أقوال أهل العلم في...(( زيارة النساء للقبور))
زيارة النساء للقبور
http://img521.imageshack.us/img521/6...2851c23pw3.gif
اختلف فيها أهل العلم على أقوال:
القول الأول:
تحريم زيارة النساء للقبور، وقد استدل القائلون بهذا القول بما قاله أبو هريرة (ت - 57هـ) رضي الله عنه:(إن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم لعن زوارات القبور)(17) .
وحديث أم عطية(18) رضي الله عنها أنها قالت: (نهينا عن اتباع الجنائز ولم يعزم علينا)(19) فالنهي يقتضي التحريم.
القول الثاني: الكراهة من غير تحريم: واستدلوا بحديث أم عطية رضي الله عنها السابق، فقولها رضي الله عنها (لم يعزم علينا) دليل على أن النهي ليس نهي تحريم.
القول الثالث:
إباحة زيارة النساء للقبور: واستدلوا بحديث المرأة التي كانت تبكي عند قبر، فأوصى الرسول صلّى الله عليه وسلّم بالتقوى والصبر الذي ورد ذكره قبل قليل، ولم ينكر عليها زيارتها للقبر.
وبحديث عائشة (ت - 58هـ) رضي الله عنها أنها سألت الرسول صلّى الله عليه وسلّم عن الذي تقوله للموتى، فقال لها قولي: السلام على أهل الديار من المؤمنين والمسلمين، وقد ورد ذكره قبل قليل.
القول الرابع: التفصيل وهو: إن كانت زيارتهن لتجديد الحزن والبكاء والنوح على ما جرت به عادتهن حرم، وإن كانت زيارتهن للاعتبار من غير نياحة كره، إلا أن تكون عجوزاً لا تشتهي فلا يكره (20) .
والقول الصحيح - والله أعلم - هو القول بالتحريم؛ وذلك لإمكان الإجابة عن أدلة الأقوال الأخرى، وبقاء الأدلة الخاصة التي تنهى النساء عن زيارة القبور.
فحديث أم عطية رضي الله عنها في قولها (لم يعزم علينا). الجواب عنه من وجهين:
الوجه الأول: أنه قد يكون مرادها لم يؤكد النهي، وهذا يقتضي التحريم، فهي نفت وصف النهي، وهو النهي المؤكد بالعزيمة، وليس ذلك شرطاً في اقتضاء التحريم، بل مجرد النهي كافٍ في ذلك.
الوجه الثاني: أن أم عطية رضي الله عنها ظنت أنه ليس بنهي تحريم فقالت ذلك باجتهادها، والحجة في قول النبي صلّى الله عليه وسلّم لا في ظن غيره.
وأما حديث المرأة التي كانت تبكي عند القبر، فليس فيه أي دلالة على جواز زيارة النساء للقبور، حيث أمرها النبي صلّى الله عليه وسلّم بالصبر، فلم تقبل أمره، فانصرف عنها، ثم إن هذا الحديث لا يُعلم تاريخه هل هو كان قبل أحاديث لعن زائرات القبور أم بعده؟
وعلى كل حال: فهذا الحديث إما أن يكون دالاً على الجواز فلا دلالة على تأخره عن أحاديث المنع.
وإما أن يكون دالاً على المنع؛ لأمرها بتقوى الله فلا دلالة فيه على الجواز.
وعلى كلا التقديرين فلا تعارض هذه الحادثة أحاديث المنع.
ومن الأجوبة على هذا الحديث أن المرأة لم تخرج للزيارة، لكنها أصيبت، ومن عظم المصيبة عليها لم تتمالك نفسها لتبقى في بيتها، ولذلك خرجت، وجعلت تبكي عند قبره، ولهذا أمرها صلّى الله عليه وسلّم أن تصبر؛ لأنه علم أنها لم تخرج للزيارة، بل خرجت لما في قلبها من عدم تحمل هذه الصدمة الكبيرة، فالحديث ليس صريحاً بأنها خرجت للزيارة، وإذا لم يكن صريحاً فلا يمكن أن يعارض الشيء الصريح بشيء غير صريح(21) .
وأما حديث عائشة (ت - 58هـ) رضي الله عنها وتعليم النبي صلّى الله عليه وسلّم إياها دعاء زيارة المقابر، فقد أجاب عنه أهل العلم بأجوبة عدة منها:
1 - أن يحمل سؤالها للرسول صلّى الله عليه وسلّم، وتعليمه إياها على ما إذا اجتازت ومرّت على المقابر في طريقها بدون قصد الزيارة، ولفظ الحديث ليس فيه تصريح بالزيارة(22)
2 - يحتمل أن يكون هذا كان على البراءة الأصلية في صدر الإسلام، قبل أن تحرم زيارة المقابر تحريماً عاماً على الرجال والنساء، ثم نسخ هذا الحكم عن الرجال دون النساء.
3 - أن هذا الحديث من خصائص عائشة(ت-58هـ)رضي الله عنها لما تحلت به من الآداب اللائقة بزيارة القبور؛ لقوة إيمانها، وعظيم صبرها، وكمال عقلها، ووفور فضلها، وقد قال الله عزّ وجل عن عموم نساء النبي صلّى الله عليه وسلّم: { يَا نِسَاء النَّبِيِّ لَسْتُنَّ كَأَحَدٍ مِّنَ النِّسَاء} [الأحزاب: 32] .
وقال عن عائشة (ت - 58هـ) رضي الله عنها: «كمل من الرجال كثير، ولم يكمل من النساء إلا مريم ابنة عمران، وآسية، وإن فضل عائشة على النساء كفضل الثريد على سائر الطعام» (23).
4 - أن يحمل السؤال من عائشة (ت - 58هـ) رضي الله عنها وجواب الرسول صلّى الله عليه وسلّم لها على أنها مبلغة عن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، ومثل هذا كثير في السنة(24)
ويبقى القول بالتحريم هو القول الصحيح؛ لأنه الموافق للنصوص الخاصة المانعة من زيارة النساء للقبور، والحكمة - والله أعلم - أن المرأة ضعيفة، ناقصة عقل ودين، وهي قليلة الصبر، كثيرة الجزع فلا تتحمل مشاهدة قبور الموتى وزيارتهم، ثم إن زيارة القبور للنساء يؤدي إلى مخالفات أخرى باطلة كالتبرج والاختلاط، وهذا محذور منهي عنه في الشريعة، وهو من كبائر الذنوب(25).
ويبقى إشكال في زيارة النساء للقبور، وهو أنه قد ورد عن النبي صلّى الله عليه وسلّم أنه لعن زوارات القبور، فهل المراد باللعن لمن كررت الزيارة، وأما التي لا تزور إلا نادراً فلا تدخل تحت اللعن والنهي، أم الأمر بخلاف ذلك؟
والجواب عن هذا الإشكال من وجوه:
http://img521.imageshack.us/img521/6...2851c23pw3.gif
الأول: أن لفظ (زُوّارات)، بضم الزاي المعجمة، وجمع هذا اللفظ: زُوار، وهو جمع: زائرة سماعاً.
الثاني: أن لفظ (زوارات) لو كان بالفتح، فتكون الصيغة دالة على النسب فمعنى زوارات القبور أي ذوات زيارة القبور، كما قال تعالى: { وَمَا رَبُّكَ بِظَلَّامٍ لِّلْعَبِيدِ} [فصلت: 46] .
الثالث: أن تصحيح حديث لعن زائرات القبور، يؤيد وينصر القول بالتحريم المطلق لزيارة النساء للقبور.
الرابع: سلمنا جدلاً على أن لفظ (زوارات) يدل على التضعيف، لكن هذا التضعيف يحمل على كثرة الفاعلين، لا على كثرة الفعل، فزوارات: يعني النساء إذا كن مائة كان فعلهن كثيراً.
والتضعيف باعتبار الفاعل موجود في اللغة العربية كما قال تعالى: { جَنَّاتِ عَدْنٍ مُّفَتَّحَةً لَّهُمُ الْأَبْوَابُ} [ص: 50] ، فلما كانت الأبواب كثيرة كان فيها التضعيف إذ الباب لا يفتح إلا مرة واحدة(26) .
وأما زيارة قبر النبي صلّى الله عليه وسلّم
http://img521.imageshack.us/img521/6...2851c23pw3.gif
- لمن هو بالمدينة من الرجال، أو قدم لزيارة مسجد الرسول صلّى الله عليه وسلّم، أو لحاجة له في المدينة ثم صلى في المسجد -: فهذا كله مشروع لا ينكر أحد مشروعيته، ومشروعيته مستمدة من الحكم العام بالاستحباب لزيارة القبور، وليس هناك حديث واحد صحيح يخصص زيارة قبر النبي صلّى الله عليه وسلّم بخاصية دون غيره من القبور، ومن زار المدينة فيستحب له أن يدخل المسجد ويقدم رجله اليمنى ويقول: «اللهم اغفر لي ذنوبي وافتح لي أبواب رحمتك» (27)، ثم يأتي الروضة الشريفة - إن أمكنه ذلك -، فيصلي ركعتي تحية المسجد في أدب وخشوع، فقد روى عبد الله بن زيد المازني(28) أن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: «ما بين منبري وبيتي روضة من رياض الجنة»(29) .
فإذا فرغ من تحية المسجد، اتجه إلى الحجرة الشريفة التي فيها قبره صلّى الله عليه وسلّم، فيستدبر القبلة، ويستقبل القبر، فيسلم على الرسول صلّى الله عليه وسلّم، ويردف ذلك بالصلاة عليه صلّى الله عليه وسلّم، وليس هناك صيغة محددة لهذا، فله أن يقول: السلام عليك يا رسول الله ورحمة الله وبركاته، السلام عليك يا نبي الله وخيرته من خلقه، السلام عليك يا سيد المرسلين، وخاتم النبيين، وقائد الغر المحجلين، أشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أنك رسول الله، وأشهد أنك قد بلغت رسالات ربك، ونصحت لأمتك، ودعوت إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة، وعبدت الله حتى أتاك اليقين: فجزاك الله أفضل ما جزى نبياً ورسولاً عن أمته.
اللهم آته الوسيلة والفضيلة، وابعثه مقاماً محموداً الذي وعدته، يغبطه الأولون والآخرون.
اللهم صل على محمد، وعلى آل محمد، كما صليت على إبراهيم، وعلى آل إبراهيم إنك حميد مجيد، اللهم بارك على محمد، وعلى آل محمد، كما باركت على آل إبراهيم إنك حميد مجيد.
اللهم احشرنا في زمرته، وتوفنا على سنته، وأوردنا حوضه، واسقنا بكأسه مشرباً روياً لا نظمأ بعده أبداً.
ثم يتأخر إلى صوب اليمين قدر ذراع اليد للسلام على أبي بكر الصديق (ت - 13هـ) رضي الله عنه، ويسلم عليه بما يحضره من الألفاظ من غير تكلف، ثم يتنحى صوب اليمين قدر ذراع للسلام على الفاروق عمر بن الخطاب (ت - 23هـ) رضي الله عنه، ويسلم عليه بما يحضره من الألفاظ من غير تكلف - أيضاً - وله أن يقول: السلام عليك يا أبا بكر، السلام عليك يا عمر الفاروق، السلام عليكما يا صاحبي رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وضجيعيه ورحمة الله وبركاته، جزاكما الله تعالى عن صحبة نبيكما وعن الإسلام خيراً، سلام عليكم بما صبرتم فنعم عقبى الدار(30) .
ويسن لمن مكث في المسجد النبوي: أن يكثر من النوافل، وذلك للأجر العظيم المترتب على هذا العمل، كما ثبت عن النبي صلّى الله عليه وسلّم أنه قال: «صلاة في مسجدي هذا أفضل من ألف صلاة فيما سواه إلا المسجد الحرام»(31).
قال ابن القيم (ت - 751هـ) رحمه الله في نونيته بعد أن بين أن شد الرحل لا يكون إلا للمساجد الثلاثة، وهو يبين الآن الزيارة الشرعية:
http://img521.imageshack.us/img521/6...2851c23pw3.gif
فإذا أتينا المسجد النبوي *** صلينا التحية أولاً ثنتان
بتمام أركان لها وخشوعها *** وحضور قلب فعل ذي الإحسان
ثم انثنينا للزيارة نقصد الـ *** ـقبر الشريف ولو على الأجفان
فنقوم دون القبر وقفة خاضع *** متذلل في السر والإعلان
وتفجرت تلك العيون بمائها *** ولطالما غاضت على الأزمان
وأتى المسلم بالسلام بهيبة *** ووقار ذي علم وذي إيمان
لم يرفع الأصوات حول ضريحه *** كلا ولم يسجد على الأذقان
كلا ولم يُر طائفاً بالقبر أسـ *** ـبوعاً كأن القبر بيت ثان
ثم انثنى بدعائه متوجها *** لله نحو البيت ذي الأركان
هذي زيارة من غدا متمسكاً *** لشريعة الإسلام والإيمان
من أفضل الأعمال هاتيك الزيا *** رة وهي يوم الحشر في الميزان
لا تلبسوا الحق الذي جاءت به *** سنن الرسول بأعظم البرهان
هذي زيارتنا ولم ننكر سوى الـ *** ـبدع المضلة يا أولي العدوان
وحديث شد الرحل نص ثابت *** يجب المصير إليه بالبرهان (32)
http://img521.imageshack.us/img521/6...2851c23pw3.gif
وقد ثبت عن النبي صلّى الله عليه وسلّم أنه كان يأتي مسجد قباء راكباً وماشياً كل سبت فيصلي فيه ركعتين(33) ، ولذلك تسن زيارة مسجد قباء والصلاة فيه لمن جاء المدينة، أو من سكنها.
أما زيارة النساء قبر النبي صلّى الله عليه وسلّم،
http://img521.imageshack.us/img521/6...2851c23pw3.gif
فقد قال بعض الحنفية باستحبابها(34) إلا أن الجمهور على المنع منها كالمنع من زيارتهن قبور غيره صلّى الله عليه وسلّم؛ لعموم الأدلة، وعدم وجود مخصص - والله أعلم -(35) .
وأما السفر لأجل زيارة القبور، فالصحيح هو تحريم إنشاء ذلك السفر؛ وذلك استناداً لقول المصطفى صلّى الله عليه وسلّم: «لا تشد الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد: المسجد الحرام، ومسجدي هذا، والمسجد الأقصى»(36) .
والله المستعان
صيد الفوائد