سلسلة إِنْ تَجْتَنِبُوا كَبَائِرَ مَا تُنْهَوْنَ عَنْهُ 3
الكبيرة التاسعة عشر شرب الخمر
قال الله تعالى " يا أيها الذين آمنوا إنما الخمر والميسر والأنصاب والأزلام رجس من عمل الشيطان فاجتنبوه لعلكم تفلحون * إنما يريد الشيطان أن يوقع بينكم العداوة والبغضاء في الخمر والميسر ويصدكم عن ذكر الله وعن الصلاة فهل أنتم منتهون "
@ فقد نهى عز و جل في هذه الآية عن الخمر و حذر منها
عذاب مهين @ و عن ابن عباس رضي الله عنهما قال لما نزل تحريم الخمر مشى الصحابة بعضهم إلى بعض و قالوا حرمت الخمر و جعلت عدلاً للشرك
@ و ذهب عبد الله بن عمرو : إلى أن الخمر أكبر الكبائر ، و هي بلا ريب أم الخبائث و قد لعن شاربها في غير حديث 1-و عن ابن عمر رضي الله عنهما قال قال رسول الله صلى الله عليه و سلم كل مسكر خمر و كل خمر حرام و من شرب الخمر في الدنيا و مات و لم يتب منها و هو مدمنها لم يشربها في الآخرة رواه مسلم ،
2- و روى مسلم عن جابر رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه و سلم إن على الله عهداً لمن شرب المسكر أن يسقيه من طينة الخبال قيل يا رسول الله و ما طينة الخبال ؟ قال عرق أهل النار أو عصارة أهل النار
3-و في الصحيحين أن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال من شرب الخمر في الدنيا يحرمها في الآخرة
4-روى النسائي من حديث ابن عمر أن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال لا يدخل الجنة عاق و لا مدمن خمر و في رواية ثلاثة قد حرم الله عليهم الجنة مدمن الخمر و العاق لوالديه ، و الديوث و هو الذي يقر السوء في أهله
@ و الخمر ما خامر العقل أي غطاه سواء كان رطباً أو يابساً أو مأكولاً أو مشروباً ،
5-عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه و سلم لا يسرق السارق حين يسرق و هو مؤمن ،و لا يزني الزاني حين يزني و هو مؤمن ، و لا يشرب الخمر حين يشربها و هو مؤمن ، و التوبة معروضة بعد أخرجه البخاري
6- و فيه عن النبي صلى الله عليه و سلم أنه قال إن رائحة الجنة لتوجد من مسيرة خمسمائة عام و لا يجد ريحها عاق و لا منان و لا مدمن خمر و لا عابد وثن
7- روى أبو داود أن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال لعنت الخمر بعينها و شاربها و ساقيها و بائعها و مبتاعها و عاصرها و معتصرها و حاملها و المحمولة إليه و آكل ثمنها
8- و رواه الإمام أحمد من حديث ابن عباس قال سمعت رسول الله صلى الله عليه و سلم يقول أتاني جبريل عليه السلام فقال يا محمد إن الله لعن الخمر و عاصرها و معتصرها و بائعها و مبتاعها و شاربها و آكل ثمنها و حاملها و المحمولة إليه و ساقيها و مستقيها
& ذكر أن الخمر لا يحل التداوي بها
1- عن أم سلمة رضي الله عنها قالت اشتكت ابنة لي فنبذت لها في كوز ، فدخل علي رسول الله صلى الله عليه و سلم و هو يغلي ، فقال ما هذا يا أم سلمة ؟ فذكرت له أني أداوي به ابنتي فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم إن الله تعالى لم يجعل شفاء أمتي فيما حرم عليها
&ذكر الآثار عن السلف في الخمر
2-قال أبو موسى يا رسول الله أفتنا في شرابين كنا نصنعهما باليمن البتع و هو من العسل ينبذ حتى يشتد ، و المزر و هو الذرة و الشعير ينبذ حتى يشتد قال و كان رسول الله صلى الله عليه و سلم قد أعطى جوامع الكلم بخواتمه ، فقال صلى الله عليه و سلم كل مسكر حرام رواه مسلم ،
3-و قال صلى الله عليه و سلم ما أسكر كثيره فقليله حرام ،
- و لم يفرق صلى الله عليه و سلم بين نوع و نوع لكونه مأكولاً أو مشروباً ، على أن الخمر قد يصطنع بها يعني الخبز ، و هذه الحشيشة قد تذاب بالماء و تشرب ، و الخمر يشرب و يؤكل و الحشيشة تشرب و تؤكل ، و إنما لم يذكرها العلماء لأنها لم تكن على عهد السلف الماضي و إنما حدثت في مجيء التتار إلى بلاد الإسلام
فوالله ما فرح إبليس بمثل فرحه بالحشيشة لأنه زينها للأنفس الخسيسة فاستحلوها و استرخصوها
ومن السلسة الصحية فى الخمر --- للالبانى
89 - " عن عائشة قالت : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : إن أول ما يكفئ - يعني الإسلام - كما يكفأ الإناء - يعني الخمر - ، فقيل : كيف يا رسول الله ، و قد بين الله فيها ما بين ؟ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : يسمونها بغير اسمها " . "السلسلة الصحيحة" 1 / 134
و للحديث شاهد صحيح بلفظ : " ليستحلن طائفة من أمتي الخمر باسم يسمونها إياه ، ( و في رواية ) : يسمونها بغير اسمها " السلسلة الصحيحة" 1 / 136 :
و له شاهد ثالث عن ابن عباس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " إن أمتي يشربون الخمر في آخر الزمان ، يسمونها بغير اسمها " . حسنة الالبانى
و له شاهد رابع يرويه عن مالك بن أبي مريم قال : دخل علينا عبد الرحمن بن غنم فتذاكرنا الطلاء ، فقال : حدثني أبو مالك الأشعري أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : " ليشربن ناس من أمتي الخمر ، يسمونها بغير اسمها " . هذا و في الحديث زيادة عن ابن ماجه و البيهقي و ابن عساكر بلفظ : " يعزف على رؤوسهم بالمعازف و المغنيات ، يخسف الله بهم الأرض ، و يجعل منهم القردة و الخنازير " .
و الحديث صحيح بكامله ،
91 - " ليكونن من أمتي أقوام يستحلون الحر و الحرير و الخمر و المعازف ، و لينزلن أقوام إلى جنب علم ، يروح عليهم بسارحة لهم ، يأتيهم لحاجة ، فيقولون : ارجع إلينا غدا ، فيبيتهم الله ، و يضع العلم ، و يمسخ آخرين قردة و خنازير إلى يوم القيامة " . "السلسلة الصحيحة" 1 / 139 :
غريب الحديث :
( الحر ) الفرج ، و المراد : الزنا . ( المعازف ) جمع معزفة و هي آلات الملاهي كما في " الفتح " .
( علم ) هو الجبل العالي .
( يروح عليهم ) بحذف الفاعل و هو الراعي بقرينة المقام ، إذ السارحة لابد لها من حافظ . ( بسارحة ) هي الماشية التي تسرح بالغداة إلى رعيها ، و تروح أي ترجع بالعشي إلى مألفها . ( يأتيهم لحاجة ) بيانه في رواية الإسماعيلي في " مستخرجه على الصحيح " : " يأتيهم طالب حاجة " . ( فيبيتهم الله ) أي يهلكهم ليلا . ( و يضع العلم ) أي يوقعه عليهم .
فقه الأحاديث :
يستفاد من الأحاديث المتقدمة فوائد هامة نذكر بعضها :
أولا : تحريم الخمر ، و هذا أمر مجمع عليه بين المسلمين و الحمد لله ، غير أن طائفة منهم - و فيهم بعض المتبوعين - خصوا التحريم بما كان من عصير العنب خاصة ! و أما ما سوى ذلك من المشروبات المسكرة ، مثل ( السكر ) و هو نقيع التمر إذا غلى بغير طبخ ، و ( الجعة ) و هو نبيذ الشعير ، و ( السكركة ) و هو خمر الحبشة من الذرة ، فذلك كله حلال عندهم إلا المقدار الذي يسكر منه ،
و أما القليل منه فحلال ! بخلاف خمر العنب فقليله ككثيره في التحريم . و هذا التفريق مع مصادمته للنصوص القاطعة في تحريم كل مسكر ، كقول عمر رضي الله عنه : " نزل تحريم الخمر يوم نزل و هي من خمسة أشياء من العنب و التمر و العسل و الحنطة و الشعير . و الخمر ما خامر العقل " و كقوله صلى الله عليه وسلم : " كل مسكر خمر ، و كل خمر حرام " و قوله : " ما أسكر كثيره فقليله حرام " .
أقول : هذا التفريق مع مصادمته لهذه النصوص و غيرها ، فهو مخالف للقياس الصحيح و النظر الرجيح ، إن أي فرق بين تحريم القليل الذي لا يسكر من خمر العنب المسكر كثيره ، و بين تحليل القليل الذي لا يسكر من خمر الذرة المسكر ؟ ! و هل حرم القليل إلا لأنه ذريعة إلى الكثير المسكر ،
فكيف يحلل هذا و يحرم ذاك و العلة واحدة ؟ ! تالله إن هذا من الغرائب التي لا تكاد تصدق نسبتها إلى أحد من أهل العلم لولا صحة ذلك عنهم ، و أعجب منه الذي تبنى القول به هو من المشهورين بأنه من أهل القياس و الرأي ! ! قال ابن القيم في " تهذيب السنن " ( 5 / 263 ) بعد أن ساق بعض النصوص المذكورة
" فهذه النصوص الصحيحة الصريحة في دخول هذه الأشربة المتخذة من غير العنب في اسم الخمر في اللغة التي نزل بها القرآن و خوطب بها الصحابة مغنية عن التكلف في إثبات تسميتها خمرا بالقياس ، مع كثرة النزاع فيه . فإذ قد ثبت تسميتها خمرا
نصا فتناول لفظ النصوص لها كتناوله لشراب العنب سواء تناولا واحدا . فهذه طريقة منصوصة سهلة تريح من كلمة القياس في الاسم ، و القياس في الحكم .
ثم إن محض القياس الجلي يقتضي التسوية بينها ، لأن تحريم قليل شراب العنب مجمع عليه ،و إن لم يسكر ، و هذا لأن النفوس لا تقتصر على الحد الذي لا يسكر منه ، و قليله يدعو إلى كثيره . و هذا المعنى بعينه في سائر الأشربة المسكرة ، فالتفريق بينها في ذلك تفريق بين المتماثلات و هو باطل ، فلو لم يكن في المسألة إلا القياس لكان كافيا في التحريم ، فكيف و فيها ما ذكرناه من النصوص التي لا مطعن في سندها ، و لا اشتباه في معناها ، بل هي صحيحة . و بالله التوفيق " .
و أيضا فإن إباحة القليل الذي لا يسكر من الكثير الذي يسكر غير عملي ، لأنه لا يمكن معرفته إذ أن ذلك يختلف باختلاف نسبة كمية المادة المسكرة ( الكحول ) في الشراب ، فرب شراب قليل ، كمية الكحول فيه كثيرة و هو يسكر ، و رب شراب أكثر منه كمية ، الكحول فيه أقل لا يسكر و كما أن ذلك يختلف باختلاف بنية الشاربين و صحتهم ، كما هو ظاهر بين ، و حكمة الشريعة تنافي القول بإباحة مثل هذا الشراب و هي التي تقول : " دع ما يريبك إلى ما لا يريبك " ، " و من حام حول الحمى يوشك أن يقع فيه " .
و اعلم أن ورود مثل هذه الأقوال المخالفة للسنة و القياس الصحيح معا في بعض المذاهب مما يوجب على المسلم البصير في دينه ، الرحيم بنفسه أن لا يسلم قيادة عقله و تفكيره و عقيدته لغير معصوم ، مهما كان شأنه في العلم و التقوى و الصلاح بل عليه أن يأخذ من حيث أخذوا من الكتاب و السنة إن كان أهلا لذلك ، و إلا سأل المتأهلين لذلك ، و الله تعالى يقول :
( فاسألوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون ) .
و بالإضافة إلى ذلك فإنا نعتقد أن من قال بهذا القول من العلماء المشار إليهم فهو مأجور على خطئه ، للحديث المعروف ، لأنهم قصدوا الحق فأخطؤوه ، و أما من وقف من أتباعهم على هذه الاحاديث التي ذكرنا ، ثم أصر على تقليدهم على خطأهم ، و أعرض عن اتباع الأحاديث المذكورة فهو - و لا شك - على ضلال مبين ، و هو داخل في وعيد هذه الأحاديث التي خرجناها و لا يفيده شيئا تسميته لما يشرب بغير اسمه مثل الطلاء ، و النبيذ ، أو ( الويسكى ) أو ( الكونياك ) و غير ذلك من الأسماء التي أشار إليها رسول الله صلى الله عليه وسلم في هذه الأحاديث الكريمة . و صدق الله العظيم إذ يقول :
( إن هي إلا أسماء سميتموها أنتم و آبائكم ما أنزل الله بها من سلطان ) .
ثانيا : تحريم آلات العزف و الطرب ، و دلالة الحديث على ذلك من وجوه :
أ - قوله : " يستحلون " فإنه صريح بأن المذكورات و منها المعازف هي في الشرع محرمة ، فيستحلها أولئك القوم .
ب - قرن ( المعازف ) مع المقطوع حرمته : الزنا و الخمر ، و لو لم تكن محرمة ما قرنها معها إن شاء الله تعالى . و قد جاءت أحاديث كثيرة بعضها صحيح في تحريم أنواع من آلات العزف التي كانت معروفة يومئذ ، كالطبل و القنين و هو العود و غيرها ، و لم يأت ما يخالف ذلك أو يخصه ، اللهم إلا الدف في النكاح و العيد ، فإنه مباح على تفصيل مذكور في الفقه ، و قد ذكرته في ردي على ابن حزم . و لذلك اتفقت المذاهب الأربعة على تحريم آلات الطرب كلها ، و استثنى بعضهم - بالإضافة إلى ما ذكرنا - الطبل في الحرب ، و ألحق به بعض المعاصرين الموسيقى العسكرية ، و لا وجه لذلك ألبتة لأمور :
الأول : أنه تخصيص لأحاديث التحريم ، بدون مخصص ، سوى مجرد الرأي و الاستحسان ، و هو باطل .
الثاني : أن المفروض في المسلمين في حالة الحرب أن يقبلوا بقلوبهم على ربهم ،و أن يطلبوا منه نصرهم على عدوهم ، فذلك أدعى لطمأنينة نفوسهم ، و أربط لقلوبهم فاستعمال الموسيقى مما يفسد ذلك عليهم ، و يصرفهم عن ذكر ربهم ، قال تعالى :
( يا أيها الذين آمنوا إذا لقيتم فئة فاثبتوا ، و اذكروا الله كثيرا لعلكم تفلحون ) .
الثالث : أن استعمالها من عادة الكفار ( الذين لا يؤمنون بالله و لا باليوم الآخر ، و لا يحرمون ما حرم الله و رسوله ، و لا يدينون دين الحق ) فلا يجوز لنا أن نتشبه بهم ، لا سيما فيما حرمه الله تبارك و تعالى علينا تحريما عاما كالموسيقى .
و لا تغتر أيها القارئ الكريم بما قد تسمع عن بعض المشهورين اليوم من المتفقهة من القول بإباحة آلات الطرب و الموسيقى ، فإنهم - و الله - عن تقليد يفتون ،و لهوى الناس اليوم ينصرون ، و من يقلدون ؟ إنما يقلدون ابن حزم الذي أخطأ فأباح آلات الطرب و الملاهي ،
لأن حديث أبي مالك الأشعري لم يصح عنده ، و قد عرفت أنه صحيح قطعا ، و أن ابن حزم أتي من قصر باعه في علم الحديث كما سبق بيانه ، و ليت شعري ما الذي حملهم على تقليده هنا دون الأئمة الأربعة ، مع أنهم أفقه منه و أعلم و أكثر عددا و أقوى حجة ؟ ! لو كان الحامل لهم على ذلك إنما هو التحقيق العلمي فليس لأحد عليهم من سبيل ، و معنى التحقيق العلمي كما لا يخفى أن يتتبعوا الاحاديث كلها الواردة في هذا الباب و يدرسوا طرقها و رجالها ، ثم يحكموا عليها بما تستحق من صحة أو ضعف ، ثم إذا صح عندهم شيء منها درسوها من ناحية دلالتها و فقهها و عامها و خاصها ،
و ذلك كله حسبما تقتضيه قواعد علم أصول الحديث و أصول الفقه ، لو فعلوا ذلك لم يستطع أحد انتقادهم و لكانوا مأجورين ، و لكنهم - و الله - لا يصنعون شيئا من ذلك ، و لكنهم إذا عرضت لهم مسألة نظروا في أقوال العلماء فيها ، ثم أخذوا ما هو الأيسر أو الأقرب إلى تحقيق المصلحة زعموا .
دون أن ينظروا موافقة ذلك للدليل من الكتاب و السنة ، و كم شرعوا للناس - بهذه الطريقة - أمورا باسم الشريعة الإسلامية ، يبرأ الإسلام منها . فإلى الله المشتكى .فاحرص أيها المسلم على أن تعرف إسلامك من كتاب ربك ، و سنة نبيك ، و لا تقل : قال فلان ، فإن الحق لا يعرف بالرجال ، بل اعرف الحق تعرف الرجال ، و رحمة الله على من قال :
العلم قال الله قال رسوله قال الصحابة ليس بالتمويه
ما العلم نصبك للخلاف سفاهة بين الرسول و بين رأي فقيه
كلا و لا جحد الصفات و نفيها حذرا من التمثيل و التشبيه
ثالثا : أن الله عز و جل قد يعاقب بعض الفساق عقوبة دنيوية مادية ، فيمسخهم فيقلب صورهم ، و بالتالي عقولهم إلى بهيمة .. قال الحافظ في " الفتح " ( 10 / 49 ) في صدد كلامه على المسخ المذكور في الحديث : " قال ابن العربي : يحتمل الحقيقة كما وقع للأمم السالفة ، و يحتمل أن يكون كناية عن تبدل أخلاقهم . قلت : و الأول أليق بالسياق " . أقول : و لا مانع من الجمع بين القولين كما ذكرنا بل هو المتبادر من الحديثين . و الله أعلم .
و قد ذهب بعض المفسرين في العصر الحاضر إلى أن مسخ بعض اليهود قردة و خنازير لم يكن مسخا حقيقيا بدنيا ، و إنما كان مسخا خلقيا ! و هذا خلاف ظاهر الآيات و الأحاديث الواردة فيهم ، فلا تلتفت إلى قولهم فإنهم لا حجة لهم فيه إلا
الاستبعاد العقلي ، المشعر بضعف الإيمان بالغيب . نسأل الله السلامة .
رابعا : ثم قال الحافظ : " و في هذا الحديث وعيد شديد على من يتحيل في تحليل ما يحرم بتغيير اسمه ، و أن الحكم يدور مع العلة ، و العلة في تحريم الخمر الإسكار ، فمهما وجد الإسكار ،وجد التحريم ، و لو لم يستمر الاسم ، قال ابن العربي : هو أصل في أن الأحكام إنما تتعلق بمعاني الأسماء لا بألقابها ، ردا على من حمله على اللفظ " !
709- " عن عروة بن رويم عن ابن الديلمي - الذي كان يسكن بيت المقدس - أنه مكث في طلب عبد الله بن عمرو بن العاص بالمدينة ، فسأل عنه قالوا : قد سافر إلى مكة ، فاتبعه فوجده قد سار إلى الطائف ، فاتبعه ، فوجده في مزرعة يمشي مخاصرا رجلا من قريش ، و القرشي يزن بالخمر ، فلما لقيته سلمت عليه وسلم علي ،قال : ما غدا بك اليوم ، و من أين أقبلت ؟ فأخبرته ، ثم سألته : هل سمعت يا عبد الله بن عمرو رسول الله صلى الله عليه وسلم ذكر شراب الخمر بشيء . ؟ !
قال : نعم ، فانتزع القرشي يده ثم ذهب ، فقال : سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول : لا يشرب الخمر رجل من أمتي فتقبل له صلاة أربعين صباحا " . الصحيحة" 2 / 334 :
839- سمع ابن عباس يقول : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول " أتاني جبريل فقال : يا محمد إن الله عز وجل لعن الخمر و عاصرها و معتصرها و شاربها و حاملها و المحمولة إليه و بائعها و مبتاعها و ساقيها و مستقيها " . الصحيحة" 2 / 516 :
1360- " إذا شربوا الخمر فاجلدوهم ، ثم إن شربوا فاجلدوهم ، ثم إن شربوا فاجلدوهم ، ثم إن شربوا ( الرابعة ) فاقتلوهم " . الصحيحة " 3 / 347 :
و قد قيل إنه حديث منسوخ ، و لا دليل على ذلك بل هو محكم غير منسوخ كما حققه العلامة أحمد شاكر في تعليقه على
" المسند " ( 9 / 49 - 92 ) و استقصى هناك الكلام على طرقه بما لا مزيد عليه و لكنا نرى أنه من باب التعزيز ، إذا رأى الإمام قتل ، و إن لم يره لم يقتل بخلاف الجلد فإنه لابد منه في كل مرة و هو الذي اختاره الإمام ابن القيم رحمه الله تعالى .
2348 - " إن الله تعالى حرم الخمر ، فمن أدركته هذه الآية و عنده منها شيء ، فلا يشرب و لا يبع " . الصحيحة " 5 / 459 :
عن أبي سعيد الخدري قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يخطب بالمدينة قال : " يا أيها الناس إن الله تعالى يعرض بالخمر ، و لعل الله سينزل فيها أمرا ، فمن كان عنده منها شيء ، فليبعه و لينتفع به " . فما لبثنا إلا يسيرا حتى قال النبي صلى الله عليه وسلم : إن الله تعالى حرم الخمر ، فمن أدركته هذه الآية و عنده منها شيء ، فلا يشرب و لا يبع . قال : فاستقبل الناس بما كان عندهم منها في طرق المدينة فسفكوها
. ( سفكوها ) : أي : أراقوها . / 11 ) . و الظاهر أن الآية التي أشار إليها النبي صلى الله عليه وسلم هي قوله
تعالى في سورة المائدة ( 91 ) : *( إنما يريد الشيطان أن يوقع بينكم العداوة و البغضاء في الخمر و الميسر و يصدكم عن ذكر الله و عن الصلاة فهل أنتم منتهون )*
. و هو آخر آية أنزلت في تحريم الخمر كما يبدو من حديث عمر المروي .
و في الحديث فائدة هامة ، و هي الإشارة إلى أن الخمر طاهرة مع تحريمها ، و إلا لم يرقها الصحابة في طرقهم و ممراتهم و لأراقوها بعيدة عنها ، كما هو شأن النجاسات كلها ، كما يشير إلى ذلك قوله صلى الله عليه وسلم : " اتقوا اللاعنين " . قالوا : و ما اللاعنان ؟ قال : " الذي يتخلى في طريق الناس ، أو في ظلهم " . رواه مسلم و قد اختلف الناس في ذلك ، و قد قال كثير من الأئمة
المتقدمين بطهارتها ، مثل ربيعة الرأي و الليث بن سعد ، و كثير من المحدثين و غيرهم ، و قد كنت فصلت القول في ذلك في " تمام المنة في التعليق على فقه السنة " ، و قد تم طبعه و الحمد لله ، و أصبح في متناول أيدي القراء .
الكبيرة العشرون القمار
قال الله تعالى يا أيها الذين آمنوا إنما الخمر والميسر والأنصاب والأزلام رجس من عمل الشيطان فاجتنبوه لعلكم تفلحون * إنما يريد الشيطان أن يوقع بينكم العداوة والبغضاء في الخمر والميسر ويصدكم عن ذكر الله وعن الصلاة فهل أنتم منتهون
@ و الميسر هو القمار بأي نوع كان نرد أو شطرنج أو فصوص أو كعاب أو جوز أو بيض أو حصى أو غير ، و هو من أكل أموال الناس بالباطل الذي نهى الله عنه بقوله "و لا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل ، و داخل في قول النبي صلى الله عليه و سلم إن رجالاً يتخوضون في مال الله بغير حق فلهم النار يوم القيامة ،
1- و في صحيح البخاري أن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال من قال لصاحبه تعالى أقامرك فليتصدق
فإذا كان مجرد القول يوجب الكفارة أو الصدقة فما ظنك بالفعل ؟
@ فصل اختلف العلماء في النرد و الشطرنج إذا خليا عن رهن
-، اتفقوا على تحريم اللعب بالنرد 1- لما صح عن رسول الله صلى الله عليه و سلم أنه قال من لعب بالنردشير فكأنما صبغ يده في لحم الخنزير و دمه أخرجه مسلم
2- و قال صلى الله عليه و سلم من لعب بالنرد فقد عصى الله و رسوله
- و قال ابن عمر رضي الله عنه ، اللعب بالنرد قمار كالدهن بودك الخنزير
- و أما الشطرنج فأكثر العلماء على تحريم اللعب بها ، سواء كان برهن أو بغيره أما الرهن فهو قمار بلا خلاف ، و أما الكلام إذا خلا عن الرهن فهو أيضاً قمار حرام عند أكثر العلماء ، و حكي إباحته في رواية عن الشافعي إذا كان في خلوة و لم يشغل عن واجب و لا عن صلاة في وقتها
- و سئل النووي رحمه الله عن العب بالشطرنج أحرام أم جائز ؟ فأجاب رحمه الله تعالى هو حرام عند أكثر أهل العلم و سئل أيضاً رحمه الله عن لعب الشطرنج هل يجوز أم لا ، و هل يأثم اللاعب بها أم لا ؟ أجاب رحمه الله إن فوت به صلاة عن وقتها أو لعب بها على عوض فهو حرام ، و إلا فمكروه عند الشافعي ، و حرام عند غيره ، و هذا كلام النووي في فتاويه
-و الدليل على تحريمه على قول الأكثرين في قول الله تعالى حرمت عليكم الميتة و الدم و لحم الخنزير إلى قوله و أن تستقسموا بالأزلام قال سفيان و وكيع بن الجراح هي الشطرنج ، و قال علي بن أبي طالب رضي الله عنه الشطرنج ميس الأعاجم
- و مر رضي الله عنه على قوم يلعبون بها فقال ما هذه التماثيل التي أنتم لها عاكفون ؟ لأن يمس أحدكم جمراً حتى يطفى خير له من أن يمسها ثم قال و الله لغير هذا خلقتم و قال أيضاً رضي الله عنه صاحب الشطرنج أكذب الناس يقول أحدهم قتلت ، و ما قتل و مات و ما مات
- و قال أبو موسى الأشعري رضي الله تعالى عنه لا يلعب بالشطرنج إلا خاطىء
-و قيل لاسحاق بن راهوية ، أترى في اللعب بالشطرنج بأس ؟ فقال البأس كله فيه فقيل له إن أهل الثغور يلعبون بها لأجل الحرب ، فقال هو فجور و سئل محمد بن كعب القرظي عن اللعب بالشطرنج فقال أدنى ما يكون فيها أن اللاعب بها يعرض يوم القيامة أو قال يحشر يوم القيامة مع أصحاب الباطل
-و سئل ابن عمر رضي الله عنهما عن الشطرنج ، فقال هي أشر من النرد و تقدم الكلام عن تحريمه و سئل الإمام مالك بن أنس رحمه الله عن الشطرنج فقال الشطرنج من النرد بلغنا عن ابن عباس أنه ولي مالاً ليتيم فوجدها فوجدها في تركة والد اليتيم فأحرقها و لو كان اللعب بها حلالاً لما جاز له أن يحرقها لكونها مال اليتيم ، و لكن لما كان اللعب بها حراماً أحرقها فتكون من جنس الخمر إذا وجد في مال اليتيم وجبت إراقته كذلك الشطرنج و هذا مذهب حبر الأمة رضي الله عنه و قيل لإبراهيم النخعي ما تقول في اللعب بالشطرنج ؟ فقال إنها ملعونة
الكبيرة الحادية و العشرون قذف المحصنات
قال الله تعالى
إن الذين يرمون المحصنات الغافلات المؤمنات لعنوا في الدنيا والآخرة ولهم عذاب عظيم * يوم تشهد عليهم ألسنتهم وأيديهم وأرجلهم بما كانوا يعملون
و قال الله تعالى و الذين يرمون المحصنات ثم لم يأتوا بأربعة شهداء فاجلدوهم ثمانين جلدة و لا تقبلوا لهم شهادة أبداً و أولئك هم الفاسقون
-بين الله تعالى في الآية أن من قذف امرأة محصنة حرة عفيفة عن الزنا و الفاحشة إنه ملعون في الدنيا و الآخرة و له عذاب عظيم ، و عليه في الدنيا الحد ثمانون جلدة و تسقط شهادته و إن كان عدلاً
1- و في الصحيحين أن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال اجتنبوا السبع الموبقات فذكر منها قذف المحصنات الغافلات المؤمنات
-و القذف أن يقول لامرأة أجنبية حرة عفيفة مسلمة يا زانية ، أو يا باغية ، أو يا قحبة أو يقول لزوجها يا زوج القحبة ، أو يقول لولدها يا ولد الزانية أو يا ابن القحبة أو يقول لبنتها يا بنت الزانية أو يا بنت القحبة فإن القحبة عبارة عن الزانية ، فإذا قال ذلك أحد من رجل أو امرأة كمن قال لرجل يا زاني ، أو لصبي حر يا علق ، أو يا منكوح ، وجب عليه الحد ثمانون جلدة ، إلا أن يقيم بينة بذلك ، و البينة كما قال الله أربعة شهداء يشهدون على صدقه فيما قذف به تلك المرأة أو ذاك الرجل ، فإن لم يقم بينة جلد إذا طالبته بذلك التي قذفها أو إذا طالبه بذلك الذي قذفه ، و كذلك إذا قذف مملوكه أو جاريته بأن قال لمملوكه يا زاني أو لجاريته يا زانية أو يا باغية أو يا قحبة
2-، لما ثبت في الصحيحين عن رسول الله صلى الله عليه و سلم أنه قال من قذف مملوكه بالزنا أقيم عليه الحد يوم القيامة إلا أن يكون كما قال
- و كثير من الجهال واقعون في هذا الكلام الفاحش الذي عليهم فيه العقوبة في الدنيا و الآخرة و لهذا ثبت في
3-الصحيحين عن رسول الله صلى الله عليه و سلم أنه قال إن الرجل ليتكلم بالكلمة ما يتبين فيها يزل بها النار أبعد مما بين المشرق و المغرب فقال له معاذ بن جبل يا رسول الله و إنا لمؤاخذون بما نتكلم به ؟ فقال ثكلتك أمك يا معاذ و هل يكب الناس في النار على وجوههم إلا حصائد ألسنتهم ؟
- و في الحديث من كان يؤمن بالله و اليوم الآخر فليقل خيراً أو ليصمت 4
و قال الله تبارك و تعالى في كتابه العزيز ما يلفظ من قول إلا لديه رقيب عتيد
5- و قال عقبة بن عامر يا رسول الله ما النجاة ؟ قال أمسك عليك لسانك و ليسعك بيتك ، و ابك على خطيئتك ، و إن أبعد الناس إلى الله القلب القاسي
الكبيرة الثانية و العشرون الغلول من الغنيمة
و هي من بيت المال و من الزكاة قال الله تعالى
إن الله لا يحب الخائنين و قال الله تعالى و ما كان لنبي أن يغل و من يغلل يأت بما غل يوم القيامة
1-و في صحيح مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه قال قام فينا رسول الله صلى الله عليه و سلم ذات يوم فذكر الغلول فعظمه و عظم أمره ، ثم قال لا ألفين أحدكم يجيء يوم القيامة على رقبته بعير له رغاء يقول يا رسول الله أغثني ، فأقول لا أملك لك من الله شيئاً قد أبلغتك ، لا ألفين أحدكم يجيء يوم القيامة على رقبته فرس له حمحمة فيقول يا رسول الله أغثني ، فأقول لا أملك لك من الله شيئاً قد أبلغتك لا ألفين أحدكم يجيء يوم القيامة على رقبته شاة لها ثغاء يقول يا رسول الله أغثني ، فأقول لا أملك لك من الله شيئاً قد أبلغتك ، لا ألفين أحدكم يجيء يوم القيامة على رقبته نفس لها صياح ، فيقول يا رسول الله أغثني فأقول لا أملك لك من الله شيئاً قد أبلغتك لا ألفين أحدكم يجيء يوم القيامة على رقبته رقاع يخفق ، فيقول يا رسول الله أغثني ، فأقول لا أملك لك من الله شيئاً قد أبلغتك ، لا ألفين أحدكم يجيء يوم القيامة على رقبته صامت ، فيقول يا رسول الله أغثني فأقول لا أملك لك من الله شيئاً قد أبلغتك أخرج هذا الحديث مسلم
-قوله على رقبته رقاع تخفق ـ أي ثياب و قماش ، قوله على رقبته صامت ـ أي ذهب أو فضة ، فمن أخذ شيئاً من هذه الأنواع المذكورة من الغنيمة قبل أن تقسم بين الغانمين ، أو من بيت المال بغير إذن الإمام ، أو من الزكاة التي تجمع للفقراء جاء يوم القيامة حامله على رقبته ، كما ذكر الله تعالى في القرآن و من يغلل يأت بما غل يوم القيامة
2-و لقول النبي صلى الله عليه و سلم لما استعمل ابن اللتيبة على الصدقة و قدم ، و قال هذا لكم و هذا أهدي لي فصعد النبي صلى الله عليه و سلم المنبر و حمد الله و أثنى عليه إلى أن قال و الله لا يأخذ أحد منكم شيئاً بغير حقه إلا جاء يوم القيامة يحمله ، فلا أعرف رجلاً منكم لقي الله يحمل بعيراً له رغاء أو بقرة لها خوار أو شاة تيصر ، ثم رفع يده صلى الله عليه و سلم فقال اللهم هل بلغت ؟
3-و عن أبي هريرة قال خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه و سلم إلى خيبر ففتح علينا فلم نغنم ذهباً و لا ورقاً ، غنمنا المتاع ـ الطعام ـ و الثياب ، ثم انطلقنا إلى الوادي ـ يعني وادي القرى ـ و مع رسول الله صلى الله عليه و سلم عبد وهبه له رجل من بني جذام يدعى رفاعة بن يزيد من بني الضبيب ، فلما نزلنا الوادي قام عبد رسول الله صلى الله عليه و سلم يحل رحله ، فرمي بسهم فكان به حتفه ، فقلنا هنيئاً له بالشهادة يا رسول الله ، فقال رسول الله كلا و الذي نفسي بيده إن الشملة لتلتهب عليه ناراً ، أخذها من الغنائم لم تصبها المقاسم قال ففزع الناس فجاء رجل بشراك أو شراكين فقال أصبت يوم خيبر فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم شراك أو شراكان من نار متفق عليه
4- عن زيد بن خالد الجهني أن رجلاً غل في غزوة خيبر فامتنع النبي صلى الله عليه و سلم من الصلاة عليه ، و قال الإمام أحمد رحمه الله ما نعلم أن النبي صلى الله عليه و سلم امتنع من الصلاة على أحد إلا على الغال ، و قاتل نفسه
5- و جاء عن النبي صلى الله عليه و سلم أنه قال هدايا العمال غلول
6-و قد خطب النبي صلى الله عليه و سلم بمنى فقال ألا إن دماءكم و أموالكم و أعراضكم عليكم حرام كحرمة يومكم هذا في شهركم هذا في بلدكم هذا متفق عليه
7-و قال صلى الله عليه و سلم لا يقبل الله صلاة بغير طهور و لا صدقة من غلول
ومن السلسة الصحيحة للالبانى
1972- " إن هذه الوبرة من غنائمكم ، و إنه ليس لي فيها إلا نصيبي معكم ، إلا الخمس و الخمس مردود عليكم ، فأدوا الخيط و المخيط و أكبر من ذلك و أصغر و لا تغلوا ، فإن الغلول نار و عار على أصحابه فى الدنيا و الآخرة . و جاهدوا الناس في الله تبارك و تعالى القريب و البعيد ، و لا تبالوا في الله لومة لائم و أقيموا حدود الله في الحضر و السفر و جاهدوا في سبيل الله ، فإن الجهاد باب من أبواب الجنة عظيمة ، ينجي الله تبارك و تعالى به من الغم و الهم " . الصحيحة " 4 / 620 :
عن المقدام بن معدي كرب الكندي . أنه جلس مع عبادة بن الصامت و أبي الدرداء و الحارث بن معاوية الكندي ، فتذاكروا
حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال أبو الدرداء لعبادة : يا عبادة ! كلمات رسول الله صلى الله عليه وسلم في غزوة كذا و كذا في شأن الأخماس . فقال عبادة : إن رسول الله صلى الله عليه وسلم صلى بهم في غزوة إلى بعير من المقسم ، فلما سلم قام رسول الله صلى الله عليه وسلم فتناول وبرة بين أنملتيه فقال : " إن هذه من غنائمكم ... " الحديث .
1973 - " يا أيها الناس ليس لي من هذا الفيء و لا هذه ( الوبرة ) إلا الخمس ، و الخمس مردود عليكم ، فردوا الخياط و المخيط ، فإن الغلول يكون على أهله يوم القيامة عارا و نارا و شنارا " . الصحيحة " 4 / 621 :
عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده قال : شهدت رسول الله صلى الله عليه وسلم و جاءته وفود هوازن فقالوا : يا محمد إنا أهل و عشيرة ، فمن علينا من الله عليك ، فإنه قد نزل بنا من البلاء ما لا يخفى عليك ، فقال : " اختاروا بين نسائكم و أموالكم و أبنائكم " .
قالوا : خيرتنا بين أحسابنا و أموالنا ، نختار أبناءنا ، فقال : " أما ما كان لي و لبني عبد المطلب فهو لكم ، فإذا صليت الظهر فقولوا : إنا نستشفع برسول الله على المؤمنين و بالمؤمنين على رسول الله صلى الله عليه وسلم في نسائنا و أبنائنا " .
قال : ففعلوا . فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : "
أما ما كان لي و لبني عبد المطلب فهو لكم " . و قال المهاجرون : ما كان لنا فهو لرسول الله صلى الله عليه وسلم ، و قالت الأنصار مثل ذلك ، و قال عيينة بن بدر :
أما ما كان لي و لبني فزارة فلا ، و قال الأقرع بن حابس : أما أنا و بنو تميم فلا ، و قال عباس بن مرداس : أما أنا و بنو سليم فلا . فقالت الحيان : كذبت ، بل هو لرسول الله صلى الله عليه وسلم . فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " يا أيها الناس ردوا عليهم نساءهم و أبناؤهم ، فمن تمسك بشيء من الفيء فله علينا ستة فرائض من أول شيء يفيئه الله علينا " . ثم ركب راحلته و تعلق به الناس يقولون : أقسم علينا فيأنا بيننا ، حتى ألجأوه إلى سمرة فخطفت رداءه ، فقال : "
يا أيها الناس ردوا علي ردائي ، فوالله لو كان لكم بعدد شجر تهامة نعم لقسمته بينكم ، ثم لا تلقوني بخيلا و لا جبانا و لا كذوبا " . ثم دنا من بعيره فأخذ وبرة من
سنامه فجعلها بين إصبعيه ، السبابة و الوسطى ، ثم رفعها فقال : " يا أيها الناس ليس لي .. " إلخ .
الكبيرة الثالثة و العشرون السرقة
قال الله تعالى السارق و السارقة فاقطعوا أيديهما جزاءً بما كسبا نكالاً من الله و الله عزيز حكيم
-قال ابن شهاب نكل الله بالقطع في سرقة أموال الناس ، و الله عزيز في انتقامه من السارق ، حكيم فيما أوجبه من قطع يده
1-و قال صلى الله عليه و سلم لا يزني الزاني حين يزني و هو مؤمن ، و لا يسرق السارق حين يسرق و هو مؤمن ، و لكن التوبة معروضة
-و عن ابن عمر رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه و سلم قطع في مجن قيمته ثلاثة دراهم ،
- و عن عائشة رضي الله عنها قالت كان رسول الله صلى الله عليه و سلم يقطع يد السارق في ربع دينار فصاعداً و
و عن أبي هريرة رضي الله عنه قال ، قال رسول الله صلى الله عليه و سلم لعن الله السارق الذي يسرق البيضة فتقطع يده و يسرق الحبل فتقطع يده قال الأعمش كانوا يرون أنه بيض الحديد ، و الحبل كانوا يرون أن منها ما يساوي ثمنه ثلاثة دراهم
ومن السلسة الصحيحة للالبانى
السرقة
609- عن عكرمة بن خالد أن أسيد بن حضير الأنصاري - ثم أحد بني حارثة - أخبره : " أنه كان عاملا على اليمامة ، و أن مروان كتب إليه أن معاوية كتب إليه أن أيما رجل سرق منه فهو أحق بها حيث وجدها ، ثم كتب بذلك مروان إلي و كتبت إلى مروان أن النبي صلى الله عليه وسلم قضى بأنه إذا كان الذي ابتاعها ( يعني السرقة ) من الذي سرقها غير متهم يخير سيدها
،فإن شاء أخذ الذي سرق منه بثمنها و إن شاء اتبع سارقه " . ... ثم قضى بذلك أبو بكر و عمر و عثمان . فبعث مروان بكتابي إلى معاوية و كتب معاوية إلى مروان : إنك لست أنت و لا أسيد تقضيان علي ، و لكني أقضي فيما وليت عليكما ، فانفذ لما أمرتك به ، فبعث مروان بكتاب معاوية ، فقلت : لا أقضي به ما وليت بما قال معاوية " " الصحيحة" 2 / 164 :
و في الحديث فائدتان هامتان :
الأولى : أن من وجد ماله المسروق عند رجل غير متهم اشتراها من الغاصب أو السارق ، فليس له أن يأخذه إلا بالثمن و إن شاء لاحق المعتدي عند الحاكم . و أما حديث سمرة المخالف لهذا بلفظ :
" من وجد عين ماله عند رجل فهو أحق به ، و يتبع البيع من باعه " فهو حديث معلول كما بينته في التعليق على " المشكاة " ( 2949 ) فلا يصلح لمعارضة هذا الحديث الصحيح ، لاسيما و قد قضى به الخلفاء الراشدون .
و الأخرى : أن القاضي لا يجب عليه في القضاء أن يتبنى رأى الخليفة إذا ظهر له أنه مخالف للسنة ، ألا ترى إلى أسيد بن ظهير كيف امتنع عن الحكم بما أمر به معاوية و قال :
" لا أقضي ما وليت بما قال معاوية " . ففيه رد صريح على من يذهب اليوم من الأحزاب الإسلامية إلى وجوب طاعة الخليفة الصالح فيما تبناه من أحكام و لو خالف النص في وجهة نظر المأمور و زعمهم أن
العمل جرى على ذلك من المسلمين الأولين و هو زعم باطل لا سبيل لهم إلى إثباته ،كيف و هو منقوض بعشرات النصوص هذا واحد منها ، و منها مخالفة علي رضي الله عنه في متعة الحج لعثمان بن عفان في خلافته ، فلم يطعه ، بل خالفه مخالفة صريحة كما في " صحيح مسلم "
عن سعيد بن المسيب قال : "
اجتمع علي و عثمان رضي الله عنهما بعسفان ، فكان عثمان ينهى عن المتعة أو العمرة ، فقال علي : ما تريد إلى أمر فعله رسول الله صلى الله عليه وسلم تنهى عنه ؟ ! فقال عثمان : دعنا منك ! فقال : إني لا أستطيع أن أدعك . فلما أن رأى علي ذلك أهل بهما جميعا " .
الكبيرة الرابعة و العشرون قطع الطريق
قال الله تعالى إنما جزاء الذين يحاربون الله و رسوله و يسعون في الأرض فساداً أن يقتلوا أو يصلبوا أو تقطع أيديهم و أرجلهم من خلاف أو ينفوا من الأرض ذلك لهم خزي في الدنيا و لهم في الآخرة عذاب عظيم
-قال الواحدي رحمه الله معنى يحاربون الله و رسوله يعصونهما و لا يطيعونهما كل من عصاك فهو محارب لك ، و يسعون في الأرض فساداً أي بالقتل و السرقة و أخذ الأموال ، و كل من أخذ السلاح على المؤمنين فهو محارب لله و رسوله و هذا قول مالك و الأوزاعي و الشافعي قوله تعالى أن يقتلوا إلى قوله أو ينفوا من الأرض قال الوالبي عن ابن عباس رضي الله عنهما أو أدخلت للتخير و معناها الإباحة ، إن شاء الإمام قتل ، و إن شاء صلب ، و إن شاء نفى ، و هذا قول الحسن و سعيد بن المسيب و مجاهد
-و قال في رواية عطية أو ليست للإباحة ، إنما هي مرتبة للحكم باختلاف الجنايات فمن قتل و أخذ المال قتل و صلب و من أخذ المال و لم يقتل قطع ، و من سفك الدماء و كف عن الأموال قتل ، و من أخاف السبيل و لم يقتل نفي من الأرض ، و هذا مذهب الشافعي رضي الله عنه
- و قال الشافعي أيضاً يحد كل واحد بقدر فعله فمن وجب عليه القتل و الصلب قتل قبل صلبه كراهية تعذيبه و يصلب ثلاثاً ثم ينزل ، و من وجب عليه القتل دون الصلب قتل و دفع إلى أهله يدفنونه ، و من وجب عليه القطع دون القتل قطعت يده اليمنى ثم حسمت ، فإن عاد و سرق ثانية قطعت رجله اليسرى ، فإن عاد و سرق قطعت يده اليسرى ، لما روي عن النبي صلى الله عليه و سلم قال في السارق إن سرق فاقطعوا يده ، ثم إن سرق فاقطعوا رجله ، ثم إن سرق فاقطعوا يده ، ثم إن سرق فاقطعوا رجله و لأنه فعل أبو بكر و عمر رضي الله عنهما و لا مخالف لهما من الصحابة ، و وجه كونها اليسرى اتفاق من صار إلى قطع الرجل بعد اليد على أنها اليسرى و ذلك معنى قوله تعالى من خلاف
و قوله تعالى أو ينفوا من الأرض قال ابن عباس هو أن يهدر الإمام دمه فيقول من لقيه فليقتله ، هذا فيمن يقدر عليه ، فأما من قبض عليه فنفيه من الأرض الحبس و السجن ، لأنه إذا حبس و منع من التقلب في البلاد فقد نفي منها أنشد ابن قتيبة لبعض المسجونين سعراً
فلسنا من الأحياء فيها و لا الموتى خرجنا من الدنيا و نحن من أهلها
عجبنا و قلنا جاء هذا من الدنيا إذا جاءنا السجان يوماً لحاجة
قال فبمجرد قطع الطريق و إخافة السبيل قد ارتكب الكبيرة فكيف إذا أخذ المال أو جرح أو قتل ؟ فقد فعل عدة كبائر مع ما غالبهم عليه من ترك الصلاة و إنفاق ما يأخذونه في الخمر و الزنا و اللواطة و غير ذلك نسأل الله العافية من كل بلاء و محنة ، إنه جواد كريم غفور رحيم
الكبيرة الخامسة و العشرون اليمين الغموس
قال الله تعالى إن الذين يشترون بعهد الله و أيمانهم ثمناً قليلاً أولئك لا خلاق لهم في الآخرة و لا يكلمهم الله و لا ينظر إليهم يوم القيامة و لا يزكيهم و لهم عذاب أليم
قال الواحدي : نزلت في رجلين اختصما إلى النبي صلى الله عليه و سلم في ضيعة ، فهم المدعي عليه أن يحلف ، فأنزل ، فأنزل الله هذه الآية فنكل المدعي عليه عن اليمين و أقر للمدعي بحقه
1-و عن عبد الله قال قال رسول الله صلى الله عليه و سلم من حلف على يمين و هو فيها فاجر ليقتطع بها مال امرىء مسلم لقي الله تعالى و هو عليه غضبان
-فقال الأشعث في و الله نزلت ، كان بيني و بين رجل من اليهود أرض فجحدني ، فقدمته إلى النبي صلى الله عليه و سلم ، فقال ألك بينة ؟ قلت لا ، قال لليهودي احلف قلت يا رسول الله إنه إذن يحلف فيذهب بمالي فأنزل الله تعالى إن الذين يشترون بعهد الله و أيمانهم ثمناً قليلاً
أي عرضاً يسيراً من الدنيا و هو ما يحلفون عليه كاذبين أولئك لا خلاق لهم في الآخرة أي لا نصيب لهم في الآخرة و لا يكلمهم الله أي بكلام يسرهم و لا ينظر إليهم نظر اً يسرهم ، يعني نظر الرحمة و لا يزكيهم و لا يزيدهم خيراً و لا يثني عليهم
2-و عن عبد الله بن مسعود قال سمعت رسول الله صلى الله عليه و سلم يقول من حلف على مال امرىء مسلم بغير حق لقي الله و هو عليه غضبان قال عبد الله ثم قرأ علينا رسول الله صلى الله عليه و سلم تصديقه من كتاب الله إن الذين يشترون بعهد الله و أيمانهم ثمناً قليلاً إلى آخر الآية أخرجاه في الصحيحين
3- و عن أبي أمامة قال كنا عند رسول الله صلى الله عليه و سلم ، فقال من اقتطع حق امرىء مسلم بيمينه فقد أوجب الله له النار و حرم عليه الجنة ، فقال رجل و إن كان يسيراً يا رسول الله ؟ قال و إن كان قضيباً من أراك أخرجه مسلم في صحيحه
- قال حفص بن ميسرة ما أشد هذا الحديث فقال أليس في كتاب الله تعالى إن الذين يشترون بعهد الله و أيمانهم ثمناً قليلاً ؟ الآية
-4- و عن أبي ذر عن النبي صلى الله عليه و سلم قال ثلاثة لا يكلمهم الله يوم القيامة و لا يزكيهم و لهم عذاب أليم فقرأ بها رسول الله صلى الله عليه و سلم ثلاث مرات ، فقال أبو ذر خابوا و خسروا يا رسول الله من هم ؟ قال المسبل و المنان ، و المنفق سلعته بالحلف الكاذب
5- و قال رسول الله صلى الله عليه و سلم الكبائر الإشراك بالله ، عقوق الوالدين ، و قتل النفس ، و اليمين الغموس أخرجه البخاري في صحيحه
و الغموس هي التي يتعمد الكذب فيها ، سميت غموساً لأنها تغمس الحالف في الإثم ، و قيل تغمسه في النار
فصل و من ذلك الحلف بغير الله عز و جل كالنبي و الكعبة و الملائكة و السماء و الماء و الحياة و الأمانة ، و هي من أشد ما هنا ، و الروح و الرأس و حياة السلطان و نعمة السلطان و تربة فلان
1-عن ابن عمر رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه و سلم قال إن الله ينهاكم أن تحلفوا بآبائكم ، فمن حلف فليحلف بالله أو ليصمت و في رواية في الصحيح فمن كان حالفاً فلا يحلف إلا بالله أو ليسكت
2-و عن عبد الرحمن بن سمرة رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه و سلم لا تحلفوا بالطواغي و لا بآبائكم رواه مسلم
- الطواغي جمع طاغية و هي الأصنام ، و منه الحديث هذه طاغية دوس أي صنمهم و معبودهم
3- و عن بريدة رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه و سلم من حلف بالأمانة فليس منا رواه أبو داود و غيره ، و
4- و عن ابن عمر رضي الله عنهما أنه سمع رجلا يقول و الكعبة ، فقال لا تحلف بغير الله فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه و سلم يقول من حلف بغير الله فقد كفر و أشرك رواه الترمذي
- و فسر بعض العلماء قوله كفر أو أشرك على التغليظ كما روي عن النبي صلى الله عليه و سلم أنه قال الرياء شرك
الكبيرة السادسة و العشرون الظلم
بأكل أموال الناس و أخذها ظلماً و ظلم الناس و الشتم و التعدي و الإستطالة على الضعفاء
قال الله تعالى و لا تحسبن الله غافلاً عما يعمل الظالمون إنما يؤخرهم ليوم تشخص فيه الأبصار * مهطعين مقنعي رؤوسهم لا يرتد إليهم طرفهم و أفئدتهم هواء * و أنذر الناس يوم يأتيهم العذاب فيقول الذين ظلموا ربنا أخرنا إلى أجل قريب نجب دعوتك و نتبع الرسل أولم تكونوا أقسمتم من قبل ما لكم من زوال * و سكنتم في مساكن الذين ظلموا أنفسهم و تبين لكم كيف فعلنا بهم و ضربنا لكم الأمثال
و قال الله تعالى إنما السبيل على الذين يظلمون الناس
1-و قال صلى الله عليه و سلم من كانت عنده مظلمة لأخيه من عرض أو شيء فليتحلله اليوم من قبل أن لا يكون دينار و لا درهم ، إن كان له عمل صالح أخذ منه بقدر مظلمته ، فإن لم يكن له حسنات أخذ من سيئات صاحبه فحمل عليه
2-و قال صلى الله عليه و سلم عن ربه تبارك و تعالى أنه قال يا عبادي إني حرمت الظلم على نفسي و جعلته بينكم محرماً فلا تظالموا
3- و قال رسول الله صلى الله عليه و سلم أتدرون من المفلس قالوا يا رسول الله المفلس فينا من لا درهم له و لا متاع ، فقال إن المفلس من أمتي من يأتي يوم القيامة بصلاة و زكاة و صيام و حج فيأتي و قد شتم هذا ، و أخذ مال هذا ، و نبش عن عرض هذا ، و ضرب هذا ، و سفك دم هذا فيؤخذ لهذا من حسناته و هذا من حسناته فإن فنيت حسناته قبل أن يقضي ما عليه من خطاياهم فطرح عليه ثم طرح في النار
-و هذه الأحاديث كلها في الصحاح و تقدم حديث
4-إن رجالاً يتخوضون في مال الله بغير حق فلهم النار يوم القيامة
5-و تقدم قوله لمعاذ حين بعثه إلى اليمين و اتق دعوة المظلوم فإنه ليس بينها و بين الله حجاب
6- و في الصحيح من ظلم قيد شبر من الأرض طوقه من سبع أرضين يوم القيامة
و في بعض الكتب يقول الله تعالى اشتد غضبي على من ظلم من لم يجد له ناصراً غيري
و أنشد بعضهم
لا تظلمن إذا ما كنت مقتدراً فالظلم يرجع عقباه إلى الندم
تنام عيناك و المظلوم منتبه يدعو عليك و عين الله لم تنم
@ و كان بعض السلف يقول لا تظلم الضعفاء فتكون من أشرار الأقوياء ،
-و قال أبو هريرة رضي الله عنه إن الحباري لتموت في وكرها هزالاً من ظلم الظالم
- و قيل مكتوب في التوراة ينادي مناد من وراء الجسر ـ يعني الصراط ـ يا معشر الجبابرة الطغاة ،و يا معشر المترفين الأشقياء إن الله يحلف بعزته و جلاله أن لا يجاوز هذا الجسر اليوم ظالم
7- عن جابر قال لما رجعت مهاجرة الحبشة عام الفتح إلى رسول الله صلى الله عليه و سلم قال ألا تخبروني بأعجب ما رأيتم بأرض الحبشة فقال فتية كانوا منهم بلى يا رسول الله بينما نحن يوماً جلوس إذ مرت بنا عجوز من عجائزهم تحمل على رأسها قلة ماء ، فمرت بفتى منهم فجعل إحدى يديه بين كتفيها ثم دفعها فخرت المرأة على ركبتيها و انكسرت قلتها فلما قامت التفتت إليه ثم قالت سوف تعلم يا غادر إذا وضع الله الكرسي و جمع الله الأولين و الآخرين و تكلمت الأيدي و الأرجل بما كانوا يكسبون سوف تعلم من أمري و أمرك عنده غداً قال فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم صدقت كيف يقدس الله قوماً لا يؤخذ من شديدهم لضعيفهم
إذا ما الظلوم استوطأ مركبا و لج عتواً في قبيح اكتسابه
فكله إلى صرف الزمان و عدله سيبدو له ما لم يكن في حسابه
- و عن وهب بن منبه قال بني جبار من الجبابرة قصراً و شيده ، فجاءت عجوز فقيرة فبنت إلى جانبه كوخاً تأوي إليه ، فركب الجبار يوماً و طاف حول القصر ، فرأى الكوخ فقال لمن هذا فقيل لامرأة فقيرة تأوي إليه فأمر به فهدم ، فجاءت العجوز فرأته مهدوماً فقالت من هدمه فقيل الملك رآه فهدمه فرفعت العجوز رأسها إلى السماء ، و قالت يا رب إذا لم أكن أنا حاضرة فأين كنت أنت قال فأمر الله جبريل أن يقلب القصر على من كان فيه فقلبه
@و قيل لما حبس خالد بن برمك و ولده قال يا أبتي بعد العز صرنا في القيد و الحبس فقال يا بني دعوة المظلوم سرت بليل غفلنا عنها و لم يغفل الله عنها ،
-و كان يزيد بن حكيم يقول ما هبت أحداً قط هيبتي رجلاً ظلمته ، و أنا أعلم أن لا ناصر له إلا الله يقول لي حسبي الله الله بيني و بينك
-و حبس الرشيد أبا العتاهية الشاعر فكتب إليه من السجن هذين البيتين شعراً
أما و الله إن الظلم شوم و ما زال المسيء هو المظلوم
ستعلم يا ظلوم إذا التقينا غداً عند المليك من الملوم
-و عن أبي أمامة قال يجيء الظالم يوم القيامة حتى إذا كان على جسر جهنم لقيه المظلوم و عرفه ما ظلمه به ، فما يبرح الذين ظلموا بالذين ظلموا حتى ينزعوا ما بأيديهم من الحسنات ، فإن لم يجدوا لهم حسنات حملوا عليهم من سيئاتهم مثل ما ظلموهم حتى يردوا إلى الدرك الأسفل من النار
- و مما ذكر أن كسرى اتخذ مؤدباً لولده يعلمه و يؤدبه حتى إذا بلغ الولد الغاية في الفضل و الأدب استحضره المؤدب يوماً و ضربه ضرباً شديداً من غير جرم و لا سبب ، فحقد الولد على المعلم إلى أن كبر و مات أبوه فتولى الملك بعده فاستحضر المعلم و قال له ما حملك على أن ضربتني في يوم كذا و كذا ضرياً وجيعاً من غير جرم و لا سبب ، فقال المعلم اعلم أيها الملك أنك لما بلغت الغاية في الفضل و الأدب علمت أنك تنال الملك بعد أبيك ، فأردت أن أذيقك ألم الضرب و ألم الظلم حتى لا تظلم أحداً ، فقال جزاك الله خيراً ثم أمر له بجائزة و صرفه
-و من الظلم أخذ مال اليتيم ، و تقدم حديث معاذ بن جبل حين قال له رسول الله واتق دعوة المظلوم فإنه ليس بينها و بين الله حجاب
-و في رواية أن دعاء المظلوم يرفع فوق الغمام و يقول الرب تبارك و تعالى و عزتي و جلالي لأنصرنك و لو بعد حين و أنشدوا شعراً
توق دعا المظلوم إن دعاءه ليرفع فوق السحب ثم يجاب
توق دعا من ليس بين دعائه و بين إله العالمين حجاب
و لا تحسبن الله مطرحاً له و لا أنه يخفى عليه خطاب
فقد صح أن الله قال و عزتي لأنصر المظلوم و هو مثاب
فمن لك يصدق ذا الحديث فإنه جهول و إلا عقله فمصاب
فصل و من أعظم الظلم المماطلة بحق عليه مع قدرته على الوفاء
1- لما ثبت في الصحيحين أن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال مطل الغني ظلم و في رواية لي الواجد ظلم يحل عرضه و عقوبته " ، أي يحل شكايته و حبسه
فصل و من الظلم أن يظلم المرأة حقها من صداقها و نفقتها و كسوتها و هو داخل في قوله صلى الله عليه و سلم لي الواجد ظلم يحل عرضه و عقوبته
-و عن بن مسعود رضي الله عنه قال يؤخذ بيد العبد أو الأمة يوم القيامة فينادي به على رؤوس الخلائق هذا فلان ابن فلان من كان له عليه حق فليأت إلى حقه قال فتفرح المرأة أن يكون لها حق على أبيها أو أخيها أو زوجها ثم قرأ
فلا أنساب بينهم يومئذ و لا يتساءلون " قال فيغفر الله من حقه ما شاء و لا يغفر من حقوق الناس شيئاً ، فينصب العبد للناس ثم يقول الله تعالى لأصحاب الحقوق ائتوا إلى حقوقكم قال فيقول الله تعالى للملائكة خذوا من أعماله الصالحة فأعطوا كل ذي حق حقه بقدر طلبته ، فإن كان ولياً لله و فضل له مثقال ذرة ضاعفها الله تعالى له حتى يدخله الجنة بها ، و إن كان عبداً شقياً و لم يفضل له شيء فتقول الملائكة ربنا فنيت حسناته و بقي طالبوه ، فيقول الله خذوا من سيئاتهم فأضيفوها إلى سيئاته ، ثم صك له صكاً إلى النار
1- و يؤيد ذلك ما تقدم من قول النبي صلى الله عليه و سلم أتدرون من المفلس
فذكر أن المفلس من أمته من يأتي يوم القيامة بصلاة و زكاة و صيام ، و يأتي و قد شتم هذا و ضرب هذا و أخذ مال هذا ، فيؤخذ من حسناته و لهذا من حسناته ، فإن فنيت حسناته قبل أن يقضي ما عليه أخذ من خطاياهم فطرحت عليه ثم طرح في النار فصل و من الظلم أن يستأجر أجيراً أو إنساناً في عمل و لا يعطيه أجرته
1- لما ثبت في صحيح البخاري أن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال يقول الله تعالى ثلاثة أنا خصمهم يوم القيامة و من كنت خصمه خصمته رجل أعطى بي غدر ، و رجل باع حراً فأكل ثمنه ، و رجل استأجر أجيراً فاستوفى منه العمل و لم يعطه أجرته
- و كذلك إذا ظلم يهودياً أو نصرانياً أو نقصه أو كلفه فوق طاقته أو أخذ منه شيئاً بغير طيب نفسه فهو داخل في قوله تعالى أنا حجيجه ـ أو قال أنا خصمه ـ يوم القيامة
- و من ذلك أن يحلف على دين في ذمته كاذباً فاجراً
1- لما ثبت في الصحيحين أن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال من اقتطع حق امرىء مسلم بيمينه فقد أوجب الله له النار و حرم عليه الجنة قيل يا رسول الله و إن كان شيئاً يسيراً قال و إن قضيباً من أراك
-0و قد روي أنه لا أكره للعبد يوم القيامة من أن يرى من يعرفه خشية أن يطالبه بمظلمة ظلمه بها في الدنيا
1- كما قال النبي صلى الله عليه و سلم لتؤدين الحقوق إلى أهلها يوم القيامة حتى يقاد للشاة الجلحاء من الشاة القرناء
2- و قال صلى الله عليه و سلم من كانت عنده مظلمة لأخيه من عرض أو من شيء فليتحلل منه اليوم من قبل أن لا يكون دينار و لا درهم إن كان له عمل صالح أخذ منه بقدر مظلمته ، و إن لم يكن له حسنات أخذ من سيئات صاحبه فحمل عليه ثم طرح في النار
،@ و دخل طاوس اليماني على هشام بن عبد الملك فقال له اتق الله يوم الأذان ، قال هشام و ما يوم الأذان قال قال الله تعالى فأذن مؤذن بينهم أن لعنة الله على الظالمين فصعق هشام فقال طاوس هذا ذا الصفة فكيف بذل المعاينة يا راضياً باسم الظالم كم عليك من المظالم السجن جهنم ، و الحق الحاكم
في الحذر من الدخول على الظلمة و مخالطتهم و معونتهم
قال الله تعالى و لا تركنوا إلى الذين ظلموا فتمسكم النار و الركون ههنا السكون إلى الشيء و الميل إليه بالمحبة
- قال ابن عباس رضي الله عنهما لا تميلوا كل الميل في المحبة و لين الكلام و المودة
-، و قال السدي و ابن زيد لا تداهنوا الظلمة ، و قال عكرمة هو أن يطيعهم و يودهم ، و قال أبو العالية لا ترضوا بأعمالهم فتمسكم النار فيصيبكم لفحها و ما لكم من دون الله من أولياء ،
- و قال ابن عباس رضي الله عنهما ما لكم من مانع يمنعكم من عذاب الله ثم لا تنصرون لا تمنعون من عذابه ،
و قال الله تعالى احشروا الذين ظلموا و أزواجهم "
أي أشباههم و أمثالهم و أتباعهم
@ و جاء رجل خياط إلى سفيان الثوري فقال إني رجل أخيط ثياب السلطان هل أنا من أعوان الظلمة فقال سفيان بل أنت من الظلمة أنفسهم ، و لكن أعوان الظلمة من يبيع منك الإبرة و الخيوط
@ و قد روي أن الله تعالى أوحى إلى موسى عليه السلام أن مر بني اسرائيل أن لا يتلو من ذكري فإني أذكر من ذكرني ، و أن ذكري إياهم أن ألعنهم ، و في رواية فإني أذكر من ذكرني منهم باللعنة
2- و جاء عن النبي صلى الله عليه و سلم أنه قال لا يقف أحدكم في موقف يضرب فيه رجل مظلوم فإن اللعنة تنزل على من حضر ذلك المكان إذا لم يدفعوا عنه
3- و قد ثبت في الصحيحين عن رسول الله صلى الله عليه و سلم أنه قال انصر أخاك ظالماً أو مظلوماً ، فقال يا رسول الله أنصره إذا كان مظلوماً فكيف أنصره إذا كان ظالماً تمنعه من الظلم فإن ذلك نصره
ومن السلسة الصحيحة للالبانى
858- عن جابر بن عبد الله أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " اتقوا الظلم ، فإن الظلم ظلمات يوم القيامة ، و اتقوا الشح ، فإن الشح أهلك من كان قبلكم حملهم على أن سفكوا دماءهم و استحلوا محارمهم " . الصحيحة" 2 / 538 :
و طرفه الأول ورد من حديث عبد الله بن عمر مرفوعا بلفظ : " أيها الناس اتقوا الظلم ، فإنه ظلمات يوم القيامة " .
البخاري لكن عطاء كان اختلط . و له طريق أخرى عنه مختصر بلفظ : " الظلم ظلمات يوم القيامة " . أخرجه البخاري في " صحيحه " ( 3 / 113 ) و في " الأدب المفرد "
و له شاهد بتمامه دون قوله " اتقوا الظلم " من حديث عبد الله بن عمرو ابن العاص مرفوعا به و لفظه : " الظلم ظلمات يوم القيامة و إياكم و الفحش ، فإن الله لا يحب الفحش و لا التفحش و إياكم و الشح ، فإن الشح أهلك من كان قبلكم ، أمرهم بالقطيعة فقطعوا و أمرهم بالبخل فبخلو و أمرهم بالفجور ففجروا "
1020- عن ابن عباس فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم " من أعان ظالما بباطل ليدحض بباطله حقا فقد برئ من ذمة الله عز وجل و ذمة رسوله " . الصحيحة " 3 / 17 :.
2 –وقال " من أعان على خصومة بظلم ، أو يعين على ظلم ، لم يزل في سخط الله حتى ينزع " . الصحيحة " 3 / 19 :
1927- " الظلم ثلاثة ، فظلم لا يتركه الله و ظلم يغفر و ظلم لا يغفر ، فأما الظلم الذي لا يغفر ، فالشرك لا يغفره الله ، و أما الظلم الذي يغفر ، فظلم العبد فيما بينه و بين ربه ، و أما الظلم الذي لا يترك ، فظلم العباد ، فيقتص الله بعضهم من بعض " . الصحيحة " 4 / 560 :