-
كأن الآيات تتكلم علينا
قال الله تعالى في سورة النساء:
{60} أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ آمَنُوا بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ يُرِيدُونَ أَنْ يَتَحَاكَمُوا إِلَى الطَّاغُوتِ وَقَدْ أُمِرُوا أَنْ يَكْفُرُوا بِهِ وَيُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُضِلَّهُمْ ضَلَالًا بَعِيدًا
نزلت هذه الآية في رجل من المنافقين له خصومة مع رجل من اليهود ، فقال المنافق نتحاكم الى كعب ابن الاشرف ( زعيم يهودي) وقال اليهودي ، بل ننطلق الى محمد (صلى الله عليه وسلم ) ، فتحاكما له فحكم النبي صلى الله عليه وسلم لليهودي ، فلم يقبل المنافق الحكم وطلب ان يعرض قضيته على ابي بكر ، فحكم لليهودي ، فلم يقبل وطلب التحاكم لعمر بن الخطاب فأخبره اليهودي انه لم يرض بحكم النبي (صلى الله عليه وسلم) ولا بحكم ابي بكر ، فقتل عمر المنافق فورا بعدما تأكد منه على رفضه لحكم رسول الله صلى الله عليه وسلم .
سبحان الله ، الآية وكأنها تتكلم عما يدور في مجتمعنا الآن !!
أناس يزعمون أنهم مسلمون ولكنهم لا يقبلون التحاكم لشريعة الله عز وجل ، ويفضلون التحاكم لغيرها من الشرائع
الوضعية ، وقد وصفهم الله تعالى بالتحاكم الى الطاغوت (كل ما عبد من دون الله) ، لآن العبادة من معانيها الطاعة التامة للمعبود .
{61} وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْا إِلَى مَا أَنْزَلَ اللَّهُ وَإِلَى الرَّسُولِ رَأَيْتَ الْمُنَافِقِينَ يَصُدُّونَ عَنْكَ صُدُودًا
سبحان الله ، كلما طالب المسلمون الغيورون على دينهم بتحكيم شرع الله ، وجدت فئة من الناس تطوف الفضائيات
و الجرائد لتصد عن سبيل الله وتسفه كل من ينادي بتحكيم الشرع ، وتلصق به التهم ( مثل القول بأن هؤلاء تنقصهم
الحنكة السياسية ، او هم حدثاء على الممارسة السياسية ، او هم من الظلاميين ... وهكذا) .
{65} فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا
وهذا هو حكم الله عز وجل على كل من رفض شرعه .
ولا يتفلسف احد ويقول ان هذه القصة خاصة فقط بمن رفض حكم النبي صلى الله عليه وسلم ، بل هي عامة في كل
من يرفض حكم الله عز وجل .
ويؤيد ذلك آيات من سورة المائدة:
{43} وَكَيْفَ يُحَكِّمُونَكَ وَعِنْدَهُمُ التَّوْرَاةُ فِيهَا حُكْمُ اللَّهِ ثُمَّ يَتَوَلَّوْنَ مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ وَمَا أُولَئِكَ بِالْمُؤْمِنِينَ
{47} وَلْيَحْكُمْ أَهْلُ الْإِنْجِيلِ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فِيهِ وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ
قال الامام ابن كثير:
وَقَوْله تَعَالَى " وَلْيَحْكُمْ أَهْل الْإِنْجِيل بِمَا أَنْزَلَ اللَّه " فِيهِ قُرِئَ وَلْيَحْكُم أَهْل الْإِنْجِيل بِالنَّصْبِ عَلَى أَنَّ اللَّام لَام كَيْ أَيْ وَآتَيْنَاهُ الْإِنْجِيل لِيَحْكُم أَهْل مِلَّته بِهِ فِي زَمَانهمْ وَقُرِئَ وَلْيَحْكُمْ بِالْجَزْمِ عَلَى أَنَّ اللَّام لَام الْأَمْر أَيْ لِيُؤْمِنُوا بِجَمِيعِ مَا فِيهِ وَلْيُقِيمُوا مَا أُمِرُوا بِهِ فِيهِ وَمِمَّا فِيهِ الْبِشَارَة بِبَعْثَةِ مُحَمَّد وَالْأَمْر بِاتِّبَاعِهِ وَتَصْدِيقه إِذَا وُجِدَ كَمَا قَالَ تَعَالَى " قُلْ يَا أَهْل الْكِتَاب لَسْتُمْ عَلَى شَيْء حَتَّى تُقِيمُوا التَّوْرَاة وَالْإِنْجِيل وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبّكُمْ" الْآيَة وَقَالَ تَعَالَى " الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُول النَّبِيّ الْأُمِّيّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوبًا عِنْدهمْ فِي التَّوْرَاة" إِلَى قَوْله " الْمُفْلِحُونَ " وَلِهَذَا قَالَ هَهُنَا " وَمَنْ لَمْ يَحْكُم بِمَا أَنْزَلَ اللَّه فَأُولَئِكَ هُمْ الْفَاسِقُونَ" أَيْ الْخَارِجُونَ عَنْ طَاعَة رَبّهمْ الْمَائِلُونَ إِلَى الْبَاطِل التَّارِكُونَ لِلْحَقِّ وَقَدْ تَقَدَّمَ أَنَّ هَذِهِ الْآيَة نَزَلَتْ فِي النَّصَارَى وَهُوَ ظَاهِر مِنْ السِّيَاق .
وهي نزلت في يهودي ويهودية زنيا فقالوا لنذهب لمحمد (صلى الله عليه وسلم) فربما اتى بحكم مخفف عن ما في التوراه وهو الرجم للمحصن ، فلما واجههما النبي صلى الله عليه وسلم بأن الحكم هو الرجم كما في التوراة ، تولوا
من بعد ذلك وادعوا ان حكمهم هو الجلد والفضيحة ، فواجههم النبي صلى الله عليه وسلم بعبد الله بن سلام الذي
كذبهم وكشف ما عندهم . وقد انكر الله عز وجل على هؤلاء اليهود فعلتهم النكراء من عدم انصياعهم لحكم الله سواء
في التوراة او في شرع الاسلام ووصفه بأنهم : (وَمَا أُولَئِكَ بِالْمُؤْمِنِينَ ) .
{48} وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ الْكِتَابِ وَمُهَيْمِنًا عَلَيْهِ فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ عَمَّا جَاءَكَ مِنَ الْحَقِّ
جاء في تفسير الجلالين :
"وَأَنْزَلْنَا إلَيْك" يَا مُحَمَّد "الْكِتَاب" الْقُرْآن "بِالْحَقِّ" مُتَعَلِّق بأَنْزَلْنَا "مُصَدِّقًا لِمَا بَيْن يَدَيْهِ" قَبْله "مِنْ الْكِتَاب وَمُهَيْمِنًا" شَاهِدًا "عَلَيْهِ" وَالْكِتَاب بِمَعْنَى الْكُتُب "فَاحْكُمْ بَيْنهمْ" بَيْن أَهْل الْكِتَاب إذَا تَرَافَعُوا إلَيْك "بِمَا أَنْزَلَ اللَّه" إلَيْك "وَلَا تَتَّبِع أَهْوَاءَهُمْ" عَادِلًا "عَمَّا جَاءَك مِنْ الْحَقّ لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنْكُمْ" أَيّهَا الْأُمَم "شِرْعَة" شَرِيعَة "وَمِنْهَاجًا" طَرِيقًا وَاضِحًا فِي الدِّين يَمْشُونَ عَلَيْهِ "وَلَوْ شَاءَ اللَّه لَجَعَلَكُمْ أُمَّة وَاحِدَة" عَلَى شَرِيعَة وَاحِدَة "وَلَكِنْ" فَرَّقَكُمْ فِرَقًا "لِيَبْلُوكُمْ" لِيَخْتَبِركُمْ "فِي مَا آتَاكُمْ" مِنْ الشَّرَائِع الْمُخْتَلِفَة لِيَنْظُر الْمُطِيع مِنْكُمْ وَالْعَاصِي . "فَاسْتَبِقُوا الْخَيْرَات" سَارِعُوا إلَيْهَا "إلَى اللَّه مَرْجِعكُمْ جَمِيعًا" بِالْبَعْثِ "فَيُنَبِّئكُمْ بِمَا كُنْتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ" مِنْ أَمْر الدِّين وَيَجْزِي كُلًّا مِنْكُمْ بِعَمَلِهِ
الكلام واضح ، الله انزل الكتاب وبه تشريعات ليحتكم الناس إليها ، وفي الآية السابقة يأمر الله عز وجل نبيه صلى الله عليه وسلم بأن يحكم بين الناس بما انزل الله ولا يلتفت لأهواء الناس سواء اهل الكتاب او غيرهم .
{49} وَأَنِ احْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ وَاحْذَرْهُمْ أَنْ يَفْتِنُوكَ عَنْ بَعْضِ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ إِلَيْكَ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَاعْلَمْ أَنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُصِيبَهُمْ بِبَعْضِ ذُنُوبِهِمْ وَإِنَّ كَثِيرًا مِنَ النَّاسِ لَفَاسِقُونَ
تأكيد مرة اخرى على الحكم بما انزل الله والتحذير من متابعة اي احد على التهاون او الانحراف عن مجرد بعض ما انزل الله
{50} أَفَحُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ حُكْمًا لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ
وهنا يسمي الله عز وجل التحاكم لغير الشرع بحكم الجاهلية . ومن احسن من الله حكما لقوم يوقنون ؟ لو كانوا يوقنون ان هذا هو شرع الله فلن يكون عندهم حكما افضل منه ، وإلا تنتفي عنهم صفة اليقين.
وقال تعالى في سورة البقرة:
{213} كَانَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً فَبَعَثَ اللَّهُ النَّبِيِّينَ مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ وَأَنْزَلَ مَعَهُمُ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ لِيَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ فِيمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ وَمَا اخْتَلَفَ فِيهِ إِلَّا الَّذِينَ أُوتُوهُ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَتْهُمُ الْبَيِّنَاتُ بَغْيًا بَيْنَهُمْ فَهَدَى اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا لِمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ مِنَ الْحَقِّ بِإِذْنِهِ وَاللَّهُ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ
سؤال :
لماذا انزل الله مع الكتب مع النبيين ؟
الاجابة:
ليحكم بين الناس فيما اختلفوا فيه
فهل بعد هذا يسوغ لنا ان نترك احكام الشرع جانبا بأي حجة ؟
واخيرا بشرى للكارهين لأحكام الشرع :
{8} وَالَّذِينَ كَفَرُوا فَتَعْسًا لَهُمْ وَأَضَلَّ أَعْمَالَهُمْ
{9} ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَرِهُوا مَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأَحْبَطَ أَعْمَالَهُمْ (سورة محمد)
اقتران بين الكفر وكراهية ما انزل الله .
ونعوذ بالله من الخذلان
-
بسم الله الرحمن الرحيم
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
صدقت والله يا دكتور
وما اجمل الفاروق عمر
وما اجمل حزمه
رحمه الله ورضي عنه وارضاه