طرحنا سؤلاً في الدرس السابق وهو:
هل مازلت تؤمن بأن السيدة مريم هي الثيؤوتوكوس
يقول سبحانه وتعالى :
( مَّا الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ إِلاَّ رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِ الرُّسُلُ وَأُمُّهُ صِدِّيقَةٌ كَانَا يَأْكُلاَنِ الطَّعَامَ انظُرْ كَيْفَ نُبَيِّنُ لَهُمُ الآيَاتِ ثُمَّ انظُرْ أَنَّى يُؤْفَكُونَ) المائدة:75
و قوله تعالى" كانا يأكلان الطعام" أي يحتاجان إلى التغذية به وإلى خروجه منهما فهما عبدان كسائر الناس وليسا بإلهين كما زعمت فرق ثم قال تعالى" انظُرْ كَيْفَ نُبَيِّنُ لَهُمُ الآيَاتِ " أي نوضحها ونظهرها " ثُمَّ انظُرْ أَنَّى يُؤْفَكُونَ " أي ثم انظر بعد هذا البيان والوضوح والجلاء أين يذهبون وبأي قول يتمسكون وإلى أي مذهب من الضلال يذهبون. (ابن كثير).
قوله تعالى: "كَانَا يَأْكُلاَنِ الطَّعَامَ" أي أنه مولود مربوب، ومن ولدته النساء وكان يأكل الطعام مخلوق محدث كسائر المخلوقين؛ ولم يدفع هذا أحد منهم، فمتى يصلح المربوب لأن يكون ربا؟! وقولهم: كان يأكل بناسوته لا بلاهوته فهذا منهم مصير إلى الاختلاط، ولا يتصور اختلاط إله بغير إله، ولو جاز اختلاط القديم بالمحدث لجاز أن يصير القديم محدثا، ولو صح هذا في حق عيسى لصح في حق غيره حتى يقال: اللاهوت مخالط لكل محدث. وقال بعض المفسرين في قوله: "كانا يأكلان الطعام" إنه كناية عن الغائط والبول. وفى هذا دلالة على أنهما بشران. (القرطبي).
"كَانَا يَأْكُلاَنِ الطَّعَامَ"كغيرهما من الناس ومن كان كذلك لا يكون إلها لتركيبه وضعفه وما ينشأ من البول والغائط (انظُرْ) متعجبا (كَيْفَ نُبَيِّنُ لَهُمُ الآيَاتِ) على وحدانيتنا (ثُمَّ انظُرْ أَنَّى) كيف (يُؤْفَكُونَ) يصرفون عن الحق مع قيام البرهان (الجلالين).
والآية التي تلي هذه الآية مباشرة هي قوله تعالى: "قلأتعبدون من دون الله ما لا يملك لكم ضرا ولا نفعا والله هو السميع العليم" زيادة في البيان وإقامة حجة عليهم؛ أي أنتم مقرون أن عيسى كان جنينا في بطن أمه، لا يملك لأحد ضرا ولا نفعا، وإذ أقررتم أن عيسى كان في حال من الأحوال لا يسمع ولا يبصر ولا يعلم ولا ينفع ولا يضر، فكيف اتخذتموه إلها؟. "والله هو السميع العليم" أي لم يزل سميعا عليما يملك الضر والنفع. ومن كانت هذه صفته فهو الإله على الحقيقة. والله أعلم (القرطبي).
ما معنى كلمة صِدِّيقَةٌ التي وردت وصفاً للسيدة مريم أم المسيح عليه السلام؟.
بسم الله الرحمن الرحيم
(وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَأُولئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَداءِ وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُولئِكَ رَفِيقاً)النساء: 69
فمن هم الصِّدِّيقون
الصِّدِّيقون يمثلون مجموعة قائمة بذاتها تدخل مجموعةً جزئيةً في مجموعة (الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ).. ومجموعة الصديقين تحتوي على مجموعة وأشخاص.
أما المجموعة فهم (الذين آمنوا بالله ورسله) كما ورد في قوله تعالى:
( وَالَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ أُوْلَئِكَ هُمُ الصِّدِّيقُونَ وَالشُّهَدَاء عِندَ رَبِّهِمْ لَهُمْ أَجْرُهُمْ وَنُورُهُمْ وَالَّذِينَ كَفَرُوا وَكَذَّبُوا بِآيَاتِنَا أُوْلَئِكَ أَصْحَابُ الْجَحِيمِ)الحديد :19.
وأما الأشخاص فهم إبراهيم وإدريس ومريم ويوسف وهارون.
1 ـ إبراهيم: ( وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ إِبْرَاهِيمَ إِنَّهُ كَانَ صِدِّيقًا نَّبِيًّا) مريم: 41.
إبراهيم صدِّيق ونبي وحتى الآن نرى إبراهيم يدخل في الصديقين والنبيين وهو كان صديقاً قبل أن يكون نبياً وذلك لأنه صدَّق بالله وملكوته من خلال منهاجه الحنيفي ولأنه صدَّق الرؤيا التي رآها في منامه
( وَنَادَيْنَاهُ أَنْ يَا إِبْرَاهِيمُ. قَدْ صَدَّقْتَ الرُّؤْيَا إِنَّا كَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ ) الصافات: 105ـ106.2.
إدريس: ( وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ إِدْرِيسَ إِنَّهُ كَانَ صِدِّيقًا نَّبِيًّا ـ مريم 56). إدريس صدِّيق ونبي على منهاج إبراهيم وذُكِر مع إسماعيل وذي الكفل بأنه من الصابرين والصالحين.بالإضافة إلى أنه رُفِع مكاناً عليَّاً.
3 ـ مريم: ( مَّا الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ إِلاَّ رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِ الرُّسُلُ وَأُمُّهُ صِدِّيقَةٌ كَانَا يَأْكُلانِ الطَّعَامَ انظُرْ كَيْفَ نُبَيِّنُ لَهُمُ الآيَاتِ ثُمَّ انظُرْ أَنَّى يُؤْفَكُونَ ) المائدة: 75.
ومريم صديقة لأنها صدَّقت بكلمات ربها وكتبه ( وَمَرْيَمَ ابْنَتَ عِمْرَانَ الَّتِي أَحْصَنَتْ فَرْجَهَا فَنَفَخْنَا فِيهِ مِن رُّوحِنَا وَصَدَّقَتْ بِكَلِمَاتِ رَبِّهَا وَكُتُبِهِ وَكَانَتْ مِنَ الْقَانِتِينَ ) التحريم: 12.
4 ـ يوسف: ( يُوسُفُ أَيُّهَا الصِّدِّيقُ أَفْتِنَا فِي سَبْعِ بَقَرَاتٍ سِمَانٍ يَأْكُلُهُنَّ سَبْعٌ عِجَافٌ وَسَبْعِ سُنبُلاتٍ خُضْرٍ وَأُخَرَ يَابِسَاتٍ لَّعَلِّي أَرْجِعُ إِلَى النَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَعْلَمُونَ ) يوسف: 46. وجاء وصف يوسف بالصدِّيق على لسان رسول الملك.
5 ـ هارون: ( وَأَخِي هَارُونُ هُوَ أَفْصَحُ مِنِّي لِسَانًا فَأَرْسِلْهُ مَعِيَ رِدْءًا يُصَدِّقُنِي إِنِّي أَخَافُ أَن يُكَذِّبُونِ )القصص: 34. وجاء وصف هارون بفعل (يصدقني) على لسان أخيه النبي موسى.
وهنا يقفز السؤال: هل هذه المجموعات الجزئية {النبيين، الصديقين، الشهداء، الصالحين} تصاعدية بحيث تشمل أية مجموعة كل المجموعات التي قبلها مما يعني أن الصالحين هم شهداء وصديقون ونبيون وأن الشهداء صديقون ونبيون وأن الصديقين نبيون؟ أم أنها مجموعات منفصلة؟ وللإجابة عن هذا السؤال علينا أن نتذكر أن كلا من النبيين الكريمين إبراهيم (الشعراء 83) ويوسف (يوسف 101) قد دعا ربه أن يلحقه بالصالحين.
والخلاصة في موضوع الصديقين أن إبراهيم وإدريس ويوسف وهارون من الصِّدِّيقين ومن النبيين ومريم من الصديقين. والله أعلم.
المفضلات