أمّة الإجابة أم أمّة التبليغ ؟
1ـ كلمة " أمّة محمد " تستعمل ويراد بها أمّة الإجابة لدعوته صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أي يراد بها الذين آمنوا بالله ورسوله والكتاب الذي أنزل على رسوله، والكتب التي أنزلت من قبل فورثت هدى الجميع .
وهذه الأمّة توحّدت في الأرض يوم وحّدت ربّها في السماء، وقد حفظها الله من الاختلاف الذي ابتليت به الأمم السابقة ...
يقول الله تعالى:
[تِلْكَ الرُّسُلُ فَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ مِّنْهُم مَّن كَلَّمَ اللّهُ وَرَفَعَ بَعْضَهُمْ دَرَجَاتٍ وَآتَيْنَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ الْبَيِّنَاتِ وَأَيَّدْنَاهُ بِرُوحِ الْقُدُسِ وَلَوْ شَاء اللّهُ مَا اقْتَتَلَ الَّذِينَ مِن بَعْدِهِم مِّن بَعْدِ مَا جَاءتْهُمُ الْبَيِّنَاتُ وَلَـكِنِ اخْتَلَفُواْ فَمِنْهُم مَّنْ آمَنَ وَمِنْهُم مَّن كَفَرَ وَلَوْ شَاء اللّهُ مَا اقْتَتَلُواْ وَلَـكِنَّ اللّهَ يَفْعَلُ مَا يُرِيدُ{253}] البقرة 253.
هذه أمة محمد صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ التي استجابت والخلافات فيها لا تخرج من الدين ولا توصل للنار .
2ـ أمّا أمّة التبليغ فحجمهاحجم كل البشر الذين أرسل الله إليهم محمداَ ، ومحمد صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قد بعثه الله لكلّ العالمين، هي أمّة محمد صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أيضاَ لأن الله أوجب علينا أن نبلغهم دعوته ، ولكنّهم رفضوا دعوته واختلفوا ثلاثاَ وسبعين فرقة ، والمراد من العدد الكثرة والمبالغة . وليس العدد الحسابي ، وهذا موجود في اللغة والقرآن الكريم .
وقد سميت هذه الأمة بمجتمع الإيِّات ـ جمع إيَّة ـ" أعنى يهوديّة، نصرانية ، شيوعيّة ، وجوديّة ، بهائيّة ، قديانيّة ، ألف " إيّة " تختلف فيما بينها وتتفق على عدائها للإسلام، بهذا نفهم أن أمّة الإجابة ناجية.
وأمّة الإجابة الناجية ثلاث طوائف حددهم القرآن .
الطائفة الأولى المهاجرون :
جاء هذا في سورة الحشر، يقول الله سبحانه وتعالى:
[ لِلْفُقَرَاء الْمُهَاجِرِينَ الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِن دِيارِهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ يَبْتَغُونَ فَضْلاً مِّنَ اللَّهِ وَرِضْوَاناً وَيَنصُرُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُوْلَئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ{8}] الحشر: 8 .
وجاء بعدهم الفرقة الناجية الثانية إنهم الأنصار .وختمت الآية الكريمة بقولة تعالى:
[وَالَّذِينَ تَبَوَّؤُوا الدَّارَ وَالْإِيمَانَ مِن قَبْلِهِمْ يُحِبُّونَ مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِمْ وَلَا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حَاجَةً مِّمَّا أُوتُوا وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ وَمَن يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ{9}] الحشر:9.
بقى الذين جاءوا من بعدهم.. يقول سبحانه وتعالى:
[وَالَّذِينَ جَاؤُوا مِن بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْإِيمَانِ وَلَا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلّاً لِّلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَؤُوفٌ رَّحِيمٌ{10}] الحشر: 10 .
ثم جاء في الآية التي بعدها الحديث عن النفاق..
يقول سبحانه وتعالى:
[ أَلَمْ تَر إِلَى الَّذِينَ نَافَقُوا يَقُولُونَ لِإِخْوَانِهِمُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَئِنْ أُخْرِجْتُمْ لَنَخْرُجَنَّ مَعَكُمْ وَلَا نُطِيعُ فِيكُمْ أَحَداً أَبَداً وَإِن قُوتِلْتُمْ لَنَنصُرَنَّكُمْ وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ{11}]. الحشر:11.
وآخر الآية [ وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ] ...فالذي ليس مهاجراَ ولا أنصارياَ فليكن محباَ لهم . وليحذر من النفاق والترتيب نفسه جاء في سورة التوبة.. يقول سبحانه وتعالى:
[ وَالسَّابِقُونَ الأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالأَنصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُم بِإِحْسَانٍ رَّضِيَ اللّهُ عَنْهُمْ وَرَضُواْ عَنْهُ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَداً ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ{100}] التوبة:100...ثم بعد ذلك تكلّم عن المنافقين:
[ وَمِمَّنْ حَوْلَكُم مِّنَ الأَعْرَابِ مُنَافِقُونَ وَمِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ مَرَدُواْ عَلَى النِّفَاقِ لاَ تَعْلَمُهُمْ نَحْنُ نَعْلَمُهُمْ سَنُعَذِّبُهُم مَّرَّتَيْنِ ثُمَّ يُرَدُّونَ إِلَى عَذَابٍ عَظِيمٍ{101}] التوبة :101
إلى هنا ينتهي كلام القرآن عن الطوائف الثلاث في السورتين، ومجموع آيات القرآن، يكمّل بعضها بعضاَ ويفسره .
وفي سورة الأنفال اثبت القرآن أن هؤلاء الطوائف الثلاثة هم المؤمنون حقاَ.يقول سبحانه وتعالى:
[وَالَّذِينَ آمَنُواْ وَهَاجَرُواْ وَجَاهَدُواْ فِي سَبِيلِ اللّهِ وَالَّذِينَ آوَواْ وَّنَصَرُواْ أُولَـئِكَ هُمُ الْمُؤْمِنُونَ حَقّاً لَّهُم مَّغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ{74}] الأنفال :74 ..
فماذا بعد في الآيات الكريمات ؟..
في سورة الحشر بعد أن تكلّم سبحانه وتعالى عن المهاجرين والأنصار والذين اتبعوهم بإحسان أتبع الحديث عنهم بالحديث عن المنافقين:[ أَلَمْ تَر إِلَى الَّذِينَ نَافَقُوا] الحشر11 .
والترتيب نفسه للآيات في سورة التوبة، فبعد أن تحدّث القرآن الكريم عن السابقين الأولين من المهاجرين والأنصار والذين اتبعوهم بإحسان وعن قوله تعالى رضي الله عنهم وتكلم وعن رضاهم عنه آية 100التوبة ، تكلّم أيضاً بعد ذلك عن المنافقين:
قال عنهم:[ وَمِمَّنْ حَوْلَكُم مِّنَ الأَعْرَابِ مُنَافِقُونَ ]التوبة 101 .
فسفينة النجاة في القرآن قاصرة على الطوائف الثلاثة، وبعدهم يأتي الحديث عن النفاق..
1ـ المهاجرون..قال عنهم:[ أُوْلَئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ]..
2ـ الأنصار.. قال عنهم:[ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ] ..
3ـ التابعون لهم بإحسان..قال الله عنهم:[ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُم بِإِحْسَانٍ] التوبة :100 إلى يوم الدين شهد القرآن بتبعيتّهم للناجين.
والقرآن الكريم يتحدث عن الفئة الثالثة في سورة الأنفال فيقول:
[ وَالَّذِينَ آمَنُواْ مِن بَعْدُ وَهَاجَرُواْ وَجَاهَدُواْ مَعَكُمْ فَأُوْلَـئِكَ مِنكُمْ وَأُوْلُواْ الأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ فِي كِتَابِ اللّهِ إِنَّ اللّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ{75}]الأنفال 75 ..
فالناجون ثلاثة، لا أعرف في سفينة القرآن مكاناَ لغيرهم فكن معهم.
وقال تعالى عنهم جميعاً:
[ رَّضِيَ اللّهُ عَنْهُمْ وَرَضُواْ عَنْهُ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَداً ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ{100}] التوبة:100 .
فمن أحب قوماَ حشر معهم. فمع أيّ جماعة من الثلاثة كنت فأنت ناجي .