تحريفات و كذبات !
ذكر الحريري ص 37 أن أبا طالب (( ألح )) على سيدنا محمد أن يعمل عند خديجة رضي الله عنها .. ثم أعجبت السيدة خديجة بسيدنا محمد صلى الله عليه وسلم وعرضت عليه الزواج , ولا نعلم من أين أتى بهذا ( الفتي و الفشر ) !
بل ويبالغ الحريري في ذكر تأثير أبي طالب على سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم ص38 معبراً عنه بـ " المخطط الذي يتنفذ على يد أبي طالب وخديجة .. ولم تبخل علينا كتب السير والأخبار فيما كان عليه القس والعم والزوج , لقد كان لكل منهم دوره فيما دبّر الله على أيديهم " .
حسناً لقد طلب منا الرجوع إلى كتب السير والأخبار , خاصة " السيرة الحلبية " التى نقل منها , ومع تحفظنا على صحة ما فى هذه السيرة أصلا إلا أننا سوف نبين ما جاء فيها لنبين للقارئ أنه حتى ما إدعاه الحريري ليس له وجود إلا فى خياله العفن , فيمكننا بكل بساطة أن نرفض ما إدعاه لأن الراوية باطلة وليست حجة , إلا أننا سوف نتماشى معه لكى نظهر الأمر بجلاء .
جاء في السيرة الحلبية 1 / 226 التى يستدل بها الحريري مع تحفظنا على صحة هذه الرواية ما نصه : " أن خديجة رضي الله تعالى عنها قالت للنبي صلى الله عليه وسلم : إذهب إلى عمك فقل له تعجل إلينا بالغداة فلما جاءها معه رسول الله صلى الله عليه وسلم قالت له : يا أبا طالب تدخل على عمي فكلمه يزوجني من ابن أخيك محمد بن عبد الله فقال أبو طالب : يا خديجة لا تستهزئى , فقالت : هذا صنع الله , فقام فذهب وجاء مع عشرة من قومه إلى عمها .. وخطب أبو طالب يومئذ فقال : الحمد لله الذي جعلنا من ذرية إبراهيم وزرع إسماعيل وضئضىء معد أي معدنه وعنصر مضر أي أصله وجعلنا حضنة بيته أي المتكفلين بشأنه وسواس حرمه أي القائمين بخدمته وجعله لنا بيتا محجوجا وحرما آمنا وجعلنا حكام الناس ثم إن ابن أخي هذا محمد بن عبد الله لا يوزن به رجل إلا رجح به شرفا ونبلا وفضلا وعقلا وإن كان في المال قل فإن المال ظل زائل وأمر حائل وعارية مسترجعة وهو والله بعد هذا له نبأ عظيم وخطر جليل وقد خطب إليكم رغبة في كريمتكم خديجة وقد بذل لها من الصداق ما عاجله وآجله إثنتي عشرة أوقية ونشا أي وهو عشرون درهما والأوقية أربعون درهماً .... وعند ذلك قال عمها عمرو بن أسد : هو الفحل لا يقدع كلاهما وأنكحها منه , وقيل قائل ذلك ورقة بن نوفل , أي فإنه بعد أن خطب أبو طالب بما تقدم خطب ورقة فقال : الحمد لله الذي جعلنا كما ذكرت وفضلنا على ما عددت فنحن سادة العرب وقادتها وأنتم أهل ذلك كله لا ينكر العرب فضلكم ولا يرد أحد من الناس فخركم وشرفكم ورغبتنا في الاتصال بحبلكم وشرفكم فاشهدوا على معاشر قريش إني قد زوجت خديجة بنت خويلد من محمد بن عبد الله وذكر المهر فقال أبو طالب : قد أحببت أن يشركك عمها فقال عمها : إشهدوا علي معاشر قريش أني قد أنكحت محمد بن عبد الله خديجة بنت خويلد وأولم عليها صلى الله عليه وسلم نحر جزورًا ".
ها قد رجعنا يا حضرة المهرطق فقل لنا ما عندك ؟!
يقول الحريري ص38: " وعندما بلغت الساعة الحاسمة أرسلت خديجة إلى أعمامها فحضروا وأرسل محمد إلى أعمامه فحضروا ... وخطب ولي أمره أبو طالب وقال : ... وخطب القس ورقة ولي أمر خديجة وقال: الحمد لله الذي جعلنا كما ذكرت ، وفضّلنا على ما عددت فنحن سادة العرب وقادتها . وأنتم أهل ذلك كله لا ينكر العرب فضلكم فاشهدوا عليّ يا معشر قريش. إني زوجت خديجة بنت خويلد من محمد بن عبد الله . وفرح أبو طالب فرحاً شديداً وقال : الحمد لله ... وهو بعد هذا ( الزواج ) له نبأ عظيم وشأن خطير ".
فلنقارن الأن بين ما قاله الحريري المحرف و بين ما جاء فى الرواية الضعيفة التى جاءت فى " السيرة الحلبية " و زعم أنها مصدره فى هامش كتابه والتى نقلناها بالأعلى :
1- ورد في السيرة أن أبا طالب قال لخديجة لما أخبرته بعزمها الزواج من سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم : " يا خديجة لا تستهزئي ". أي أنه لم يكن من ( المخططين ) لهذا الزواج كما زعم الحريري .
2- ورد في السيرة قبل هذه الفقرة ذكر للوسطاء بين السيدة خديجة وسيدنا محمد صلى اللله عليه وسلم لإقناعه بالزواج ومنهم نفيسة بنت منية وغلامها ميسرة وغيرهما ولم أجد في أي مرجع من مراجع السيرة ذكر للوسيط ورقة !
3- إدعاؤه بأن ورقة هو ولي أمر خديجة وهذا ما تنفيه كل كتب السيرة , إذ كيف يكون ورقة ولي أمرها وعمها موجود ؟!
4- الذي يؤكد ذلك أن أبا طالب رفض حديث ورقة ( الذي تكلم بصفته عضو في الوفد ليس أكثر ) والدليل على إستياء أبي طالب من حديث ورقة قوله بعد أن أنهى ورقة حديثه: " قد أحببت أن يشركك عمها " ولهذا لم يتم عقد الزواج إلا بعد موافقة عمها الصريحة.
5- إشتراط موافقة ولي أمر خديجة ( عمها ) والمهر دليل على أن الزواج لم يكن حسب شريعة النصارى كما زعم الحريري .
6- لاحظوا النص الذي ذكره ( أرسلت خديجة إلى أعمامها فحضروا ) وورقة ليس من أعمامها بل لم يُذكر ( رغم حضوره مع الوفد ) لأن وجوده كان أقل أهمية من وجودهم .
7- ليس لورقة كل تلك القداسة والهالة والإحترام لدى قريش بل ولدى أقاربه وهذا مهم كما سيمر معنا قريباً .
8- أخفى الحريري بخبث شديد وخيانة علمية منقطعة النظير قول ورقة: " ولا يرد أحد من الناس فخركم وشرفكم ورغبتنا في الاتصال بحبلكم وشرفكم "... بل حوّر الكلام بحيث يصبح الشرف والمكانة لورقة وأهله أسمى مما لبني هاشم كما هو متواتر في التاريخ .
9- كما حذف إعتراض أبي طالب على حديث ورقة.. فكيف دبرا أمر الزواج إذاً ؟! ولماذا حذفه ؟! نعم ... لكى يروج لما يريد ترويجه من ضلالة وبهتان !
10 - وأخبث عبارة قالها الحريري كانت في نهاية الفقرة حين قال : " بعد هذا ( الزواج ) له نبأ عظيم وشأن خطير " من أين جاء بكلمة ( الزواج ) ؟ ! الراوية ليس بها هذا اللفظ , فهو قام بإقحام هذه الكلمة لكي يروج لما يريد ترويجه من حقد وبغض لنبي الإسلام عليه الصلاة و السلام !
11- لقد ظن الحريري المهرطق الذي يجهل تعابير العربية أن ( بعد ) معناها ( الأمر التالي ) ولكن المعنى الصحيح هو ( فوق ) لأن أبا طالب كان يذكر ذلك أثناء إفتخاره بنسب وبأخلاق محمد صلى الله عليه و سلم ... أي محمد صلى الله عليه و سلم فوق كل ذلك , فله كذا وكذا من الصفات .
12- لاحظوا تلك الخباثة المنقطعة النظير : لقد جعل عبارة " بعد هذا ( الزواج ) له نبأ عظيم وشأن خطير " في آخر خطبة أبي طالب مع أنها كانت في وسطها كما جاء في السيرة الحلبية !
كل هذا التحريف و التخريف و التزيف أحدثه فى راوية واحدة , و الراوية أصلا ضعيفة و ليست حجة للعلم أو العمل !
لكن الصدور الحاقدة , تبث سمومها , وتنشر خبثها , وتطعن بمكرها , وفي النهاية تموت بغيظها , وتُفضح بجهلها , ويُكشف غباءها !
ويمضي المهرطق في خيالاته وأوهامه قائلا : " يلاحظ ثانية أن القس لم يكن حاضراً حفلة الزواج ومتقدمًا على الحاضرين وحسب بل كان محتفلا بالعقد ومكللا فهو الذي أبرم العقد وشهد عليه وأعلن على الحضور ما جرى هو المحتفل الأول بالعقد أو قل هو الكاهن الذي ربط باسم الله ما لا يحل إنسان بحسب تعاليم الإبيونيين كاهن نصراني يبارك الزواج فعلى أي دين يكون الزوجان إذن ؟ "
و الأن لنحلل ما ادعاه هذا المهرطق :
1- هل التكليل أو الإكليل كان في بيت خديجة أم في الكنيسة على فرض صحة الرواية ؟! , المعروف أن النصارى يقيمون الإكليل فى الكنيسة لا فى البيوت و لا يعد الإكليل صحيحًا إلا إذا أقيم فى الكنيسة , فعلى أى دين كان الزواج إذًا يا حريري يا مهرطق ؟ !
2- لماذا أصر أبو طالب أن يصدر الموافقة على الزواج من عم خديجة ؟ !
3- لا يوجد في كلام ورقة أي حرف يدل على النصرانية .. وأين اختفت عبارات التكليل المعروفة عند إقامة الإكليل فى الكنائس ؟ !
4- هل المهر والصداق المتقدم والمتأخر موجود عند النصارى يا حريري ؟!
5- هل سأل الكاهن المكلل الحاضرين : من له اعتراض على الزواج فليتكلم ، أو ليصمت إلى الأبد كما يحدث فى كنائسكم ؟ !
يبدو أن الحريرى قسيس فاشل لا يعرف عن دينه شيئًا !
يقول الحريري المهرطق ص41 : " مهما كان جريئاً لا يخطر بباله وهو الخادم أن يتزوج من سيدته التي أشفقت عليه واستخدمته في تجارتها وقد كان قومها قد طلبوها للنكاح قبل ذلك ورفضت وذكروا لها الأموال فلم تقبل . لن يكون لمحمد ( صلى الله عليه و سلم ) ذلك لولا دافع دبر له المناسب . ومن يكون هذا الدافع غير القس ؟ فلولا ذاك القس لما كان ما كان ، ومتى أراد القس شيئاً كان "
و لبيان ما فى هذا الكلام من كذب و تزوير نقول :
1- ناقض الحريري نفسه ( كعادته المضحكة ) , ألم يزعم هو أن السيدة خديجة هى التى عرضت على النبى صلى الله عليه الزواج و ذلك حين قال ص 37( .... ثم أعجبت السيدة خديجة بسيدنا محمد صلى الله عليه وسلم وعرضت عليه الزواج ) ولقد ذكر أيضًا أن السيدة خديجة أرسلت نفيسة لكى تتوسط لها للزواج من النبي صلى الله عليه و سلم , وها هو الأن يزعم أن النبي صلى الله عليه و سلم هو الذى طمح فى أن يتزوج من السيدة خديجة بتدبير من ورقة !
إن هذه الأقوال المتناقضة توجب على صاحبها أن يتوجه إلى أقرب مستشفى للمجانين !
2- رفض السيدة خديجة الزواج من قومها الأغنياء هو رفض طبيعي , لأنها كانت غنية ولا تريد المال, بل كانت تريد الصدق والطهارة والعفة ومكارم الأخلاق , وهذا ما وجدته في سيد الخلق محمد صلى الله عليه وسلم , فماذا فى هذا يا من لا تعرفون شيئًا عن الشرف و الكرامة و مكارم الأخلاق , يا من تتقربون إلى الله بسب أنبيائه وطعنهم بالزنا وشرب الخمر يا أصحاب العقول الفاسدة ؟ !
3- عبارة الحريري : ( وهو الخادم و هى سيدته ) ... من قال أنه الخادم وهي السيدة ؟ !
بل كان وكيل أعمالها .. مديرًا في شركتها ( بحسب تعبيرنا ) , ولا تجد رواية واحدة فى كتب السيرة زعمت أن النبي صلى الله عليه و سلم كان خادمًا لها , بل كان وكيل أعمالها و أمينًا على أموالها كما كان يوسف عليه السلام أمينًا على الأرض عند عزيز مصر ,وكما كان موسى عليه السلام يقوم بأعمال السقاية للرجل الصالح فى أرض مدين .
وننتقل الأن إلى تناقض مضحك أخر , فالحريري يلقى الإفتراء ثم يوقع نفسه فى تناقض يرد به على الإفتراء الذى ألفه هو , فالغبى عدو نفسه عداوة شديدة ويُظهر للناس أفكاره البليدة !
يقول الحريري ص61: " القس دبر ، والزوجة نفذت ، والعم عضد ، والنبي إستسلم لإرادة الله. على هؤلاء قامت الدعوة الجديدة "
وفي ص 39 يذكر الحريري المتناقض أن أبا خديجة كان يرفض هذا الزواج فقالت له : " أما تستحي ؟ تريد أن تسفه نفسك عند قريش ؟ فلم تزل به حتى رضي"
لا نعلم بالطبع من أين جاء هذا ( الفلحوص ) بهذه الرواية !
و لكن كما أقول دائمًا إن ما يستدل به الحاقدون حتى ولو كان كذبًا إنما هو حجة عليهم وفيه ما يثبت غباءهم !
ذلك لأن الرواية التى أوردها الحريري( الفلحوص ) تدل على أن والد السيدة خديجة هو الذى كان بيده أمر الموافقة أو الرفض لا القسيس المزعوم ( ورقة ) كما زعم الحريري ( الفلحوص ) , فلماذا لم تتوجه السيدة خديجة إلى ورقة الذي يزعم الحريري أنه هو الذى دبر هذا و ذهبت إلى أبيها ؟ ! ولماذا لم تخبر أباها أن تلك إرادة ورقة سيدك وأبوك وقس كنيستك ( زعمًا ) الذى يجب أن يطاع ؟ !
نحن بصدد شخصية الكذب دأبها , و التحريف ميزتها , و التزوير شأنها , و الغباء رايتها !
لقد زعم الحريري و غيره أن ورقة كان قسيسًا و كان رئيس كنيسة بمكة !
و من هنا نطرح هذه التساؤلات الفطرية :
1- أين نجد السيرة الذاتية لورقة في كتب النصارى القديمة ؟!
2- من أين أتى ( الفلحوص ) بدعوى أنه كان في مكة نصارى وكنيسة بينما أجمعت كتب التاريخ على أن أهل مكة كانوا وثنيين يعبدون الأصنام وقد أعرضوا عن إعتناق النصرانية لتنافرها مع العقل والفطرة السليمة، كما وأنهم أعرضوا عن اليهودية , بل إن كتاب النصارى يصف عرب الجاهلية بالأمة الغبية كما في سفر التثنية الإصحاح 32 " 21 هم أغاروني بما ليس إلهًا أغاظوني بأباطيلهم. فأنا أغيرهم بما ليس شعبًا. بأمة غبية أغيظهم." !
3- أين نجد أسماء باباوات كنيسة مكة المزعومة قبل ورقة ؟ !
إن الحريري وأمثاله من المهرطقين قد أصابهم الإسلام العظيم بقذائف ماحية جعلتهم كالحيارى فى أمرهم , فقذفوا الإسلام بكل ما هو ساذج , فكان فى كل ما يستدلون به دليل على غبائهم !
يقول الحريري ص 54: " القس ( يعنى ورقة ) قدير على كل شىء في كل حال "
إذًا القس ورقة ( زعمًا ) قادر على فعل أى شئ , والأن لنرى هذا التناقض الفاضح والكذب الواضح , إذ يقول الحريري ص40 " ونلاحظ .. كيفية زواج والد محمد المدعو عبد الله (؟) .. وقد عرضت رقية أخت القس ورقة نفسها عليه .. إلا أنها لم توفق بالزواج من عبد الله "
و مع تحفظنا أيضًا على صحة ما قيل نسأل :
إذا كان ورقة قادر على كل شئ و هو المدبر لكل شئ فكيف عجز عن تزويج أخته لعبد الله أبو النبي صلى الله عليه و سلم ؟ !
هل هذا هو ورقة الذي إذا أراد شيئاً كان ؟!
ما هذا التناقض الفاضح ؟!
يتبع ............