الجزء الاول من كتاب الاسم العلم في الكتب المقدسة و هل يجوز ترجمته منقول
الاسم العلم في الكتب المقدسة
(1)
الأعجم أصل معناها "الأعوج" ، من عجمه يعنى لواه، ومنه عجم عوده، أى ثناه، يختبر صلابته.واعتجم عليك الكلام، واعتجم عليك اللفظ، أي التوي، فلا يستقيم له معني عندك، كما لا تفهم أنت إلا كلام بني أمتك، إلا أن تتعلم لغة غير لغة أهلك. وصدق الحق سبحانه إذ يقول:
{وَمَا مِن دَآبَّةٍ فِي الأَرْضِ وَلاَ طَائِرٍ يَطِيرُ بِجَنَاحَيْهِ إِلاَّ أُمَمٌ أَمْثَالُكُم } (38) سورة الأنعام.
{ يُسَبِّحُ لَهُ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالطَّيْرُ صَافَّاتٍ كُلٌّ قَدْ عَلِمَ صَلَاتَهُ وَتَسْبِيحَهُ } (41) سورة النــور.
{ وَإِن مِّن شَيْءٍ إِلاَّ يُسَبِّحُ بِحَمْدَهِ وَلَكِن لاَّ تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ } (44) سورة الإسراء.
وسمي "الأجنبي" أعجميا، لأنه يتكلم لغة لا تفهمها. وأنت أيضا "أعجمي" عنده لأنك لا تفهم ما يقول، أو لأنك تقول ما لا يفهمه هو. واللفظ "الأعجمي" هو اللفظ بلغة أعجمية، لا تفهم معناه، إلا أن تتعلم تلك اللغة. وهو أعجمي أيضا لأنه يلتوي به لسانك. إنه في الغالب الأعم لفظ لا تستطيع النطق به علي أصل وضعه عند أصحابه: ربما ثقل عليك وزنه، وربما حوي أحرفا لا مقابل لها في أصوات لغتك، فتحتال علي نطقه قدر ما تستطيع، ولكنك لا تستطيع الاستمرار في المحاكاة والتقليد فتعود إلي سليقتك، وتنطقه محرفا، بعد أن تهذبه وتنقح فيه، حتي يستقيم لك نطقه علي وزن "عربي" بأصوات "عربية" : ربما أسقطت حرفا أو حركة، وربما زدت فيه أو أبدلت منه.
والأعجمي المنقح علي هذا النحو- أي المصبوب في قوالب العربية وأوزانها – يسميه اللغويون"الأعجمي المعرب". وفي هذه التسمية إشارة إلي أن الأعجمي المعرب يظل أعجميا أيضا بعد تعريبه، لا بحكم ما كان عليه. فقد استعرب لك، ولا بحكم دلالته علي مسماه، فقد استبان المسمي، ولا بصورته. فقد استقامت علي موازين العربية ومخارج أصواتها، وإنما هو يظل أعجميا بمادته، أي بجذره الأعجمي المشتق منه في لغة أصحابه، وهو جذر لا مفهوم له عندك. بل أنت تدرك من الأعجمي المعرب معناه في مجمله، ولا تدري مما نحت لفظه، أو تركب، كي يؤدي هذا المعنى.
خذ مثلا لفظة" سجيل"، ذلك الرجز الذي وقع علي أبرهة وجيشه :
{وَأَرْسَلَ عَلَيْهِمْ طَيْرًا أَبَابِيلَ. تَرْمِيهِم بِحِجَارَةٍ مِّن سِجِّيلٍ.فَجَعَلَهُم ْ كَعَصْفٍ مَّأْكُولٍ} (3-5) سورة الفيل،
وعلى قوم لوط :
{فَلَمَّا جَاء أَمْرُنَا جَعَلْنَا عَالِيَهَا سَافِلَهَا وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهَا حِجَارَةً مِّن سِجِّيلٍ مَّنضُودٍ. مُّسَوَّمَةً عِندَ رَبِّكَ وَمَا هِيَ مِنَ الظَّالِمِينَ بِبَعِيدٍ} (84:83) سورة هود . أنت في سجيل تقف عند المعنى العام. ولكنك لو أخذت برأي من قال إن سجيل معربة عن الفارسية "سكيل"، بمعني الطين المتحجر (سك= جاف، كيل = طين) لأدركت ماهية السجيل ومادته في أصل معناه.
ومن طرائف الأعجمي المعرب أنه يتعجم علي أصحابه الأصلاء حين ترد إليهم بضاعتهم" منكرة" متحورة : هب مثلا أنك ممن يرون أن "المقوقس" ، عظيم القبط، معربة عن اليونانية "مجستس" Megistos (ومعناها "الأعظم") . وهبك أيضا كلفت بترجمة رسالة النبى صلي الله عليه وسلم إلي ذلك اليونانى المتمصر، أفتترك في ترجمتك اليونانية لفظ المقوقس علي حاله أم ترده إلي أصله اليوناني "مجستس"؟ إن لم تفعل فلن يفهم عنك المقوقس ما تقول. وهبك كلفت بترجمة رد المقوقس علي النبي، أفتقول في ترجمتك العربية: من "مجستس" إلي محمد (صلي الله عليه وسلم) ؟ إن فعلت فلن يفقه قارئك العربي ما تريد. وقل مثل هذا في رسالته صلي الله عليه وسلم إلي عظيم الروم"هرقل"،وأصلها بالرومية هركليوس Heraclius ، امبراطور بيزنطة آنذاك، وإن كان المخاطب بها في واقع الأمر وإلي هرقل علي الشام.
استعرب الأعجمي إذن للعرب، فاستعجم علي أهله حين اهتجن. علي أن المستعرب يغدو عربيا بالتقادم، والأعجمي في اللغة يعدو بعد ذهاب لكنته أصيلا أو كالأصيل في مفرداتها، يخفي علي غير المتخصص أصل منبته، كما تري في لفظة"المهندس"، المأخوذة من الفارسية "هنداز"، بمعني القدر والحد، وكما رأيت من قبل في "سجيل" و"المقوقس" و "هرقل" وأمثالها: الأعجمي المعنوي، والأعجمي العلم. وهذا هو شأن أعجمي القرآن كله، معنويه وأعلامه.
والذي يستوقف النظر أن القرآن لم يسم أحدا من معاصريه: لم يسم كسري ولا قيصر أو غيرهما من العجم. وإنما الذي ورد في القرآن من أعلام عصره ثلاثة أسماء لا غير، كلها عربي: محمد صلي الله عليه وسلم، ومولاه زيد رضي الله عنه، والذي تب وتبت يداه أبو لهب.
كانت الأولى فيما نري - وقد وردت في القرآن خمس مرات إحداها بلفظ "أحمد"- تشريفا- للنبي، وكانت الثانية تنصيصا علي دخول زيد بن حارثة بزينب بنت جحش رضي الله عنهما وحلها من بعده للنبي تأكيدا لبطلان البنوة (راجع الآيات 37 إلي 40 من سورة الأحزاب)، وكانت سورة المسد حكما قاطعا بالتباب والخسران علي شخص بعينه، وعلي امرأته حمالة الحطب، وامتناع قبول التوبة منهما ، وأريد إعلان هذا الحكم لأبي لهب وقومه في هذه الدنيا، فكا لابد من تسميته بالإسم ، كيلا يختلف فيه أحد.
(2)
أما الذي نعينه بالاسم المعنوي - بعيدا عن مواضعات أهل النحو والصرف - فهو الاسم المشترك الدال بذاته علي معني ما يجتمع فيه كل أفراده لا يشذ منهم أحد، نكرة ما لم يعرف بالإضافة أو بالألف واللام، عام لا يتخصص إلا بالإضافة أو النعت، يقبل بطبيعته الإفراد والتثنية والجمع: إنه بالتحديد أسماء الأفعال، والصفات، وأسماء الجنس، أحيائه وجماده.
من ذلك أن لفظة "إنسان" تصدق علي كل فرد من بني آدم . أما إن عرفتها بالألف واللام فهي مطلق"الإنسان". وتستطيع أيضا تعريفها بالإضافة فتقول مثلا "إنسان العين"، تعني "بؤبؤها"، أعني صورة ذلك الإنسان التي يطل بها عليك محدثك كلما حدقت في عينيه، وهي صورتك أنت انعكست علي بلورية عيني أخيك. وتستطيع أيضا أن تثني وتجمع ، فتقول "إنسانان" وتقول "ناس" و "أناسي" . وقس علي ذلك أمثال الزهرة والسنبلة ، والنملة والهدهد، والصخر والحديد، والسندس والإبريسم والديباج، والأسد والقسورة ، والبحر والجبل، والشيخ والصبي، والغني والفقير، والصغير والكبير. وقس علي ذلك أيضا أسماء الأفعال من مثل "فلسفة"، التي تجمع علي فلسفات ، أو "تعب" التي تجمع علي أتعاب و متاعب. لكل من الألفاظ التي ذكرت ، وأشباها، كما تري ، معني محدد في ذهنك وذهن محدثك ، وإن تحدثت به إليه فإنما تريد هذا المعني بالذات ، ولا تريد "شخص" من اتصف به أو وقع عليه، فكل الجبال جبل، وكل الآساد أسد، وكل الأثرياء ثري، وكل ما كان من الجمال بوجه فهو جميل.
بل حتي إن خصصت فقلت : هذا الأسد ، فقد خصصت "أسدا" ما بالإشارة ، ولم تزد علي أن سميته باسمه "المشترك" بين سائر بني جنسه. وليس هكذا أمثال "زيد" أو "عمرو".
الاسم " المعنوي " ، يريد المعني ولا يريد الشخص.
الاسم " العلم "، علي النقيض من هذا كما ستري، يريد الشخص ولا يريد المعني.
ابو عمر فاضح الشبهات