بسم الله ، والحمد لله ،والصلاة والسلام على رسول الله،وبعد
يقول فضيلة الشيخ محمد الغزالي - رحمه الله -أحدالدعاة بمصر
في الإجابة عن مثل هذا السؤال:

في هذا السؤال إيماءة مرفوضة إلى أن الرسول حارب ليَحمِلَ الخصومَ على قبول الدعوة! وهذه تهمة لا أصل لها من عقل أو نقل! ماذا يدعيه المدَّعون بعد أمر الله لرسوله:
(وقل الحقُّ من ربِّكم فمن شاء فليُؤمنْ ومن شاء فليَكفرْ) (الكهف: 29)
وقوله سبحانه: (إن هذه تذكرةٌ فمن شاء اتخَذ إلى ربه سبيلاً) (الإنسان: 29)

إن الإسلام بنى خطته في الحياة على استحالة زوال الأديان كلها، واكتَفَى بأن يَبقَى مذكِّرًا بالحق منكِرًا للهوى، وترى ذلك في قوله سبحانه: (ولئن أَتَيتَ الذين أُوتوا الكتابَ بكلِّ آيةٍ ما تَبِعوا قبلتَك وما أنت بتابعٍ قِبْلَتَهم وما بعضُهم بتابعٍ قبلةَ بعضٍ ولئن اتبعتَ أهواءَهم من بعدِ ما جاءك من العلمِ إنَّك إذًا لَمِن الظالمين) (البقرة: 145)

حسبُنا ـ نحن المسلمين ـ أن نُقَرِّر الحق، وأن نحيا على هداه، وأن نُمَهِّد طريقه لمَن أحب سلوكه.
ولنا بلا ريب أن نرد المهاجمين، وأن نَحميَ المستَضعَفين، وأن نُسكتَ المفتَرين
!إذا تمادَوا في أذاهم

ولننظر في الكتاب الذي أرسله النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ إلى هِرَقْلَ
:يدعوه إلى الإسلام، ولنتأمل ما جاء فيه:

"بسم الله الرحمن الرحيم، من محمد رسول الله إلى هِرَقْلَ عظيم الروم، سلام على من اتبع الهدى. أما بعد فإني أدعوك بدِعاية الإسلام. أسلِمْ تَسلَمْ يؤتِك اللهُ أجرَك مرتين، وإن توليتَ فإن عليك إثمَ الأَرِيسِيِّين" (يا أهلَ الكتابِ تعالَوا إلى كلمةٍ سواءٍ بينَنا وبينكم ألا نَعبدَ إلا اللهَ ولا نُشركَ به شيئًا ولا يَتخذَ بعضُنا بعضًا أربابًا من دونِ اللهِ فإن تَوَلَّوا فقولوا اشهدوا بأنا مسلمون) (آل عمران: 64 )
بم خُتم هذا الكتاب؟
إن رفضتم الإسلام فاعلموا أننا مسلمون باقون على إسلامنا
لا تهديد ولا سباب! وإنما جاء التأثيم في موقف هرقل ـ إذا بقي على
"دينه من الأريسيين

ونحن نرى مع بعض المُحَقِّقين أن الأريسيين هم أتباع آريوس البِطريق الذي
.قاد حركة الموحِّدين في التاريخ الكَنَسي، ورفض بقوة جعل عيسى إلهًا أو ابنًا لله

وهذا القَسّ الموحِّد لقيَ مع أتباعه اضطهادًا شديدًا، وتضافرت قُوَى الدولة الرومانية على مطاردته ومصادرة دعوته، ووَرِثت الحكومات الأخرى هذا الترويع حتى
!انقرضت كنيسته أو كادت

ونستبعد أن يكون المراد بكلمة "الأريسيين" الفلاحين.
ومأساة الموحِّدين في أرجاء الإمبراطورية الرومانية ثم في أرجاء أوروبا معروفة، ومن حق نبي الإسلام أن يُنَدِّد بها، ويذكِّر هرقل بموقفه منها


وربما كان الرومانيون يحسَبون الإسلام امتدادًا لبدعة آريوس كما يصفونها. وأيًّا
!ما كان الأمر فقد حاولوا البطش بالإسلام ودعاته، وشرعوا يقتلون مَن دخل فيه

ولولا السيف الإسلامي الصُّلْب، ولولا الرجال أولو البأس الذين حملوه، ولولا نبي الملحمة الذي انتصب دون دينه وعَرِينه لذهب الإسلام في خبر كان، وربما ضنَّ
!عليه الاستعماريون بدموع التماسيح بعد ما يزول

إنّ المؤرخين الأوربيين غِضاب لأن الإسلام قاتل الرومان! فهل سأل أحدهم نفسه: ما الذي جاء بالرومان إلى الشام وآسيا الصغرى؟ وما الذي جاء بهم إلى مصر والشمال الأفريقي؟
أكان الإقناع طريقًا إلى إخراج أولئك المستعمِرين من أرض احتلوها أكثر من خمسة قرون؟ هل أفلح الإقناع في إنهاء استعمار البيض لجنوب أفريقيا؟

!إنّ الحرب وحدها بكل مغارمها ومتاعبها هي الطريق الفذُّ لمحو الاستعمار الطويل

إنّ الإسلام أغنى الأديان بالأدلّة وأحرصها على استثارة الأفكار ومُناشدة الضمائر، وكان يمكن أن يلام لو أنه آثر إعمال السيف على إعمال العقل، أو قابل اللطف بالعنف! أمَا أن يَعرِض حُجَّته فيَلقَى الهُزْءَ والهوان، ثم يحاول المتمرِّسون
.بالدهاء والجبروت أن يواروه الثَّرَى، فدون ذلك ركوبُ الأهوال

.والناس إن ظلموا البرهان واعتسفوا فالحرب أجدى على الدنيا من السلم

يقول ابن تيمية في رسالته عن القتال:
كانت سيرته ـ صلى الله عليه وسلم ـ أن كل مَن هادَنه من الكفار لا يقاتله! وهذه كتب الحديث والتفسير والفقه والمغازي تَنطِق بذلك، بل هو متواتر في سيرته، فلم يبدأ أحدًا من الكفار بقتال... ولو أن الله أمره بقتل أعدائه لبدأهم بالحروب ولكنه
.لم يفعل

ثم قال :
أما النصارى فلم يقاتل أحدًا منهم حتى السنة السابعة من الهجرة ـ يعني إلى عشرين سنة من بَدْء الرسالة ـ فلما أرسَل بعد صلح الحديبية يدعو جميع الملوك إلى الإسلام، وكتَب إلى قيصر وكسرى والمُقَوقِس والنجاشي، وملوك العرب بالشرق والشام، دخل في الإسلام من النصارى مَن دخل، فعَمِد النصارى
"بالشام فقتلوا بعض مَن أسلم من كبارهم بـ"معان

قال ابن تيمية:
!فالنصارى هم الذين حاربوا الإسلام أولاً، وقتلوا مَن أسلم منهم بغيًا وظلمًا
ورسلُه ـ عليه الصلاة والسلام ـ كانوا يدعون إلى الإسلام دعوة مُجَرَّدة، فمَن دخل فيه دخل طوعًا لا كرهًا، ما أكرَهوا على الإسلام أحدًا، فلما بدأ النصارى بقتل المسلمين أرسل النبي جيش مؤتة ، ثم كانت غزوة تبوك التي قرَّر الرومان
.ألا يشتبكوا مع جيشها لحظةَ رَأَوْها

إن القتال فُرض على المسلمين فرضًا، سواءً كان مع الوثنيين أم مع الكتابيين، واضطُّرُّوا لخوضه دفاعًا عن أنفسهم وعقيدتهم، وإلى هذا تشير الآية الكريمة: (أُذِنَ للذين يُقاتَلون بأنهم ظُلموا وإنَّ الله على نصرِهم لَقَدِير. الذين أُخرجوا من ديارِهم بغيرِ حقٍّ إلا أن يقولوا ربُّنا اللهُ..) (الحج: 39،40)
أترى المطرود من وطنه لأنه مؤمن بربه يُعَدُّ مهاجمًا إذا قاتَل طارِديه؟

إنّ الدهشة تملَّكتني عندما رأيتُ كُتّابًا يصفون معركة بدر بأنها دليل على
!أنّ الحرب في الإسلام هجُومية! قريش كانت مظلومة وكان المسلمون هم الظلَمَة

إنه المنطق نفسه الذي اتُّبِع في وصف المقاتلين الفلسطينيين الذين اغتُصِبت أرضهم ودورهم وأُلجئوا إلى العَراء! اعتُبِروا إرهابيين مُعتَدِين على اليهود
!الآمنين الطيبين

وقد ربط القرآن الكريم بقاء المساجد والمعابد بقتال المؤمنين ورفضهم الاستكانة والاستسلام (ولولا دَفْعُ اللهِ الناسَ بعضَهم ببعضٍ لهُدِّمت صوامعُ وبِيَعٌ وصلواتٌ ومساجدُ يُذكَرُ فيها اسمُ اللهِ كثيرًا وليَنصُرَنَّ اللهُ من يَنصُرُه) (الحج: 40 )
أيَحسَب عاقل أن هذه النتائج النبيلة نشأت عن حروب عدوانية؟
تُرَى لو أن الرومان نجحوا في قَهْر المسلمين واجتياح بلادهم أكان يَبقَى مسجد يرتفع فوقه صوت مؤذن؟

ذلك سر الغضب في نظم الآية الكريمة: (ومَن أظلَمُ ممن منَع مساجدَ اللهِ أن يُذكَرَ فيها اسمُه وسعَى في خرابها أولئك ما كان لهم أن يَدخلوها إلا خائفين
لهم في الدنيا خزيٌ ولهم في الآخرةِ عذابٌ عظيمٌ) (البقرة: 114)
والحرب مع الفرس بدأ شررها منذ مزَّق كسرى كتاب الرسول الذي يدعوه فيه إلى الإسلام، لقد غضب هذا الكسرى غضبًا شديدًا وكلَّف واليَه على جنوب
!الجزيرة أن يأتيه بمحمد هذا

وكان الفرس ينظرون إلى العرب بازدراء، ويحتلون أرض العراق، ومن ثَمّ أنِف
!كسرى أن يُحاول عربي هدايته

أفكان الفرس يأذنون لمسلم أن يجوس خلال ديارهم يدعو أحدًا إلى الله؟
السيف وحده هو الذي يحل تلك المشكلة، وماذا صنع السيف؟
قلَّم أظفار الطغاة، وتركهم بعد تجريدهم من السلام يفكرون في هدوء ويتدبرون
!ما يُعرَض عليهم بعقل
!لا إكراه على دين

لا نعرف في تاريخ البشرية حامل سيف أعف من محمد؛ ما غضب لنفسه قط، ما غضب إلا لله وحده
قالوا غزوتَ ورسْلُ الله ما بُعِثوا ***بقتلِ نفس ولا جاءوا بسفك دمِ
جهل وتضليلُ أحلامٍ وسفسطةٌ*** غزوتَ بالسيفِ بعدَ الغزوِ بالقلَمِ
والجهلُ إن تلقهُ بالحلمِ ضِقْتَ به*** ذرعًا وإن تلقهُ بالجهلِ يَنْحَسِم

واللهُ أعلم
-----------
كلماتُ حقٍّ منقولة.. نزهقُ بها الباطل