكُمْ تَسِيرُونَ وَإِيَّاهُ تَتَّقُونَ وَوَصَايَاهُ تَحْفَظُونَ وَصَوْتَهُ تَسْمَعُونَ وَإِيَّاهُ تَعْبُدُونَ وَبِهِ تَلتَصِقُونَ. *وَذَلِكَ ألنَّبِيُّ أَوِ الحَالِمُ ذَلِكَ الحُلمَ يُقْتَلُ لأَنَّهُ تَكَلمَ بِالزَّيْغِ مِنْ وَرَاءِ )) تثنية 1:13
((لانه ما من شجرة جيدة تثمر ثمرا رديّا .ولا شجرة ردية تثمر ثمرا جيدا *لان كل شجرة تعرف من ثمرها .فانهم لا يجتنون من الشوك تينا ولا يقطفون من العليق عنبا )) لوقا 43:6
و فى كتاب الله يقول تعالى (( إن الذين يفترون على الله الكذب لا يفلحون)) و يقول عز وجل (( وَلَوْ تَقَوَّلَ عَلَيْنَا بَعْضَ الْأَقَاوِيلِ*لَأَخَذْنَا مِنْهُ بِالْيَمِينِ ثُمَّ لَقَطَعْنَا مِنْهُ الْوَتِينَ)) فتالله إن هذه النصوص لأظهر شهادة على صدق نبوة رسول الله و قد نصره ربه و بارك فى أمته و نصره حتى صار الإسلام أعظم دين و دستور حياة فى الوجود.
و نذكر خبراً من مناظرة الإمام الجليل ابن القيم مع أحد أحبار اليهود :{ قال الامام:"أنتم بتكذيبكم محمداً (ص) قد شتمتم الله أعظم شتيمة،فإن قلتم أن محمداً ملك ظالم قهر الناس بسيفه و ليس برسول من عند الله، و قد أقام ثلاثة و عشرين سنة يدعى أنه رسول الله الذى أرسلهإلى الخلق كافة ، و يقول أمرنى الله بكذا و نهانى عن كذا و أوحى إلى كذا و لم يكن من ذلك شىء، ويقول انه أباح لى سبى ذرارى من كذبنى و خالفنى و غنيمة أموالهم و قتل رجالهم -كما جرت سنة الأنبياء من قبل-، و لم يكن من ذلك شىء و يدأب فى تغيير دين الأنبياء و معاداة أممهم و نسخ شرائعهم ، فلا يخلوا إما أن تقولوا: إن الله كان يطلع على ذلك و يشاهده و يعلمه، أو تقولوا: إنه خفى عنه و لم يعلمه، فإن قلتم الخيرة فقد نسبتم إلى الله أقبح الجهل و كان من علم ذلك أعلم منه، و إن قلتم بل كان ذلك بعلمه و مشاهدته و اطلاعه فلا يخلوا إما أن يكون قادراً على تغييره و الأخذ على يديه و منعه من ذلك أو لا، فإن كان الاخيرة فقد نسبتم إلى الله أقبح الجهل المنافى للربوبية ، و إن كان قادراً و هو مع ذلك يعزه و ينصره و يؤيده و يعلى كلمته، و يجيب دعاءه و يمكنه من أعدائه و يظهر على يديه من أنواع المعجزات و الكرامات ما يزيد على الألف ويعصمه حتى أتم رسالته و أكمل الدين و كون أمته، ولا يدعو بدعوة إلا استجاب لها، فهذا من أعظم الظلم و السفه الذى لا يليق نسبته إلى أحاد العقلاء فضلاً عن رب الأرض و السماء ، فكيف و هو يشهد له بإقراره على دعوته و بتأييده و بكلامه و هو عندكم شهادة زور و كذب؟ " فبهت اليهودى و لم يجد إلا الإقرار بنوة رسول الله(ص) و تحول للجدال حول عالمية الدعوة..}
«« توقيع أبـــ(تراب)ـــو »»
المفضلات