رسالة إلى خالد بن الوليد_رضي الله عنه_

يازارع الهم في واحات وجداني
ويامحرك دمعي صوب أجفاني

وياموطيء أكناف الفؤاد بما
منحته من جنى إغرائك الداني

ويامحيل رياض الحب مجدبة
هلّا غرست بها باقات ريحانِ

أراك تنكرني من حيث تعرفني
أراك تهجرني من حيث تغشاني

أراك تخفضني من حيث ترفعني
أراك تبغضني من حيث تهواني

قل لي بربك:كيف اسطعت ياأملي
تطيع ماقال حسّادي وتنساني

وكيف أغضيت عني مقلة نظرت
إلي بالأمس في شوقٍ وتحنانِ

وكيف أغلقت عني مسمعا شربَتْ
رياضه من ترانيمي وألحاني

وكيف سافرت في درب التنكر لا
رعيت عهدي ولاراعيت وجداني

يامن تحقق أحلام الربيع إذا
غدا يفتش في شوق عن البانِ

ومن تنيل فؤاد البدر رغبته
حتى يرى البدر في هندام إنسان

ومن يرى الظبي فيها حسن مقلته
فيستعيذ لها من كل شيطان

ياروعة اللغة الفصحى أقلبها
على لساني بإفصاح وتبيانِ

أماتذوقين طعم الحرف أسكبه
في كأس شعري على توقيع أوزاني

جردت سيفين من هجر ومن أرق
فكيف يسلم من يعلوه سيفانِ

قفي معي فوق أرض لايدنسها
بغي، وماوطئتها رجلُ خوّانِ

وصافحيني بكف الشوق رافعةً
رأس الوفاء وخلّي عنك هجراني

خذي يدي واصعدي بي كل مرتفعٍ
وكل رابية في سفح ظبيانِ

فسوف تلقين لي في كل ساقيةٍ
ذكرى، وتلقينها في كل بستان

ولاتهزي غصون اللوز قاسية
فعندها كنت ألقي كل أحزاني

تجر فيها الجبال الشم أردية
من الزهور على أكتاف وديان

وينسج الغيم أثوابا وأكسيةً
تشي إليك بأعطاف وأردانِ

يستنكر الصيف فيها الحر متخذا
من النسيم مزايا شهر نيسان

يانبتة الحب في قلب سريرته
أصفى من الصفو لم تمزج بأضغان

أسهرتني وجعلت الهم يسرقني
من راحتي ومنحتِ الحزن عنواني

أثرت بغضاء ليلي فامتطى فرسا
من طوله وبسيف السهد أدماني

تصافح النجم عيني والهلال على
نعش الأفول وقلبي جد ولهان

كأنني ما شدوت الليل أغنية
سكبت فيها أحاسيسي وأحزاني

كأنني مارأيت البدر مبتسما
ولامنحت نجوم الليل إذعاني

ولاركبت جواد الشعر منطلقا
وجاعلا من سواد الليل ميداني

خذي يدي وارحلي بي فالدروب بها
شوق إلى قادم بالصبر مزدانِ

هنا .. أضاءت سراج الحب وابتهجتْ
وأصبحتْ بعد طول الهجر تلقاني

وأسرجت لي جوادا فجر غرته
يضيء لي درب أحلامي ويغشاني

وسافرت بي إلى الماضي فيافرحي
بمارأيناه من روح وريحان

حتى إذا وقفت بي فوق رابية
رجلي وغرّد عصفور وحياني

رأيت سيفا يهز السيف ، مقلته
ترنو إلى أفقي خير وإحسانِ

ناديته ورياض الحب ضاحكة
وبيننا جسر أشواق وأشجانِ

أبا سليمان .. ماألغيتُ ذاكرتي
ولا أضعت أمام الخطب ميزاني

مضيت نحوك والآلام ثائرة
أسير منها على أكتاف بركان

أتيت أبحث عن ظل وساقية
وعن صديق يواسيني ويرعاني

أتيت أبحث عن ذكرى فمعذرة
إذا بثثتك مايخفيه وجداني

أباسليمان .. عين المجد ترمقنا
بنظرة الخائف المستوحش العاني

على جوادك مدّ المجد قامته
وحد سيفك أدمى كل خوّان

بين العراق وبين الشام خارطة
رسمتها بحسام القائد الباني

وكنت رمز الولاء الحر،مالعبت
كفّاك حين قضى القاضي بنيران

أباسليمان فينا من يخدرنا
بألف دعوى ويرمينا ببهتان

يرى الجهاد اعتداء والضلال هدى
ويحسب المجد مرهونا بطغيان

فينا الذين ارتموا في حضن مغتصب
فماجنوا غير تبكيت وخسران

نغزوا فضاء الهوى والليل متكيء
على أريكته،والجرح جرحان

ونجلب الماء من بئر معطلة
ونطلب الخبز من تنور جوعان

يفنى رنين القوافي في حناجرنا
كأنما قومنا من غير آذان

إن كان في سيفك البتار من رهق
فاضرب به رأس فرعون وهامان

وابعث إلينا به،فالقوم قد عجزوا
عن صد باغ وعن إحباط عدوان

هنا سمعت صدى صوت وحمحمة
وفارسا من وراء الأفق ناداني:

ياداعيا وغبار الحزن يحجبه
عني،نداؤك أرضاني وأشقاني

سيفي به رهق لكنه رهق
في نصرة الحق لافي نصرطغيان

والله لو صنعوا لي من مبادئهم
تاجا يزيد به في الأرض سلطاني

لمارضيت لدين الله من بدل
ولامنحت لغير الله إذعاني

إني رحلت على درب اليقين ولم
أترك سبيلا إلى قلبي لشيطانِ

كسوت نفسي من الإيمان ثوب رضا
به تساميت عن ظلم وكفران

فلتسأل البيد عن معنى الخضوع إذا
جعلتها في سبيل الله ميداني

يشدو جوادي بألحان الصمود لها
فيصبح الرمل فيها حب رمانٍ

ولتسأل السيف عن طعم الرقاب إذا
أفرغت في حده عزمي وإيماني

يطيعني في سبيل الله أجعله
حدًا ويعلن خوف الظلم عصياني

يستنكر الغمد سيفي حين تصبغه
عندالنزال دماء المعتدي الجاني

ماردد المجد في مسراه أغنية
إلا وغنى بها لحني وحيّاني

أباسليمان .. كف الشوق تعزفني
عزفا تردده أفواه ألحاني

أسعى إلى الخيرسعي المصلحين فما
ألقى من الناس إلا كل نكران

كم صاحب صارفي أحضان رغبته
مثل السجين يناجي عطف سجّان

أسكنته من فؤادي منزلا وسطا
وكنت أحسبه من خير أعواني

حتى إذا دارت الأيام دورتها
أحسست أني منحت الصخر إحساني

أباسليمان .. قلبي لايطاوعني
على تجاهل أحبابي وإخواني

إذا اشتكى مسلم في الهند أرّقني
وإن بكى مسلم في الصين أبكاني

ومصر ريحانتي والشام نرجستي
وفي الجزيرة تاريخي وعنواني

وفي العراق أكف المجد ترفعني
عن كل باغ ومأفون وخوّان

ويسمع اليمن المحبوب أغنيتي
فيستريح إلى شدوي وأوزاني

وينشرالمغرب الأقصى خمائله
فنلتقي منه في ظل وأغصانِ

ويسكن المسجد الأقصى وقبته
في حبة القلب أرعاه ويرعاني

أرى بخارى بلادي وهي نائية
وأستريح إلى ذكرى خراسانِ

شريعة الله لمت شملنا وبنت
لنا معالم إحسان وإيمانِ

أباسليمان خوف الناس أرخصني
عند العباد وخوف الله أغلاني

تأمل الجرح في قلبي فسوف ترى
خريطة القدس في جرحي ولبنانِ

وسوف تقرأ مالاكنت تقرؤه
عن العراق وعن آيات إيرانِ

وسوف تعجب من إغضاء أمتنا
على تسلط كوهين وكاهانِ

رأيتها وسؤالٌ تاه في فمها
مابين صمت له معنى وإعلانِ

تقول والخوف يسري في أناملها
بردًا وفي فمها صكات أسنانِ:

متى أرى هرِمًا يلوي عمامته
وينصف السلم من عبسٍ وذبيانِ؟

متى تزيحون عني جور مغتصبٍ
أباحني وبنار البغي أصلاني

إذا اغتنيتم ففي قارون قدوتكم
وإن زهدتم ففي حي بن يقظانِ

أمالكم منهج في دينكم وسطٌ
به تعيشون في أمنٍ وإيمانِ

مالي أرى القوم حادوا عن مبادئهم
وصدّعوا بيد الحقاد بنياني؟

ياليتهم خرجوا من ألف مؤتمرٍ
ببعض ماكان في دار ابن جدعانِ

أباسليمان..هب أني بكيت فمن
يلومني إن بكيت اليوم أوطاني؟

أجابني خالدٌ : هوِّن عليك ألم
تعلم بأن عباد الله صنفانِ؟

صنفٌ يعي كل مايجري ويلجمه
خوف وصنف يداري وجه حيرانِ

إذا تخلى الفتى عن صدق مبدئه
فلن ترى منه إلا كل خذلانِ

لن تكتبوا في سجل المجد سيرتكم
إلا على قبسٍ من نور قرآنِ


‫عبد الرحمن العشماوى