ثانيا : شهادة اليهود الأوائل.

1- من أشهر يهود تلك الفترة المؤرخ يوسف بن متى المعروف عند المسيحيين بيوسيفوس. ولد يوسف بن متى فى القدس من عائله ثرية ودرس الدين اليهودى وفرقه المختلفه ثم عمل كاهنا والتحق بجماعة الفريسيين . ثم تخصص فى كتابة التاريخ اليهودى.
كتب يوسف بن متى تاريخه الشهير فى الفترة الواقعة ما بين سنة 75 وسنة 79 ميلادية وقال فيه بأنه "كتب تاريخه ذلك بلغته العامية -أى الآرامية- وأرسله لقومه فى فلسطين" . وقال أيضا " وفى وقت متأخر قام بترجمة الكتاب الى اللغة اليونانية" . ووصف يوسف بن متى اللسان اليونانى بأنه لسان غير معروف لدى يهود فلسطين (unfamiliar tongue). وأفاد أيضا ذلك المؤرخ اليهودى الفلسطينى المولد بأن "قومه اليهود كانت معلوماتهم قليلة عن اللغة اليونانية" حتى أنه شخصيا كان ينطق اليونانية بصعوبة.
من أقوال يوسف بن متى السابقة نعلم أن لغة يهود فلسطين فى تلك الآونة لم تكن اليونانية. وأن اللسان اليونانى غير محبوب وغير مرغوب فيه . ومعلوم أن رجال الدين هم الأرقى تعليما بين اليهود. فإذا كان هذا شأنهم من اللغة اليونانية فكيف بعامة اليهود من الصيادين والنجارين والعشارين.!؟
فيهود فلسطين إبان بعثة المسيح كانوا لا يتكلمون اليونانية ولا يحبونها.

2- كتبة التلمود اليهودى
هناك قصة طريفة فى التلمود تبين بجلاء تام موقف اليهود تجاه لغة اليونان.
إنها قصة ابن داماح مع عمه الرّبّى اسماعيل التى حدثت فى أوائل القرن الثانى الميلادى. عندما طلب ابن داماح من عمه الإذن والسماح له بتعلم اللغة اليونانية فكانت إجابة العم لابن أخيه هو نص سفر يشوع (1: 8) : "واظب على ترديد كلمات هذه التوراة. وتأمل فيها ليل نهار" . ثم قال له" اذهب وابحث لك عن وقت ليس بالليل أو بالنهار لتتعلم اليونانية وفلسفتها".
ويظهر هذا التوجه تجاه اللغة اليونانية إذا قرأنا شيئا عن موقف اليهود من الترجمة اليونانية لأسفار العهد القديم . فيذكر تلمودهم أنه فى اليوم الذى ترجمت فيه التوراة إلى اللغة اليونانية - النسخة السبعينية- أصاب أرض فلسطين زلزال شديد لم يترك شبرا واحدا من الأرض دون دمار . وقالوا بأن ذلك علامة من الله بغضبه على اليهود حيث ذكر اسمه المقدس بالحرف اليونانى وتلك معصية تشابه معصية إتخاذهم العجل معبودا لهم لحين عودة موسى اليهم من ملاقاة ربه. فقيام أجدادهم بترجمة التوراه الى اللغة اليونانية يشابه تماما قيام أجداد أجدادهم من قبل بصناعة العجل الذهبى وعبادته.. !!
وتصديق كل ما سبق نجده فى لفائف كهوف قمران المكتشفة حديثا . حيث أن معظمها مكتوب باللغة الآرامية وبعضها بالخط الأشورى المربع , وإن زعم اليهود بأنها عبرية قياسا على الخط العبرى المربع الذى وجد بعد ذلك بخمسة قرون . كما يندر فيها وجود كتابات يونانية . وهناك أيضا الترجمة الآرامية للعهد القديم التى كان معمولا بها فى فلسطين فى زمن بعثة المسيح وهى المعروفة باسم " الترجوم الفلسطينى "