ولا: أنكر فضيلة القس على الدكتور / زغلول النجار أن يقوم بتفسير النص الموجود في مزمور 84 واعتبره مسألة خاصة بالمسيحيين ين فقط ولقد عجبت لهذا الموقف حيث أن هذا المزمور هو من كتب اليهود أصلاً ، ولقد أعطي المسيحيين حق تفسير العهد القديم بتفسيرات خاصة بهم لا يوافقها عليهم اليهود نأخذ مثالاً على ذلك اعتبار النصارى أن ما جاء في أشعياء 14:7 هو نبوءة عن المسيح بالرغم من أن اليهود لم يقولوا أبداً أن هذا النص هو نبوءة عن المسيح المنتظر ومازال هذا الخلاف قائماً حتى الآن ، فلماذا يعطي النصارى أنفسهم الحق في تفسير كتاب اليهود دون الرجوع للتفسيرات اليهودية ويحرّمون ذلك على المسلمين .
ثانياً: أما قوله ( التوراة كلمة لا تطلق إلا على أسفار موسى الخمسة) فهذا كلام غير صحيح وهو لا يخالف كلام علماء الفكر المسيحي فقط بل أيضاً يخالف الكتاب المقدس نفسه حيث أن إنجيل (يوحنا 34:10) ينسب إلى المسيح أنه قال " أليس مكتوباً في ناموسكم : أنا قلت إنكم آلهة ) فقد أطلق ناموس هنا على المزامير حيث أن هذا النص قد جاء في مزمور 6:82 ولو طبقنا القاعدة التي وضعها فضيلة القس لكان كلمة ناموس لا تطلق إلا على أسفار موسى الخمسة فقط ، و كلامنا هذا ليس رأينا فقط وإنما هو رأي نخبة من اللاهوتييين والمفكرين والقساوسة النصارى الإنجيليين الذين ينتمون لنفس الكنيسة التي ينتسب إليها القس ، فقد جاء في دائرة المعارف الكتابية في حرف التاء مادة توراة الكلام التالي (وكلمة ناموس أو شريعة في العهد الجديد، تشير بوجه عام إلى ناموس موسى ولكنها قد تشير أيضاً إلى كل أسفار العهد القديم ( يو 10 : 34 ). وفى التقليد اليهودي كانت " التوراة " ( الشريعة ) تشمل الناموس المكتوب والتفسيرات له).
ثالثاً : قال القس ( ولست أدري ما الذي جعل الدكتور الفاضل يحضر لنا إحدى الترجمات الإنجليزية لإثبات وجهة نظره وكان الأولى به أن يحضر النص العبري للمزمور حيث إنه يعلم يعلم تمام العلم أن معظم أسفار العهد القديم كتبت باللغة العبرية ولكنه خشي أن يحضر لنا النص العبري وذلك لأنه لن يجد فيه كلمة مكة ).
وهذا الكلام لا يتفق مع النص العبري حيث أن الكلمة التي جاءت في النص العبري هي بكة ويمكن الرجوع لذلك إلى كل قواميس الكتاب المقدس تحت رقم 1056 ونذكر من هذه القواميس ٍStrong Exhausive Concordance ويمكن الحصول على هذا القاموس مجاناً من الموقع التالي www.e-sword.net ملحقاً بترجمة King James وبالمناسبة فهو موقع مسيحي ،أما الإستدلال بالترجمات الإنجليزية المختلفة فهو أمر طبيعي جداً فكما يقول المثل ( شهد شاهد من أهلها ) فإن الترجمات الإنجليزية المختلفة عندما ترجمت النص العبري إلى Valley of Baca يدل دلالة صريحة أن الفهم الطبيعي للنص العبري أنه يتكلم عن اسم علم ففي اللغة الإنجليزية العشرات من المفردات التي يمكن أن تترجم كلمة البكاء فأسماء الأعلام لا تتغير بين لغة وأخرى فلو أن اسمي في مصر (أمين ) فهل إذا ذهب إلى أمريكا سيكون اسمي Honest ، وللعلم اطلاق اسم بكة على هذا الوادي جاء في أكثر من ترجمة مثل webster - King James Version – Geneva - Darby فهل من المصادفة أن يترجم كل هؤلاء اللاهوتيين و المترجمين النص العبري وادي بكة كاسم علم .
رابعاً : أما القول بأن وادي بكة وادي جاف قاحل به الكثير من أشجار البلسان ، فهو قول لا يسانده أي دليل فلا يوجد في هذا النص أو غيره أي دليل أن وادي بكا كان به أشجار البلسان أما ما جاء في صموئيل الثاني ، وأخبار الأيام الأول فلا يذكر أن هذا الشجر اسمه البلسان وإنما هي مجرد تخمينات لا أكثر ، والدليل على صحة هذا القول أن علماء الكتاب المقدس لم يستقروا على رأي واحد أن هذا الوادي سمي وادي البكاء لوجود شجر البلسان به فها هي دائرة المعارف الكتابية حرف الباء ـ مادة بكة تذكر رأي آخر لرينان حيث تقول (ويعتقد رينان ( في حياة يسوع ) أن هذا الوادى كان المرحلة الأخيرة في الرحلة من شمالي فلسطين إلى أروشليم، أي " عين الحرامية " وهو واد ضيق كئيب تنضح فيه المياه المالحة من الصخور، ومن هنا أخذ اسمه "وادي البكا " أو " وادي الدموع ". وهنا يتضح أن السيناريو الذي وضعه فضيلة القس لوادي بكة بأن به أشجار البلسان هو كلام لا يتفق مع منهجية البحث والتوثيق العلمي أو الجغرافيا وإلا فليذكر لنا فضيلة القس ما اسم البئر (ينبوع) الموجود في وادي بكة الجاف المزعوم فجغرافيًا يوجد بوادي بكة حسب تفسيرنا بئر زمزم ،فأين هو البئر الموجود بحسب الوصف الجغرافي الخاص به ، ويا ليت فضيلة القس أن يوضح لنا على أي خريطة قد وضع عليها اسم وادي اسمه بكة في المكان الذي يتوهمه فضيلة القس ، حتى لا يتسرع فضيلة القس أحب أن أخبره بما جاء في هوامش ترجمة Contemporary English Version حيث تقول " الموضع بالضبط غير معروف" ، وبهذا يتضح أنه لا يوجد في العالم كله مكان معروف اسمه بكه غير بكة التي يعرفها المسلمون .
خامساً : أما القول بأن هناك علم يسمى بعلم تفسير الكتاب المقدس وكأن الشروط التي وضعها القس شروط متفق عليها بين مفسري الكتاب المقدس وهذا خطأ كبير فيوجد مدرستين لتفسير الكتاب المقدس هي مدرسة التفسير الرمزي وقد اشتهرت في الأسكندرية ومن روادها العلامة أوريجانوس و مدرسة التفسير الحرفي والتي تزعمتها كنيسة أنطاقية ومن أبرز روادها يوحنا ذهبي الفم وكلا المدرستين تنكر على الأخرى منهجيتها في التفسير وهذه القواعد التي وضعها فضيلة القس لا تتفق مع منهجية الكتاب المقدس نأخذ مثالاً على ذلك ما جاء في متى 15:2( لكي يتم ما قيل من الرب بالنبي القائل من مصر دعوت ابني) فلقد اعتبر كاتب انجيل متى أن هذا النص عبارة عن نبوءة عن ذهاب المسيح إلى مصر وعودته منها ولكن بالرجوع لهذا النص في العهد القديم في سفر هوشع 1:11 نجد النص كما يلي ( لما كان إسرائيل غلاماً أحببته ومن مصر دعوت ابني) وواضح جداً من النص أن الكلام لا يوجد به أي نبوءة مستقبلية عن المسيح المرتقب وإنما هو تذكير لشعب إسرائيل بفضل الإله عليهم وأنه أنجاهم من ظلم فرعون لهم عندما أخرجهم من مصر على يد نبي الله موسى ، فالكلام يأتي في صيغة الماضي وليس المستقبل ولم يفهم اليهود في أي عصر من العصور أن هذا النص نبوءة عن المسيا المنتظر ، فلماذا أعطى النصارى أنفسهم حق تفسير هذا النص على هواهم دون الرجوع لعلماء اليهود وتفسيراتهم ، وكيف يطبق فضيلة القس هنا الخلفية التاريخية للنص ، والسياق ، والقرينة ، وأسباب الكتابة وظروفها
سادساً : تعليقاً على النص التالي ( أيضاً ببركات يغطون مورة) ذكر فضيلة القس ما يلي ( ولكن إيمانهم كان يحول هذا الوادي إلى بركة وفي عبورهم تل مورة الذي يعني المرارة فإنهم يغطونه بالبركات ) وللعلم لا يوجد أي ترجمة غير ترجمة فاندايك التي توهمت أن مورة هنا اسم علم وحتى هذه الترجمة عندما أصدروها بالشواهد ذكروا أن النص يمكن أن يقرأ بحسب قواعد اللغة العبرية كما يلي ( أيضاً ببركات يكسبه المطر المبكر) فالنص العبري ينطق هكذا gam berachoth yaateh moreh حيث أن كلمة مورة في اللغة العبرية تعني المطر أو رامي السهم أو المعلم أو التعاليم،فلو نظرنا في ترجمة الآباء اليسوعيين نجد أنهم ذكروا النص هكذا ( فيجعلونه ينابيع ماء لأن المشترع يغمرهم ببركاته) ، أما الترجمة العربية المشتركة فترجمتها هكذا ( فيجعلون عيون ماء بل بُركاً يغمرها المطر) ، أما كتاب الحياة فقد ترجمها هكذا ( ويغمرهم المطر الخريفي بالبركات) والرأي الجازم في هذه المسألة تورده دائرة المعارف الكتابية في حرف الميم ـ مادة مورة يذكر أن تل مورة لم يذكر بالاسم إلا في سفر القضاة 1:7 ولم يذكر بالاسم مرة أخرى في الكتاب المقدس بأكمله ، وبالتالي فإن ما ذكر في النص محل الخلاف لا يتكلم لا من قريب أو من بعيد عن تل مورة .
المفضلات