1 مرفق
الإرتجاف الكوني . '' حميد الناوبلسي ''
الإرتجاف الكوني . '' حميد الناوبلسي ''
عندما يتجرأ فجرة بني آدم على عظمة الرب سبحانه بالقولة التي تمس قداسته '' إتخذ الرحمن ولدا '' يجتمع الكون برمته ويتوحد في إشتراكه لرسم مشهد الإرتجاف والزلزلة في محاولة للعودة بالحياة كلها إلى التوحيد والقاعدة التي تأسست وقامت عليها .
ولتتكشف تلك القواعد للنظرة الإنسانية القصيرة ، تتأجج السماء و ترتجف حافاتها في غضبة مهولة تنطق بحركات صماء عن كل صرخة من صرخات الضالين عن الفطرة الكونية ، وتتفجر نجومها وتلقي بشيئ من غلافها في الفضاء معبرة عن إسخاطها وإنتفاضها لبارئها ، كما تشترك الأرض مركز الحدث في تلك الغضبة بإحداث الضربة الزلزالية و الهزة التي تنتشر معها الشقوق في كل أرجائها ، وتقوم بتمزيق نفسها وتهتز جبالها و تتصدع ملقية بمقذوفاتها الثقيلة في كل مكان إجلالا وتعظيما وتعبيرا عن غيرتها للذات الإلهية الطيبة المقدسة .
( تكاد السماوات يتفطرن منه وتنشق الأرض وتخر الجبال هدا أن دعوا للرحمن ولدا )
إن إسخاط الكون وغضبه و تلك الإنتفاضة لتقوم من أجل توجيه إشعار واحد و إصدار بيان واضح ، وهو توحيد الله الذي هو قانونه الكلي في الكون و سبب للوجود الكبير وللوجود الإنساني ، وأن إدعاء الولد لله لا يصلح لأنه لا كفء له من خلقه وليس في حاجة لذلك ولا يليق به لجلاله .
.
و لتغيير التصور الشركي الضار وإخراج مدعيه من الحمأة الوبيئة و المستنقع الآسن يأتي التأكيد على أن عيسى إبن مريم وأمه ما هما إلا عبدين من عباد الله و أنهما سيأتيان الرحمان مع الآتين كعبيد خاضعين له و لتذبيره ومشيئته المطلقة .
( إن كل من في السماوات والأرض إلا آتي الرحمن عبدا . لقد أحصاهم وعدهم عدا. وكلهم آتيه يوم القيامة فردا )
لا فرصة لمن نسب لله الولد من الهروب أو النسيان فلقد عدهم وعد كل خلقه قبل خلقهم ، وكل فرد منهم سيحاسب محاسبة إنسان وحيد حيث لا جماعة ولا تلة ، ويجازى حسب عمله ، فيكرم من عاش على منهاج الله و يعاقب من عمي و صم عن النداء العلوي الجليل الذي يدعو إلى توحيد الإله العظيم .
(إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات سيجعل لهم الرحمن ودا )
إن نتاج العمل الصالح والعيش في واقع من النظافة والجمال هو روح طيبة يحبها الكل ، والمكافأة هي الود الذي يجعله لها الله في قلوب الآخرين ، فمن حُبّهِ سبحانه لها تستقي الأكوان السبع لتؤتي ثمار المودة لتك الروح المؤمنة الطيبة التي هي لب الوجود وخلاصته .