تك 2:2 (واستراح في اليوم السابع) و هزيمتي (بالخديعة) أمام (صديقي) اليهودي في المناظرة
بعد صلاة الفجر كعادتي أدخل البالتوك ، وأعلق اسمي بالغرف الاسلامية ولم أعد أشارك في حوارات منذ زمن إلا نادراً جداً ، دخل عليَّ (صديقي) اليهودي يكلمني على الخاص ، يسألني بعض الأسئلة في القرءان وكعادتي لا أناقشه في دينه ولا أسأله عنه إلا نادراً جداً لأنني أحب أن يكون كل كلامنا عن الإسلام ليتعرف عليه جيداً، وكعادته ينتهي حوارنا بعبارته الشهيرة "أنا لا أقتنع ، القرءان غير منطقي" لكن هذه المرة أضاف "التوراة كتاب منطقي وأنا مقتنعٌ به" وسألني "هل عندك تساؤل حول التوراة" فكان جوابي "عندي الكثير من الملاحظات والاعتراضات على كثير من نصوص التوراة" فبادرني بضحكة سخرية وقال لي "إعطني مثالاً واحداً ، أنت تحاول أنت تغطي على عدم منطقية القرءان بقولك هذا" فقلت له "هناك من المشاكل ما يتعلق بالعقيدة ومنها ما يتعلق بما جاءت به التوراة من عنصرية ضد الأمم الأخرى وغيرها" فأراد أن يوجهني بعيداً عن العنصرية لأنها أوضح من الشمس ولا تحتاج لحوار ومناظرة ، فقال "إعطني مثالاً على الإشكالات العقدية" ، فسألته عن نص من النصوص فأجاب إجابة خاطفة لا تسمن ولا تغني من جوع ، ثم قال "هل من أسئلة أخرى؟" قلت "عندي الكثير دعني أجهز لك تساؤلاتي فلست مستعداً لأي حوار توراتي الآن ولا يحضرني شيء" فضحك ضحكة السخرية المعتادة فما كان بي إلا أن قلت له "لماذا يستريح الرب في اليوم السابع ؟" قال لي "من قال أن الله استراح ؟ ، هذه هي ترجمة النصارى الذين شوهوا الكتاب" فقلت "هل نص بريشيت (التكوين) 2 : 2 لا يعني الاستراحة" فقال لي "ما معنى الاستراحة أليست من المصدر نوَح؟" قلت له "نعم ، قد قرأت أمثلة على هذا المصدر في أكثر من موضع في الكتاب وضربت له مثالاُ بنص اشعياء 28: 12" فكان جوابه "ها هو النص العبري لبريشيت (التكوين) 2 : 2 لا يستخدم المصدر نوَح ولكنه يقول ويشبت (vay-yeshvot) وهي لا تعني الاستراحة ولكن تعني السكون والعطلة" فأحسست بانهزام ، فها هو قد غلبني ، لكنني أجبته وقلت "أنا على يقين أنها كانت تعني استراح ، فهناك حديث يروي لنا أن اليهود قالوا للنبي عليه الصلاة والسلام أن الله استراح وفيه نزلت آية قرءانية وسُقت له الحديث والآية" فضحك ضحكة السخرية المعتادة وقال "نبيكم طعن في اليهود في القرءان حتى يقنع الناس أن الاسلام هو فقط الدين الذي جاء بالتوحيد ، وبهذا قد افترى على اليهودية فمرة يقول أن اليهود قالوا عزير بن الله ، ومرة يقول أنهم يقولون أن الله استراح ، وغيرها" فقلت له "لا تفرع النقاش ، دعنا في الاستراحة الآن ولكن أمهلني يوماً أراجع كلامك وأرد عليك فأنا لا أملك رداً الآن وأحتاج لمراجعة الكتب" فبادرني بالسخرية وقال "تعلَّم ثم ناقش ، أنت لا تعلم شيئاً في اليهودية فلماذا تلقي التهم بدون علم....إلخ " فلم استطع الرد عليه للأسف ، وانتهى الحوار وأحسست بمرارة شديدة ، وكدت أن أستسلم لهذا بل وجاءني الشيطان ليسبطني ويقول لي دعك من هذه الأمور وهذه الدراسات فأنت لست أهلاً لها ، هاءنت من أول سؤال قد هُزمت وبدأ يلقي شكوكه عليَّ ، ولكني استعذت بالله وقلت لنفسي "أنت لا تعلم إلا في النقد ولم تدرس إلا عنه ومن البدهي أن يغلبك اليهودي في حوار عن معاني النصوص لأنك لم تتعود على الحوار في هذه الأمور مباشرة على المايك" ثم جلست مع نفسي وبدأت بفتح الكتب اليهودية (كتب التفسير والترجومات والمدراش والتلمود وغيرها) واستغرق بحثي ما يقرب من ساعة ، وبعد إنتهائي من البحث أحسست بغيظ شديد وكان سببه هو النتيجة التي توصلت إليها وهي ما وضعتها بين أيديكم حتى يستفيد منه غيري ولا يقع في مثل ما وقعت فيه من فخ خاصة في حواره مع اليهود.
أما عن الحديث الذي سقته إليه كان :
عن بن عباس رضي الله عنه : أن اليهود أتت النبي صلى الله عليه وسلم فسألته عن خلق السماوات والأرض فقال : خلق الله الأرض يوم الأحد والإثنين ، وخلق الجبال يوم الثلاثاء وما فيهن من منافع ، وخلق يوم الأربعاء الشجر والماء والمدائن والعمران والخراب ، فهذه أربعة ، [ ثم ] قال : قل أئنكم لتكفرون بالذي خلق الأرض في يومين وتجعلون له أندادا ذلك رب العالمين * وجعل فيها رواسي من فوقها وبارك فيها وقدر فيها أقواتها في أربعة أيام سواء للسائلين لمن سأل . قال : وخلق يوم الخميس السماء ، وخلق يوم الجمعة النجوم والشمس والقمر والملائكة ، إلى ثلاث ساعات بقيت منه ، فخلق في أول ساعة من هذه الثلاث الساعات الآجال من يحيا ومن يموت ، وفي الثانية ألقى الآفة على كل شيء مما ينتفع به الناس ، وفي الثالثة آدم وأسكنه الجنة ، وأمر إبليس بالسجود له وأخرجه منها في آخر ساعة ، ثم قالت اليهود : ثم ماذا يا محمد ؟ قال : ثم استوى على العرش ، قالوا : قد أصبت لو أتممت ، قالوا : ثم استراح ، فغضب النبي صلى الله عليه وسلم غضبا شديدا ، فنزل : ولقد خلقنا السماوات والأرض وما بينهما في ستة أيام وما مسنا من لغوب * فاصبر على ما يقولون
هذا الحديث وهو الذي ارتكزت عليه في اعتقادي أثناء الحوار بأن القول بالاستراحة قد قالته اليهود في زمن النبي عليه الصلاة والسلام صححه بن جرير في تاريخه ولكن ضعفه غيره من أهل العلم (قال الإمام الذهبي في العلو (1/95) : صححه الحاكم وأني ذلك والبقال قد ضعفه بن معين والنسائي ، وقد ضعفه شيخ الاسلام بن القيم في معارج القبول (1/149) )
وقد روي أن النبي صلى الله عليه وسلم سمع يهوديا يقول : إن الله خلق كذا في يوم كذا ، وكذا في يوم كذا ، ثم استراح في يوم كذا ! فقال النبي صلى الله عليه وسلم : (وما قدروا الله حق قدره) . وقد قال الشوكاني في الفتح الرباني عن هذه الرواية بأنها (ثابتة) ولا أعرف قول غيره من أهل العلم في صحتها .
ولكن لا يزال معنى الآيتين واضحاً وهو نفي التعب والاستراحة عن الله (وَلَقَدْ خَلَقْنَا السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ وَمَا مَسَّنَا مِنْ لُغُوبٍ ، فَاصْبِرْ عَلَى مَا يَقُولُونَ وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَقَبْلَ الْغُرُوبِ) سورة ق 38-39
ويتضح من الآيتين أيضاً أن هناك ممن خالطوا النبي صلى الله عليه وسلم من قال بأن الله خلق الكون في ستة أيام ثم مسه التعب فنزلت الآية لتكذيبهم ، ولا ينصرف هذا القول إلا على أهل الكتاب عامة واليهود خاصة لانهم هم الذين خالطوا النبي صلى الله عليه وسلم واحتوت كتبهم على روايات الخلق كما أنه من المعلوم أن اليهود قد قدسوا السبت وهو عندهم يوم عطلة يحرم عليهم فعل شئ فيه ، وقد ذكر النيسابوري في أسباب النزول أنها نزلت في اليهود.
أما عن النص الأساسي الذي يُستشهد به على الاستراحة والذي استخدمته في حواري هو نص التكوين 2 : 2-3
(وفرغ الله في اليوم السابع من عمله الذي عمل.فاستراح في اليوم السابع من جميع عمله الذي عمل ، وبارك الله اليوم السابع وقدسه.لانه فيه استراح من جميع عمله الذي عمل الله خالقا) – ترجمة سميث و فانديك
والكلمة العبرية المقابلة للترجمة العربية "استراح" في نص التكوين 2 : 2-3 هي וישבת (vay-yashvot) ومعناها إذا جاءت مفردة هو " تعطل ، توقف عن العمل " ولكن هناك تفصيل سيتم توضيحه في المشاركة القادمة إن شاء الله .
فهكذا قد تم خداعي في حواري المباشر على المايك مع اليهودي ، فقد ظننت أن كل النصوص التي تُرجمت بالعربية إلى استراح قد استخدمت نفس اللفظ كما أنني لم أراجع جيداً التعبير التوراتي الذي وردت فيه الكلمة لأتيقن من معناها في السياق! وبالتالي لم أتمكن من الرد عليه حينها كما بينت في البداية هنا.
ملحوظة حتى لا يلتبس الأمر على القارئ :
يتحول معنى كلمة וישבת إلى "استراح" في حالات معينة ، فهل هذا العدد تنطبق عليه هذه الحالة ؟ وهل هناك نصوص أخرىجاءت بألفاظ أخرى تبين أن كتاب اليهود يدعي أن الله استراح ؟
هذا ما سأبينه إن شاء الله في المشاركة القادمة
يُتبع ، أرجو عدم التعليق حتى الإنتهاء