(نمت لدى الرغبة منذ سن العاشرة فى قراءة كل ما كتب عن العرب,حتى أدركت ان الاسلام هو الذى حول العرب من قبائل فى الصحراء الى سادة العالم.)
هكذا تحدثت مريم جميلة أو مارجريت ماركوس عن بداية رحلتها بحثا عن الحق .
ولدت «مارجريت ماركوس» في «نيويورك» عام 1934م لأبوين يهوديين من أصل ألماني وكان لطريقة نشأتها في تلك البيئة المتلوثة بركام الجاهلية دليل على عناية الله تعالى بها، فهي لم تذق الخمر في حياتها ولم تلتق بالرجال، ولم تحضر حفلات القوم، وكل هذا عجيب من مثلها.
رأت مارجريت أبويها يحتفلان بقرار تقسيم فلسطين سنة 1947م، ويجمعان التبرعات لإقامة الكيان الصهيونى ، ثم يحتفلان بانتصار اليهود سنة 1948م، فصارت تناقش أبويها بقوة في إقامة دولة اليهود على أحزان العرب وآلامهم، فعجبا من كلامها.

أقبلت مارجريت على القراءة بنهم حتى قادتها هذه القراءة إلى الهداية، وقرأت أول ما قرأت ترجمة القرآن للبريطاني المسلم «محمد بيكتول»، فتأثرت بها، وكان لقوة هذه الترجمة أكبر الأثر فى حياتها, كما عثرت في مكتبة «نيويورك» العامة على كتاب «مشكاة المصابيح» مترجماً إلى الإنجليزية، وهو كتاب في الحديث النبوي الشريف، فعكفت عليه حتى فرغت منه!!

واصلت مارجريت دراستها الجامعية في جامعة «نيويورك»بكلية الآداب، لكنها مرضت فانقطعت عن الدراسة سنتين، وتناوشتها الوساوس في مرضها من كل جانب حتى ألحدت مدة، لكن الله تداركها بمزيد من القراءة والاطلاع، والعجيب أنها استطاعت بهمتها ودأبها أن تتصل بشخصيات إسلامية رفيعة القدر في عصرها، فقد أرسلت لـ«البشير الإبراهيمي» في الجزائر، و«سعيد رمضان» في «جنيف»، والأستاذ «سيد قطب» في سجنه بالقاهرة رحمة الله عليهم جميعاً.
كانت نقطة التحوُّل في حياة مارجريت هي صلتها بالأستاذ «المودودي» ــ يرحمه الله تعالى حيث أرسلت له رسالة على عنوانه في باكستان، فما راعها إلا مجيء الجواب بعد قرابة شهرين، فسرت به أيما سرور، واستمرت المراسلات بينهما قرابة ثلاث سنين.

ثم شرح الله صدرها للإسلام في سنة (1961م) فذهبت إلى إمام مسجد في «بروكلين» في «نيويورك» وأسلمت على يديه، وسمت نفسها بـ«مريم جميلة».
وكانت تصلي الجمعة في المسجد، وقد اتفق الطلبة على أن يتداولوا الخطب فيما بينهم، فلما وصلتها النوبة كتبت خطبة بديعة رائعة عن وضع المسلمين وكيفية علاج أمراضهم، وألقاها أحد الطلبة نيابة عنها، فقامت عليها قيامة سائر الطلاب؛ لأنها انتقدت القومية التى تفرق بين المسلمين ، وبينت أنها علة العلل في الجسم الإسلامي!!
عانت مارجريت من اهمال والديها وإعراض السفارات والمراكز العربية فى امريكا عنها و أحست بالغربة فى مجتمع سادته قيم تتعارض مع الاسلام .
وكان الأستاذ «المودودي» قد عرض عليها مراراً أن تنتقل إلى باكستان لكنها كانت مترددة، ثم بعد كل الذي جرى لها قررت الذهاب ، وفعلاً حزمت حقائبها وتركت «نيويورك» 1962م واتجهت إلى «لاهور» بالباخرة!! فيا لها من رحلة شاقة لكن الإيمان العظيم يذلل المصاعب والمشاق.

ثم إنها وصلت «لاهور»، وأحسن إليها الأستاذ «المودودي»، وأسكنها في بيته سنتين، ثم إنه زوجها لأحد أتباعه وهو «محمد يوسف خان».
وعاشت في «لاهور» من 1963م إلى اليوم .

وعاشت حياة إسلامية رائعة، وهي مشرفة على حلقات نسائية في بيتها، وما زالت تكتب الكتب وترسل الرسائل إلى الآن .


اثرت مريم جميلة المكتبة الفكرية الإسلامية بكتابات مؤثرة تنبض بالحرقة على أحوال البشرية التائهة عن منهج الله, و وصل عدد كتبها التي ألفتها إلى قرابة 14 كتاباً كلها تفيض بروح وثابة، وفهم متميز، واطلاع وثقافة واسعة، وأفردت كتاباً فريدا في مأساة الفلسطينيين .

«مريم جميلة» تلك اليهودية الأمريكية التي هداها الله تعالى للإسلام في سياق عجيب، وفي زمن لم يكن فيه للمسلمين رواج ولكنها الهداية، لا تعرف الحواجز، ولا تقف دونها العقبات، وتنفذ إلى القلوب نفاذ الشمس إلى الأرض، وتسري إلى العقول سريان الضياء إلى الظلام.