ثالثا : شهادة نصوص أسفار العهد الجديد.

من كتب ومخطوطات العهد الجديد اليونانية يستطيع المرء أن يتعرف بسهوله على كثير من الكلمات والفقرات الآرامية كتوبه كما هى بلسانها الأصلى ولكن بالحرف اليونانى (transliterate) . إضافة الى وجود كلمات أخرى مذكورة فى النص مع شرح معناها باليونانية. كما يمكنه أيضا أن يتعرف بصعوبه على بعض الكلمات ولأسماء الآراميه التى تم ترجمة معناها الى اليونانية ثم قام المترجمون بتسجيلها فى النصوص دون الإشارة الى أصلها الآرامى .
فمن الكلمات الآراميه المذكورة فى النصوص بالحرف اليونانى أذكر منها : أبّا , ربّى و ربّانى , هللويا , قومى , أتفتح , أتى , سيطان , قربان , قطوان , باراقليط , مسيّا , وآمين ...... إلخ
ومن الكلمات الآرامية التى ذكرت فى النصوص اليونانية مع عبارات تفسيريه يونانيه تبين معناها للقارىء اليونانى : كلمة أبّا التى معناها فى اليونانية باتر . وكلمة مسيّا التى كتنب معناها فى اليونانية كريستوس , وكلمة كيفا التى كتب معناها فى اليونانية باتروس . الى غير ذلك من كلمات وعبارات مثل مثل عمانؤيل وغيرها .
ومن الكلمات التى ترجمت translated الى اليونانيه خطأ أذكر منها : كلمة ملكوت حيث ترجمت الى باسليا بمعنى امبراطورية أو مملكة كبيره. اسم الجلالة الله حيث ترجم الى ثيون وكريون بمعنى إله أو سيد أو ملك , وكلمة جمل الآرامية التى تعنى الحبل الغليظ الذى تشد بها السفن حيث ترجمت الكلمة الى كاميلوس بمعنى الجمل الحيوان المعروف ... الى غير ذلك من كلمات وعبارات سوف تمر علينا فى ثنايا هذا الكتاب.
مما سبق يتبين لنا بوضوح شديد أن اللغة الآرامية هى لغة الأصل التى تكلم بها المسيح عليه السلام وتلاميذه. وعندما نقلت تلك الأصول الى اليونانية قام المترجمون بالخلط بين الترجمة translation وبين النقل الصوتى للكلمات الآرامية مستخدمين الحرف اليونانى transliteration فى الكتابة ولا يوجد فى أى مكان فى العهد الجديد عبارة تفيد أو تقول بأن المسيح عليه السلام أو تلاميذه تكلموا أو كتبوا باليونانيه , بل العكس هو الصحيح ولزيادة إطمئنان قلب القارىء سوف أذكر أمثلة من داخل نصوص أسفار العهد الجديد.

1- جهل التلاميذ باليونانية
إن من يقرأ سفر أعمال الرسل (4: 13) سيجد أن كبير التلاميذ سمعان الذى يطلقون عليه اسم بطرس , والتلميذ يوحنا كانا أميّان غير متعلمين ولا يعرفون الخط . ومن هنا أقول بأن قول القائل بأن مرقس المنسوب اليه الإنجيل المعروف هو المترجم لأقوال سمعان غير بعيد عن الصحه. فإن كان كلا من سمعان ويوحنا لا يعرفان الكتابه ولا القرآءه فى لغتهم المحليه فكيف بهما فى اليونانيه. وقد أفاد العلام جيرم – القرن الرابع الميلادى- أن النسخ الأصلية التى كتبها متى الإنجيلى فى أورشليم القدس لا تزال موجوده فى فلسطين وهى كتوبه باللغة العبرانيه يقصد الآرامية ثم أضاف بقوله أن متى الإنجيلى كان ينقل فقرات العهد القديم من النسخة المعمول بها فى فلسطين المعروفة بالترجوم الفلسطينى ولا ينقل من النسخة اليونانية السبعينيه , وهذا يدل على جهله باليونانيه مع أن إنجيله كان موجه الى المسيحيين اليونايين وليس الى نصارى فلسطين.

2- أمثلة من أقوال المسيح
إن المتدبر فى أقوال المسيح سيجد أن معظم كلماته فيها النبره الآراميه العربيه التى نتكلمها فى حياتنا اليوميه الى الآن . ففى الأصل اليونانى لإنجيل مرقس (5: 41) حين قام المسيح بإنقاذ حياة الفتاه المسماه طليا أمسك بيدها قائلا لها " طليتا قومى" وهذا القول يشابه تماما قولنا فلانه قومى , فإن علمنا أن الفتاه تدعى طليا (والاسم طليا مأخوذ من كلمة الطل أى المطر الخفيف ) وأن الألف الممدوده فى آخر الكلمة طوليتا تعنى حرف النداء يا. فإن معنى عبارة المسيح هو : "يا طليا قومى " وتلك جملة عربية مائه فى المئه لا تحتاج الى ترجمة لها عند سماعنا لها , وهناك مثل آخر فى إنجيل مرقس (7: 34) اليونانى وهو قول المسيح لعين الأعمى أتفتح يريد أن تنفتح عيناه. إنها عبارة عربية أيضا مائه فى المائه صيغة أمر من فعل فتح ولكن بالمعنى العامى فى لساننا الذى نتكلمه حتى الآن , ومثل آخر ورد فى كل من الأناجيل اليونانية (متى 19: 24 , مرقس 10: 25 , لوقا 18: 25 ) والعبارة هنا مأخوذه من إنجيل مرقس , قال المسيح لتلاميذه : " ما أعسر دخول المتكلين على الأموال الى ملكوت الله . مرور جمل من ثقب إبرة أيسر من أن يدخل غنى الى ملكوت الله" . فهذه العبارة عربية أيضا نتوقف فيها عند كلمتين هما جمل وملكوت , فكلمة جمل فى الآراميه والعربيه لها معنيان : إما الحيوان المعروف بالجمل وإما الحبل السميك الذى تشد به السفن , والمعنى المقصود هنا هو الحبل السميك الذى لا يدخل فى ثقب الإبرة وليس بالحيوان المعروف, وكلمة ملكوت فى الآراميه والعربيه لها معنيان أساسيان فى داخل كل منهما معان كثيرة , ذكرت بعضها فى كتابى هذا , ومعنى عبارة ملكوت الله هنا تعنى الجنة وليس مملكة الله كما يزعم الزاعمون . ونجد تفسيرها فى القرآن الكريم فى قوله تعالى " ولا يدخلون الجنة حتى يلج الجمل فى سم الخياط" 40 الأعراف

3-حتى بولس.
بولس الطرسوسى الرومانى الجنسيه اليهودى الديانه زعيم فرقة النصارى فى أول أمره أعمال (24: 5) العدو اللدود للمسيح ولتلاميذه ولدعوته أثناء بعثة المسيح , عندما إهتدى الى المسيحيه أثناء تعقبه لأتباع المسيح وهو يريد التنكيل بهم , هناك على طريق دمشق تعرض له الجنى المدعو عيسو النصرانى فى رؤيا فى عز الظهر وخاطبه بالآراميه حسب الذى ورد فى النسخة العالمية NIV وأيضا سنجد فى سفر الأعمال (21: 40 , 22: 2 إلخ) حسب النسخة الإنجليزيه العالميه NIV أن بولس كان يتكلم فى فلسطين باللغة الآراميه مع يهودها وهذا يدل على أن الآرامية هى اللغة السائده فى فلسطين فى ذلك الوقت.

4- وأخيرا
نجد أن الإنسان الذى صلب حسب رواية الأناجيل كان يصرخ مستجيرا بإلهه لينقذه من ذلك العذاب المهين , وكانت صرخاته تخرج من فمه بلسان آرامى لا عجمة فيه من اليونانيه " إيلى إيلى لما شبقنى " وتحت أقدام ذلك المسكين كتبت لافته باللغة الآراميه واليونانيه واللاتينيه حسب الذى جاء فى النسخة الإنجليزيه العالميه NIV تقول (عيسى النصرانى ملك اليهود)

وداخل كتابى هذا سيجد القارىء الكثير من الكلمات الآراميه التى تكلم بها المسيح وهى مسجلة بالخط اليونانى ومنطوقها لا يزال آرامى اللغة عربى اللسان.