حوار أجراه ا / عصام غازي مع الأستاذ عمرو خالد لمجلة كل الناس بتاريخ 15-21 مارس 2

رسم صورة الحياة في اللحظة التي ولد فيها الرسول الكريم ومعرفة خطوط الواقع الاجتماعي والثقافي والديني في عهده.. تجعلنا ندرك أكثر قيمة ما جاء به النبي محمد إلى البشرية من خير ونور وعلم ورحمة.. ويعرف قيمة الرجل الذي اختاره الله معلماُ وهادياً ورسولاً إلى الإنسانية في كل زمان ومكان.. كي يعرف الذين حاولوا الإساءة إليه في الغرب أي جريمة ارتكبوها.

هذا ما يؤكده الداعية عمرو خالد وهو يواصل رصد معالم وتفاصيل خريطة الحياة قبل الرسالة المحمدية وقبل أن يغير محمد صلى الله علية وسلم الأرض ببعثته الشريفة.

عمرو خالد في هذه المحطة من " على خطى الحبيب".. يقترب من مجتمع الجزيرة العربية قبل الإسلام، ويكشف ما كان يغرق فيه من فساد وشرك بالله وإهانة المرأة وسحق كيانها بلا رحمة.. ويتطرق إلى مكانة مكة سياسياً واقتصادياً واجتماعياً.. في العالم القديم.

يتساءل عمرو خالد:

كيف كانت العبادة تمارس في الجزيرة العربية؟

ويقول: كان العرب "يستقسمون بالأزلام"، أي يقفون في حضرة الإله يسألونه: هل أتزوج من فلانة أم لا؟ أو: هل استثمر أموالي في هذه التجارة أم لا؟.. هل أخرج للسفر إلى هذه البلاد البعيدة أم لا؟..

ولأن الإله ليس سوى صنم فإنه لا يرد ولا يملك الإجابة، إلا أن الشخص السائل يجد إلى جوار الإله ثلاثة أسهم يختار من بينها، ليجد إجابة من ثلاث مكتوبة على السهم:

افعل أو لا تفعل أو أعد السؤال:

لدرجة أن الرجل إذا شك في أبوته لولده، يذهب ليسأل الإله، فلربما يختار السهم الذي ينفي هذه الأبوة فتكون الكارثة.

وكانوا إذا أرادوا الخروج للقتال، يلجئون إلى هذه الأسهم، لدرجة أن امرأ القيس حين قتل أبوه، غليت الدماء في عروقه وقرر أن يخرج للثأر، فقال له قومه: اذهب إلى الإله أولاً، وحين ذهب إلى إلهه، قال له: لا تفعل، فشتم امرؤ القيس إلهه وقال: لو كان هذا أبوك لما أمرت بعدم الثأر له!..

سر عبادة الأصنام

يجب أن نسأل أنفسنا: لماذا عبد العرب القدامى هذه الأصنام؟

عبدوها ليس فقط بدافع التدين، لكن كان هناك سبب مهم أخر، هو ارتباط مصالحهم التجارية والسياسية بهذه الآلهة.. ويجب أن ننتبه إلى أن الشيطان ماكر جداً، فهو يعلم أن أي عقل سليم سيقول إن هذا ليس إلهاً، وأي عقل سليم سيربط مصالح الناس بالموضوع، مصالحهم الاقتصادية والسياسية ومكانة القبيلة، فلو انكسر صنم إحدى القبائل، فإن قيمتها بين القبائل ستهتز.

وتحرص القبائل على أن يكون صنم كل منها كبيراً وواضحاً عند الكعبة، لتعيش هذه القبيلة بين العرب مرفوعة الرأس، وتزيد تجارتها.. وإلا فإن العرب يفترسون القبائل الضعيفة بالإغارة عليها ونهب أموالها وسب نسائها وخطف أطفالها لاستعبادهم.

الشيطان يعلم أن فتنة الأصنام دينياً لا تدخل العقل ولا تقنع العاقل، فيثبت هذه الفتنة بأشياء أخرى، وتلك طريقة الشيطان في كل زمان ومكان.. يربط مصالح الناس بالدين، يقول لهم: زيدوا في العري وأكثروا من الأخطاء والفساد والمجون وتغافلوا عن هذا الخطأ الظاهر في الدين، لماذا؟

لأن هناك مصالح أخرى ترتبط بهذا الموضوع. الشيطان ضحك على عرب الجزيرة في تلك الحقبة من الزمان قبل بعثة النبي إلى الأمة.

الزواج الخبيث!

ماذا عن الحالة الاجتماعية في الجزيرة العربية؟

كان هناك زواج مثل الزواج الحالي بولي وشهود وصداق، لكنه لم يكن الشكل الوحيد للزواج.

فالزواج الذي نعرفه هو ما تزوج عليه النبي صلى الله عليه وسلم، وكل عائلته وأشراف مكة وأشراف العرب.. لكن كانت هناك أشكال خبيثة للزواج قبل الإسلام.

وفي حديث طويل للسيدة عائشة – رضي الله عنها – ذكرت هذه الأنواع الخبيثة من الزنا وليس الزواج ومن الخيانات الزوجية التي لا يقبل بها الإنسان الحر المؤمن.

كان الرجل في مثل هذه النوعيات من الزواج يقول لزوجته: اذهبي إلى فلان وابقي عنده عدة أيام، لأن هذا الرجل من زعماء العرب، وحين تعود إليه لا يقربها كزوج حتى تلد، هدفه من ذلك أن يكون له ولد ذكي أو قوي يحمل صفات الرجل الذي أنجبه. في مكة كانت هناك بيوت مخصصة للإباحية والحرام.. هذه البيوت عليها راية حمراء تميزها حتى يعرف الرجال أنها مخصصة لهذه الأعمال.. وسط هذه الشهوات وهذا الفجور وذلك الفساد الأخلاقي الرهيب يأتي النبي صلى الله عليه وسلم ليصلح هذه الأوضاع.

بعض الشباب سيقول: نحن نعيش ظروفاً أصعب بكثير. لأننا نرى الفساد بكل صوره ومغرياته يحاصرنا في كل مكان والصحابة كانت ظروفهم أفضل لأن الفساد له دُوره التي ترفع العلم الأحمر، ومن لا يريد الفساد لا يذهب إليه الفساد ويحاصره حتى في غرفة نومه.

حقيقة كانت هناك في مكة علاقات محرمة مستترة، لكن الفساد لم يكن يعلن عن نفسه بالوقاحة التي نراها في عصرنا الحالي.

لهؤلاء الشباب أقول: لا ينبغي لنا أن نيأس لأن لدينا مخزوناً من الوعي والثقافة والعلم والإيمان يعصمنا من شرور الفساد جميعاً، لو استخدمناه في حماية أنفسنا ومجتمعاتنا. نحن الآن أفضل بكثير من مكة قبل بعثة الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم.

وأد البنات

كيف كان وضع المرأة في ذلك الزمان؟

كانت المرأة لا قيمة لها، ليس من حقها أن تحصل على ميراث.. ليس لها حقوق مالية، لا تستطيع أن تمتلك شيئاً، لا يحق لها اختيار الزوج، فيما عدا بعض الشريفات من قريش كالسيدة خديجة أو آمنة بنت وهب، بعض العائلات الكبيرة لم يكن من حق المرأة فيها ذلك، وكان وأد البنات منتشراً، فكل واحد من السادة لا يرغب في أن تكون له بنت، كان ميلاد البنت عاراً وجريمة، وكانوا يسارعون بالتخلص منها وأداً.

وأراد الله سبحانه أن يغرس في عقول الناس مفاهيم جديدة، فجعل بنات النبي صلى الله عليه وسلم يعشن، وجعل الأولاد يموتون، وهناك صحابة وأدوا سبعاً من بناتهم وكانوا يبكون بكاء مريراً بعد الإسلام لإقدامهم على هذه الجريمة.



كانت المرأة تلد عند حفرة، فلو كان المولود ذكرا أخذوه. ولو كان بنتا يرمونها من فوهة الحفرة ويردمون عليها.

وكان الوأد يتم بأشكال بشعة. مثلا عندما تتم البنت ست سنوات يقول الأب لأمها:زينيها وطيبيها وألبسيها أفضل الملابس لأني سآخذها لزيارة عمها، ثم يأخذها إلى الصحراء ويقوم بحفر حفرة عميقة ويطلب من ابنته أن تنظر فيها، فيدفعها إلى داخلها ثم يهيل الرمال عليها.

وكان بعض الآباء يأمر ابنته بارتداء سترة من الصوف ويطلب إليها أن تذهب لرعي الغنم ليربي فيها صفات الذكور وليس صفات الإناث.

وكان بعض الآباء يتعمد وأد ابنته وهي في عمر ثماني سنوات لتفهم وتحس بالعذاب أثناء موتها.. ولذلك يقول الله تعالى إن من علامات يوم القيامة إلى جانب انشقاق السماء وزلزلة الأرض "وإذا الموءودة سئلت بأي ذنب قتلت" الموضوع كبير جداً بدليل ذكره في القرآن الكريم، هل ترى هذا الكم الرهيب من الأوضاع السيئة داخل مجتمع الجزيرة العربية عامة والمجتمع المكي خاصة؟ انظر كم هو عظيم رسولنا صلى الله عليه وسلم الذي غير الكون وانظر ثقل المهمة التي نتنظره بعد ولادته وبعثه.

كان المجتمع مظلماً بصورة لا أمل في تبديد عتمتها. ثم جاء النور يوم مولده عليه الصلاة والسلام.

الرسول بدأ من الصفر.. وكان وضع مكة والعرب ثابتاً عند الصفر لمدة مائة عام، وجاء محمد ليصلح ويعيد بناء الإنسان في الأرض إلى يوم القيامة.

نحن الآن في وضع أفضل. فينا خير النبي صلى الله عليه وسلم رجاله ونسائه وبناته، عطاء وحب وتضحيات في سبيل الإسلام لا حدود لها.

صورة مكة

هل تتخيل صورة مكة في ذلك الزمان؟

لم تكن مكة قطعة صحراء قاحلة منعزلة عن العالم وفقيرة كما يتبادر إلى ذهن بعض الناس، الرسول لم يولد وسط الصحراء، فمكة كانت عاصمة الجزيرة العربية، ومكة كانت نقطة التقاء التبادل التجاري بين العالم كله، مثل دبي حالياً، وعائلة النبي صلى الله عليه وسلم لعبت دوراً أساسياً في ذلك.. كيف؟

كان قُصى جَدُّ النبي الكبير هو الذي جمع قريشاً تحت لوائه وقام بتوحيدها، وقام بتقسيم الأدوار فيها.

وجعل الحرية والمشورة هما الأصل في مكة، فأسس دار الندوة وهي برلمان مكة، كل الآراء تُقال فيها بحرية، مكة في عهده كانت مجرد صحراء ليس لها أي دور أو قيمة، تعيش حالة من الفقر الشديد واستطاع قُصى إنعاش الحياة فيها بقوة، وأوجد استقراراً سياسياً بعد أن أنهى الحروب بين القبائل والاغارات والمشاحنات، ووضع نصب عينيه أنه لا إصلاح اقتصادي إلا بالإصلاح السياسي.

كل قبيلة عرفت دورها والتزمت به، هناك قبيلة مسئولة عن الحرب وأخرى عن الحجيج وثالثة عن إدارة الكعبة ورابعة عن التجارة، ومات قصى بن كلاب بعد أن ثبّت دعائم هذا المجتمع.

بعد ذلك تولّى القيادة ابنه هاشم، فتفاوض مع الفرس والروم وعقد اتفاقيات لمرور قوافل التجارة المكية عبر بلادهم، فوافقوا على ذلك ثم عقد أحلافا مع القبائل التي تستوطن الأرض من اليمن إلى الشام والتي تمر قوافل التجارة المكية عبر أراضيهم. وتمر قوافل تجارتهم إلى الهند وغيرها من مكة.

وكان الحلف الأكبر اسمه "إيلاف" وهو الذي ذكره القرآن الكريم: "لإيلاف قريش".

قال لهم الله هل نسيتم نعمتي عليكم، لولا فضل الله ما استطاعوا عمل هذا الائتلاف أو الحلف، ولما اتفق الفرس والروم على مرور التجارة مع العرب.

عاصمة العرب

تحولت مكة بسبب انجازات قُصى وهاشم وهما من أجداد النبي صلى الله عليه وسلم إلى ممر للتجارة الدولية، وصارت مكة هي طريق حركة التجارة العالمية.. مثل قناة السويس حالياً – بين الفرس والروم.. ومن هنا جاءت رحلة الشتاء والصيف.. واستفادت مكة بموقعها الاستراتيجي في العالم بين الفرس والروم، فأصبح تجار مكة هم أغنى أغنياء العالم، صارت مكة عاصمة للعالم العربي، صارت أقوى من صنعاء اليمن، رغم أن صنعاء عاصمة كبيرة، إلا أن مكة سبقتها.

لهذا يقول القرآن الكريم: "لتنذر أم القرى". الله سبحانه وتعالى أسماها "أم القرى"، لأن فيها الكعبة ولأنها عاصمة العرب كلهم، فيها الزعامة الدينية لأن مقام سيدنا إبراهيم والكعبة موجودان بها، فيها بني إبراهيم و الكعبة، وإسماعيل كان هنا، وموسم الحج الذي تتجمع فيه القبائل العربية عند قريش حول الكعبة وتُعقد جلسات الأدب والثقافة "المنتديات الدينية" والنوادي الثقافية ومجالس الشعر وأسواقه مثل سوق عكاظ، يتجمع الشعراء في موسم الحج ويتجمع مثقفو الجزيرة العربية كلهم في موسم الحج، يتبادلن الأشعار وتعلق المعلقات.

تحولت مكة إلى العاصمة سياسية وثقافية واقتصادية ودينية لا مثيل لها في الجزيرة العربية، وهو ما جعل مهمة النبي صلى الله عليه وسلم بعد البعثة مهمة شديدة الصعوبة.. لماذا؟ لأن النبي جاء وقريش مستقرة على أوضاع لا تريد أن تغيرها أو ترى غيرها، صحيح أنها استقرار بُني على باطل وأوضاع ظالمة وجاهلية إلا أن كل زعامة تتمسك بمكانتها ومكاسبها المادية. ألم أقل إن الشيطان ربط مصالح الناس في الدين بالاقتصاد.

ويدخل رسول الله صلى الله عليه وسلم على هذا الواقع المعقد يريد تغييره.

الفرس والروم أيضاً كانت عيونهم على مكة، لأن أموالهم وتجارتهم تَعْبر من هناك. وهي خط التجارة العالمي الخطير، وبالتالي فإن الفرس والروم يريدونها تحت سيطرتهم وتحت أنظارهم، وهم لا يريدون أن يخرج منها أحد ليقول نصاً مغايراً.

مؤامرة هدم الكعبة

من هنا جاء أبرهة بجيشه لهدم الكعبة.. لماذا؟

لأنه لا يريد أن يحج العرب إليها، هو لا يريد أن تقوم للعرب قائمة، ولا يريد أن يبقى لهم دين.

وهناك تفسير آخر أن أبرهة كان يريد السيطرة على مكة لأنها مركز التجارة العالمية.. وبهذا تنتقل الثروة التي كانت تذهب إلى خزائن قريش إليه.

كان يطمع في أن تنتقل الثروة للأحباش، وكان يعقد اتفاقاً مع الروم لتحقيق ذلك في تحالف مضاد للفرس.

خطط أبرهة لإسقاط مكة، وفكر في مصادر قوة قريش، فوجد أنها الكعبة وزعامتها الدينية للعرب التي تساعدها في الزعامة التجارية والاقتصادية، وهداه تفكيره إلى هدم الكعبة، ولو أن أبرهة تمكن من هدم الكعبة لما ترك مكة، كان سيتشبث بوجوده فيها ليظل مسيطراً على طريق التجارة والثروة والنفوذ.

حقيقة أنه كان يكره كعبة العرب لأسباب دينية، لكنه من خلال تحالف الرومان والأحباش كان يروم إلى تحقيق أهداف سياسية في الصراع مع الفرس.

كانت قريش تحمي 360 صنماً حول الكعبة، وهذا ليس دوراً دينياً، فقريش كانت قد وقعت اتفاقاً مع القبائل بأن تُقيم كل قبيلة ثلاثة آلهة حول الكعبة، وهو اتفاق مكمل للاتفاقيات التجارية بينهم.

لماذا حرصت القبائل على وضع آلهتها في الكعبة؟

لأن هذا عند العرب رمز للشرف والسيادة.. نحن نمتلك صنماً في الكعبة!.. وكلما كبر حجم الصنم كانت مكانة القبيلة أعظم. وكلما كان الصنم أقرب إلى الحجر الأسود. كانت القبيلة أكثر نفوذاً وقوة.

كانت الأصنام في الكعبة مثل الأعلام الآن أمام مبنى الأمم المتحدة في نيويورك.

الموضوع لم يكن دينياً، طبعاً كان الدين جزءاً أساسياً منه، لكن عوامل أخرى مهمة كانت تلتقي حول الدين "ما نعبدهم إلا ليقربونا إلى الله زلفا" هم يعرفون أن الله موجود فلماذا يعبدون الأصنام؟ لأنهم وجدوا آباءهم يفعلون ذلك، وطالما أن الـ360 صنماً موجودة بالكعبة فإن تجارة القبائل تظل آمنة ومحفوظة.

ويأتي النبي صلى الله عليه وسلم ليقول لهم إنه لا يوجد إلا إله واحد يسأل أبو جهل النبي: قل لنا يا محمد الكلمة التي تريدنا أن نقولها لتستريح، فيقول له النبي "لا إله إلا الله" فيرد عليه: أما هذا فغير ممكن، لأنه لو قال لا إله إلا الله فمعنى ذلك هدم 360 صنماً، وهدم مكانة قريش بين العرب معها، يترتب علي ذلك توقف التجارة وانهيار الوضع الاقتصادي والسياسي لقريش وضياع الزعامة من يدها.

إصلاح كل نواحي الحياة

والنبي صلى الله عليه وسلم وظف المميزات التي وجدها في مكة لصالح دعوته، صحيح أن المعوقات كانت شديدة والظروف حالكة، وجد النبي أن العرب يتجمعون عند قريش في موسم الحج فاستغل هذه الميزة وتحدث إلى العرب عن دينه الذي بعثه الله به إليهم ولا ننسى أن الأنصار من أهل المدينة أسلموا حين جاءوا في موسم الحج، لأن القبائل كلها تتجمع عند قريش، أصبحت لغة قريش هي اللغة الأم الأساسية لكل العرب، ولهذا نزل القرآن بلغة قريش.

وهناك ميزة أخرى هي أن الجزيرة العربية هي المكان الوحيد في العالم الذي لم يكن محتلاً من الفرس أو الروم، ولم يسبق للعرب أن تعرضوا للاحتلال من أية قوى أخرى، لهذا كان العربي يعتز بنفسه ويحس بقيمة الحرية، فالذل يقتل إنسانية الإنسان.

وكانت أعظم نقطة قوة استغلها النبي صلى الله عليه وسلم هي اعتزاز العربي بنفسه، كان العربي يتميز بالشجاعة والحرية والاعتزاز بالنفس والكرم، رغم كل مساوئ عاداته وتقاليده أيام الرسالة، فالاستقلالية وعدم التبعية في الفكر وطريقة الحياة والعقيدة رغم فسادها، ولم يستطع فلاسفة الفرس والروم ولا قوافل تجارتهم أن يغيروا من صفات العرب، لأن لديهم حصانة الاعتزاز بالنفس.

أقول هذا للشباب الذي يهرول الآن وراء التقليد الأعمى لكل ما يصدر عن الغرب، والإحساس بالضعف والدونية، هؤلاء هم أجدادهم حتى في أيام الجاهلية كانوا سداً منيعاً أمام التأثر بما يأتي به الفرس والروم.

النبي صلى الله عليه وسلم لم يأت إذن لكي يعبد الناس الله فقط، ولم يأت لإصلاح أخلاق فاسدة، النبي صلى الله عليه وسلم جاء لإصلاح نواحي الحياة كلها، رسالة النبي كانت لبناء الإنسان وإعادة صياغة سلوكه في الأرض. التاريخ كله قبل محمد صلى الله عليه وسلم كان شيئاً، وبعد محمد صلى الله عليه وسلم صار شيئاً آخر.. تغيير خريطة العالم ارتبط بما جاء به محمد صلى الله عليه وسلم

http://www.amrkhaled.net/articles/articles1360.html