تقول دائرة المعارف الكتابية:

خامساً : مشكلات العلاقة الأدبية بين الأناجيل الثلاثة الأولى :

وقد درسنا هذا الموضوع بالتفصيل فى البحث المختص بالأناجيل الثلاثة الأولى (أو الأناجيل المتوافقة) وهى مشكلة تدور أساساً حول العلاقة الأدبية بين هذه الأناجيل الثلاثة ، فمحتوياتها – فى الكثير من الحالات – متشابهة حتى فى العبارات، مما يحمل على الظن بأنها أخذت عن مصادر مشتركة ، أو أنها أخذت عن بعضها البعض . ومن الناحية الأخرى فإن كل واحد من هذه الأناجيل الثلاثة ، فيه الكثير من الاختلافات عن الإنجيلين الآخرين، حتى إنه لا بد أن كلاً منها قد استخدم مراجع غير التى استخدمها غيره ، سواء كانت مراجع شفهية أو مكتوبة.

وعلى العموم يمكننا القول إن المشكلة ليس لها إلا أهمية أدبية ، وليس لها أى أهمية بالمرة على ديانة العهد الجديد ، مثلما الأسفار موسى الخمسة بالنسبة للعهد القديم. كما أنه ليس ثمة أساس تاريخى لهذه المشكلة، كما كان للأسفار الخمسة فى تاريخ إسرائيل. وليس من سبيل أمام العلماء لدراسة هذه المشكلة ، إلا بتحليل محتويات هذه الأناجيل والمقابلة بينها . وحيث أن التذوق الذاتى ، والإنطباعات الباطنية لها أثرها القوى فى تناول مثل هذه الأمور ، فمن غير المحتمل إطلاقاً – فى غياب أى دليل موضوعى – أن تحل مشكلة هذه الأناجيل ، على وجه العموم ، أو موضوع مصادر إنجيل متى على وجه الخصوص، حلاً يرضى السواد الأعظم من العلماء. والافتراض الذى يحظى الأن بأوسع قبول بين النقاد، هو نظرية "المصدر المزدوج" الذى يفترض أن إنجيل مرقس بصورته الراهنة – أو بصورة أسبق- والأصل المزعوم لإنجيل متى والذى يطلقون عليه اسم (Q ) هما أساس الإنجيل الموجود بين أيدينا .

ويقولون –لإثبات ذلك – أن كل المادة القصصية –تقريباً- الموجودة فى إنجيل مرقس، توجد أيضاً فى إنجيل متى ، كما فى إنجيل لوقا أيضاً ، بينما الأجزاء الأكبر، وبخاصة الأحاديث المشتركة بين متى ولوقا- كما سبقت الإشارة- تشير إلى مصدر من هذا النوع استخدمه كل من متى ولوقا. وتظهر الصعوبة بشدة عندما تمتد المقارنة الى التفاصيل ومحاولة تفسيرها بالاختلافات فى التعبير والترتيب، وأحياناً فى المفهوم فى كل إنجيل من الأناجيل.

ورغم المكانة التى بلغتها هذه النظرية ، فقد يكون الحل الحقيقى أيسر من ذلك ، فقد أخذ متى معظم الحقائق التى ذكرها ، من خبرته هو نفسه ومن التقليد الشفهى المتواتر، وحيث أن هذه الحقائق كانت قد أخذت صيغة ثابتة ، نتيجة لتداولها المستمر فى الكنيسة الأولى ، فأن هذا يكفى لتعليل التشابه بين إنجيل متى وإنجيل مرقس ولوقا بدون الحاجة إلى افتراض اعتماد أى إنجيل منها على الاثنين الآخرين، فالمشكلة كلها إذاً هى مشكلة ظنية وذاتية ، ولا تستدعى كل ما أثير أو كتب حول هذا الموضوع.) انتهى كلام دائرة المعارف الكتابية

وفيها اعتراف صارخ من الموسوعة بمشكلة الأناجيل وأنها غير موحى بها من الله ، ولا يعرف لها أصل ، إلا أنها لم تنسى أن تميع الكلام فى نهاية المقال لتحتفظ بمن تبقى من المصدقين لهذه الكتب أنها إلهامية ، أو قل حتى لا تصدمهم صدمة مميتة. فانظر بتركيز إلى اعترافاتها: (مما يحمل على الظن بأنها أخذت عن مصادر مشتركة ، أو أنها أخذت عن بعضها البعض . ومن الناحية الأخرى فإن كل واحد من هذه الأناجيل الثلاثة ، فيه الكثير من الاختلافات عن الإنجيلين الآخرين، حتى إنه لا بد أن كلاً منها قد استخدم مراجع غير التى استخدمها غيره ، سواء كانت مراجع شفهية أو مكتوبة.)

وقولها: (وبخاصة الأحاديث المشتركة بين متى ولوقا- كما سبقت الإشارة- تشير إلى مصدر من هذا النوع استخدمه كل من متى ولوقا. وتظهر الصعوبة بشدة عندما تمتد المقارنة الى التفاصيل ومحاولة تفسيرها بالاختلافات فى التعبير والترتيب، وأحياناً فى المفهوم فى كل إنجيل من الأناجيل.)

يعنى الأناجيل بها مشاكل فى معرفة أصولها ، وهذا خلاف قائم لليوم بين علماء النصارى ، ثم المصدر الذى أخذ منه متى ولوقا غير إنجيل مرقس ، وهو المصدر Q المفقود ، هذا بالإضافة إلى الحكايات والروايات الشفهية التى يحلو للموسوعة تسميتها (مراجع شفهية) ، إضافة إلى ذلك فإن هناك مشكلة أخرى تتعلق بفهم مقارنة اختلاف التفاصيل ومحاولة تفسيرها ، وكذلك تتطرق صعوبة الفهم أحياناً فى المفهوم فى كل إنجيل من الأناجيل.

كل هذا ويسمونه كتاباً مقدساً!! والله إنها لسُبَّة فى حق الله أن ينسب هذا الكتاب إليه!

(كَيْفَ تَدَّعُونَ أَنَّكُمْ حُكَمَاءُ وَلَدَيْكُمْ شَرِيعَةَ الرَّبِّ بَيْنَمَا حَوَّلَهَا قَلَمُ الْكَتَبَةِ المُخَادِعُ إِلَى أُكْذُوبَةٍ؟) إرمياء 8 : 8

(4اَللهُ أَفْتَخِرُ بِكَلاَمِهِ. عَلَى اللهِ تَوَكَّلْتُ فَلاَ أَخَافُ. مَاذَا يَصْنَعُهُ بِي الْبَشَرُ! 5الْيَوْمَ كُلَّهُ يُحَرِّفُونَ كَلاَمِي. عَلَيَّ كُلُّ أَفْكَارِهِمْ بِالشَّرِّ.) مزمور 56: 4 –5

(15وَيْلٌ لِلَّذِينَ يَتَعَمَّقُونَ لِيَكْتُمُوا رَأْيَهُمْ عَنِ الرَّبِّ فَتَصِيرُ أَعْمَالُهُمْ فِي الظُّلْمَةِ وَيَقُولُونَ: «مَنْ يُبْصِرُنَا وَمَنْ يَعْرِفُنَا؟». 16يَا لَتَحْرِيفِكُمْ!) إشعياء 29: 15 – 16

(29أَلَيْسَتْ هَكَذَا كَلِمَتِي كَنَارٍ يَقُولُ الرَّبُّ وَكَمِطْرَقَةٍ تُحَطِّمُ الصَّخْرَ؟ 30لِذَلِكَ هَئَنَذَا عَلَى الأَنْبِيَاءِ يَقُولُ الرَّبُّ الَّذِينَ يَسْرِقُونَ كَلِمَتِي بَعْضُهُمْ مِنْ بَعْضٍ. 31هَئَنَذَا عَلَى الأَنْبِيَاءِ يَقُولُ الرَّبُّ الَّذِينَ يَأْخُذُونَ لِسَانَهُمْ وَيَقُولُونَ: قَالَ. 32هَئَنَذَا عَلَى الَّذِينَ يَتَنَبَّأُونَ بِأَحْلاَمٍ كَاذِبَةٍ يَقُولُ الرَّبُّ الَّذِينَ يَقُصُّونَهَا وَيُضِلُّونَ شَعْبِي بِأَكَاذِيبِهِمْ وَمُفَاخَرَاتِهِمْ وَأَنَا لَمْ أُرْسِلْهُمْ وَلاَ أَمَرْتُهُمْ. فَلَمْ يُفِيدُوا هَذَا الشَّعْبَ فَائِدَةً يَقُولُ الرَّبُّ]. 33وَإِذَا سَأَلَكَ هَذَا الشَّعْبُ أَوْ نَبِيٌّ أَوْ كَاهِنٌ: [مَا وَحْيُ الرَّبِّ؟] فَقُلْ لَهُمْ: [أَيُّ وَحْيٍ؟ إِنِّي أَرْفُضُكُمْ - هُوَ قَوْلُ الرَّبِّ. 34فَالنَّبِيُّ أَوِ الْكَاهِنُ أَوِ الشَّعْبُ الَّذِي يَقُولُ: وَحْيُ الرَّبِّ - أُعَاقِبُ ذَلِكَ الرَّجُلَ وَبَيْتَهُ. 35هَكَذَا تَقُولُونَ الرَّجُلُ لِصَاحِبِهِ وَالرَّجُلُ لأَخِيهِ: بِمَاذَا أَجَابَ الرَّبُّ وَمَاذَا تَكَلَّمَ بِهِ الرَّبُّ؟ 36أَمَّا وَحْيُ الرَّبِّ فَلاَ تَذْكُرُوهُ بَعْدُ لأَنَّ كَلِمَةَ كُلِّ إِنْسَانٍ تَكُونُ وَحْيَهُ إِذْ قَدْ حَرَّفْتُمْ كَلاَمَ الإِلَهِ الْحَيِّ رَبِّ الْجُنُودِ إِلَهِنَا.)إرمياء 23: 29-36

انظر إلى اعتراف الكتاب المقدس بالتحريف ، ثم ينسبونه لله ، والله يتبرأ منه! (9وَبَاطِلاً يَعْبُدُونَنِي وَهُمْ يُعَلِّمُونَ تَعَالِيمَ هِيَ وَصَايَا النَّاسِ».) متى 15: 9 (فويل للذين يكتبون الكتاب بأيديهم ثم يقولون هذا من عند الله ليشتروا به ثمناً قليلا)

(1إِذْ كَانَ كَثِيرُونَ قَدْ أَخَذُوا بِتَأْلِيفِ قِصَّةٍ فِي الأُمُورِ الْمُتَيَقَّنَةِ عِنْدَنَا 2كَمَا سَلَّمَهَا إِلَيْنَا الَّذِينَ كَانُوا مُنْذُ الْبَدْءِ مُعَايِنِينَ وَخُدَّاماً لِلْكَلِمَةِ 3رَأَيْتُ أَنَا أَيْضاً إِذْ قَدْ تَتَبَّعْتُ كُلَّ شَيْءٍ مِنَ الأَوَّلِ بِتَدْقِيقٍ أَنْ أَكْتُبَ عَلَى التَّوَالِي إِلَيْكَ أَيُّهَا الْعَزِيزُ ثَاوُفِيلُسُ 4لِتَعْرِفَ صِحَّةَ الْكَلاَمِ الَّذِي عُلِّمْتَ بِهِ.) لوقا 1: 1-4

(16كَمَا فِي الرَّسَائِلِ كُلِّهَا أَيْضاً، مُتَكَلِّماً فِيهَا عَنْ هَذِهِ الأُمُورِ، الَّتِي فِيهَا أَشْيَاءُ عَسِرَةُ الْفَهْمِ، يُحَرِّفُهَا غَيْرُ الْعُلَمَاءِ وَغَيْرُ الثَّابِتِينَ كَبَاقِي الْكُتُبِ أَيْضاً، لِهَلاَكِ أَنْفُسِهِمْ.) بطرس الثانية 3: 16

(وَإِنَّنِي أَشْهَدُ لِكُلِّ مَنْ يَسْمَعُ مَا جَاءَ فِي كِتَابِ النُّبُوءَةِ هَذَا: إِنْ زَادَ أَحَدٌ شَيْئاً عَلَى مَا كُتِبَ فِيهِ، يَزِيدُهُ اللهُ مِنَ الْبَلاَيَا الَّتِي وَرَدَ ذِكْرُهَا، 19وَإِنْ أَسْقَطَ أَحَدٌ شَيْئاً مِنْ أَقْوَالِ كِتَابِ النُّبُوءَةِ هَذَا، يُسْقِطُ اللهُ نَصِيبَهُ مِنْ شَجَرَةِ الْحَيَاةِ، وَمِنَ الْمَدِينَةِ الْمُقَدَّسَةِ، اللَّتَيْنِ جَاءَ ذِكْرُهُمَا فِي هَذَا الْكِتَاب") رؤيا يوحنا 22: 18

تقول دائرة المعارف الكتابية:
سادساً: تاريخ كتابة هذا الإنجيل:

هناك تقليد قديم – يكاد يكون مقبولاً من الجميع – بأن متى كتب إنجيله قبل الثلاثة الآخرين، وموضعه من أسفار العهد الجديد يدعم هذا التقليد. ويقول إيريناوس إنه كتب بينما كان بطرس وبولس يكرزان فى رومية. ويقول يوساييوس إن ذلك حدث عندما ترك متى فلسطين وذهب ليكرز للآخرين. ويذكر أكليمندس الإسكندرى أن الشيوخ الذين تعاقبوا الواحد تلو الآخر منذ البداية، ذكروا أن الأنجليين المشتملين على سلسلتى نسب المسيح (متى ولوقا) قد كتبا أولاً، وهذا ولا شك ضربة قاضية على النظرية الشائعة على أن إنجيل متى قد اعتمد على إنجيل مرقس، مما يدعو إلى رفضها. وعلى أى حال، من المؤكد أن هذا الإنجيل قد كتب قبل خراب أورشليم فى 70 م (أنظر مت 24: 15). والتاريخ المرجح لكتابة هذا الإنجيل فى اليونانية هو العقد السابع من التاريخ الميلادى ، ويرى البعض مثل زاهن إنه قد كتب فى الأرامية فى 62م.) انتهى كلام دائرة المعارف الكتابية.

فى التفسير الحديث للكتاب المقدس بقلم ر.ت. فرانس ترجمة أديبة شكرى ص 19 يقول فى تاريخ كتابته:

أجمع معظم الدارسين المعاصرين على أن إنجيل متى كتب خلال العشرين سنة الأخيرة من القرن الأول والأسباب الرئيسية التى جعلتهم يحددون التاريخ بأنه ليس قبل عام 80 م تقريبا هى:

1 - انجيل مرقص لم يكتب قبل عام 65 م تقريبا، كما هو مفترض بوجه عام، وأن القديس متى اتخذ إنجيل مرقس كأحد مراجعه. فتاريخ إنجيل متى لابد أن يكون بعد عام 65 م.

2 – يعتقد أن خراب أورشليم سنة 70م قد أثر على لغة بعض الفقرات مثل مت22: 7 و 23: 38 وأجزاء مختلفة من الأصحاح 24 .

3 – النبرة غير اليهودية تناسب الحقبة القريبة من عام 85 م حين استبعد المسيحيون بالفعل من العبادة فى المعبد نتيجة تضمين العبادة لعنه على أتباع الناصرى والهراقطة بدلا من حقبة سابقة حيث كانت مكتوبة بطريقة أقل وضوحا.

4 - ويقال إن الإنجيل يعكس وضعا لاهوتيا وكنسيا متطورا للغاية بالنسبة لفترة سابقة له.) انتهى الإستشهاد

وهذا يعنى أن المحاولات التى تحاول أن تجعل إنجيل متى قد كتب فى عهد قريب من رفع يسوع ، قد باءت بالفشل ، وأن التأريخ المناسب له هو فى العشرين سنة الأخيرة من القرن الأول الميلادى.

وتهون مشكلة التأريخ هذه عندما نقرأ مشكلة أكبر وأهم من عملية التأريخ ، وهى مشكلة: هل الكاتب هو فعلاً متى؟ أم كتبه آخر أو آخرون ونسبوه لمتى؟ اقرأ اعتراف أحد أقطاب علم اللاهوت بهذا الصدد!

ولاحط عند القراءة أن التقليد الكنسى هو الذى حدد اسم هذا الكتاب وهو الذى نسبه لشخص يدعى متى ، وأن هناك شكوك بين علماء الكتاب المقدس تجاه اسم المؤلف!

يقول نفس المصدر السابق ص 25: (ومع ذلك لا شىء مما سقناه يرقى إلى مرتبة الدليل القاطع على حقيقة الكاتب ونستطيع القول بارتياح إن التقليد المتفق عليه للكنيسة الأولى مهما كان مصدره مشكوكا فيه يقدم لنا إسما مرشحا يبدو من ضمن أسباب أخرى أنه الشخص الذى تشير إليه خصائص وسمات الانجيل ، ولكن هذا لا يحول دون أن يكون من بين التلاميذ الأولين من تنطبق عليه هذه الصفات.

وإذا كان اسم متى المقترن بالإنجيل له ثقله ومكانته فى تقليد آباء الكنيسة إلا أن هذا لا يعنى استبعاد احتمال ألا تكون عملية كتابة الانجيل قد اقتصرت على مرحلة واحدة فقط. وبقدر ما يكون تاريخ الإنجيل قديما يزيد احتمال الرأى القائل إن مساهمة متى فى كتابة الإنجيل كانت فى مرحلة سابقة لصدوره فى شكله النهائى.

ونقرر فى النهاية أننا لا نعرف ببساطة مدى الدور الذى قام به متى الرسول فى عملية كتابة الإنجيل الأول غير أن تقليد الكنيسة الأولى يحملنا إلى الإعتقاد بأنه كان دورا له شأنه.) انتهى اعتراف الكاتب مفسر إنجيل المسوب لمتى

يا ألله! لا يعرف عالم اللاهوت الذى يطلق على كتاب (إنجيلاً مقدساً) مدى الدور الذى قام به متى (ويسميه الرسول) فى عملية كتابة الإنجيل الأول!! ومعنى أنه يقول الإنجيل الأول أن الإنجيل تغير بعد ذلك وأصبح إنجيل آخر ، أو إنه يشير إلى عدم تطابق الإنجيل الأرامى المفقود ، والإنجيل اليونانى المترجم عن الآرامية ، أو قد يشير إلى ما ذكره لوقا من انتشار التأليف وكثرة الكتب ، فلربما يشير إلى وجود أكثر من إنجيل باسم متى.

المهم أنهم لا يعرفون مقدار إسهامات متى نفسه فى كتابة الإنجيل المنسوب إليه!


abubakr_3