أما عن قانون الكتاب المقدس:
فقانون "الكتاب المقدس" هو قائمة المؤلفات والكتب الإلزامية التي تدخل ضمن صفحات "الكتاب المقدس" تبعاً لإرادة هيئة القانون ، وبذلك يطلق عليها "الكتاب المقدس" و "كلمة الله" أو وحي الله بالرغم من التباين الجذري الكبير للكتابات الأخرى الموجودة في العالم التى تصطبغ بالصبغة الدينية والدنيوية .

هذا ويعتقد معظم المؤمنين بالكتاب المقدس في سذاجة أن الكتاب المقدس كان في هذه الصورة دائماً منذ البدء كما هي الآن بين أيديهم، فهم يعتقدون أن الكتاب المقدس كان يحتوي على كل هذه الأجزاء التي يحتويها الكتاب الذي بأيديهم الآن .

فهم لا يعرفون - وغالباً ولا يريدون أن يعرفوا ( حتى لا يساورهم الشك ) -
أنه لم يكن لدى النصارى الأوائل أي كتاب آخر غير العهد القديم لمدة طويلة تصل إلى ( 200 ) سنة تقريباً.

وأن قانــون العهد القـديم في زمن النصارى الأوائل لم يكن قد تم الإنتهاء منه (ف. ميلد نبرجر : "نصف الحقيقة أو الكتاب الكامل" ، 1976 صفحة 27) ،

وأن كتب العهد الجديد لم تتكون إلا ببطىء شديد، ولم يفكر إنسان لمدة طويلة أن كتب العهد الجديد هذه سوف تعتبر كتباً مقدسة ،

وإنه بمرور الوقت أصبح من المعتاد قراءة هذه الكتب أمام الأمة ، ومع ذلك لم يفكر أحد أيضاً أن يساويها بالكتب المقدسة للعهد القديم ، ولم تتولد هذه الفكرة إلا بعد تحارب الإتجاهات المختلفة للمسيحية ، وأصبحت الحاجة ماسة إلى أن يستند المرء إلى شيء ملزم ، وأنه في حوالي عام (200) بعد الميلاد بدأ إعتبار هذه الكتب بصورة بطيئة كتباً مقدسة.

وأنه بعد ذلك بفترة زمنية تقرب من (200) سنة نشأ خلاف حول إختيار الكتب من بين العديد منها الذي يمكن قراءته أمام الأمة [ النصرانية ] وإعتبارها مقدسة ويمكن ضمها لقانون الكتاب المقدس بالعهد الجديد ، حيث إختار البعض كتباً معينة وإختلف آخرون معهم،
وأنه حتى ذلك اليوم وبعد 1600 عام لم يتمكن النصارى بعد من الإتفاق بصدد هذا الموضوع بسبب الكنيسة التي كانت أنذاك قد تعلمنت وخرجت عن روح تعاليمها الأساسية تحت تأثير أحد القياصرة الكفرة الملحدين وبتأثير من بعض الأساقفة منعدمي الكرامة الذين كانت لهم الكلمة المؤثرة لخدمة غرض من أغراضهم الذي يتناسب مع إتجاههم وبسبب الإختيار الذي قاموا به بشكل تعسفي ،

كذلك لا يعرف المؤمنون بالكتاب المقدس على سبيل المثال - وبصورة أصح لايريدون معرفة - أن لوثر قد رفض بشدة رسالة يعقوب واعتبرها رسالة هشَّة كما أنه لم يود أيضاً الإعتراف برؤيا يوحنا اللاهوتي ورسالة [بولس] إلى العبرانيين في إنجيله (شورر صفحة 123 ، هولتسمان 178 ) .

ويجدر بنا أن نعرف أن قانون البروتستانت والكاثوليك والكنائس الشرقية لم يتم الإتفاق عليه وتوحيده لليوم ، فكل قانون لهذه الإتجاهات الثلاثة يحتوي على كتب ينكرها الآخرون والعكس صحيح .

ويقول الدكتور روبرت كيل تسيلر فى كتابه (الروح القدس فى محكمة التاريخ): ولسوف يُدهش ما سبق كل كاثوليكي وكل بروتستانتي ( يؤمن بقرارات تلك المجامع الأولى ، حيث يعتقد أنها تمت بالوحي المطلق للروح القدس ) إذا ما وَعى حقيقة وواقع تكوين قراءات هذه المجامع ، فهي تنبثق أساساً :

1 - من القياصرة الرومان ، أي هم الذين أوحوا بها [ وليس الروح القدس].

2 - وعلى الأخص قرارات المجمع الأول التي إتخذها قيصر لم يكن مسيحياً معمّداً بل كان بعيداً كل البعد عن الإيمان [ والعقيدة ] المسيحية .

3 - وبصفة عامة من قياصرة ( وزوجاتهم ) لا ترى في حياتهم الأخلاقية والأدبية أية إنطباع يدل على أنهم أشخاص يتمتعون بقدسية خاصة تجعلهم يقومون بتمثيل صوت الروح القدس .

ولك أن تتعجب كل العجب إذا ما علمت أن قسطنطين لم كان وقت إنعقاد مجمع نيقية قد اعتنق النصرانية بعد ، ويُشك فى اعتناقه إياها حتى 18 يوم قبل موته. وفى هذا يقول الدكتور روبرت كيل تسلر: “يُعد من الثوابت أن قسطنطين الأكبر قد تم تعميده قبل موته وبعد (15) عاماً من مجمع نيقية (على أيدي أحد أتباع آريوس) وهذا يعني أنه لم يكن قد تنصر بعد وقت إنعقاد مجمع نيقية ، كما كان لعدة سنوات متتالية طالباً للتعميد وبذلك كان محروماً من العشاء الأخير .

وما زال يُعد من أحد أسباب الجدل [ التي لم يتوصل فيها إلى حل حاسم ] ، عما إذا كان قسطنطين قد عرف أساساً العقيدة المسيحية واعتنقها ، إلا أنه من المؤكد أنه كان مرتبطاً بشدة بجانب ذلك على الأقل بعبادة الشمس وميترا .”

ومعنى أن الذى عمده هو أحد أتباع آريوس أنه اعترف بصحة معتقدات آريوس ، وآمن بها ، ومعنى هذا أيضاً أنه ألغى بإيمانه هذا (داخل نفسه على الأقل) قرارات مجمع نيقية الأول ، والتى صدر بشأنها قرارات تأليه يسوع.

ويلخص اللواء مهندس أحمد عبد الوهاب ص 35 من كتابه “المسيح فى مصادر العقائد المسيحية” هذا الموضوع قائلاً: “وخلاصة القول فيما يتعلق بتحديد الزمان والمكان والكيفية التى اكتسبت بها الأناجيل الأربعة الصبغة القانونية ، ومن ثم اعتبرت كتباً مقدسة ـ فإن أحداً لا يدرى عن هذا الموضوع شيئاً. ولا يملك العلماء إلا أن يقولوا: (ليس لدينا أى معرفة محددة بالنسبة للكيفية التى تشكلت بموجبها قانونية الأناجيل الأربعة ، ولا بالمكان الذى تقرر فيه ذلك.

ومما يجب ملاحظته هو أن كليمنت الرومى (حوالى عام 97م) وبوليكارب (حوالى عام 112م) قد استشهد كل منهما بأقوال (للمسيح) فى صيغ مستقلة عما فى أى من الأناجيل التى صارت قانونية فيما بعد.”

ويواصل الكاتب اللواء مهندس أحمد عبد الوهاب ناقلاً عن دائرة المعارف البريطانية قوله: إنه من المحتمل أن يكون كل من الأناجيل الأربعة القانونية قد اكتسب التداول والنفوذ عن طريق تبنى احدى الكنائس الكبيرة له ، وعلى هذا الأساس يوجد سبب قوى لربط إنجيل مرقس بروما ، ومنها يحتمل أن يكون قد اكتسب التداول فى كنائس أخرى. وأما إنجيل متى ـ الذى يعتبر نسخة مراجعة ومطولة من إنجيل مرقس ـ فيبدو أنه كان يستخدم فى أنطاكية فى بداية القرن الثانى ، ويرتبط إنجيل يوحنا بأفسس.”

وبهذا تسقط الثقة بالكتاب كله ، وبقانونيته ، ويتبقى لنا فى النقطة الثانية شخصية المؤلف.]

[تقول دائرة المعارف الكتابية:]
ثالثاً : العلاقة بين الإنجيل اليونانى والإنجيل الأرامى :

والمؤكد هو أنه مهما كان هذا الإنجيل العبرى (الأرامى) ، فهو لم يكن الصورة الأصلية التى ترجم عنها الإنجيل اليونانى الذى بين أيدينا ، سواء بواسطة الرسول نفسه أو بواسطة أحد آخر كما يقول بنجل وتريش وغيرهما من العلماء.

[فعلى الرغم من قول العالمين بنجل وتريش وغيرهم من العلماء بأن أصل إنجيل متى كتب بالعبرانية (الآرامية) إلا أنك ترى بعدها تقليل دائرة المعارف الكتابية من شأن هذا الكلام ، وقللت من هذا الإعتراف بقولها:]

فإنجيل متى – فى الحقيقة – يعطى الانطباع بأنه غير مترجم بل كتب أصلاً فى اليونانية ، فهو أقل فى عبريته - فى الصياغة والفكر - من بعض الأسفار الأخرى فى العهد الجديد، كسفر الرؤيا مثلاً . فليس من الصعب – عادة - اكتشاف أن كتاباً فى اليونانية من ذلك العصر مترجم عن العبرية أو الأرامية، أو غير مترجم. وواضح أن إنجيل متى قد كتب اصلاً فى اليوناينة ، من أشياء كثيرة، منها كيفية استخدامه للعهد القديم، فهو أحياناً يستخدم الترجمة السبعينية ، وأحياناً أخرى يرجع إلى العبرية، ويظهر ذلك بوضوح فى الأجزاء 12: 18-21 ، 13: 14 و15 حيث نجد أن الترجمة السبعينية كانت تكفى لتحقيق غرض البشير ، لكنه – مع ذلك – يرجع إلى النص فى العبرية مع أنه يستخدم الترجمة السبعينية أينما يجدها وافية بالغرض.

وقد أوقع هذا الدفاع غير المبرر دائرة المعرف الكتابية فى مشكلة أخرى:
1- فمعنى اعتماد كاتب الإنجيل أحياناً على العبرانية ، وأحياناً أخرى على الترجمة السبعينية أنه كان ينتقى ما يخدم أغراض مذهبه ، وهذا ينفى عنه أنه كتب هذا الكلام بوحى من الله. وهذا تلمسه بوضوح فى قولها: “حيث نجد أن الترجمة السبعينية كانت تكفى لتحقيق غرض البشير ، لكنه – مع ذلك – يرجع إلى النص فى العبرية مع أنه يستخدم الترجمة السبعينية أينما يجدها وافية بالغرض.”

2- معنى تنقله بين النسخة العبرانية والترجمة السبعينية أن النسختين لا تتطابقان ، وإلا لما ترك أحدهما ولجأ للأخرى.

3- معنى ذلك أن كاتب هذا الإنجيل من اليهود ، الذى سمح له كبار الكهنة وعلماء اليهود بوجود هاتين النسختين تحت تصرفه ، وأن يتنقل بحرية كبيرة بينهما ، لإنتقاء ما يحلو له. وهذا يسقط الاعتراف بإنجيل متى كلية ، ويُشكك فى كاتبه ، أنه قد يكون أحد أتباع أعداء يسوع الذين حاولوا قتله ، وحاربوا تلاميذه.]

4- واستنتاجى هذا يطابق تحليل تفسير إنجيل متى لوليم باركلى ، إذ يقول فى تفسيره ص 17: إن (المادة الموجودة فى بشارة متى وبشارة لوقا مستقاة من بشارة مرقس كأساس لهما. ويمكن تقسيم بشارة مرقس إلى 105 فقرة ، ونستطيع أن نجد 93 فقرة منها فى بشارة متى ، و 81 فقرة منها فى بشارة لوقا. ومن هذه الفقرات ال 105 الواردة فى بشارة مرقس نجد أربع فقرات فقط لا وجود لها فى بشارة متى وبشارة لوقا.) أى 88.6 % من فقرات إنجيل مرقس قد نقله متى مع تغيير يؤيد وجهة نظره العقائدية وقد ذكرت منها ما يدل على ذلك.

وبحساب الجمل يقول وليم باركلى فى تفسيره لإنجيل متى ص 17 نجد أن (مرقس يحتوى على 661 عدداً ، ومتى 1068 عدداً ، وفى بشارة لوقا 1149 عدداً. ويورد متى أكثر من 606 من الأعداد الواردة فى مرقس ، ويورد لوقا 320 منها.) وهناك أيضاً 55 عدداً موجودة عند مرقس ولا يذكرها متى ، ومن هؤلاء الجمل نجد 31 عدداً يوردها لوقا.

وفى ص 19 يقول باركلى: (فكلاهما [متى ولوقا] أخذ من مرقس رواية الأحداث فى حياة يسوع ، ولكنهما أخذا رواية التعاليم من مصدر آخر. وقرينة ذلك أن 200 عدداً فى متى تتشابه مع نظيرها فى لوقا ، وهذه مختصة بتعاليم يسوع. ونحن لا تعرف المصدر الذى استقيا منه هذه التعاليم ، ولكن علماء الكتاب المقدس يعتقدون أن هناك كتاب يجمع تعاليم المسيح ، ويرمزون إليه ب (q)) التى تعنى المصدر.

إذن لقد كان متى ينتقى كما أقر العلماء ، بدليل أنه ترك 55 جملة كانت عند مرقس ، وأتى من مصدر آخر بباقى إنجيله.

ويورد وليم باركلى فى تفسيره ص 18 بضعة أمثلة على تحريف متى لكلام مرقس، وقد علل ذلك أن متى أراد أن يبرز قوة المسيح عيسى عليه السلام التى أراد مرقس أن يحد منها. فهل بعد هذا يطلق على أى منها أناجيل أوحى بها الله؟

المثال الأول:
(فشفى كثيرين كانوا مرضى بأمراض مختلفة وأخرج شياطين كثيرة) مرقس 1: 34
(فأخرج الأرواح بكلمة وجميع المرضى شفاهم) متى 8: 16

المثال الثانى:
(لأنه كان قد شفى كثيرين) مرقس 3: 18
(وتبعته جموع كثيرة فشفاهم جميعاً) متى 12: 15

المثال الثالث:
(ولم يقدر أن يصنع هناك ولا قوة واحدة .. وتعجب من عدم إيمانهم)مرقس 6: 5-6
(ولم يصنع هناك قوات كثيرة لعدم إيمانهم) متى 13: 58

ويعلق باركلى على ذلك قائلاً: (هاتان الروايتان وصف لزيارة يسوع لوطنه الناصرة. ونرى متى يُحجم عن أن يذكر أن يسوع لم يقدر أن يصنع أية قوات ، ويغير الأسلوب، لكى لا تكون هناك شبهة بمحدودية قوة يسوع.)

إذن فقد كان هذا تصرف خالص من جهة متى ، ولم يذكر أنه أوحى إليه ، وإلا لقلنا أن الوحى عند مرقس أراد تشويه صورة إلهه!!

لذلك فقد أحجم كل من متى ولوقا عن ذكر ما ينتقص من قدر يسوع ، مثل:
(فنظر حوله إليهم بغضب حزيناً على غلاظة قلوبهم) مرقس 3: 5

(ولما سمع أقرباؤه خرجوا ليمسكوه لأنهم قالوا إنه مختل) مرقس 3: 21

(فلما رأى يسوع ذلك اغتاظ) مرقس 10: 14

وبعد هذه الأمثلة مباشرة علق باركلى عليها قائلاً: (ولعل متى ولوقا لم يذكرا هذه الأجزاء ، خشية أن يكون فيها إقلال من شأن يسوع ، من حيث نسبة الإنفعالات البشرية إليه من غضب وحزن وغيظ)

كما يقول فرانس فى تفسيره لإنجيل متى ص 31 بشأن استشهادات متى بكتب العهد القديم: (ولقد أثير الكثير من الجدل بشأن مصدر صيغة الاقتباس وأثرها. ومعظم الدارسين حالياً يعتبرونها إسهاماً خاصاً من متى أكثر من كونها عناصر تقليدية فى قصة السيد المسيح.)

[وتواصل دائرة المعارف الكتابية قولها:] والأدلة الخارجية على استخدام إنجيل متى أصلاً فى العبرية أو الأرامية، فى الكنيسة الأولى ، هى أدلة غير قاطعة ، فيوسابيوس يذكر خبيراً عن أن بانيتنوس وجد – فى حوالى 170م – بين المسيحيين من اليهود – ربما فى جنوب الجزيرة العربية – إنجيلاً لمتى فى العبرية، تركه هناك برثلماوس – وعندما كان جيروم فى سوريا منحت له الفرصة لرؤية مثل ذلك الإنجيل الذى وجده عند الناصريين ، والذى ظنه فى البداية من كتابة الرسول متى ، ولكنه صرح فيما بعد بأنه لم يكن كذلك ، بل كان "إنجيل العبرانيين" الذى يسمى أيضاً إنجيل الاثنى عشر رسولاً أو إنجيل الناصريين وكان متداولاً بين الناصريين والأييونيين (انظر الأبوكريفا) ، ولهذا فأن إشارات إيريناوس وأريجانوس ويوسابيوس إلى الإنجيل العبرى لمتى، يعتبرها الكثيرون من العلماء على أنها تشير إلى الإنجيل العبرى الذى كان يستخدمه المسيحيون من اليهود والذى كانوا يظنونه من كتابة البشير. وهكذا يظل إنجيل متى العبرى الذى أشار إليه بابياس (على فرض أنه وجد حقيقة) ، لغزاً لم يحل بالوسائل المتاحة لنا الآن، وكذلك مسألة العلاقة بين النصين العبرى واليونانى. ويبقى هناك احتمال أن الرسول نفسه ، أو أحد الأشخاص تحت إرشاده (كما يقول جودت) كتب نسخة يونانية منقحة عن نسخة أرامية سابقة.

[فى الحقيقة تميل دائرة المعارف الكتابية إلى القول بأنه لا يوجد إنجيل عبرانى لمتى، وأن الأصل هو اليونانى الذى بحوزتهم الآن، ليخرجها من حرج الإجابة على السؤال الذى نلح عليه: أين أصل هذا الكتاب؟ ومن الذى ترجمه؟

إلا أنك تراها متأرجحة ما بين الاعتراف بالحقيقة أو ذكر أقوال لعلمائهم ، ثم التقليل من شأن هذا الكلام ، أو نفيه بكلام لعلماء آخرين. فعلى الرغم من أنها استهلت كلامها برؤية بانيتنوس للإنجيل العبرانى بين اليهود النصارى وأن الذى تركه هناك هو برتلماوس ، إلا أنه شكك فى كلام جيروم الذى رأى هذا الإنجيل فى سوريا ، وبالتالى أسقط كلام كل من إيريناوس وأريجانوس ويوسابيوس ، ولم يوضح لنا إذا كان هؤلاء قد ارتكنوا فى آرائهم على جيروم أم على غيره.

وهنا يطرح نفسه سؤال: ما الذى جعل جيروم يغير رأيه تبعاً لقول دائرة المعارف؟ هل سافر مرة أخرى إلى سوريا واطلع على نفس الكتاب الذى رآه أول مرة؟ أم كان فى المرة الثانية إنجيل الإثنى عشر رسولاً الذى قد يتشابه فى أول فصلين من فصوله مع إنجيل متى العبرانى؟ أم تغير الإنجيل الذى رآه أول مرة مما اضطره إلى تغيير رأيه؟

تقول دائرة المعارف الكتابية مادة أبوكريفا: (وليس ثمة دليل على أن هذا الإنجيل كان سابقاً للأناجيل الثلاثة الأولى ، وبالأولى لم يكن من المؤلفات التي سبقت إنجيل لوقا والتي أشار إليها في مقدمة إنجيله . ويرجع به هارناك - بالاعتماد على وثائق لا سند حقيقياً لها - إلى المدة من 65 - 100 م . وكان جيروم (400 م) يعلم بوجود هذا الإنجيل ويقول إنه ترجمه إلى اليونانية واللاتينية ، وتوجد اقتباسات منه في مؤلفاته وفي مؤلفات أكليمندس السكندري . وعلاقته بإنجيل متي الذي يكاد الاجماع ينعقد على أنه كتب أصلاً بالعبرية (الأرامية) أثارت جدلاً كثيراً ، والرأي السائد بين العلماء أنه لم يكن الأصل الذي ترجم عنه إنجيل متى لليونانية ، رغم أنه مؤلف قديم نوعاً . ويميل البعض مثل هارناك وسلمون إلى الاعتقاد بأن إنجيل العبرانيين الذي ذكره جيروم كان إنجيلاً خامساً كتب أصلاً للمسيحيين الفلسطينيين ، ولكن قلت أهميته عندما امتدت المسيحية إلى كل العالم.)

وهنا تناقض دائرة المعارف الكتابية نفسها: فمعنى علم جيروم بوجود هذا الإنجيل ينفى اختلاط الأمر عليه ، وعدم التفرقة بين إنجيل العبرانيين (الاثنى عشر رسولاً) وإنجيل متى ، إلا إذا أرادوا بذلك الاعتراف بأن جيروم كان مخموراً ، أو أرادوا التشكيك فى قدراته العلمية. وفى هذه الحالة يسقط الإستدلال بكلامه كله.

وتحت نفس المادة السابقة تقول دائرة المعارف: (وقد أطلق الأبيونيون اسم "إنجيل العبرانيين" على نسخة مشوهة من إنجيل متى.) ، وهذا إن دل ليدل على كثرة وجود الأناجيل وانتشار التأليف فى القرن الأول وما تلاه ، إلى أن جاء الإمبراطور الوثنى قسطنطين وأقر عقائد محددة واعترف بكتب محددة ورفضوا الباقى.

وعلى ذلك لم تكن الأناجيل الأربعة التى يتضمنها حالياً الكتاب المقدس هى الأناجيل الوحيدة التى كانت قد دُوِّنت فى القرون الأولى بعد الميلاد ، فقد كان هناك الكثير من الأناجيل. وهذا هو السبب الذى دفع لوقا أن يكتب رسالته إلى صديقه ثاوفيليس التى اعتبرتها الكنيسة فيما بعد من كلام الله: (1إِذْ كَانَ كَثِيرُونَ قَدْ أَخَذُوا بِتَأْلِيفِ قِصَّةٍ فِي الأُمُورِ الْمُتَيَقَّنَةِ عِنْدَنَا 2كَمَا سَلَّمَهَا إِلَيْنَا الَّذِينَ كَانُوا مُنْذُ الْبَدْءِ مُعَايِنِينَ وَخُدَّاماً لِلْكَلِمَةِ 3رَأَيْتُ أَنَا أَيْضاً إِذْ قَدْ تَتَبَّعْتُ كُلَّ شَيْءٍ مِنَ الأَوَّلِ بِتَدْقِيقٍ أَنْ أَكْتُبَ عَلَى التَّوَالِي إِلَيْكَ أَيُّهَا الْعَزِيزُ ثَاوُفِيلُسُ 4لِتَعْرِفَ صِحَّةَ الْكَلاَمِ الَّذِي عُلِّمْتَ بِهِ.) لوقا 1: 1-4

وقد أعلن “آدم كلارك” فى المجلد السادس من تفسيره: (إن الأناجيل الكاذبة كانت رائجة فى القرون الأولى للمسيحية ، وأن فايبر بسينوس جمع أكثرَ من سبعين إنجيلاً من تلك الأناجيل وجعلها فى ثلاث مجلدات).

كما أعلن فاستوس الذى كان من أعظم علماء فرقة مانى فى القرن الرابع الميلادى: (إن تغيير الديانة النصرانية كان أمراً محقاً، وإن هذا العهد الجديد المتداول حالياً بين النصارى ما صنعه السيد المسيح ولا الحواريين تلامذته ، بل صنعه رجل مجهول الاسم ونسبه إلى الحواريين أصحاب المسيح ليعتبر الناس).

وقد كتب فى مسألة تعدد الأناجيل الكثير من مؤرخى النصرانية ، فيقول العالم الألمانى “دى يونس” فى كتابه (الإسلام): “إن روايات الصلب والفداء من مخترعات بولس ومَنْ شابهه من المنافقين خصوصاً وقد اعترف علماء النصرانية قديماً وحديثاً بأن الكنيسة العامة كانت منذ عهد الحواريين إلى مضى 325 سنة بغير كتاب معتمد ، وكل فرقة كان لها كتابها الخاص بها”.

الغريب أن كنيسة روما هى التى حددت الكتب الصحيحة التى يجب أن تُداوَل وألغت الباقى واعتبرته كتب غير قانونية ، ومنها كتب ورسائل للمسيح نفسه ، وكتاب لمريم العذراء ، وإناجيل أخرى كثيرة للحواريين تلاميذه. فبأى سلطان عملت الكنيسة هذا؟ لا يستطيع أحد عنده ذرة عقل فى العالم أن يقول إن الكنيسة لا تُخطىء.

لذلك قال يوحنا فى رؤياه متوعداً المحرفين ببلايا من الله: (وَإِنَّنِي أَشْهَدُ لِكُلِّ مَنْ يَسْمَعُ مَا جَاءَ فِي كِتَابِ النُّبُوءَةِ هَذَا: إِنْ زَادَ أَحَدٌ شَيْئاً عَلَى مَا كُتِبَ فِيهِ، يَزِيدُهُ اللهُ مِنَ الْبَلاَيَا الَّتِي وَرَدَ ذِكْرُهَا، 19وَإِنْ أَسْقَطَ أَحَدٌ شَيْئاً مِنْ أَقْوَالِ كِتَابِ النُّبُوءَةِ هَذَا، يُسْقِطُ اللهُ نَصِيبَهُ مِنْ شَجَرَةِ الْحَيَاةِ، وَمِنَ الْمَدِينَةِ الْمُقَدَّسَةِ، اللَّتَيْنِ جَاءَ ذِكْرُهُمَا فِي هَذَا الْكِتَاب") رؤيا يوحنا 22:" 18

واعترف بولس أيضاً بهذا ، فقال: (6إِنِّي أَتَعَجَّبُ أَنَّكُمْ تَنْتَقِلُونَ هَكَذَا سَرِيعاً عَنِ الَّذِي دَعَاكُمْ بِنِعْمَةِ الْمَسِيحِ إِلَى إِنْجِيلٍ آخَرَ. 7لَيْسَ هُوَ آخَرَ، غَيْرَ أَنَّهُ يُوجَدُ قَوْمٌ يُزْعِجُونَكُمْ وَيُرِيدُونَ أَنْ يُحَوِّلُوا إِنْجِيلَ الْمَسِيحِ. 8وَلَكِنْ إِنْ بَشَّرْنَاكُمْ نَحْنُ أَوْ مَلاَكٌ مِنَ السَّمَاءِ بِغَيْرِ مَا بَشَّرْنَاكُمْ، فَلْيَكُنْ «أَنَاثِيمَا».) غلاطية 1: 6-8

لكن هل بولس الذى يرفض بشارة ملاك السماء وقدم بشارته هو عليها قد أوحى الله إليه؟ أو بتعبير آخر: هل كان من الرسل؟

الإجابة: بالطبع لا. فلو آمنتم أن الذى كان على الصليب هو يسوع ، وأن آخر كلمة تفوه بها هى (قد أُكمِلَ) يوحنا 19: 30 ، فما حاجتكم إذن إلى رسائل بولس؟ ولنترك الحديث أفضل للرسائل نفسها ولتلاميذ يسوع:
1- كتابات بولس هى آراء خاصة وخطابات شخصية كتبها بولس لأشخاص ما ، فلماذا اعتبرت من وحى الله على الرغم من أنها تحتوى على بعض التشريعات؟ (38إِذاً مَنْ زَوَّجَ فَحَسَناً يَفْعَلُ وَمَنْ لاَ يُزَوِّجُ يَفْعَلُ أَحْسَنَ. 39الْمَرْأَةُ مُرْتَبِطَةٌ بِالنَّامُوسِ مَا دَامَ رَجُلُهَا حَيّاً. وَلَكِنْ إِنْ مَاتَ رَجُلُهَا فَهِيَ حُرَّةٌ لِكَيْ تَتَزَوَّجَ بِمَنْ تُرِيدُ فِي الرَّبِّ فَقَطْ. 40وَلَكِنَّهَا أَكْثَرُ غِبْطَةً إِنْ لَبِثَتْ هَكَذَا بِحَسَبِ رَأْيِي. وَأَظُنُّ أَنِّي أَنَا أَيْضاً عِنْدِي رُوحُ اللهِ.) كورنثوس الأولى 7: 38-40

2- (25وَأَمَّا الْعَذَارَى فَلَيْسَ عِنْدِي أَمْرٌ مِنَ الرَّبِّ فِيهِنَّ وَلَكِنَّنِي أُعْطِي رَأْياً كَمَنْ رَحِمَهُ الرَّبُّ أَنْ يَكُونَ أَمِيناً. 26فَأَظُنُّ أَنَّ هَذَا حَسَنٌ لِسَبَبِ الضِّيقِ الْحَاضِرِ. أَنَّهُ حَسَنٌ لِلإِنْسَانِ أَنْ يَكُونَ هَكَذَا كورنثوس الأولى 7: 25-26

3- (12وَأَمَّا الْبَاقُونَ فَأَقُولُ لَهُمْ أَنَا لاَ الرَّبُّ: إِنْ كَانَ أَخٌ لَهُ امْرَأَةٌ غَيْرُ مُؤْمِنَةٍ وَهِيَ تَرْتَضِي أَنْ تَسْكُنَ مَعَهُ فَلاَ يَتْرُكْهَا. 13وَالْمَرْأَةُ الَّتِي لَهَا رَجُلٌ غَيْرُ مُؤْمِنٍ وَهُوَ يَرْتَضِي أَنْ يَسْكُنَ مَعَهَا فَلاَ تَتْرُكْهُ.) كورنثوس الأولى 7: 12-13

4- (25أَيُّهَا الإِخْوَةُ صَلُّوا لأَجْلِنَا. 26سَلِّمُوا عَلَى الإِخْوَةِ جَمِيعاً بِقُبْلَةٍ مُقَدَّسَةٍ. 27أُنَاشِدُكُمْ بِالرَّبِّ أَنْ تُقْرَأَ هَذِهِ الرِّسَالَةُ عَلَى جَمِيعِ الإِخْوَةِ الْقِدِّيسِينَ) تسالونيكى الأولى 5: 25-27

5- (12أَمَّا تِيخِيكُسُ فَقَدْ أَرْسَلْتُهُ إِلَى أَفَسُسَ. 13اَلرِّدَاءَ الَّذِي تَرَكْتُهُ فِي تَرُواسَ عِنْدَ كَارْبُسَ أَحْضِرْهُ مَتَى جِئْتَ، وَالْكُتُبَ أَيْضاً وَلاَ سِيَّمَا الرُّقُوقَ. 14إِسْكَنْدَرُ النَّحَّاسُ أَظْهَرَ لِي شُرُوراً كَثِيرَةً. لِيُجَازِهِ الرَّبُّ حَسَبَ أَعْمَالِهِ. 15فَاحْتَفِظْ مِنْهُ أَنْتَ أَيْضاً لأَنَّهُ قَاوَمَ أَقْوَالَنَا جِدّاً.) تيموثاوس الثانية 4: 12-14

6- وأكرر السؤال مرة أخرى: تُرى لماذا اتهم التلاميذ بولس بالضلال والكفر وإضلال الناس ، وأرسلوا إلى من سممتهم تعاليم بولس من يُصلح لهم هذه العقائد الفاسدة؟ لقد أمروا بولس بالتوبة ، وعدم العودة إلى مثل هذه الأقوال مرة أخرى ، فهل ما قاله بولس كان بوحى من الله له؟ لو قلتم نعم ، لحكمتم على التلاميذ بالهرطقة وعدم نزول الروح القدس إليهم ، ولو قلتم لا ، لحكمتم على بولس بالضلال.

لقد حكم عليه التلاميذ بالضلال: (20فَلَمَّا سَمِعُوا كَانُوا يُمَجِّدُونَ الرَّبَّ. وَقَالُوا لَهُ: «أَنْتَ تَرَى أَيُّهَا الأَخُ كَمْ يُوجَدُ رَبْوَةً مِنَ الْيَهُودِ الَّذِينَ آمَنُوا وَهُمْ جَمِيعاً غَيُورُونَ لِلنَّامُوسِ. 21وَقَدْ أُخْبِرُوا عَنْكَ أَنَّكَ تُعَلِّمُ جَمِيعَ الْيَهُودِ الَّذِينَ بَيْنَ الْأُمَمِ الاِرْتِدَادَ عَنْ مُوسَى قَائِلاً أَنْ لاَ يَخْتِنُوا أَوْلاَدَهُمْ وَلاَ يَسْلُكُوا حَسَبَ الْعَوَائِدِ. 22فَإِذاً مَاذَا يَكُونُ؟ لاَ بُدَّ عَلَى كُلِّ حَالٍ أَنْ يَجْتَمِعَ الْجُمْهُورُ لأَنَّهُمْ سَيَسْمَعُونَ أَنَّكَ قَدْ جِئْتَ. 23فَافْعَلْ هَذَا الَّذِي نَقُولُ لَكَ: عِنْدَنَا أَرْبَعَةُ رِجَالٍ عَلَيْهِمْ نَذْرٌ. 24خُذْ هَؤُلاَءِ وَتَطهَّرْ مَعَهُمْ وَأَنْفِقْ عَلَيْهِمْ لِيَحْلِقُوا رُؤُوسَهُمْ فَيَعْلَمَ الْجَمِيعُ أَنْ لَيْسَ شَيْءٌ مِمَّا أُخْبِرُوا عَنْكَ بَلْ تَسْلُكُ أَنْتَ أَيْضاً حَافِظاً لِلنَّامُوسِ. 25وَأَمَّا مِنْ جِهَةِ الَّذِينَ آمَنُوا مِنَ الْأُمَمِ فَأَرْسَلْنَا نَحْنُ إِلَيْهِمْ وَحَكَمْنَا أَنْ لاَ يَحْفَظُوا شَيْئاً مِثْلَ ذَلِكَ سِوَى أَنْ يُحَافِظُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ مِمَّا ذُبِحَ لِلأَصْنَامِ وَمِنَ الدَّمِ وَالْمَخْنُوقِ وَالزِّنَا». 26حِينَئِذٍ أَخَذَ بُولُسُ الرِّجَالَ فِي الْغَدِ وَتَطَهَّرَ مَعَهُمْ وَدَخَلَ الْهَيْكَلَ مُخْبِراً بِكَمَالِ أَيَّامِ التَّطْهِيرِ إِلَى أَنْ يُقَرَّبَ عَنْ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمُ الْقُرْبَانُ 27وَلَمَّا قَارَبَتِ الأَيَّامُ السَّبْعَةُ أَنْ تَتِمَّ رَآهُ الْيَهُودُ الَّذِينَ مِنْ أَسِيَّا فِي الْهَيْكَلِ فَأَهَاجُوا كُلَّ الْجَمْعِ وَأَلْقَوْا عَلَيْهِ الأَيَادِيَ 28صَارِخِينَ: «يَا أَيُّهَا الرِّجَالُ الإِسْرَائِيلِيُّونَ أَعِينُوا! هَذَا هُوَ الرَّجُلُ الَّذِي يُعَلِّمُ الْجَمِيعَ فِي كُلِّ مَكَانٍ ضِدّاً لِلشَّعْبِ وَالنَّامُوسِ وَهَذَا الْمَوْضِعِ حَتَّى أَدْخَلَ يُونَانِيِّينَ أَيْضاً إِلَى الْهَيْكَلِ وَدَنَّسَ هَذَا الْمَوْضِعَ الْمُقَدَّسَ». 29لأَنَّهُمْ كَانُوا قَدْ رَأَوْا مَعَهُ فِي الْمَدِينَةِ تُرُوفِيمُسَ الأَفَسُسِيَّ فَكَانُوا يَظُنُّونَ أَنَّ بُولُسَ أَدْخَلَهُ إِلَى الْهَيْكَلِ. 30فَهَاجَتِ الْمَدِينَةُ كُلُّهَا وَتَرَاكَضَ الشَّعْبُ وَأَمْسَكُوا بُولُسَ وَجَرُّوهُ خَارِجَ الْهَيْكَلِ. وَلِلْوَقْتِ أُغْلِقَتِ الأَبْوَابُ. 31وَبَيْنَمَا هُمْ يَطْلُبُونَ أَنْ يَقْتُلُوهُ نَمَا خَبَرٌ إِلَى أَمِيرِ الْكَتِيبَةِ أَنَّ أُورُشَلِيمَ كُلَّهَا قَدِ اضْطَرَبَتْ 32فَلِلْوَقْتِ أَخَذَ عَسْكَراً وَقُوَّادَ مِئَاتٍ وَرَكَضَ إِلَيْهِمْ. فَلَمَّا رَأُوا الأَمِيرَ وَالْعَسْكَرَ كَفُّوا عَنْ ضَرْبِ بُولُسَ.) أعمال الرسل 21: 20-32

لكن هل التزم ولم يعد لمثل هذه التعاليم الفاسدة؟ لا.
لقد استمر على رفضه للناموس وتعاليمه:
(10لأَنَّ جَمِيعَ الَّذِينَ هُمْ مِنْ أَعْمَالِ النَّامُوسِ هُمْ تَحْتَ لَعْنَةٍ، لأَنَّهُ مَكْتُوبٌ «مَلْعُونٌ كُلُّ مَنْ لاَ يَثْبُتُ فِي جَمِيعِ مَا هُوَ مَكْتُوبٌ فِي كِتَابِ النَّامُوسِ لِيَعْمَلَ بِهِ». 11وَلَكِنْ أَنْ لَيْسَ أَحَدٌ يَتَبَرَّرُ بِالنَّامُوسِ عِنْدَ اللهِ فَظَاهِرٌ، لأَنَّ «الْبَارَّ بِالإِيمَانِ يَحْيَا». 12وَلَكِنَّ النَّامُوسَ لَيْسَ مِنَ الإِيمَانِ، بَلِ «الإِنْسَانُ الَّذِي يَفْعَلُهَا سَيَحْيَا بِهَا». 13اَلْمَسِيحُ افْتَدَانَا مِنْ لَعْنَةِ النَّامُوسِ، إِذْ صَارَ لَعْنَةً لأَجْلِنَا، لأَنَّهُ مَكْتُوبٌ: «مَلْعُونٌ كُلُّ مَنْ عُلِّقَ عَلَى خَشَبَةٍ». 14لِتَصِيرَ بَرَكَةُ إِبْرَاهِيمَ لِلأُمَمِ فِي الْمَسِيحِ يَسُوعَ، لِنَنَالَ بِالإِيمَانِ مَوْعِدَ الرُّوحِ، .. .. .. 19فَلِمَاذَا النَّامُوسُ؟ .. .. .. لأَنَّهُ لَوْ أُعْطِيَ نَامُوسٌ قَادِرٌ أَنْ يُحْيِيَ، لَكَانَ بِالْحَقِيقَةِ الْبِرُّ بِالنَّامُوسِ.) غلاطية 3: 10-21

(18فَإِنَّهُ يَصِيرُ إِبْطَالُ الْوَصِيَّةِ السَّابِقَةِ مِنْ أَجْلِ ضُعْفِهَا وَعَدَمِ نَفْعِهَا، 19إِذِ النَّامُوسُ لَمْ يُكَمِّلْ شَيْئاً.) عبرانيين 7: 18-19

(13فَإِذْ قَالَ«جَدِيداً» عَتَّقَ الأَوَّلَ. وَأَمَّا مَا عَتَقَ وَشَاخَ فَهُوَ قَرِيبٌ مِنَ الاِضْمِحْلاَلِ) عبرانيين 8: 13

(7فَإِنَّهُ لَوْ كَانَ ذَلِكَ الأَوَّلُ بِلاَ عَيْبٍ لَمَا طُلِبَ مَوْضِعٌ لِثَانٍ.) عبرانيين 8: 7

(16إِذْ نَعْلَمُ أَنَّ الإِنْسَانَ لاَ يَتَبَرَّرُ بِأَعْمَالِ النَّامُوسِ، بَلْ بِإِيمَانِ يَسُوعَ الْمَسِيحِ، آمَنَّا نَحْنُ أَيْضاً بِيَسُوعَ الْمَسِيحِ، لِنَتَبَرَّرَ بِإِيمَانِ يَسُوعَ لاَ بِأَعْمَالِ النَّامُوسِ. لأَنَّهُ بِأَعْمَالِ النَّامُوسِ لاَ يَتَبَرَّرُ جَسَدٌ مَا.) غلاطية 2: 16

(5وَأَمَّا الَّذِي لاَ يَعْمَلُ وَلَكِنْ يُؤْمِنُ بِالَّذِي يُبَرِّرُ الْفَاجِرَ فَإِيمَانُهُ يُحْسَبُ لَهُ بِرّاً.) رومية 4: 5

(4قَدْ تَبَطَّلْتُمْ عَنِ الْمَسِيحِ أَيُّهَا الَّذِينَ تَتَبَرَّرُونَ بِالنَّامُوسِ. سَقَطْتُمْ مِنَ النِّعْمَةِ. 5فَإِنَّنَا بِالرُّوحِ مِنَ الإِيمَانِ نَتَوَقَّعُ رَجَاءَ بِرٍّ. 6لأَنَّهُ فِي الْمَسِيحِ يَسُوعَ لاَ الْخِتَانُ يَنْفَعُ شَيْئاً وَلاَ الْغُرْلَةُ، بَلِ الإِيمَانُ الْعَامِلُ بِالْمَحَبَّةِ.) غلاطية 5: 4-6

(20لأَنَّهُ بِأَعْمَالِ النَّامُوسِ كُلُّ ذِي جَسَدٍ لاَ يَتَبَرَّرُ أَمَامَهُ. لأَنَّ بِالنَّامُوسِ مَعْرِفَةَ الْخَطِيَّةِ. 21وَأَمَّا الآنَ فَقَدْ ظَهَرَ بِرُّ اللهِ بِدُونِ النَّامُوسِ مَشْهُوداً لَهُ مِنَ النَّامُوسِ وَالأَنْبِيَاءِ.) رومية 3: 20-21

(28إِذاً نَحْسِبُ أَنَّ الإِنْسَانَ يَتَبَرَّرُ بِالإِيمَانِ بِدُونِ أَعْمَالِ النَّامُوسِ.) رومية 3: 28

(20وَأَمَّا النَّامُوسُ فَدَخَلَ لِكَيْ تَكْثُرَ الْخَطِيَّةُ.) رومية 5: 20

(21لَسْتُ أُبْطِلُ نِعْمَةَ اللهِ. لأَنَّهُ إِنْ كَانَ بِالنَّامُوسِ بِرٌّ، فَالْمَسِيحُ إِذاً مَاتَ بِلاَ سَبَبٍ.) غلاطية 2: 21

(56أَمَّا شَوْكَةُ الْمَوْتِ فَهِيَ الْخَطِيَّةُ وَقُوَّةُ الْخَطِيَّةِ هِيَ النَّامُوسُ) كورنثوس الأولى 15: 56

(أَنَا بُولُسُ أَقُولُ لَكُمْ: إِنَّهُ إِنِ اخْتَتَنْتُمْ لاَ يَنْفَعُكُمُ الْمَسِيحُ شَيْئاً!) غلاطية 5: 2

(4قَدْ تَبَطَّلْتُمْ عَنِ الْمَسِيحِ أَيُّهَا الَّذِينَ تَتَبَرَّرُونَ بِالنَّامُوسِ. سَقَطْتُمْ مِنَ النِّعْمَةِ. 5فَإِنَّنَا بِالرُّوحِ مِنَ الإِيمَانِ نَتَوَقَّعُ رَجَاءَ بِرٍّ. 6لأَنَّهُ فِي الْمَسِيحِ يَسُوعَ لاَ الْخِتَانُ يَنْفَعُ شَيْئاً وَلاَ الْغُرْلَةُ، بَلِ الإِيمَانُ الْعَامِلُ بِالْمَحَبَّةِ.) غلاطية 5: 4-6

راجع كلام بولس هذا بكلام يسوع وكلام الكتاب المقدس:
قبله. بل أنبأ مستمعيه أن يتمسّكوا به ولا يتركون منه حرفاً واحداً ، فقال: (17«لاَ تَظُنُّوا أَنِّي جِئْتُ لأَنْقُضَ النَّامُوسَ أَوِ الأَنْبِيَاءَ. مَا جِئْتُ لأَنْقُضَ بَلْ لِأُكَمِّلَ. 18فَإِنِّي الْحَقَّ أَقُولُ لَكُمْ: إِلَى أَنْ تَزُولَ السَّمَاءُ وَالأَرْضُ لاَ يَزُولُ حَرْفٌ وَاحِدٌ أَوْ نُقْطَةٌ وَاحِدَةٌ مِنَ النَّامُوسِ حَتَّى يَكُونَ الْكُلُّ. 19فَمَنْ نَقَضَ إِحْدَى هَذِهِ الْوَصَايَا الصُّغْرَى وَعَلَّمَ النَّاسَ هَكَذَا يُدْعَى أَصْغَرَ فِي مَلَكُوتِ السَّمَاوَاتِ. وَأَمَّا مَنْ عَمِلَ وَعَلَّمَ فَهَذَا يُدْعَى عَظِيماً فِي مَلَكُوتِ السَّمَاوَاتِ.) متى 5: 17-19

وقد سأله أحد أتباع الناموس الغيورون عليه: (35وَسَأَلَهُ وَاحِدٌ مِنْهُمْ وَهُوَ نَامُوسِيٌّ لِيُجَرِّبَهُ: 36«يَا مُعَلِّمُ أَيَّةُ وَصِيَّةٍ هِيَ الْعُظْمَى فِي النَّامُوسِ؟» 37فَقَالَ لَهُ يَسُوعُ: «تُحِبُّ الرَّبَّ إِلَهَكَ مِنْ كُلِّ قَلْبِكَ وَمِنْ كُلِّ نَفْسِكَ وَمِنْ كُلِّ فِكْرِكَ. 38هَذِهِ هِيَ الْوَصِيَّةُ الأُولَى وَالْعُظْمَى. 39وَالثَّانِيَةُ مِثْلُهَا: تُحِبُّ قَرِيبَكَ كَنَفْسِكَ. 40بِهَاتَيْنِ الْوَصِيَّتَيْنِ يَتَعَلَّقُ النَّامُوسُ كُلُّهُ وَالأَنْبِيَاءُ».) متى 22: 35-40

(10لأَنَّ مَنْ حَفِظَ كُلَّ النَّامُوسِ، وَإِنَّمَا عَثَرَ فِي وَاحِدَةٍ، فَقَدْ صَارَ مُجْرِماً فِي الْكُلِّ. 11لأَنَّ الَّذِي قَالَ: «لاَ تَزْنِ» قَالَ أَيْضاً: «لاَ تَقْتُلْ». فَإِنْ لَمْ تَزْنِ وَلَكِنْ قَتَلْتَ، فَقَدْ صِرْتَ مُتَعَدِّياً النَّامُوسَ.) يعقوب 2: 10-11

يقول المزمور 18: 7 (ناموس الرب بلا عيب)
ويقول مزمور 19: 7 (ناموس الرب كامل)

يؤخذ فى الاعتبار أن بولس من اليهود المتشددين العارفين جيداً بدينهم ، فمعنى أنه يلغى الناموس والختان عند أتباع يسوع ويغير لهم فى تعاليم يسوع أنه لم يكن صافى النية ولا صادق القصد فيما اقترفه.]

[تقول دائرة المعارف الكتابية:] والنظرية الشائعة الأن بين النقاد هى أن إنجيل متى العبرى الذى ذكره بابياس كان فى أغلبه مجموعة من أقوال المسيح (يسميها النقاد المتأخرون ( Q ) والتى استخدمها فى ترجماتها اليونانية كاتب إنجيل متى باليونانية، كما استخدمها أيضاً البشير لوقا، وهذا ما يعلل السمات المشتركة بين الإنجيلين، كما أنهم يزعمون أن هذا الاستخدام للنسخة اليونانية المنسوبة إلى متى، هو الذى أدى إلى إطلاق اسم الرسول متى على الإنجيل اليونانى ، وقد سبق أن نوهنا بأنه لا يوجد دليل قوى على الزعم بأن "اللوجيا" التى ذكرها بابياس كانت قاصرة على "الأقوال" فقط.

[إذن لقد عاودت دائرة المعارف الكتابية للإعتراف مرة أخرى بوجود إنجيل باللغة العبرانية ، والتى استخدمها فى ترجماتها اليونانية كاتب إنجيل متى باليونانية ، إلا أنه جعل هذا الإنجيل هو المصدر ( Q ) الذى جمعه متى واستخدمه لوقا فى إنجيله ، ثم قام مترجم إنجيل متى لليونانية باستخدامه. ولا أعرف ما هو دليله على هذا!

لكن يتبقى لنا معرفة شيئاً عن المصدر ( Q ) الذى استسقى متى منه معلوماته:
تقول دائرة المعارف البريطانية ص 523: "فى الحقيقة إننا لا نعرف شيئاً عن هذا المصدر ، ولا نعرف خواصه ولا محتوياته التى انفرد بها ، ولم ير فيها كل من متى ولوقا ما يناسبه لكى يضيفها إلى إنجيله.

من أجل ذلك فإننا لا نستطيع أن نخاطر بتحديد قيمته التاريخية واللاهوتية." (نقلاً عن المسيح فى مصادر العقائد المسيحية للواء مهندس أحمد عبد الوهاب ص 46)

والسبب فى ذلك هو أن المصدر الأول الذى نقل عنه النصارى الأوائل ما سطروه فى كتاباتهم ، وخاصة فى الفترة التى سبقت كتابة أولى الكتب المسيحية ـ ونقصد بها رسائل بولس ـ كانت الروايات الشفوية التى كان يتناقلها العامة والخاصة ، الأمر الذى حدا بلوقا إلى التمحيص وانتقاء ما يقبله هو وكتبه فى رسالة خاصة إلى ثاوفيليس ، والذى اعتبر فيما بعد إنجيل ونسب إلى الوحى:

(1إِذْ كَانَ كَثِيرُونَ قَدْ أَخَذُوا بِتَأْلِيفِ قِصَّةٍ فِي الأُمُورِ الْمُتَيَقَّنَةِ عِنْدَنَا 2كَمَا سَلَّمَهَا إِلَيْنَا الَّذِينَ كَانُوا مُنْذُ الْبَدْءِ مُعَايِنِينَ وَخُدَّاماً لِلْكَلِمَةِ 3رَأَيْتُ أَنَا أَيْضاً إِذْ قَدْ تَتَبَّعْتُ كُلَّ شَيْءٍ مِنَ الأَوَّلِ بِتَدْقِيقٍ أَنْ أَكْتُبَ عَلَى التَّوَالِي إِلَيْكَ أَيُّهَا الْعَزِيزُ ثَاوُفِيلُسُ 4لِتَعْرِفَ صِحَّةَ الْكَلاَمِ الَّذِي عُلِّمْتَ بِهِ.) لوقا 1: 1-4

وعلى ذلك فإن أقدم المصادر النصرانية سواء كانت التعاليم الشفهية، أم المصدر (q)، أم ما كتبه متى ولوقا فهى ليست من المصادر الإلهية ، وقد دخلها التحريف بالزيادة والنقصان كما رأينا عند متى ، وكما اعترف علماء النصارى أنفسهم عنه.