جدول تجميعي إحصائي لأحداث العنف السياسي (1982 ـ 1988)
( حمل الجدول المرفق للمتابعة)
ولسوف نلاحظ أن هناك زيادة ملحوظة في أحداث العنف السياسي خلال الثلاث سنوات الأخيرة (88،87،86) الأمر الذي يؤكد وجود خط تصاعدي للعنف خلال هذه الفترة .
فخلال السنوات الأربع الأولى(85،84،83،82) كانت أحداث العنف محدودة ومتفرقة ، وجاء تمرد جنود الأمن المركزي في فبراير 1986 ليمثل بداية للمزيد من أعمال العنف وتأكيدا لذلك فإن مصادر الدراسة لم تورد أي أحداث للعنف السياسي خلال عامي (1983،1982) ، وأوردت (9) أحداث عام (1984) منها (7) مظاهرات محدودة وحادث شغب واحد وإضراب محدود واحد ، و(7) مظاهرات محدودة فقط عام (1985) ، بينما تم رصد (30) حادثا للعنف السياسي خلال عام (1986) منها (14) مظاهرة محدودة و(8) أحداث شغب وتمردات محدودة و(8) إضرابات محدودة ، و(26)حادثا خلال عام (1987) منها (16) مظاهرة محدودة و(3) أحداث شغب محدودة و(4) إضرابات محدودة و(3) محاولات إغتيال ، وفي عام (1988) أوردت مصادر الدراسة (38) حادثا منها (31) مظاهرة محدودة و(6) أحداث شغب محدودة وإضراب واحد محدود..
الفرع الثالث
التطور الزمني للعنف السياسي .
1. يتصدر العنف السياسي قائمة العنف في القرن الحادي والعشرين، فهو من أخطر أنواع العنف وأكثرها انتشارا على الإطلاق؛ لكثرة المبررات الاقتصادية والاجتماعية والثقافية التي يحتمي بها دعاة العنف السياسي، حيث يجد رجال السياسية والأحزاب السياسية والأيديولوجية في العنف السياسي طرقا سهلا لتحقيق طموحاتهم في السلطة، أو رغباتهم في المحافظة عليها.
إن مفهوم العنف السياسي بحسب دراسة حول "ظاهرة العنف السياسي في مصر..." ينصرف إلى " توظيف آلية العنف بشكل منظم لتحقيق أهداف سياسية، قد تتمثل في الوصول إلى السلطة السياسية أو على الأقل التأثير عليها، وهنا نكون إزاء عنف منظم من جانب المعارضة. كما قد تكون تلك الأهداف هي ضمان السيطرة على السلطة السياسية والتشبث بها، وهنا نتحدث عن عنف من جانب النظام نفسه.
وقد برز في الآونة الأخيرة نوع من العنف السياسي، مضافا إلى عنف الحكومة ضد المعارضة، وعنف المعارضة ضد الحكومة، وهو عنف الحكومة ضد الحكومة، أو بتعبير أدق عنف أطراف حكومية ضد أطراف حكومية أخرى.
ويحصل هذا النوع من العنف عندما تتألف الحكومة من أحزاب سياسية غير متفق على برنامج سياسي موحد، فتسعى بعض الأحزاب من خلال رجالها في البرلمان والسلطة (نواب، وزراء، إداريين، رجال أمن إلى آخره...) إلى استخدام أساليب ابتزازية ضد الحكومة وممارسة الضغط عليها لتحقيق مكاسب حزبية أو فئوية من خلال وجودها في السلطة. ويبرر هذا العنف السياسي مرة بان أطرافها إنما اشتركوا بالسلطة مضطرين للحفاظ على أنفسهم ومكاسبهم؛ وتارة أن الأطراف الحكومية القوية تمارس ضدهم نوع من التهميش للسلطة!.
2. يبدأ العنف السياسي ـ عادة ـ من أروقة السلطة وقصور الرئاسة؛ فالحزب الحاكم الواصل للسلطة لتوه، يمارس من طرفه نوع من الاستبداد والعنف السياسي اتجاه الأحزاب الأخرى، سواء عن طريق استصدار التشريعات والقوانين التي تصب لمصلحة الحزب وأعضائه، أو عن طريق قرار استئصال معارضيه أو مخالفيه الذين يشكلون خطرا على مستقبل وجوده في السلطة، ثم أن نفس أعضاء الحزب الحاكم يمارسون من داخل الحزب عنفا سياسيا ضد بعضهم البعض يمكن أن نسميه بالعنف السياسي الداخلي لتحديد صاحب الرأي ومصدر القرار الأول حيث أن أعضاء الحزب الحاكم يأتون جمعهم إلى السلطة وهم متقاربون من حيث سلطة بعضهم على بعض، وتجمعهم في الغالب علاقات الصداقة، ولكن وصولهم إلى السلطة، وتطلب وجود قائد يصدر القرارات ويطيعه الآخرون، يحتم وجود علاقات متوترة بينهم، وبالتالي، اللجوء إلى العنف في كثير من الأحيان.
3. وقد يبدأ العنف السياسي من أطراف سياسية خارج السلطة، تجمع قواها لتأليف معارضة قوية تناهض الحزب الحاكم وتطالب بحقوقها السياسية، كالمشاركة في السلطة، أو الاستحواذ عليها، فتتجه الحكومة إلى مقاومة هذه المجاميع السياسية المتمردة بممارسة العنف السياسية المنظم ضدها مثل: حل هذه الأحزاب وحظرها، أو تهديد أعضائها، أو سجنهم، أو قتلهم... وأيا كان الطرف الفاعل في ممارسة العنف ( عنف رسميا أم غير رسمي أو شعبيا ) فان اللجوء إلى العنف يعبر عن وجود أزمة في المجتمع ترتبط درجة حدتها بمستوى ممارسة العنف على الصعيدين الكم والكيفي.
4. وما يهمنا في هذه الصفحات هو متابعة أسباب العنف السياسي بين القوى الإسلامية والسلطات الحاكمة في مصر، وكيف كانت فصول التجربة والى أين ستقود نتائجها؟.
وفي واقع الأمر ليس هناك ظاهرة اخطر من ظاهرة العنف السياسي وآثارها الاجتماعية، فهي تهدد حياة الأفراد وتربك المجتمع وتشل الدولة ناهيك عن سلسلة المآسي التي تبدأ بالخسائر البشرية والمادية والفوضى الاجتماعية والخراب الاقتصادي ولا تنتهي بنسف الأمن الاجتماعي وضياع فرص التنيمة بل ربما قادت إلى الحرب الأهلية.
إلا أن خطورة هذه القضية، لم تدفع بعد إلى دراستها بعيداً عن الخلفيات الإيديولوجية والنزعة التبريرية المسكونة بالعداء للقوى الإسلامية، بل اتجه الخطاب الثقافي إلى إلقاء تبعة العنف على عاتق الإسلاميين وحدهم(هالة مصطفى في «جماعات العنف السياسي في مصر» الحياة، الأعداد 10761، 10762، 10763، وكذلك ضياء رشوان في «قوى العنف الإسلامي في مصر بين تغيير السلطة وتداولها» الحياة، 10767،أغسطس 1992.).
وقد أنتج هذا الخطاب أدوات ومفاهيم واستعار غيرها من الغرب لتوصيف القوى الإسلامية، فأصبحت مصطلحات التطرف والعنف الديني، والعنف الأصولي، وجماعات الإسلام السياسي، وجماعات العنف الإسلامي تقترن بالقوى الإسلامية وصفة ملازمة لها، وجرى في المقابل تبرئة الدولة وأنظمة الحكم، والنخب السياسية (مدنية وعسكرية) والثقافية منه مسؤولية تصاعد العنف، أي أن العنف أصبح سمة ذاتية للقوى الإسلامية، فحتى القوى المعتدلة ( مثل جماعة الإخوان المسلمين الآن) مرشحة لممارسة العنف في وقت من الأوقات (ولسوف نعرض لهذه الظاهرة بعد قليل) ولا يشذ عن هذه القاعدة سوى جماعات الصوفية والتنسك التي تريد بناء الإنسان الكامل وليست لها اهتمامات اجتماعية أو سياسية، ولا معركة لها مع الدولة على قضايا الشرعية والعدالة وتأمين الكفاية والحاجات الأساسية للمواطن.
5. وقبل أن ندخل في تفاصيل الأسباب الدافعة نحو العنف، لابد من حصر تاريخي لأهم حوادث العنف السياسي التي نسبت للإسلاميين أو كانت لهم صلة مباشرة وغير مباشرة فيها، وهذه الحوادث تشمل الإسلاميين المنظمين والمؤطرين في حركات أو أحزاب ولا تشمل الحوادث المتفرقة التي ينفذها أفراد لا صلة لهم بأجهزة حركية أو حزبية.
ويشير الحصر التاريخي إلى تسلسل لأحداث العنف السياسي على النحو التالي:
1 ـ في عام 1948 اغتيل رئيس الوزراء المصري محمود فهمي النقراشي وقيل إن جماعة الإخوان المسلمين كانت وراء الحادث رداً على قرار حظر نشاطات الجماعة.
2 ـ في 26 أكتوبر عام 1954 وقعت حادثة المنشية في الإسكندرية وكان المستهدف منها جمال عبد الناصر وقيل أن منفذها كان من الإخوان المسلمين، وقد دشنت هذه الحادثة بداية عنف سلطوي رهيب ضد الإخوان وقضت على عدد من قيادات الحركة كان أبرزها المرحوم عبد القادر عودة، وتعرض فيها الإخوان المسلمين لضربة عنيفة أصبحت مثالاً نموذجياً للتعامل مع القوى الإسلامية في اغلب الأقطار العربية فيما بعد.
3 ـ اتهم الإخوان مجدداً في عام 1965 بمحاولة تدبير انقلاب عسكري والاستيلاء على السلطة بالقوة وجرى إعدام سيد قطب، وكان ملف الإدانة متركزاً على كتابه «معالم في الطريق» الذي اعتبر محاولة تنظيرية وتأسيسية للعنف ضد الدولة والمجتمع.
4 ـ في عام 1974 وقعت حادثة الكلية الفنية العسكرية في القاهرة لقلب نظام حكم الرئيس أنور السادات وقادها صالح سرية وعرفت قضيته باسم قضية شباب محمد أو حزب التحرير الإسلامي.
5 ـ في عام 1976 وقعت حوادث طائفية في مصر نسبت للإسلاميين وأدت إلى ما سمي بقرارات سبتمبر التي أودع فيها المئات في السجن وانتهت بقيام تنظيم الجهاد باغتيال أنور السادات.
6. وفي مايو 1987 تمت(3) محاولات اغتيال استهدفت اثنين من وزراء الداخلية السابقين (أبو باشا والنبوي إسماعيل) وكاتبا صحفيا (مكرم محمد أحمد)..
7. في أكتوبر 1990م .تم اغتيال الدكتور رفعت المحجوب.
8. وفي مارس عام 1993 وقعت حوادث أبو قرقاص وديروط في مصر ثم اغتيل الكاتب العلماني فرج فوده وبدأت دورة عنف خطيرة في مصر لا تزال متواصلة.
9. مازالت أحداث العنف والاعتقال منذ عام 1993 وحتى الآن تسري على جماعة الإخوان المسلمين ، ولأهمية هذه الجماعة ونظراً لثقلها داخل المجتمع المصري وخارجه يهمنا أن نتناول علاقة الإخوان بالدولة في مصر: